سمير عادل يكتب لـ(اليوم الثامن):

مكانة المرأة معيار في تقييم سلوك النظام الجديد في سورية

لا داعي للتوهم بالأقوال، أو الانتظار طويلا دون جدوى للأفعال، فمعيار مساواة المرأة المطلقة في الحقوق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في المجتمع، هو الفيصل، لاختبار سلوك النظام السياسي الجديد في سورية وأي كان يمثله.

المرأة ليست مكون من المكونات، ولا أقلية من الأقليات، في المجتمع مثلما يتم ترديد تلك الترهات في السياق ضمنا، عندما يتحدث المسؤولون في الغرب "الديمقراطي" بتضمينها كمعيار في النظام السياسي الجديد في سورية، وذلك المعيار بالنسبة للغرب أي الصعيد الفني هو كتابة الدستور والدعوة "للديمقراطية" دون رائحة او طعم او شكل او مضمون، التي يحصرها أي الغرب بالانتخابات وأيا كان يفتح صناديق الاقتراع ومن يغلقها. ويمكن لـ "هيئة تحرير الشام" التي تعتبر، دونية المرأة، جزء من هويتها السياسية والاجتماعية، كما هو مثبت في دستورهم وأيديولوجيتهم التي تحدث عنها وزير العدل في حكومة الإنقاذ التي يقودها محمد البشير في دمشق- بإلغاء القوانين القضائية والعمل بالشريعة- نقول لا مشكلة لديها في كتابة الدستور وإجراء انتخابات على غرار الإخوان المسلمين في مصر الذين سيطروا على السلطة بدعم الولايات المتحدة الأمريكية وعبر الانتخابات لاحتواء الثورة المصرية.

ونلاحظ أنَّ الكل يردد هذه العبارة؛ "ننتظر الأفعال لا الأقوال" من هيئة تحرير الشام التي يتزعمها احمد الشرع أبو محمد الجولاني سابقا. فجميع رؤساء الحكومات الغربية ومسؤوليها رددوا تلك العبارة. إلا أنَّ معيار الأفعال بالنسبة الى العالم الغربي هو نسبي، وهنا نتحدث على الصعيد السياسي ومعيارهم هو كالآتي: عدم تهديد الحكومة الحالية لأمن دولة إسرائيل، وعدم تصدير "الإرهاب" الى دول المنطقة - في الوقت الذي لا يمكن فيه، تصدير الإرهاب دون تسجيل ماركته في احدى الشركات التابعة للمخابرات الغربية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا الولايات المتحدة الأمريكية والتركية) والحصول على رخصة منها ـ وإنَّ إجراء أي انتخابات مشروطة بوصول حكومة موالية للغرب أو على الأقل لا تتقاطع مع مصالحه، عن طريقها ، وتعمل على ترسيخ أمن استثمار وتوفير بيئة خصبة للرأسمال ودورانه بحيث تكون النظام الاقتصادي في سورية مرتبط بالاقتصاد الرأسمالي العالمي، ويتم تقسيم السلطة بين ما يسمونه المكونات والأقليات مثلما هو الحال في العراق أو في لبنان.

علينا ألا ننتظر طويلا القوى السياسية الجديدة كي تكشف عن نفسها، ولا أن ننتظر الغرب الرسمي الذي هو اكثر الأنظمة السياسية التي تتشدق بالأقوال الكاذبة حول حقوق الإنسان، لكنها تتنصل بامتياز عن الأفعال. ونذكر على سبيل المثال كيف تم تسليم مصير المرأة الى جماعة طالبان، التي لا تختلف هويتها الإيديولوجية عن هوية هيئة تحرير الشام إلا بالزي، واسدل إعلامها أي الإعلام الغربي الستار عن كل ما يحدث للمرأة تحت ظل حكومة الطالبان كي تغطي أو تطمس واحدة من جرائمها بحق الإنسانية بتسليم أفغانستان إلى جماعة هي التي صنفتها إرهابية ومعادية للنساء.

وقد يحسب بعض المحللين والمراقبين أنَّ ما نذهب إليه هو ترف فكري أو سياسي أو اجتماعي، ويعتقدون أنَّ الأولوية اليوم لحكومة شاملة تلم المعارضة السياسية بكل أطيافها وتمثل جميع القوميات والطوائف. وقد تتشكل مثل هذه الحكومة التي يشتاق لها الغرب الرسمي، وتلحق بركبها بعض دول المنطقة، من اجل التخلص من عبأ سورية ومشكلاتها وتداعياتها على الأمن في المنطقة وعلى صفاء مجتمعاته من اللاجئين، ولكن عندما تغيب مكانة المرأة كونها إنسانة من الدرجة الأولى ومثبته في الدستور والقوانين من المشهد السياسي والاجتماعي، فلا يجب الحديث عن الحريات والكرامة الإنسانية ومستقبل مشرق لسورية وأهلها.  فجماهير سورية التي هجر منها أكثر من ١٠ ملايين شخص وقتل منها مئات الآلاف، تستحق أن تنال حكومة ونظام سياسي يؤمّن لها الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية. فعلى مر العصور وفي زماننا الحالي تدفع المرأة دائما ثمنا من حياتها وأمنها وسلامتها وكرامتها وإنسانيتها للحروب والاقتتال، سواء كان داخليا أو خارجيا، وثمنا لأية تغييرات ومنعطفات سياسية، كما حدث على سبيل المثال بعد الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩ إذ اعتلى السلطة أكثر الأنظمة الفاشية المعادية للمرأة، وكذلك في التجربة الأفغانية وفي العراق واليمن وليبيا. 

إنَّ الغرب الرسمي ينظم عملية تخدير جماعية للمجتمع السوري عبر تسويق عبارته "ننتظر الأفعال وليس الأقوال" من هيئة تحرير الشام أولا. اما المسالة الثانية التي تروج لها دون أي مضمون يذكر، شأنه شان تركيا تريد "سورية الموحدة"، التي لا تختلف من حيث الشكل والمضمون عن ما أرادها نظام بشار الأسد القومي الفاشي.  إن بقاء "سورية موحدة" ويحكمها قانون واحد يجب أن يكون مشروطا بالحقوق المتساوية لجميع المواطنين السوريين بغض النظر عن الجنس والقومية والدين والطائفة والعرق، وتعريف سورية واحدة لكل قاطنيها وليست سورية بهوية قومية واحدة او لون قومي واحد، وكذلك منع استخدام المقولات المشبوهة التي تستخدمها الدوائر الغربية ــ مثل "المكونات" و"الأقليات" لتعريف البشر في سورية ــ بشكل قانوني، والتي لا تستخدمها في بلدانها. والهدف من ملء تلك المقولات في الأدبيات السياسية لمنطقتنا، هو من اجل خلق المبررات للتدخل العسكرية والسياسي والأمني ولوي عنق الأنظمة السياسية والحكومات والمجتمعات باتجاه مصالحها.

وأخيرا نكرر العبارة التي طالما ذكرناها؛ يقول علماء البيئة أينما تواجد النحل في أي مكان فيعني ذلك أنَّ نسبة التلوث تكاد تكون قليلة أو معدومة. وهذا ينطبق على مكانة ووجود المرأة، فإذا ما كانت تتمتع بالمكانة التي اعترفت بها كل المواثيق الأممية والدولية بمساواتها الكاملة، عندئذ نستطيع أن نقيم سلوك النظام السياسي كخطوة أولى يفتح مستقبل مشرق في سورية. وكل من يتحفنا بأن الظروف الحالية ليست مواتية بالتحدث حول مكانة المرأة، وان الأولوية لمسائل سياسية واقتصادية وأمنية أخرى، فلا يعني سوى التخندق مع القوى الرجعية بشكل واعي أو بشكل واهم. ان سلوك أي نظام سياسي يسير على عجلات متساوية، ولا يمكن فصل الأولويات عن بعضها، فالحريات السياسية والفردية والمساواة بين البشر وتوفير الامن والأمان والرفاهية هي وحدة واحدة، أي رزمة متكاملة.

أي بشكل اخر نعبر؛ إنَّ الضمان الرئيسي في عدم انزلاق سورية الى مستنقع نظام دكتاتوري إسلامي وحرب أهلية، يكمن بأطلاق الحريات السياسية وتشكيل دولة علمانية وغير قومية تعرف البشر فيه بهوية المواطنة وأن بكون ذلك جزء رئيس في دستورها الذي ينظم العقد الاجتماعي في المجتمع.