د. مصطفى عبدالقادر يكتب لـ(اليوم الثامن):

لا لحكم الشعب في إيران؟

بهذا المعنى عبر الغرب عن دعمه للدكتاتورية الشاهنشاهية سابقاً دعماً مطلقاً، ونحى نفس المنحى في تعامله مع دكتاتورية الملالي التي شكلت حالة من التعفن السياسي طويل الأمد أجج استعداء شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعب الإيراني الباحث عن حريته المسلوبة، وكرامته المخطوفة منذ عقود وعقود. إن حقبة الشاهنشاهية تم فرضها من قبل الغرب لتكون راعية لمصالحه بأبعادها مرتفعة السقوف، والتي لا يحدها حد محدود، فهي تتوافق مع طموحاته الخارجة عن العرف والاعتراف دون مراعاة لأدنى درجات الشعور الإنساني المتمثل بالحس الجمعي للشعب الإيراني، وتالياً تقويض وإسكات كل ما يتعارض مع النهج الذي اختطه الغرب، وسار عليه رغم انكشاف المآرب الباعثة على نفور شعوب المنطقة من تلك السياسات البعيدة كل البعد عن المنطق السليم، والمستخفة بكل القيم البشرية المتحضرة سعياً وراء تثبيت أركان حكم الظلمة على حساب الشعوب صاحبة الحقوق المهدورة، والتي لم تجد بداً من المجابهة بكل الوسائل المتاحة لها بغية التخلص من كابوس الظلم المستفحل المتنامي يوماً بعد يوم.

إن انتفاضة الشعب الإيراني الرامية إلى إسقاط نظام الملالي، واستبداله بنظام وطني ديمقراطي لهي حراكٌ ينبثق من صلب رغبات الشعب وتطلعاته للعيش الكريم بكل دعة وسلام مع بقية شعوب العالم.. ولقد قدمت السيدة مريم رجوي الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية خطاباً هاماً في جلسة البرلمان الأوربي المنعقدة في ستراسبورغ بتاريخ ١٨/ ٦/ ٢٠٢٥ حيث عرضت حلولاً جذرية عميقة لمستقبل إيران مؤكدة على ضرورة التغيير البنيوي لتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية في إيران الغد، وأشارت إلى الأزمة العميقة متعددة الأبعاد، المفروضة من قبل النظام الديني على إيران حيث قالت ( اليوم إيران على أعتاب تحول تاريخي لأن أزمة سقوط النظام الديني قد اجتاحت كل أركان الحكم، وشعب إيران اليوم أكثر من أي وقت مضى مستمسك بالتغيير، منوهة إلى الحرب الإقليمية الأخيرة التي اندلعت في ١٣/ ٦/ ٢٠٢٥ والتي تتنافى وسياسة الاسترضاء الغربية تجاه طهران، وقد أدت إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، كما أكدت السيدة رجوي ( إن الاسترضاء هو الذي فرض الحرب، وإن الحل الحقيقي هو تغيير النظام بيد الشعب والمقاومة المنظمة ) وقد وصفت نظام الملالي بأنه غير قابل للإصلاح وأنه مصدر للإرهاب، ولم يتخل يوماً عن سعيه للحصول على السلاح النووي، وأشارت إلى ضرورة الاعتراف بالمقاومة الإيرانية قائلة ( ما أردناه دائماً هو المقاومة كما قاومتم أنتم الأوربيون الفاشية الدينية سابقاً) وتطرقت السيدة رجوي إلى أكثر من ١٣٥٠ حالة إعدام في إيران منذ أغسطس ٢٠٢٤ وهي أعلى معدل إعدام لسكان العالم قاطبة، ونوهت إلى أكثر من ٣٠٠٠ عملية احتجاجية نفذتها وحدات المقاومة خلال العام الماضي وقالت( لا توجد في العالم احتجاجات ومقاومة للتغيير بهذا الانتشار والاستمرارية كما في إيران)، وفي ختام خطابها شددت على أن الطريق الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين في إيران والمنطقة هو تغيير النظام بيد الشعب والمقاومة المنظمة، ودعت المجتمع الدولي إلى دعم هذا الحل والاعتراف بحقوق الشعب الإيراني في الحرية والديمقراطية، وأضافت ( إن الحرب التي بدأت فجر يوم الجمعة ١٣ يونيو تمثل بداية مرحلة خطيرة في وضع إيران والتحولات الإقليمية، لكن يجب أن أؤكد أن الحرب الحقيقية تلك التي بدأت قبل / ٤٤/ عاماً وتحديداً في ٢٠ يونيو ١٩٨١ وهي حرب الشعب الإيراني ومقاومته لحكم الفاشية الدينية، وحلها الوحيد هو إسقاط هذا النظام على يد الشعب والمقاومة الإيرانية) لذلك نقول -: لا لنظام الشاه، ولا لنظام الملالي لأن شعب إيران لا يقبل بأي شكل من أشكال الاستبداد، بل يريد الحرية والحرية دون سواها. لقد آن الأوان كي يبادر البرلمان الأوربي والدول الأعضاء فيه إلى الاعتراف رسمياً بنضال الشعب الإيراني، وبشرعية معركة شباب الانتفاضة الداعين للحرية ضد نظام الملالي وقواته القمعية المجردة من أي حس وطني، والآيلة إلى السقوط الحتمي الذي بات قريباً قاب قوسين أو أدنى بإذنه تعالى.

استمد المشهد السياسي في إيران تحت حكم نظام الملالي المستبد قدرته على البقاء من خلال دعم الغرب الواسع له وتمكينه في المنطقة مما سمح له ومكنه من اضطهاد الشعب الإيراني وقتل وتشريد شعوب المنطقة وهدم قدراتها الاقتصادية، وقد أعاق هذا الدعم الواسع كافة ثورات الشعب الإيراني الرامية إلى إسقاط النظام وتبديله بنظام وطني ديمقراطي وفق برنامج المواد العشر الذي تبنته المقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم رجوي، ولم يكتفي الغرب بدعم الملالي فحسب بل ذهبوا إلى العمل على تقييد المقاومة الإيرانية وأنشطتها لصالح النظام واستمراره في الحكم؟

واليوم يسعى الغرب نفسه إلى أمرين الأول تدمير الدولة الإيرانية كما دمروا العراق وسوريا وهذا أمر مرفوض تماماً، والأمر الثاني هو إعادة فرض نظام سياسي خارج إرادة الشعب كعمله على إعادة تسويق بقايا دكتاتورية الشاه المخلوع لفرض هذه البقايا الملطخة أياديها بدماء أبناء الشعب الإيراني.. 

في الوقت الذي نستنكر فيه سياسة الغرب المُهادنة نبين بأننا جميعا نرفض هذه السياسة ومساعيه لتدمير الدولة الإيرانية وإلحاق الأذى بالشعب الإيراني وبممتلكاته.. ونذكر الغرب برفضه الاعتراف بحق الشعب الإيراني في مواجهة نظام الملالي بكافة السبل المشروعة الممكنة لإسقاط الملالي، ودعم الغرب للملالي الذي استمر منذ عام 1979 حتى اليوم، وكم تغاضى هذا الغرب عن معاناة الشعب الإيراني وكم مارس نهجاً عدوانياً ضد المقاومة الإيرانية.

لا خيار سوى الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني ومقاومته ودعم مشروع برنامج المواد العشر من أجل إيران ديمقراطية حرة وغير نووية.. ولا خيار أفضل من الاستماع إلى صوت الشعب الإيراني الرافض للدكتاتورية الشاهنشاهية ودكتاتورية الملالي.

د. مصطفى عبدالقادر/ أستاذ جامعي - ألمانيا