د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

برنامج التسلح والنووي الإيراني لن يمس سوى العرب

حديثٌ عن العقيدة العسكرية وضرورة إجراء تغييرات عليها لتشمل حق النظام الإيراني في امتلاك أسلحة نووية.. ثم الإعلان والاستعراض بشأن مدينة صواريخ تحت الأرض تلتها رسائل مرنة من دافوس، وحديث عن الاستعداد للتفاوض بشأن المشاريع النووية، ولا نعلم إن كان هناك أيضا استعداد للتفاوض بنفس المستوى بشأن المشاريع الصاروخية التي لا تقل أهمية عن موضوع النووي؛ فمن يهتم بالنووي لابد له أن يهتم بالصواريخ التي ستحمله، ومن هنا تأتي صفقات وقود الصواريخ المبرمة بين الصين والنظام الإيراني وأخرها كان الحديث عن أن السفينتين "جلبن" و"جيران" اللتان تحملان العلم الإيراني وتنقلان على متنهما حمولة تزن أكثر من 1000 طن من مادة بيركلورات الصوديوم التي تُستخدم في إنتاج بيركلورات الأمونيوم المكون الأساسي في وقود الصواريخ الصلب وهي نفس المادة التي فجرت وأبادت ميناء بيروت، وقد نشرته العربية نت بتاريخ 23 يناير كانون ثاني 2025.، وعلى الرغم من أن مادة بيركلورات الأمونيوم هي إحدى المواد الكيميائية الخاضعة لرقابة نظام مراقبة صادرات تكنولوجيا الصواريخ إلا النظام الإيراني يستوردها وينقلها لتعزيز ترسانته العسكرية التي ستهدد دول الجوار والمنطقة برمتها فلم تُستخدم تلك الصواريخ لإنقاذ غزة من الإبادة والتشريد والتجويع وصولا إلى تفريغ غزة من سكانها اليوم وتهجيرهم قسريا إلى مصر والأردن وهو ما أراده الصهاينة منذ عقود طوال وقد تحقق بفضل النظام الإيراني الذي قضى على محور المقاومة بيده. 

تساؤلات عديدة تراودنا بشأن أمن واستقرار بعد كل ما لحق بها من كوارث واستهتار بالقيم والقوانين والأعراف الدولية يعززه تهاون ودعم دوليين.. ماذا يُخفي النظام الإيراني وراء مناوراته الدبلوماسية بوجهيها المرن والمتجاسر؟ وهل حقا توفرت الرغبة لدى هذا النظام اليوم للتفاوض على المكشوف بشأن برنامجه النووي والصاروخي؟ 

لن تتخطى تصريحات النظام الإيراني سياسة المناورة المعتادة لكسب الوقت وفرض سياسة الأمر الواقع.. وقد مضت سنين من التفاوض على هذا المنوال والنتيجة تصريحات متبادلة لإلهاء الإعلام، وما سيحدث مجددا هو ذاته الذي حدث من قبل لكن في هذه المرة يستعد النظام لطرح مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمفاوضين الغربيين أرضاً بعدما هيأوا المواقع على الأرض للتفتيش وفق مخططهم، وأما المقاومة الإيرانية التي تتابع هذا الملف بدقة فلها كلام آخر بهذا الشأن إذ ذكرت في مؤتمر صحفي عقده المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في واشنطن يوم الجمعة 31 يناير كانون ثاني 2025 وكشفوا فيه عن معلومات وُصفت بـ"الخطيرة والموثوقة" تتعلق بالبرنامج النووي السري للنظام الإيراني مؤكدين  أن النظام الإيراني لم يتخلّ أبدًا عن طموحاته النووية، بل يعمل بسرية تامة على تطوير تقنياتٍ نوويةٍ متقدمة في انتهاكٍ واضحٍ وصريح للاتفاقيات الدولية، وقد ذكروا في المؤتمر بأن النظام يقوم بالتحايل على المجتمع الدولي لإخفاء مستجدات برنامجه النووي، وقيامه بنقل المعدات بين المواقع حيث يتم نقل أجهزة الطرد المركزي والمواد النووية بين المنشآت المختلفة كل بضعة أشهر مما يجعل من الصعب على المفتشين الدوليين تحديد الأماكن الدقيقة التي تجري فيها عمليات التخصيب، وبناء منشآت تحت الأرض:حيث يتم إنشاء مختبرات سرية على عمق كبير تحت الأرض مما يجعل من الصعب اكتشافها عبر الأقمار الصناعية أو من خلال عمليات التفتيش التقليدية، وقد برهنوا في المؤتمر على وجود مواقع سرية تحت الأرض منها ما تم تجهيزها بأحدث المعدات الخاصة بتخصيب اليورانيوم تُستخدم فيها أجهزة طرد مركزي متطورة من طراز IR-6 وIR-9، التي تتمتع بقدرة أعلى على تخصيب اليورانيوم مقارنة بالأجهزة القديمة، ومنها ما هو مركز أبحاث نووي متقدم يتم فيه اختبار وقود نووي جديد يمكن استخدامه في صنع رؤوس حربية نووية صغيرة الحجم يمكن تحميلها على صواريخ باليستية، وفي مواقع أخرى يتم فيه تطوير أنظمة التفجير الضرورية في تصنيع السلاح النووي، والعلماء العاملين في هذا الموقع على صلة وثيقة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية ما يشير إلى نية النظام في تسليح هذه الصواريخ برؤوس نووية في المستقبل.

ومن هنا نتساءل ماذا تعني عملية القبول بإخضاع بعض المواقع للتفتيش مع التشدد حول المواقع الأخرى؟ وهل للسكوت الدولي بهذا الشأن من تفسير؟ ألم يكن العراق على سبيل المثال خاضعة لعملية التفتيش والمراقبة ذاتها على الرغم عدم امتلاك العراق لأي شيء سوى أوهام تذرعوا بها لتدميره في حينها واعترفوا بذلك بعد دماره، واليوم يملك النظام الإيراني قدرات نووية هائلة وبرامج تسليح صاروخية ونووية، ووفقا لتصريحات غربية سابقة قبل أشهر خاصة من قبل رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران على أعتاب صناعة قنبلة ذرية، وأنها ماضية قدماً في رفع مستوى عمليات التخصيب وأن لديها من الوقود النووي ما يكفي لصنع 5 قنابل ذرية، وتصريحات أخرى قبل أشهر أيضا قالت أن ملالي إيران بينهم وبين صناعة القنبلة الذرية مسألة أسابيع، وآخرين وغيرهم.. ولم تتخطى تلك التصريحات ميدان التصريح والشعار الأمر الذي وفر وسيوفر الوقت الذي يحتاجه النظام الإيراني لأجل مشاريعه النووية والصاروخية؟ 

بعدما اثبتت حقبة المفاوضات الماضية أن جلوس النظام على طاولة المفاوضات لم يكن إلا مسعً للمناورة بقصد كسب الوقت ولا نستبعد أن يكون ذلك بالتنسيق مع الأطراف المفاوضة الأخرى.. أما السؤال الآخر والأهم أين نحن العرب المتضرر الأول من توجهات النظام الإيراني هذه خاصة وأننا نعلم أن كل مساعي هذا النظام هي من أجل يكون رقما في المعادلة الدولية من خلال إثبات قدرته على فرض نفوذه وغطرسته بالمنطقة..

 عادة ما نفكر كعراقيين بصوت عالٍ لأننا ندرك حجم المخاطر المحيطة بنا وبأمتنا بقدر قد يفوق غيرنا وقد دفعنا ضريبة ذلك كثيرا ولا زلنا ندفع، أما ما يتعلق ببرنامج الملالي النووي والتسليحي فنحن أيضا أكثر المتضررين سياسياً وأمنياً واقتصاديا قبل غيرنا، ونتساءل في ظل العراق الحالي الذي لا يعول على سلطته في أي مجابهة أو مسائلة مع النظام الإيراني هذا إن تناسينا أن هذه السلطة تابعة لهذا النظام هل يتطلب الأمر حراكاً إقليمياً من نوعٍ ما أم سيفرض الغرب علينا برنامج الملالي النووي كأمر واقع كما يفرضون باقي الملفات اليوم؟ وهل سنضطر للدخول في سباق تسلح يستنفذ مقدراتنا ويرضي أعدائنا...؟ وهل يوجد حلٌ أقرب وأفضل من دعم الشعب الإيراني لنيل حريته بتغيير النظام وتحقيق حُلم الديمقراطية...؟ لا نعتقد بوجودِ حلٍ أفضل وأقل كلفةٍ من ذلك... 

د. محمد الموسوي/ كاتب عراقي