د. محسن محمد العريف يكتب لـ(اليوم الثامن):
الأخطاء الاستراتيجية.. من المسؤول عن تراجع المجلس الانتقالي الجنوبي؟
سأكتفي هنا بالتطرق لأبرز المحددات التي كانت منطلقا لتكوين المشكلة التي يعاني منها المجلس الانتقالي وجعله في موقف محرج وانحسار قاعدته الجماهيرية وتلاشي الثقة في مصداقية وقدرات قيادته بسبب الاخفاقات المتوالية وفشله في جميع الملفات التي كان من الممكن أن يحدث فيها تحسننا من خلال شراكته في الحكومة المشكلة بموجب اتفاق الرياض منذ اربع سنوات، مما جعل اللبس ينتاب كل مراقب للأوضاع في العاصمة عدن بالتحديد عن مدى مصداقية والتزام قيادة المجلس الانتقالي بأهداف اعلان تأسيسه، وبالتالي فأن كان هناك نوايا صادقة لغرض تصحيح مسار المجلس الانتقالي الذي انحرف عن مسارة فإن هنالك مجموعة من المسببات كانت ظاهرة ولا يمكن انكارها أو تجاوزها وسنتطرق لها وبشكل مقتضب كالآتي:
عشوائية وتخبط في تحديد الأولويات
لم يكن المجلس الانتقالي قادرا على تحديد أولويات نشاطه بما يتناسب مع الواقع والظروف التي تمر بها البلاد، أن الأولويات للملف السياسي والعسكري التي تطغى على برامج عمل المجلس الانتقالي والرئاسي على حساب الملف الخدمي والاقتصادي، رغم التصريحات المتكررة من قادة المجلس الرئاسي حول المعالجات الاقتصادية والخدمية، إلا أنها لم تتم بعد، لا سيما في العاصمة عدن، وبالتالي لا يمكن تحقيق أي مكاسب سياسية في ظل انهيار الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن وتدني مستوى الخدمات.
البعد المناطقي في التشكيلات العسكرية والامنية
ان التشكيلات العسكرية والامنية التابعة للمجلس في العاصمة عدن انحصرت على مناطق محدده، ومن الملاحظ بان هذه التشكيلات التي تأسست بعيدا عن الاسس الوطنية اصبحت تدين بالولاء لقيادتها المباشرة، ولمناطقها وسرعان ما تحول نشاطها نحو نشاط العصابات واصبحت اداة مخربة وحامية للفساد وهذه نتيجة طبيعية لمثل هذه التشكيلات المناطقية، لتصبح ابرز الاسباب التي جعلت من انحسار تأييد المجلس الانتقالي في المحافظات الشرقية وابين والعاصمة عدن، وبالتالي فقد اصبح المجلس الانتقالي في نظر ابناء تلك المحافظات التي تم اقصائها من التواجد ضمن قوائم التشكيلات العسكرية والامنية في العاصمة عدن ممثلا لتلك المناطق المنتمية لها هذه التشكيلات، ولا يمكن ان يكون حاملا للقضية الجنوبية باتساع رقعته الجغرافية .
اختلالات الجانب التنظيمي
أن قيادة المجلس الانتقالي لم تنظر لأي اعتبارات منطقية في تمثيل محافظات الجنوب في هيئة رئاسته، وهي صورة مشوهه عكست على جميع الهيئات المكونة لبنائه التنظيمي، كما أن قرارات التعيين في المجلس أو الترشيح لشغل منصب حكومي، تخضع في الغالب لاعتبارات مناطقية وجهوية، مع مراعاة الاعتبارات الشخصية ومدى ارتباط الأشخاص المعينين بالقيادات العليا في المجلس أو ذات النفوذ والسطوة، وتشكلت لجان وهيئات تابعة للمجلس، غير أن عدم قيامها بأي دور جعلها تظل هامشية وبالتالي فأن القرار يكون ارتجالي وممركز، ويبدو أن الغرض من تشكيلها استمالة بعض الشخصيات التي لم يتم استيعابها في هيئات المجلس وفروعه ودوائره المختلفة.
كما ادعت قيادة الانتقالي على أن يكون التوزيع شاملاً كل مناطق الجنوب، خاصة في هيئة الرئاسة والجمعية الوطنية، غير أن ظهور الكتل الجغرافية فيما بعد كشف استحواذها بشكل غير منطقي، وفي الطليعة كتلة الضالع كذلك وكتلة يافع، والكتلتان تتقاسمان السيطرة على المجلس ومكوناته والتشكيلات العسكرية والأمنية الموالية له، مع وجود استثناءات قليلة، كما أن هذه الممارسات التي وقعت في الفترة الماضية وسعت من تلك الاختلالات، فانحسرت شعبية الانتقالي في مناطق ومحافظات جنوبية على قدر كبير من الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية مثل محافظات أبين وشبوة وحضرموت والمهرة ومنطقة الصبيحة بالإضافة إلى مدن وحواضر مهمة مثل عدن التي تراجع حضور أبنائها في الانتقالي وتشكيلاته مؤخراً بشكل ملحوظ، ولم تكن هيكلة المجلس الانتقالي سوى مسمى لفعل اجوف لعملية توسع في الاستحواذ المناطقي على مفاصله.
المشاركة في التستر عن مصير الموارد
بالرغم من حصول المجلس الانتقالي الجنوبي على ثلاثة اعضاء في مجلس القيادة الرئاسي، بالإضافة إلى حقائب وزارية في الحكومة ومحافظين ومدراء أمن المحافظات، إلا أن تلك الحقائب الانتقالية في الحكومة لم تحقق أي مكاسب سياسية أو اقتصادية أو خدمية للمواطنين. كذلك لم يكشف رئيس اللجنة العليا للموارد اللواء عيدروس الزبيدي "عضو مجلس القيادة الرئاسي" المكلف من قبل رئيس مجلس القيادة أين تذهب الموارد العامة للدولة، وكذلك الدعم المتواصل من قبل دولتي التحالف وخاصة السعودية وهي بالمليارات التي تم توريدها للبنك المركزي، ووقود محطات الكهرباء وبرامج الأمم المتحدة وحتى اللآن لم يتم عقد أي اجتماع مع البنك المركزي ووزارة المالية وتوضيح الحقيقة وكشفها للرأي العام
السعي نحو الشراكة وتجميد عمل الأجهزة الرقابية
يلاحظ لكل مراقب للأوضاع المحلية بالعاصمة عدن ومحافظات الجنوب أن المجلس الانتقالي وقيادته سعوا بان يكونوا شركاء في الاستيلاء على موارد الدولة وعدم تفعيل أداء الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة بمهنية وشفافية، وهو ما انعكس سلباً على الأوضاع الاقتصادية والخدمية وانهيارها بشكل مخيف، فيما تفرغ قيادة المجلس الانتقالي لبناء أرصدتهم في حساباتهم الشخصية ليتضح جليا بان كل تلك الشعارات التي كانوا يرددونها ما هي إلا شعارات زائفة واستغلالهم مشاعر وعواطف الناس لمصالحهم الخاصة وتخلوا عن كل ما ادعوا بانهم وجدوا من أجله.
ومما سبق وبشكل مختصر فإن المحددات لاخفاق المجلس الانتقالي المذكورة اعلاه ليست شاملة ولكنها تكاد أن تكون الابرز للمشكلة وان تجاوز ذلك أو التغاضي عنه والبحث عن مبررات واهية لن تلامس الحقيقة والواقع، ولن يستطيع المجلس الانتقالي أن يحسن من أدائه او تغيير ملامح صورته المشوهة التي ارتسمت واصبحت جلية لا يشوبها أي ضبابية في مخيلة الشعب الجنوبي وبالتالي فالخطوة الأولى للخروج من هذا المأزق بعد استحضار الضمير قرار شجاع بالاعتراف بهذه الحقيقة وتحمل كل التبعات لها، حينها سيكون الحل سهل ويسير وفي وقت قياسي، رفعت الاقلام وجفت الصحف.