ضياء قدور يكتب لـ(اليوم الثامن):
تحولات إيران والمنطقة: نقطة تحول أم تصعيد مستمر؟
في يونيو/حزيران 2025، شهدت المنطقة تحولات دراماتيكية أعادت رسم قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط، حيث دخلت إيران وإسرائيل في مواجهة عسكرية مباشرة غير مسبوقة بدأت في 13 يونيو/حزيران، مع هجمات إسرائيلية استهدفت منشآت نووية وعسكرية إيرانية، تلتها ردود إيرانية بصواريخ باليستية ومسيّرات على إسرائيل. هذه الأحداث، التي تصاعدت بمشاركة أمريكية لاحقة، طرحت تساؤلات عميقة حول مستقبل المنطقة: هل نحن أمام نقطة تحول استراتيجية، أم أننا نشهد حلقة جديدة من التصعيد المستمر؟
منذ بداية الضربات الإسرائيلية، التي أطلق عليها رمزيًا "عام كلافي"، استهدفت تل أبيب قادة عسكريين بارزين في الحرس الثوري الإيراني، بينهم اللواء حسين سلامي، وعلماء نوويين مثل فريدون عباسي دواني، إلى جانب منشآت نووية رئيسية مثل نطنز وفوردو. هذه العمليات، التي شاركت فيها 200 طائرة حربية واستخدمت قنابل موجهة وذخائر خارقة للتحصينات، ألحقت أضرارًا كبيرة بنسبة تقارب 40% بمرافق نووية إيرانية، وفق تقديرات معهد الدراسات الاستراتيجية في واشنطن. في المقابل، أطلقت إيران عملية "الوعد الصادق 3"، التي شملت هجمات صاروخية على تل أبيب وحيفا، أسفرت عن مقتل 18 إسرائيليًا وإصابة مئات آخرين، مع دمار واسع في مناطق مدنية.
من وجهة نظر سورية، تبدو هذه المواجهة امتدادًا لصراع إقليمي طويل الأمد، حيث تسعى إيران لتعزيز نفوذها عبر وكلائها في المنطقة، بينما تحاول إسرائيل، بدعم أمريكي، تحجيم هذا النفوذ. لكن ما يثير القلق هو تداعيات هذا التصعيد على دول الجوار، وخاصة سوريا، التي عانت منذ عقود من التدخلات الإيرانية. إن ضعف حلفاء إيران، مثل حزب الله وحماس، بعد ضربات إسرائيلية متكررة، يضع طهران في موقف دفاعي، مما قد يدفعها لتصعيد أعمالها في سوريا لتعويض خسائرها الاستراتيجية.
دور الولايات المتحدة في هذا الصراع لا يقل إثارة للجدل. في 22 يونيو/حزيران، قصفت واشنطن ثلاث منشآت نووية إيرانية، مستخدمة قاذفات الشبح "بي-2" وقنابل خارقة للتحصينات، مما أثار انتقادات داخلية في أمريكا وقلقًا دوليًا من ارتفاع أسعار النفط بنسبة 10% بسبب مخاوف من إغلاق مضيق هرمز. تصريحات الرئيس دونالد ترامب، التي أشارت إلى استعداد إيران للتفاوض، بدت محاولة لتهدئة التوترات، لكن رفض طهران التفاوض في ظل الهجمات يعكس تعقيد المشهد.
إيران، التي تواجه عزلة دولية متزايدة وعقوبات اقتصادية أدت إلى انخفاض صادراتها النفطية إلى 700 ألف برميل يوميًا في 2024، تجد نفسها أمام خيارات محدودة. البرلمان الإيراني وافق على إغلاق مضيق هرمز، لكن نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس وصف ذلك بـ"الانتحار"، مما يشير إلى مخاطر التصعيد الاقتصادي. داخليًا، يعاني النظام الإيراني من ضغوط شعبية متزايدة، مع هجرة 5.2 مليون إيراني منذ 2015 وتضخم يتجاوز 45%، مما يجعل الاستقرار الداخلي رهانًا صعبًا.
في سوريا، يرى كثيرون أن هذه الأحداث قد تفتح الباب أمام إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية. إن تراجع النفوذ الإيراني قد يتيح لدول عربية مثل قطر وسلطنة عمان لعب دور وساطة لتهدئة التوترات، لكن ذلك يتطلب إرادة دولية لمنع انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة.
في النهاية، تبقى الأزمة الإيرانية-الإسرائيلية مرآة لتعقيدات الشرق الأوسط. إن استمرار التصعيد قد يجر المنطقة إلى مواجهة إقليمية مدمرة، بينما قد تكون الضغوط الدولية والإقليمية السبيل الوحيد لاحتواء الأزمة. من دمشق، نأمل أن تتعلم الأطراف من دروس الماضي، وتختار الحوار بدلاً من لغة الصواريخ، لأن المنطقة لم تعد تحتمل المزيد من الحروب.