ضياء قدور يكتب لـ(اليوم الثامن):
اقتصاد إيران بين مطرقة العقوبات وسندان الفساد وسوء الإدارة
يمر اقتصاد إيران بمرحلة حرجة، حيث يواجه تحديات هائلة مدفوعة بمزيج من الضغوط الخارجية والخلل الداخلي. وعلى الرغم من جهود النظام الإيراني لإظهار المرونة، فإن الأمة تواجه قضايا بنيوية متفاقمة تؤدي إلى تفاقم التضخم والبطالة والفقر، مما يتركها غارقة في فترة طويلة من الركود.
دور العقوبات
لقد أدت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة في المقام الأول إلى تقويض الاستقرار الاقتصادي في إيران بشكل خطير. وتركز هذه العقوبات على البرنامج النووي الإيراني وقطاع الدفاع والاقتصاد الأوسع، وتمنع التجارة الأمريكية وتجميد الأصول وتحظر المساعدات الأجنبية ومبيعات الأسلحة. وفي ظل حملة "الضغط الأقصى" التي شنتها إدارة ترامب (2018-2021)، أصبح أكثر من 90٪ من احتياطيات إيران البالغة 120 مليار دولار غير قابلة للوصول. ودمرت العقوبات الثانوية العملة الإيرانية، مما تسبب في انخفاض قيمتها بنسبة 60٪، وارتفاع تكاليف الاستيراد، وإحداث أزمة في ميزان المدفوعات. وكانت النتيجة انكماشًا اقتصاديًا حادًا، وانخفاضًا حادًا في دخل الفرد، وارتفاع معدلات الفقر. وعلى الرغم من تخفيف إدارة بايدن لتطبيق العقوبات، إلا أن العقوبات لا تزال سارية، مما يجعل الاقتصاد الإيراني يكافح من أجل التعافي.
التضخم المتفشي وارتفاع التكاليف
لقد أدت أزمة التضخم في إيران إلى تآكل القدرة الشرائية للأسر. أصبحت السلع الأساسية مثل الخبز باهظة الثمن بالنسبة للكثيرين الآن. لقد أدت القرارات الحكومية الأخيرة، مثل رفع أسعار الحليب الخام بنسبة 20٪، إلى تكثيف الضغوط على الأسر المتعثرة. كما أن ارتفاع التكاليف في القطاعات الأساسية الأخرى، بما في ذلك الثروة الحيوانية ومنتجات الألبان، يزيد من تفاقم الصعوبات.
وإضافة إلى هذه المصاعب، تظل إيران على القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF) لفشلها في معالجة مخاوف تمويل الإرهاب وغسيل الأموال. ويمنع هذا العزل المالي العالمي الوصول إلى الأنظمة المصرفية الدولية، مما يعوق أي أمل في التعافي الاقتصادي الحقيقي.
قبضة الفساد
يتخلل الفساد المنهجي كل مستوى من مستويات النظام الإيراني. ويصف المسؤولون أنفسهم الوضع بمصطلحات مثل "الفساد عبر النظام" و "عش الفساد"، مما يؤكد عمق المشكلة. ويقوض هذا الفساد المتفشي الثقة العامة والكفاءة الاقتصادية، مما يخلق حلقة من سوء الإدارة والاستغلال.
ويأتي مثال واضح من موقع جهان صنعت، الذي وصف النظام مؤخرًا بأنه محاصر في "مستنقع" من الأزمات. حذرت النشرة من أن محاولات معالجة القضايا الاقتصادية، مثل مراجعة دعم البنزين، غالبًا ما تؤدي إلى تفاقم المشاكل، وإرباك آليات التسعير وتعميق السخط العام.
الاقتصادات الظلية والتهريب
لقد أدت الأزمة الاقتصادية في إيران إلى زيادة الأنشطة غير المشروعة، بما في ذلك التهريب والربح القائم على الفساد. تلعب الصين دورًا محوريًا في التحايل على العقوبات الأمريكية، حيث يتدفق حوالي 90٪ من النفط الإيراني إلى الأسواق الصينية. تعمل أساليب مثل إعادة تسمية النفط الإيراني وتزوير طرق الناقلات على إخفاء هذه المعاملات، مما يجعل من الصعب تتبعها.
وتسلط التقارير الصادرة عن منظمات مثل المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية الضوء على كيفية استفادة بعض الكيانات المرتبطة بالنظام من العقوبات من خلال الانخراط في التلاعب بالعملة وتهريب الوقود وغيرها من الأنشطة غير المشروعة. يعد الحرس الثوري لاعباً رئيسياً، حيث يسيطر على قطاعات كبيرة من الاقتصاد الإيراني ويستفيد بشكل غير متناسب من هذه المشاريع الاقتصادية المظلمة.
البنية التحتية المعطلة وانحدار التصنيع
لقد أدت سنوات من العقوبات وسوء الإدارة إلى تدمير التصنيع والبنية التحتية في إيران. تعتمد العديد من المصانع على تقنيات عفا عليها الزمن وتكافح للحصول على مكونات أساسية، مما يجعلها غير قادرة على المنافسة دوليًا. يتأرجح قطاع الطيران، الذي يرمز إلى هذا التدهور، على حافة الانهيار، مع أساطيل قديمة والوصول المحدود إلى قطع الغيار.
أزمات الطاقة، بما في ذلك انقطاع التيار الكهربائي المزمن، تزيد من تعقيد التحديات. أرجع تقرير حديث في صحيفة هم ميهن التي تديرها الدولة هذه الأزمات إلى السياسات الخارجية المعيبة والانقسامات السياسية، محذرًا من انهيار اقتصادي كامل وشيك.
السخط العام المتزايد
لقد أدى عجز النظام الإيراني عن معالجة هذه الأزمات إلى تغذية استياء عام واسع النطاق. حذرت منافذ الدولة مثل ستاره صبح من أن السخط المجتمعي المتزايد والاحتجاجات يشكلان تهديدًا وجوديًا للنظام. مع رؤية العديد من الإيرانيين للحكومة على أنها غير متصلة وغير فعالة، فإن خطر الاحتجاجات في الشوارع يلوح في الأفق، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار النظام بشكل أكبر.
الخلاصة: نقطة تحول
يبدو أن اقتصاد إيران قد وصل إلى نقطة اللاعودة. فقد أدت سنوات من سوء الإدارة والعزلة الجيوسياسية والفساد المنهجي إلى خلق بيئة حيث أصبح البقاء، وليس النمو، هو الهدف الأساسي للنظام. وفي حين تمكن النظام الإيراني من تحمل ضغوط هائلة حتى الآن، فإن المشاكل البنيوية الأساسية لا تزال دون حل، مع استمرار التضخم والفساد والاستياء العام في التصاعد.
والسؤال الآن هو ما إذا كان النظام الإيراني قادرًا على التعامل مع هذه التحديات، أو ما إذا كانت الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد سوف تتقارب في نهاية المطاف إلى محاسبة النظام.