حسن العاصي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الغائب الذي لا يغيب: قراءة في رمزية البرغوثي السياسية

في لحظة خاطفة، ظهر مروان البرغوثي علناً من زنزانته في سجن "غانوت"، بعد أكثر من عقدين من العزلة السياسية والجسدية. لم يكن ظهوره مجرد مشهد إنساني مؤلم، بل كان حدثاً سياسياً بامتياز، أعاد ترتيب أوراق السلطة الفلسطينية، وأيقظ سؤالاً مؤجلاً: من هو الوريث الحقيقي للشرعية النضالية؟

في زمن تتآكل فيه الشرعيات السياسية وتُعاد صياغة مفاهيم القيادة الوطنية، يبرز مروان البرغوثي كحالة استثنائية: سجينٌ منذ أكثر من عقدين، لكنه لا يزال حاضراً في الوعي الجمعي الفلسطيني كرمز للمقاومة، ومشروع قيادة مؤجلة. فهل يمكن للشرعية أن تُصاغ من خلف القضبان؟ وهل تمثل رمزية البرغوثي تحدياً بنيوياً لمعادلات السلطة الفلسطينية الراهنة؟

 

ظهور في مواجهة الجلاد

ظهر الأسير الفلسطيني القائد مروان البرغوثي في أول توثيق بصري له منذ أكثر من عقد من الزمن، حيث كان معزولاً في زنزانة انفرادية منذ سنوات. وفي أول ظهور علني لمروان البرغوثي في فيديو تم تصويره يوم الخميس 14 أغسطس 2025، عندما اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي "إيتمار بن غفير" زنزانته في سجن "غانوت" وتم تصويره في مشهد استعراضي، حيث قام الوزير الإسرائيلي بتهديد البرغوثي الأسير الفلسطيني الشهير والقيادي السابق في حركة فتح، الذي ظهر عجوزاً وهزيلاً وشاحب الوجه، يرتدي قميصاً داخلياً أبيض، يكاد يكون من الصعب التعرف عليه ما أثار قلقاً كبيراً على حالته الصحية. وقد هدد الوزير الإسرائيلي البرغوثي بأن "إسرائيل ستبيد كل من يعارضها". وظهر بن غفير وهو يقول للبرغوثي: "من يعبث بشعب إسرائيل، من يقتل أطفالنا، من يقتل نساءنا، سنبيده. لن تهزمنا".

أثار نشر الفيديو موجة من الإدانات، حيث وصفت السلطة الفلسطينية المشهد بأنه "إرهاب نفسي ومعنوي". فيما زوجة الأسير فدوى البرغوثي قالت: مؤسسات الأسرى حذّرت من إعدام صامت أو تصفية سياسية. وصرح "قاسم البرغوثي" نجل الأسير بأن عائلته تخشى على حياة والده الأسير، خاصة بعد هذا التسجيل الأخير.

 

من السجن إلى الساحة: ولادة الرمز

ولد مروان البرغوثي عام 1958 في قرية كوبر قرب رام الله، وانخرط في العمل السياسي مبكرًا، حيث انضم إلى حركة فتح وهو في الخامسة عشرة من عمره. اعتُقل لأول مرة وهو في سن الثامنة عشرة، ثم نُفي إلى الأردن بعد أن أصبح أحد أبرز مؤسسي "الشبيبة الفتحاوية"، الذراع الطلابية والتنظيمية للحركة خلال الانتفاضة الأولى. بعد اتفاق أوسلو، عاد إلى الأراضي الفلسطينية عام 1994، وانتُخب عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني، وأصبح من أبرز الأصوات النقدية داخل حركة فتح، خاصة تجاه الفساد والتنسيق الأمني.

اعتُقل البرغوثي عام 2002 خلال الانتفاضة الثانية، وحُكم عليه بخمس مؤبدات بتهمة "التحريض على القتل"، رغم نفيه المشاركة المباشرة في أي عمليات مسلحة. منذ ذلك الحين، يقبع في زنزانة انفرادية، لكنه لم يتوقف عن الكتابة والتأثير. رسائله من السجن، ومواقفه السياسية، ومشاركته في الإضرابات الجماعية للأسرى، جعلته أقرب إلى "ضمير وطني" يتجاوز الانقسامات الفصائلية.

لم تكن تجربة البرغوثي في السجن مجرد عقوبة جسدية، بل تحوّلت إلى منصة رمزية أعادت تعريف العلاقة بين النضال والشرعية. فالرجل الذي اعتُقل عام 2002 وحُكم عليه بخمس مؤبدات، لم يتوارَ عن المشهد السياسي، بل كتب، خاطب، ووجّه رسائل من زنزانته، جعلته أقرب إلى "ضمير وطني" يتجاوز الانقسامات الفصائلية.

رمزيته لا تنبع فقط من سجنه، بل من مسيرته الطويلة: من تأسيس "الشبيبة الفتحاوية"، إلى دوره في الانتفاضتين، وصولاً إلى مواقفه النقدية من اتفاق أوسلو. هذه المسيرة جعلته أقرب إلى وجدان الشارع الفلسطيني من كثير من القيادات المتنفذة.

 

الشرعية البديلة: بين المؤسسة والرمز

في السياق الفلسطيني، تتوزع الشرعية بين ثلاث مستويات: شرعية الثورة، شرعية المؤسسة، وشرعية الشعب. البرغوثي، وإن غُيّب جسدياً، استطاع أن يحتكر الشرعية الشعبية، في مقابل تآكل شرعية المؤسسة الرسمية. استطلاعات الرأي المتكررة تؤكد أنه المرشح الأوفر حظاً لخلافة محمود عباس، رغم وجوده في السجن. هذا التناقض يكشف عن أزمة بنيوية في النظام السياسي الفلسطيني: فالرجل الأكثر قبولاً شعبياً ممنوع من الفعل السياسي، بينما تُدار السلطة من قبل قيادات فقدت الكثير من رصيدها الجماهيري.

يقول البرغوثي في كتابه "ألف يوم في زنزانة العزل" "إن أي جنحة أو خطأ ارتكبه المناضل في حياته لا يساوي شيئاً بالمقارنة مع خيانة شعبه، وارتباطه بعدوه لخدمته وإلحاق الأذى والضرر بأبناء شعبه." هذا الاقتباس يوضح فلسفة البرغوثي الأخلاقية في فهم النضال، حيث يُعلي من قيمة الالتزام الوطني على أي حساب شخصي، مما يفسر شعبيته رغم غيابه الجسدي. البرغوثي لا يمثل فقط بديلاً سياسياً، بل يمثل نموذجاً أخلاقياً للقيادة، في زمن تتراجع فيه القيم الثورية لصالح الحسابات الفئوية والامتيازات الشخصية. رمزيته تتجاوز التنظيم، فهي نابعة من تاريخه النضالي، واستقلاليته الفكرية، وقدرته على مخاطبة مختلف الأطياف الفلسطينية بلغة جامعة.

 

الظهور الأخير: لحظة كشف سياسي

في أغسطس 2025، ظهر البرغوثي علناً لأول مرة منذ سنوات، خلال اقتحام زنزانته من قبل وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي صوّره في مشهد استفزازي أثار إدانات واسعة. بدا البرغوثي هزيلاً، شاحب الوجه، لكنه ثابت النظرة، وكأن ظهوره كان رسالة صامتة تقول: "أنا هنا، رغم كل شيء".

قالت عنه وسائل الإعلام "ما إن يتجلى البرغوثي من وراء القضبان كالضّرغام المنتصب حتى يرفع شعار النصر والحرية". هذا التصوير الرمزي للبرغوثي كـ"ضرغام منتصب" يعكس كيف تحوّل ظهوره إلى لحظة استنهاض للوعي الوطني، لا مجرد مشهد إنساني.

هذا المشهد، رغم قسوته، كان لحظة كشف سياسي: فقد أعاد البرغوثي إلى الواجهة، وأربك حسابات السلطة، وذكّر الجميع بأن الشرعية لا تُمنح، بل تُكتسب. ردود الفعل الفلسطينية تراوحت بين الاحتفاء الرمزي والتجاهل الرسمي، ما يعكس ارتباكاً في التعامل مع رمزيته: هل يُحتفى به كرمز؟ أم يُخشى من تحوّله إلى بديل؟

السلطة الفلسطينية، التي تعاني من أزمة شرعية داخلية وخارجية، لم تُصدر موقفاً واضحاً، وكأنها تخشى أن يتحول البرغوثي إلى نقطة ارتكاز جديدة في المشهد السياسي. أما الفصائل، فقد اكتفت بإدانة التصرف الإسرائيلي، دون أن تطرح البرغوثي كخيار سياسي جاد، ما يكشف عن هشاشة الرؤية الاستراتيجية لدى الجميع.

 

البرغوثي كمعادلة وطنية

ما يجعل البرغوثي حالة فريدة هو قدرته على الجمع بين المقاومة والمؤسسة، وبين فتح وحماس، وبين النضال والمصالحة. فهو الوحيد تقريباً الذي يحظى بقبول نسبي من مختلف الأطراف، ما يجعله جسراً محتملاً في مرحلة ما بعد الانقسام. لكن هذه المعادلة تصطدم بجدار السجن، وبحسابات إقليمية ودولية لا ترى فيه خياراً مريحاً. فإسرائيل تعتبره "خطاً أحمر"، والغرب يفضّل قيادات أكثر قابلية للتطويع. حتى داخل حركة فتح، هناك من يرى في البرغوثي تهديداً للتركيبة القائمة، خاصة أنه لا ينتمي إلى الدائرة الضيقة للسلطة، ولا يخضع لمنطق المحاصصة. في رسائله، دعا البرغوثي مراراً إلى مؤتمر وطني شامل، وإلى إعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديمقراطية، وإلى إنهاء التنسيق الأمني، دون أن ينزلق إلى خطاب شعبوي أو إقصائي.

"على المناضل أن يتعامل باستهتار وسخرية مع كل هذه التهديدات، فكل شيء يمكن التسامح معه مهما كان، إلا التورط في التعامل مع العدو." — مروان البرغوثي، ألف يوم في زنزانة العزل

هذا الموقف يوضح كيف يضع البرغوثي خطًا أخلاقيًا واضحًا بين النضال الحقيقي والانتهازية السياسية، مما يعزز رمزيته كقائد مبدئي.

 

 

رمزية تتجاوز الجغرافيا

رمزية البرغوثي لا تقتصر على الداخل الفلسطيني، بل تمتد إلى العالم العربي، حيث يُنظر إليه كامتداد لرموز مثل نيلسون مانديلا، أو أحمد بن بلة، أو حتى مهاتير محمد في تجربته الإصلاحية. في زمن تراجعت فيه القضية الفلسطينية عن أولويات الأنظمة، يظل البرغوثي تذكيراً بأن النضال لم ينتهِ، وأن القيادة لا تُقاس بالموقع، بل بالقدرة على تمثيل وجدان الناس.

قال عنه أرييل شارون "يؤسفني إلقاء القبض عليه حيّاً، كنت أُفضّل أن يكون رماداً في جرّة."  هذا يكشف عن مدى التهديد الرمزي الذي يمثله البرغوثي للمنظومة الإسرائيلية، حتى أكثر من التهديد العسكري.

كتابه "ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي" ليس مجرد سرد ذاتي، بل هو وثيقة سياسية وفكرية، تعكس وعياً عميقاً بالمرحلة، وتطرح أسئلة جوهرية حول معنى الحرية، والهوية، والمقاومة. هذا النص، إلى جانب رسائله الأخرى، يُدرّس اليوم في بعض الجامعات كمادة تحليلية في العلوم السياسية.

 

الشرعية المؤجلة

مروان البرغوثي ليس مجرد سجين سياسي، بل هو رمز لشرعية مؤجلة، تنتظر لحظة انفراج تاريخي. ظهوره الأخير لم يكن مجرد مشهد إنساني، بل كان تذكيراً بأن القيادة لا تُقاس بالموقع، بل بالقدرة على تمثيل وجدان الناس. وفي زمن الانقسام والتآكل، يظل البرغوثي شاهداً على أزمة القيادة الفلسطينية، واحتمالاً لم يُحسم بعد.

إن قراءة رمزية البرغوثي ليست ترفاً فكرياً، بل ضرورة سياسية، لفهم كيف يمكن للشرعية أن تُعاد صياغتها من الهامش، وكيف يمكن للسجن أن يتحول إلى منبر، وللصمت أن يصبح خطاباً. وبين من يسعى لتوريث السلطة، ومن يُحاصر في زنزانة، يظل البرغوثي أقرب إلى نبض الناس، وأبعد ما يكون عن حسابات السلطة.

 

البرغوثي بين الأسطورة والواقع

منذ اعتقاله عام 2002، تحوّل البرغوثي إلى رمز مركزي للمقاومة الفلسطينية، ليس فقط بسبب سجنه، بل بسبب قدرته على البقاء فاعلاً سياسياً رغم العزلة. كتاباته، رسائله، ومواقفه من داخل الزنزانة، جعلته أشبه بضمير وطني يتجاوز الانقسامات الفصائلية.

لكن هذه الرمزية لم تكن دائماً محل إجماع. فداخل حركة فتح، ظل البرغوثي يمثل تياراً شعبياً متمرداً على البيروقراطية السياسية، وخصماً ضمنياً لنهج التنسيق الأمني والتفاوض العبثي. وفي أوساط السلطة، يُنظر إليه كورقة خطرة قد تعيد تشكيل المشهد خارج السيطرة.

 

ظهور البرغوثي: لحظة سياسية أم استفزاز أمني؟

عندما اقتحم إيتمار بن غفير زنزانة البرغوثي وصوّره، لم يكن الهدف فقط إذلاله، بل إعادة تعريف العدو في الوعي الإسرائيلي: ليس من يحمل السلاح، بل من يحمل الشرعية الشعبية. هذا المشهد، رغم قسوته، أعاد البرغوثي إلى الواجهة، وأحيا رمزيته في الشارع الفلسطيني.

ردود الفعل الفلسطينية، من السلطة إلى الفصائل، كشفت عن ارتباك سياسي: هل يُحتفى بالبرغوثي كرمز؟ أم يُخشى من تحوّله إلى بديل؟ فبين التصريحات العاطفية والتجاهل الرسمي، بدا أن ظهوره أربك معادلة الوراثة السياسية داخل فتح، وأعاد طرح السؤال: من يملك الشرعية الأخلاقية لقيادة المرحلة القادمة؟

البرغوثي كمعادلة بديلة

في ظل تراجع شعبية السلطة، وانسداد أفق التسوية، يبرز البرغوثي كـ "معادلة بديلة" تجمع بين النضال والمصالحة. فهو الوحيد تقريبًا الذي يحظى بقبول نسبي من فتح وحماس، ويمثل جسرًا محتملًا بين المقاومة والمؤسسات.

لكن هذه المعادلة تصطدم بجدار السجن، وبحسابات إقليمية ودولية لا ترى في البرغوثي خيارًا مريحًا. فإسرائيل تعتبره "خطًا أحمر"، والغرب يفضّل "قيادات قابلة للتطويع". وهنا تكمن المفارقة: كلما تعاظمت رمزيته، تعمّقت عزلته.

أهداف نشر الفيديو من الجانب الإسرائيلي

نشر الفيديو الذي ظهر فيه وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير وهو يهدد مروان البرغوثي داخل زنزانته لم يكن مجرد استفزاز فردي، بل يحمل أهدافاً سياسية وأمنية متعددة في السياق الإسرائيلي والفلسطيني.

 ـ إضعاف الرمزية السياسية للبرغوثي

يُعتبر مروان البرغوثي رمزاً وطنياً فلسطينياً يحظى بشعبية واسعة، حتى من داخل السجن. وتصويره في حالة ضعف جسدي وهزال، مع تهديد مباشر، يهدف إلى كسر صورته البطولية أمام جمهوره الفلسطيني والعربي. فقد قال بن غفير في الفيديو: "لن تنتصروا علينا، من يمس شعب إسرائيل سنمحوه."

ـ رسالة ردع للفلسطينيين

الفيديو يحمل رسالة موجهة إلى الأسرى والفصائل الفلسطينية بأن القيادات التاريخية ليست بمنأى عن الإهانة أو التصفية. يُستخدم كأداة نفسية في الحرب المعنوية، خاصة في ظل تصاعد التوتر في الضفة وغزة.

 ـ تعزيز شعبية بن غفير داخلياً

يسعى بن غفير لترسيخ صورته كـ "رجل الأمن القوي" أمام الجمهور الإسرائيلي اليميني. واقتحام زنزانة البرغوثي ونشر الفيديو يُعد استعراضاً سياسياً يخدم طموحاته داخل الحكومة الإسرائيلية.

ردود الفعل الفلسطينية تكشف الأثر العكسي

السلطة الفلسطينية وصفت المشهد بأنه "إرهاب دولة منظم" و"قمة الإرهاب النفسي والمعنوي والجسدي". وقالت زوجته فدوى البرغوثي قالت إنها لم تتعرف على ملامحه، مما أثار موجة تعاطف واسعة. وطالت مؤسسات الأسرى بتدخل دولي لحماية البرغوثي، معتبرة أن الفيديو قد يُمهّد لـ "إعدام صامت".

رغم أن الهدف كان تقويض رمزية البرغوثي، إلا أن النتيجة كانت عكسية. فقد أعاد الفيديو البرغوثي إلى الواجهة السياسية والإعلامية. أثار نقاشاً واسعاً حول شرعية القيادة الفلسطينية، وطرح اسمه مجددًا كرمز بديل.

البرغوثي كمرآة للضعف الإسرائيلي

لم يكن اقتحام الزنزانة فعلًا أمنياً، بل كان استعراضاً سياسياً يخدم طموحات بن غفير داخل اليمين الإسرائيلي. فالرجل الذي يسعى لترسيخ صورته كـ "رجل الأمن القوي"، اختار أن يواجه جسداً ضعيفاً في زنزانة، لا جيشًا ولا مقاومة. وهذا يكشف عن هشاشة القوة حين تُستخدم ضد الرموز، لا ضد الوقائع.

في المقابل، فإن اختيار البرغوثي تحديداً يعكس إدراكاً إسرائيلياً بأن الشرعية الفلسطينية الحقيقية لا تزال كامنة في رموز مثل البرغوثي، لا في القيادات الرسمية التي فقدت الكثير من رصيدها الشعبي.

الظهور النادر للبرغوثي يعيد طرح سؤال مؤجل: من يملك الشرعية لقيادة المرحلة القادمة؟ في ظل انسداد الأفق السياسي، وتآكل الثقة الشعبية، يبرز البرغوثي كمعادلة وطنية بديلة، تجمع بين النضال والمصالحة، وبين فتح وحماس، وبين المقاومة والمؤسسة.

لكن هذه المعادلة تصطدم بجدار السجن، وبحسابات إقليمية ودولية لا ترى فيه خياراً مريحاً. فإسرائيل تعتبره "خطًا أحمر"، والغرب يفضّل قيادات أكثر قابلية للتطويع. حتى داخل حركة فتح، هناك من يرى في البرغوثي تهديداً لتركيبة السلطة القائمة.

إن الفيديو الذي أراد أن يُضعف البرغوثي، أعاد إحياءه. والتهديد الذي أراد أن يُسكت صوته، أعاد فتح النقاش حول شرعية القيادة الفلسطينية. وبين من يسعى لتوريث السلطة، ومن يُحاصر في زنزانة، يظل البرغوثي أقرب إلى نبض الناس، وأبعد ما يكون عن حسابات السلطة.

تلخيص الوثائقي: حياة مروان البرغوثي

من أبرز الوثائقيات التي تناولت سيرته:

  • "سيادة الأسير" من الشرق الوثائقية: يعرض شهادات من عائلته وخبراء فلسطينيين وإسرائيليين، ويعيد تقديم شخصيته من الطفولة حتى قيادته السياسية.
  • "من الطفولة إلى ساحات النضال" من قناة العربية: يوثق مسيرته من قرية كوبر إلى تأسيس "الشبيبة الفتحاوية"، ثم نفيه إلى الأردن، وعودته بعد اتفاق أوسلو.
  • تقرير قناة الغد عن تهديد بن غفير: يوثق لحظة ظهوره العلني النادرة في زنزانته، ويكشف عن حالته الصحية والرمزية المتجددة.

محطات رئيسية:

  • 1958:  ولد البرغوثي في قرية كوبر قرب رام الله.
  •  1973: انضم لحركة فتح وهو في سن 15 عاماً.
  •  1987: أسس "الشبيبة الفتحاوية" خلال الانتفاضة الأولى.
  •  1994: عاد من المنفى بعد اتفاق أوسلو.
  •  2002: اعتقلته إسرائيل وحُكم عليه بخمس مؤبدات.
  •  2025: ظهر علناً لأول مرة منذ سنوات، في مشهد أثار ضجة سياسية.

تحليل رمزيته السياسية في السياق الفلسطيني المعاصر

رمز المقاومة والكرامة الوطنية

يُلقب بـ"مانديلا فلسطين"، نظرًا لصموده الطويل خلف القضبان. يمثل الوجه الشعبي للمقاومة، بعيدًا عن الامتيازات السياسية أو الفصائلية. كتابه "ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي" أصبح مرجعًا نضالياً وفكرياً.

جسر بين الفصائل الفلسطينية

رغم انتمائه لحركة فتح، يحظى بتقدير واسع من حماس والفصائل الأخرى. دعا مراراً إلى مؤتمر وطني شامل لإنهاء الانقسام، مؤكداً على الشراكة لا الإقصاء.

شعبية غير متراجعة

استطلاعات الرأي تشير إلى أنه المرشح الأبرز لخلافة محمود عباس. يحظى بدعم شعبي واسع، خاصة بين الشباب والطبقات الفقيرة.

رمزية تتجاوز السجن. وجوده في السجن لم يمنع تأثيره السياسي، بل عزّز من رمزيته كالغائب الحاضر.