هاني مسهوريكتب:
الإخوان.. بين اليوتوبيا والديستوبيا
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في سياق تاريخي معقد، حيث تتداخل فيه الأفكار والممارسات السياسية والدينية. يمكننا أن نرى في هذه الجماعة تجسيدا لفكرة اليوتوبيا، كما طرحها توماس مور، حيث يسعى أعضاؤها إلى بناء مجتمع مثالي قائم على الفضيلة والخير. لكن، في الوقت نفسه، لا يمكننا تجاهل الجانب الآخر من المعادلة، وهو الديستوبيا، التي تمثل الفساد والانحلال. إن هذه الثنائية تعكس الصراع الداخلي والخارجي الذي تعيشه الجماعة، حيث يتجلى في نظرياتها وممارساتها.
تعتبر جماعة الإخوان المسلمين مجتمعا مغلقا، حيث يعيش أعضاؤها في عالم خاص بهم، يعتقدون أنهم يمثلون الفضيلة في مواجهة الفساد الذي ينخر المجتمع الخارجي. إنهم يرون أنفسهم كحماة للقيم الإسلامية، بينما يعتبرون الآخرين “آخرين” لا يستحقون الاعتراف. هذا الانغلاق الفكري يخلق نوعا من العزلة، حيث يصبح النقد الخارجي بمثابة هجوم على وجودهم، مما يعزز من شعورهم بالاضطهاد. إن هذه النظرة الضيقة للعالم تجعلهم غير قادرين على التفاعل الإيجابي مع المجتمعات الأخرى، مما يؤدي إلى تفاقم الصراعات.
لكن، هل يمكن اعتبار هذا الانغلاق فشلا في التفاعل مع المجتمع؟ بالتأكيد، فالإخوان المسلمون لم ينجحوا في بناء جسور حقيقية مع المجتمع المدني. إن تفاعلهم مع العمل الخيري، رغم أهميته، لا يعكس انخراطا حقيقيا في قضايا المجتمع. بل يبدو وكأنه وسيلة لجذب الأتباع، حيث يتم استغلال العواطف الدينية لتحقيق أهداف سياسية. إن هذا التفاعل يبرز الأنا الجماعية على حساب الأنا المجتمعية، مما يؤدي إلى تفكيك الروابط الاجتماعية.
في هذا السياق، يمكننا الاستناد إلى أفكار فرديناند تونيز حول الصراع بين الجماعات. إن الصراع الذي تعيشه المجتمعات العربية، والذي يمتد عبر العصور، يعكس توظيف الدين لأغراض سياسية. إن الإخوان المسلمين، من خلال نظريتهم، يساهمون في تعزيز هذا الصراع، حيث يصبح الدين أداة للسيطرة بدلا من كونه وسيلة للتسامح والتعايش. إن هذا الاستخدام للدين كأداة سياسية يخلق بيئة من التوتر والصراع، مما يؤثر سلبا على استقرار المجتمعات.
إن الإخوان المسلمين، رغم ادعاءاتهم، لم يحققوا إنجازات حقيقية على الأرض. فهل هم من حافظوا على حالة التدين في المجتمعات، أم أن هذه الحالة كانت موجودة بطبيعتها؟ إن الإجابة واضحة، فالمجتمعات العربية تحمل في طياتها تاريخا طويلا من التدين، ولم يكن الإخوان سوى جزء من هذا السياق. بل إنهم، في بعض الأحيان، ساهموا في نشر أفكار التطرف، مما أدى إلى تفشي العنف والصراعات. إن هذا العنف لا يقتصر على الأفراد، بل يمتد ليشمل المجتمعات بأكملها، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار.
إن الحياة في إطار النظرية، كما أشار العديد من المفكرين، متعبة وإشكالية. فالنظريات التي تضع مصالح الجماعة فوق مصالح المجتمع تؤدي إلى تفكك الروابط الاجتماعية. إن الإخوان المسلمين، من خلال تركيزهم على الأنا الجماعية، يخلقون بيئة من التوتر والصراع، مما ينعكس سلبا على المجتمع ككل. إن هذا التركيز على الجماعة بدلا من المجتمع يعكس عدم القدرة على التكيف مع التغيرات الاجتماعية والسياسية، مما يؤدي إلى المزيد من العزلة.
في النهاية، لا يمكننا تجاهل الحاضر، فهو حاضر الجميع. إن كره الماضي أو رفضه لن يؤدي إلا إلى المزيد من الانقسام. يجب أن نتعلم من تجاربنا، وأن نعمل على بناء مجتمع يتسع للجميع، حيث يمكن لكل فرد أن يساهم في تشكيل المستقبل. إن الإخوان المسلمين، رغم تاريخهم الطويل، لم ينجزوا سوى نظريات لم تؤدّ إلى نتائج ملموسة. لذا، يجب علينا أن نتجاوز هذه النظريات، وأن نبحث عن حلول عملية تعزز من قيم التسامح والتعايش، بعيدا عن الصراعات التي لا طائل منها.
إن المجتمعات العربية في حاجة إلى إعادة تقييم العلاقة بين الدين والسياسة، بحيث يتم استخدام الدين كوسيلة لتعزيز القيم الإنسانية والاجتماعية، وليس كأداة للسيطرة أو التفريق. يجب أن نعمل على بناء ثقافة من الحوار والتفاهم، حيث يمكن للجميع أن يعبّروا عن آرائهم وأفكارهم.