خير الله خير الله يكتب:
لبنان وفلسطين: التحديات الوطنية بين تأثيرات حزب الله وحماس
هناك ما يجمع بين السلطة الوطنيّة الفلسطينية وحكومة تصريف الأعمال في لبنان، لكن مع وجود فارق بينهما. إنّه فارق قابل إلى أن يتّسع مع تطور الأحداث في ظلّ مأساة فلسطينية وأخرى لبنانيّة.
أقل ما يمكن قوله عن السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة المنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينيّة إنّها لم تستطع تحمّل مسؤولياتها في هذه الفترة العصيبة التي تمرّ بها قضية الشعب الفلسطيني. عجزت السلطة الوطنيّة، التي على رأسها محمود عبّاس (أبومازن)، منذ اللحظة الأولى عن أن تكون في مستوى الحدث الكبير المتمثل في “طوفان الأقصى”. كان ذلك قبل عام وبضعة أيّام عندما شنت “حماس” هجوما استهدف مستوطنات في غلاف غزّة هزّ أركان إسرائيل وجعلها تغرق في أزمة وجودية. لم تدرك السلطة الوطنيّة معنى ذلك ولم تتوقف لحظة عند ضرورة تمييز نفسها بشكل واضح عن “حماس” وعن شخص يحيى السنوار الذي لا شكّ في شجاعته كفرد قرر خوض قتال مع الإسرائيليين… من دون أفق سياسي ومن دون تحسب للنتائج التي يمكن أن تترتب على فعله.
لم تميّز السلطة الوطنية نفسها، ما فيه الكفاية، عن شخص تسبب بكارثة تتمثل في إلغاء غزة من الوجود وتهجير معظم مواطني القطاع. ذهبت منظمة التحرير إلى نعي السنوار ووصفه بـ”البطل الوطني” متجاهلة كلّيا أنّه لم يكن مؤهلا لأي دور قيادي من أي نوع في ضوء جهله بالعالم والمنطقة… وتصديقه أن “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران ستسارع إلى تطبيق نظرية “وحدة الساحات”.
أكثر من أي وقت ثمة حاجة فلسطينية إلى طاقم سياسي جديد من شخصيات على علاقة بما يدور في العالم داخل فلسطين وخارجها تعرف كيف تكون مواجهة المشروع الإسرائيلي القائم على الاحتلال
قتلت “حماس” يوم السابع من تشرين الأوّل – أكتوبر 2023 نحو 1200 إسرائيلي وأسرت نحو 250 آخرين. كان مفترضا في السلطة الوطنيّة التأكيد منذ البداية أنّ مثل هذا العمل مسيء للقضيّة الفلسطينية، خصوصا في ظلّ وجود حكومة يمينيّة برئاسة بنيامين نتنياهو على استعداد لمحو غزّة من الوجود. يحتاج مثل هذا الأمر إلى شجاعة سياسية وبعد نظر بدل الانقياد إلى الشارع والسير في ركاب الغرائز بدل التفكير في خطوات عمليّة تستهدف مواجهة المشروع اليميني الإسرائيلي الذي يرى أن الفرصة مناسبة لتصفية القضيّة الفلسطينية والانكباب على الضفّة الغربية بعد غزّة.
سقطت السلطة الوطنيّة في امتحان “طوفان الأقصى”، الذي كان يمكن أن يوفر فرصة لإعادة تأهيل نفسها، وإظهار أنّها قادرة على تحمّل مسؤولياتها وأنّ موقفها من العنف موقف مبدئي أيا كان مصدره… وأن الوجه الحقيقي للمواطن الفلسطيني هو وجه من المراهق والشاب المسالم الذي خاض “انتفاضة الحجارة” في 1987 و1988. نجحت “انتفاضة الحجارة” بفضل طابعها السلمي قبل أي شيء آخر.
في الوقت ذاته، سقطت حكومة تصريف الأعمال في لبنان بعدما اتخذت موقفا متذبذبا من القرار الإيراني القاضي بفتح جبهة جنوب لبنان. لم يمتلك رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ما يكفي من الشجاعة للقول منذ البداية، بصراحة ووضوح، إنّ لبنان الرسمي يقف موقفا مختلفا عن “حزب الله” الذي راح أمينه العام حسن نصرالله يبرّر، قبل مقتله، حرب “إسناد غزّة”. كان الطفل يعرف أن لبنان في طريقه إلى كارثة أكيدة في ضوء التبعية الكاملة لـ“حزب الله” للقرار الإيراني.
مثلما نقصت الشجاعة السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، نقصت الشجاعة نبيه برّي ونجيب ميقاتي. لكنّ، ما لا بدّ من الاعتراف به أنّ حكومة تصريف الأعمال التقطت أنفاسها بعدما تفرّغت آلة الحرب الإسرائيلية للبنان وباشرت عملية تدمير ممنهجة للبلد. اتخذ نجيب ميقاتي مواقف شجاعة في الفترة الأخيرة. الأكيد أنّه يحظى بغطاء من نبيه برّي الذي يعي تماما ماذا يعني المشروع الإسرائيلي الهادف إلى تهجير قسم من الشيعة من جنوب لبنان وتدمير قرى وبلدات شيعية في البقاع.
السلطة الوطنيّة لم تتوقف لحظة عند ضرورة تمييز نفسها بشكل واضح عن "حماس" وعن شخص يحيى السنوار الذي لا شكّ في شجاعته كفرد قرر خوض قتال مع الإسرائيليين من دون أفق سياسي
أكثر من أي وقت، ثمة حاجة فلسطينية إلى طاقم سياسي جديد على علاقة بما يدور في العالم. مثل هذا الطاقم، الذي يضمّ شخصيات، موجودة بالمئات، داخل فلسطين وخارجها، تعرف كيف تكون مواجهة المشروع الإسرائيلي القائم على الاحتلال. إنّها شخصيات تستطيع إقناع العالم بوجود مواطن فلسطيني آخر، غير ذلك الملثم الذي يحمل السلاح الذي روجت له “حماس” ومن على شاكلة “حماس” من تنظيمات ولدت من رحم تنظيم الإخوان المسلمين.
كذلك، أكثر من أي وقت ثمة حاجة لبنانيّة إلى موقف رسمي يقول إنّ لبنان ليس “حزب الله” من جهة وليس مستعمرة إيرانيّة من جهة أخرى. كانت خطوة نجيب ميقاتي، وهي خطوة تمثلت بالاعتراض على كلام محمد باقر قاليباف رئيس مجلس الشورى الإيراني (مجلس النواب)، الذي أراد التفاوض باسم لبنان في شأن تطبيق القرار 1701، خطوة في محلها. لبنان ليس “حزب الله” كما تريد إيران، وفلسطين ليست “حماس” التي خدمت مشروع اليمين الإسرائيلي منذ قيامها…
بعد ما يزيد عن سنة على “طوفان الأقصى”، تبدو المنطقة كلّها مقبلة على أحداث كبيرة، خصوصا أنّ المواجهة بين إسرائيل وإيران، وهي مواجهة سعى الطرفان إلى تجنبها طويلا، تبدو حتمية. كان لافتا إعلان طهران أنّ لا علاقة لها بقصف منزل نتنياهو في قيسارية وأن من فعل ذلك كان “حزب الله”. تريد “الجمهوريّة الإسلاميّة” أن يتحمل لبنان تبعات هذا القصف في وقت باتت هناك قناعة لدى كلّ الأحزاب الإسرائيلية بأن لا مفرّ من التعاطي بشكل جدّي مع المشروع التوسعي الإيراني بدل التلهي بمواجهة أدواته، سواء أكان ذلك في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن.
هل يدرك الفلسطينيون أخيرا أنّ “حماس” قضت على قضيتهم وأن عليهم إنقاذ ما يمكن إنقاذه منها؟ هل يدرك اللبنانيون، بمن في ذلك أهل البلد من الشيعة، أنّ “حزب الله” لم يعمل يوما سوى من أجل تدمير بلدهم وتحويل بيروت مدينة إيرانيّة مطلّة على البحر المتوسط؟