مهدي عقبائي يكتب لـ(اليوم الثامن):
صرخة حرية لإيران ورسالة حاسمة للسلام الإقليمي
لعقود طويلة، غرق الشرق الأوسط في دوامة لا تنتهي من الحروب بالوكالة، والصراعات الطائفية، والإرهاب الممنهج. من الأنقاض والدماء في سوريا واليمن، إلى الشلل السياسي والانهيار الاقتصادي في لبنان والعراق، هناك خيط واحد يربط كل هذه المآسي: السياسة الخارجية التوسعية والمدمّرة للنظام الإيراني. هذه السياسة، التي تقوم على مبدأ "تصدير الأزمات" كضمانة لبقائه، حوّلت ثروات الشعب الإيراني إلى وقود لحروب عبثية. بدلاً من استثمار هذه الثروات في تحسين معيشة المواطنين وبناء مستقبلهم، تُنفق بسخاء على تسليح وتمويل ميليشيات طائفية، مثل حزب الله في لبنان الذي يشكّل دولة داخل الدولة، والحوثيين في اليمن الذين يهددون الملاحة الدولية، والفصائل المسلحة في العراق التي تقوّض سيادة الدولة وتنهب ثرواتها.
هذه الاستراتيجية الخبيثة ليست عشوائية، بل تخدم هدفين مترابطين: الأول صرف انتباه العالم عن القمع الدموي داخل إيران، والإعدامات السياسية، وانتهاكات حقوق الإنسان الصارخة التي ترتكبها السلطات. والثاني بناء "جدار ناري" خارج الحدود عبر بث الفوضى في الدول المجاورة، لمنع أي استقرار إقليمي قد يشكل تحدياً لنفوذ طهران. أدّت هذه السياسات الكارثية إلى تشريد ملايين البشر، ومقتل مئات الآلاف، وتحويل منطقة غنية بالموارد إلى ساحة صراع مفتوحة. وأضحى واضحاً للجميع أن طهران هي البؤرة الرئيسية للتطرّف والإرهاب الذي يهدد الأمن العالمي.
ولكن في قلب هذا الظلام ينبثق ضوء أمل يتمثل في حركة مقاومة منظمة وبديل ديمقراطي جاهز. في هذا السياق، تُنظّم مظاهرة تاريخية تحت شعار "إيران حرة" في السادس من سبتمبر في بروكسل، لتكون أكثر من مجرد حدث عابر. إنها نقطة تحول ترسل رسائل متعددة: رسالة أمل للشعب الإيراني بأن نضاله من أجل الحرية يحظى بدعم عالمي، ورسالة حاسمة لقادة العالم تقول إن مفتاح السلام والاستقرار في الشرق الأوسط يكمن في دعم التغيير الديمقراطي في إيران.
تتزامن هذه المظاهرة مع الذكرى الستين لتأسيس منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، حاملة دلالات عميقة. فهي لا تحتفي فقط بستة عقود من الصمود في وجه ديكتاتوريتين (الشاه والملالي)، بل تجسد حلاً عملياً للمستقبل. هذا الحل هو "الطريق الثالث" الذي ترفعه المقاومة الإيرانية: رفض سياسة الاسترضاء والمساومة مع الطغيان الديني الفاشي الذي فشل، ورفض التدخل العسكري الأجنبي المدمّر، مع دعم حق الشعب الإيراني في تقرير مصيره وإسقاط النظام عبر مقاومته وشبابه المنتفض.
سيتجمع المشاركون في بروكسل لتجديد دعمهم لخطة السيدة مريم رجوي ذات النقاط العشر، التي تمثل خارطة طريق واضحة لإيران الغد. هذه الخطة تعد بإنهاء الكابوس القائم، وتأسيس جمهورية برلمانية تقوم على مبادئ عالمية مثل فصل الدين عن الدولة، والمساواة الكاملة بين المرأة والرجل، وإلغاء عقوبة الإعدام، واحترام حقوق القوميات، وبناء إيران خالية من السلاح النووي تعيش بسلام مع جيرانها.
سترنّم هتافات آلاف المشاركين في بروكسل صدى أصوات وحدات المقاومة وشباب الانتفاضة الذين يتحدون يومياً آلة قمع الحرس الثوري في شوارع إيران. إنها دعوة صريحة للمجتمع الدولي، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي، للانتقال من التصريحات الخجولة إلى الفعل، عبر إدراج الحرس الثوري على قوائم الإرهاب والاعتراف بحق الشعب الإيراني في الدفاع عن نفسه ضد الطغيان. السادس من سبتمبر لن يكون يوماً عادياً، بل سيكون يوماً تردد فيه صوت الحرية من قلب أوروبا، ليؤكّد أن دعم إيران ديمقراطية ليس مجرد موقف أخلاقي، بل ضرورة استراتيجية لإنهاء الإرهاب وتحقيق السلام في العالم.