د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):
إيران.. دماء الشهداء وحكم السماء
الدين يعلن براءته من وحشية نظام الملالي.. دينٌ يعلو بالإنسان وسلطةٌ تهوي بالوطن
حين يُرفع الدين رايةً للعدل والرحمة، ويتحول في يد الطغاة إلى سيفٍ مسلول على رقاب الأبرياء.. عندها نُدرك أن الهوة ليست بين نصوص السماء وشعب الأرض بل بين الدين الحق والسلطة التي تتخفّى خلفه؛ لم يعرف الإيرانيون منذ عقود إلا سلطة جعلت من القداسة عباءةً تُخفي بها جرح الوطن، ومن الشعارات الدينية سلّمًا ترتقي به نحو التوحش.. بينما القرآن ذاته يلعن الظلم ويقف مع المظلوم، ويحذّر الظالمين بقوله تعالى:
﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾.
جعل نظام الملالي من الدين واجهة باهتة يحجب بها مشانق تدور بلا انقطاع، وزنزانات تُدفن فيها الأصوات، ودماء أشرف أبناء الوطن تُسفك بدم بارد.. وبينما يُرفع شعار "الحرّمات الدينية"، كان أعظم الحرمات حرمة الدم تُنتهك صباحًا ومساءً.
حين يختنق الوطن بقبضة طغمة لا ترى إلا نفسها
إن ما يميز نظام الملالي ليس فقط قمعه الوحشي بل تعميده هذا القمع بالفتوى، وكأن الدين كُتب ليكون سيفًا في يد فئة لا تؤمن إلا بالسيطرة.. ومن هنا يتحوّل الشعب إلى رهينة، والشباب إلى هدف، وكل صوت حر إلى "عدو"ّ.
هذا النظام لا يقتل ليُسكت بل يقتل ليحكم؛ وليقول للشعب: "لا تنسوا أننا فوق القانون". لكنه ينسى أن فوقهم جميعًا قانون السماء، وأن مناداة المظلومين وإن خُنقت على الأرض تخرج إلى السماء بلا حواجز.
ولأن الظلم يبدأ صغيرًا ثم يكبر مع صمت الناس فقد رأينا النظام يتمدد من قمع الاحتجاجات إلى قمع الحياة نفسها: قمع الصحافة، قمع التعليم، قمع المرأة، وقمع أي خيالٍ سياسي لا يسبّح بحمد الولي الفقيه.. إنه نظام يخاف من الحقيقة أكثر مما يخاف من العدوّ، ويخشَى من الكلمة أكثر من خشيته من السلاح، ولهذا يستنفر أجهزته الأمنية ضد كل قلم، ويستدعي المحاكمه الصورية لأي منشور، ويرتجف من أي هتافٍ يعلنه الشعب حين يفقد الخوفُ قيمتَه.
دماء الشرفاء… الشاهد الأكبر على سقوط الشرعية
لقد بات واضحًا أن الشرعية الدينية التي يتباهى بها النظام ليست إلا زينة خطابية كما يضع الجزار وردةً على باب المسلخ.. فالدين لا يشرع قتل الأبرياء، ولا يسمح بتعذيب المعتقلين، ولا يبرر إذلال الشعوب.. وما يحدث في السجون الإيرانية من قتلٍ خفيّ يفوق ما يحدث في الشوارع من قتلٍ معلن.
قال تعالى:
﴿مَنْ قُتلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا﴾
سلطان الدم لا يسقط بالتقادم بل يقف شاهدًا يتعاظم يومًا بعد يوم، وكلما قُتل شاب في المظاهرات أو ناشطة في السجون أو مثقف استنادًا إلى الاتهامات الجاهزة كان النظام يكتب فصلًا جديدًا من نهايته بيده.
عندما تفضح العدالةُ السماويةُ عدالةَ الأرض
﴿وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾
ليس للظلم مستقبل، وهذه سنة إلهية لا يملك النظام الهروب منها.. وهذه الآية ليست سردًا للتاريخ بل نبوءة تتكرر في كل عصر، وتُكتب الآن حرفًا حرفًا على جدران إيران.
لقد رأينا دولًا انهارت لأن شعوبها وقفت ضدها؛ لكننا نرى اليوم نظامًا ينهار لأن دماء شعبه وقفت ضده.. وفي اللحظة التي ينكسر فيها حاجز الخوف يصبح الطغيان عملاقًا من ورق، ويصبح الشعب جبلًا لا يُهدم.
أصوات السماء أقوى من كل سجون الأرض
إن الدين بريء من هذا النظام؛ بريء من دمائه، ومن محاكمه، ومن عناصره الذين يحولون النصوص إلى سوط، والفتاوى إلى فخاخ.. فالدين نور، والملالي ظلام؛ الدين حياة والملالي موت؛ الدين رحمة وسلطتهم نقمة.
وستأتي اللحظة كما وعد الله حين يُسقط الشعب آخر أوراق التوت عن هذا النظام، وحين يصبح كل شهيد نورًا يضيء طريق الحرية.. وحينها سيُدرك الملالي أن الشعوب قد تسكت زمنًا.. لكنها لا تنسى أبدًا، وأن الله يمهل ولا يهمل، ولا يترك الظالم بلا حساب.
د.سامي خاطر/ أكاديمي وأستاذ جامعي

