عبدالرحمن كوركي مهابادي يكتب لـ(اليوم الثامن):
إيران.. خطوة واحدة نحو الانتفاضة الشعبية
في الثامن والعشرين من ديسمبر ۲۰۱۷، بدأت انتفاضة شعبية في مدينة مشهد احتجاجاً على غلاء الأسعار. وسرعان ما تحول هذا الاحتجاج المطلبي إلى تظاهرات سياسية بشعار «الموت لخامنئي»، وانتشرت خلال أقل من عدة أيام في أكثر من 140 مدينة إيرانية. كانت هذه النهضة تعبيراً عن تراكم الغضب نتيجة أربعة عقود من القمع والفساد والنهب الذي وصل إلى نقطة الانفجار.
أظهرت السرعة والانتشار غير المسبوق لانتفاضة عام ۲۰۱۷ للشعب الإيراني، وخاصة الشباب، أنهم يمتلكون قوة عظيمة. هذه الجرأة أصبحت حجر الأساس للانتفاضات التالية، وأنهت لعبة التيارات والأجنحة الحكومية للأبد بشعارات مثل «تباً لمبدأ ولاية الفقيه».
أبرز خصائص الانتفاضة:
من الخصائص الرئيسية كانت الشعارات الثورية التي رفضت أي نوع من المساومة أو الحلول الاستعمارية. استهدف الشباب الإيراني بصيحاتهم الاستبداد الديني بشكل مباشر، وأثبتوا أن الجيل الجديد لا ينخدع بالمناورات أو الإصلاحات داخل النظام.
في هذه الانتفاضة، كانت النساء والشباب هم القوة المحركة الرئيسية؛ وهو الجيل الذي يقود اليوم المقاومة الداخلية المنظمة في إطار وحدات المقاومة. هذه الوحدات تقوم كل عام في ذكرى الانتفاضة بعمليات ضد مراكز القمع لإحياء ذكرى الشهداء، وتثبت أن نيران انتفاضة ۲۰۱۷ لم تنطفئ. إن انتفاضة عام ۲۰۱۹ كانت وليدة انتفاضة ۲۰۱۷، كما أن انتفاضة ۲۰۲۲ ولدت من رحم الانتفاضات التي سبقتها.
أنشطة وحدات المقاومة في ذكرى الانتفاضة
على أعتاب الذكرى السنوية التاسعة لانتفاضة ديسمبر ۲۰۱۷، نفذ شباب الانتفاضة عمليات هجومية في مدن مثل طهران وقم وأصفهان ومشهد وغيرها، استهدفت فيها مراكز القمع التابعة للنظام. لقد رفعت هذه الوحدات مستوى الانتفاضة لتصبح أكثر تنظيماً، وهي ترد مباشرة على جرائم النظام بشعار «النار هي الرد على الإعدام». وكلما زاد القمع، ازدادت المقاومة الداخلية جرأة.
الأزمة الاقتصادية: ممهد لانتفاضات جديدة
تتسبب سياسات السلطة المتخبطة في زيادة مستمرة للتضخم، مما أدى إلى قفزة كبيرة في أسعار العملات. ووفقاً لتقرير مركز الإحصاء في ۲۷ ديسمبر، تجاوز التضخم السنوي نسبة 52 بالمئة، وهو ما يشير إلى انهيار الهيكل الاقتصادي والعجز عن السيطرة على الأزمات. وفي الأشهر الأخيرة، هدد ارتفاع سعر الدولار معيشة الناس، وأصبح المجتمع في حالة انتظار لانتفاضة ضد هذه السياسات.
احتجاجات كسبه الأسواق في طهران
تحقق هذا الانتظار في ۲۸ ديسمبر، حيث بدأت الاحتجاجات من مجمع «علاء الدين» في سوق طهران. نزل المحتجون إلى الشوارع بشعار «لا تخافوا، نحن جميعاً معاً»، وانضم إليهم أصحاب المحلات في المجمعات الأخرى. لقد قفز سعر الدولار من 114 ألف تومان إلى 144 ألف تومان، وازداد سعر المسكوكات الذهبية بأكثر من ۱۰ ملايين تومان، وهي اعترافات رسمية بعمق الأزمة.
تظهر هذه النهضة حالة الغليان الكامنة في المجتمع ضد السلطة. إن الاقتصاد المرتبط بسياسات النظام أدى إلى تفاقم الأزمة السياسية، وغضب أصحاب المحلات يحمل رسالة سياسية واضحة: الحل ليس في الهيكل الحالي، بل في النهوض من أجل التغيير الجذري وإسقاط النظام.
استمرار الإضراب في اليوم الثاني
في ۲۹ ديسمبر، بدأ اليوم الثاني لإضراب كسبه الأسواق في طهران. تعطلت أجزاء واسعة من السوق والجو هناك مشحون للغاية. يعترض أصحاب المحلات بإغلاق متاجرهم على الغلاء والتضخم وزيادة الضرائب وانخفاض القدرة الشرائية. ورغم انتشار القوات الأمنية المكثف، إلا أن الإضراب ما زال مستمراً.
تظهر هذه الاحتجاجات الارتباط بين سبل العيش والمطالب الأوسع، وهي علامة على اتساع نطاق الاستياء الاجتماعي. وفي ظل انعدام أي آفاق للتحسن، أصبح سوق طهران، باعتباره مركزاً اقتصادياً رئيسياً، رمزاً للمقاومة ضد الفساد الممنهج.
آخر المستجدات
تشير التقارير ومقاطع الفيديو المنشورة إلى أن أجزاء واسعة من سوق طهران قد أُغلقت تماماً. يعبر الكسبه بإغلاق مغازاتهم عن استيائهم من الضغوط الاقتصادية والضرائب المرتفعة. في الوقت نفسه، تعكس الشعارات والتجمعات المتفرقة غضباً متراكماً تشكل خلال الأشهر الأخيرة مع تفاقم أزمة المعيشة. تأتي هذه الاحتجاجات في وقت ترتفع فيه أسعار العملات والسلع الأساسية باستمرار، مما يجعل المجتمع مهيأً لحدث كبير وانفجار اجتماعي مع كل قفزة في سعر الدولار.
الكلمة الأخيرة!
إن وحدات المقاومة المرتبطة بالمقاومة الإيرانية لا تواصل طريق انتفاضة ۲۰۱۷ فحسب، بل ارتقت بها إلى مرحلة أكثر تنظيماً وهدفاً. إن عملياتهم الليلية والدقيقة في المناسبات المختلفة هي رد مباشر على موجة الإعدامات والقمع وجرائم النظام الحاكم في إيران. لقد أثبتت هذه الوحدات أن طريق الإسقاط يُفتح بالإرادة والنار؛ النار التي حولها المنتفضون اليوم إلى عاصفة.


