محمد جواد الميالي يكتب لـ(اليوم الثامن):

القوة بين الصراخ والتأثير

مهما تراجعت حدة الصراع في الشرق الأوسط، تعود مرة أخرى للإشتعال، وتستمر المواجهة بين إسرائيل وقوى المقاومة الشيعية في لبنان..

هذه المواجهة المستمرة تؤثر في تشكيل المشهد الجيوسياسي، في منطقة لطالما تم تصوير إسرائيل فيها كقوة عسكرية واستخباراتية هائلة، تدعي امتلاك قوة لا مثيل لها، لكن ما الذي أظهرته الأحداث الأخيرة، بين ما يدعيه الكيان وما يحدث فعلياً على الأرض؟

الكيان المحتل يتفاخر، بامتلاكه لأجهزة استخبارات متقدمة، وقدرات عسكرية ضخمة، مع شبكة واسعة من الأسلحة عالية التقنية، مع سجل طويل من الضربات والاستهدافات.. لكن على الرغم من هذه القدرات، أظهر أداؤها خلال الأحداث الأخيرة محدودية واضحة، كاشفةً مؤشرات لتصدعات بنيوية في هذا النظام، الذي كان يُعتبر غير قابل للاختراق..

من هذه المؤشرات حاجتها لإستخدام قوة تفجيرية هائلة، بعملية حملت مخاطر عالية، في محاولة اغتيال الشهيد نصر الله، فإستهدفت مبنى سكنياً بهدف اغتياله، ومع ذلك، وبالرغم من تدمير عدة مباني بواسطة ٨١ طن من المتفجرات، لم يُقتل نصر الله في الهجوم، بل استُشهد لاحقاً نتيجة مضاعفات الهجوم، وهذا الفشل في تحقيق الهدف، على الرغم من القوة النارية الهائلة، يبين عجز الكيان عن تحقيق نتائج دقيقة.

امر اخر يظهر عجزاً استخباراتيا، من خلال عدم القدرة على تأكيد استشهاد السيد صفي الدين الهاشمي، أحد الشخصيات البارزة في المقاومة الشيعية، والذي كان قد استشهد منذ سبعة عشر يوماً، لكن أجهزة المخابرات الإسرائيلية، فشلت في تأكيد هذه الوفاة المهمة لهم، على الرغم من المراقبة المستمرة والجهود الاستخباراتية البشرية، وبقي هذا الحدث الكبير غامضاً، حتى أكده حزب الله.

ثالث الإشارات المهمة تتعلق باغتيال يحيى السنوار، زعيم حركة حماس، الذي ما كان ليحدث، لولا خيانة أجهزة استخبارات دولة مجاورة، فقامت الطائرات الإسرائيلية المسيرة بالتأكد من وجوده قبل تنفيذ الهجوم.. لكن نجاح العملية لم يعتمد كفاءة الاستخبارات الإسرائيلية، بل  تحقق بتعاون خارجي، وهذا يوضح اعتماد إسرائيل على الفساد والخيانة الداخلية، بدلاً من قدراتها الخاصة.

هذه الأحداث لا تنكر إمتلاك إسرائيل قوة عسكرية قاتلة، لكن لنتساءل هل لهذه القوة العسكرية تأثير؟ 

يشير مختصون في العلاقات الدولية، إلى أن نجاح أي شكل من أشكال القوة، يعتمد على مستوى تأثيرها.. فالقوة التي بدون تأثير، هي مجرد صراخٌ في الفراغ، كما يصفها بعضهم.. وفي هذا السياق فإن العمليات العسكرية للكيان الغاصب، على الرغم من كونها مدمرة، لكنها تفشل في تحقيق أهدافها الرئيسية في حالات كثيرة، مما يقلل من تأثيرها الفعلي على الأرض.

اعتماد إسرائيل على شراء الولاءات، واستغلال الخونة في صفوف أعدائها، يكشف اعتمادها على التلاعب بدلاً من التفوق الاستخباراتي، في المقابل يبدو أن قدرات حزب الله الاستخباراتية قد عادلت نظيرتها الصهيونية، كما حصل عندما تمكن الحزب من تحديد مكان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ثم أرسل الحزب طائرة بدون طيار، والتي كان واضحاً أنها لا تهدف للقتل، بل هي رسالة رمزية، وكأنها باقة ورود تحمل رائحة البارود، وصلت إلى نافذة القاتل، مفادها أننا نستطيع قتلك متى ما نريد..

هذه الرسالة تؤكد مستوى التأثير والقدرة التي يمتلكها الحزب، وتوضح أن قوته ليست فقط عسكرية، بل نفسية واستراتيجية أيضاً، وعلى الرغم من تفوق إسرائيل في الأسلحة، فإن أفعال الحزب تُظهر أن تأثيره العميق، يتردد صداه في جميع أنحاء المنطقة، وأن التأثير أقوى من القوة.