جدل برلماني وشعبي على مسلسل يعرض "العمق الآسن"..

منتجو الفندق: التستر على مشاكل المجتمع سببا في تفشيها

مسلسل يصور الجزء الظاهر من جبل الفساد

بغداد

أثار مسلسل درامي تعرضه شاشة قناة الشرقية، جدلا واسعا في العراق، وانقساما في أوساط النخب، استدعى تدخل مجلس النواب، وهيئات عليا معنية بمراقبة المحتوى الإعلامي.

وتخللت مسلسل “الفندق”، الذي تدور أحداثه في فندق ببغداد، مشاهد وصفت بالجريئة، بالنظر للمستوى المحافظ الذي يهيمن على الأعمال التلفزيونية العراقية.

وظهرت في “الفندق”، الذي كتبه حامد المالكي وأخرجه الفنان حسن حسني، ولعب أدوار البطولة فيه حشد من نجوم الشاشة العراقية، يتقدمهم محمود أبوالعباس وعزيز خيون وسناء عبدالرحمن وعزيز كريم وإيناس طالب، مشاهد لفتيات يرقصن في ملاه ليلية، وأخرى لرجال أعمال وصحافيين ومتسولين يحتسون الخمر، فيما كانت الذروة في مشهد تظهر فيه فتاة وهي تقوم بالتدليك لرجل نصف عار.

وتركزت أحداث المسلسل في “الفندق”، الذي تتخذ منه عصابات لتجارة المخدرات والتسول والدعارة وكرا لها والتستر عليها من قبل رجال الشرطة، ما تسبب في حدوث أكثر من جريمة قتل على صلة به.

وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بجدل واسع، إذ انقسم المدونون فريقين، يعتقد الأول أن العمل يستهدف إشاعة السلبية عن المجتمع العراقي من خلال التركيز على عالم الجريمة والدعارة وتجارة المخدرات، “ما يوحي للمشاهد بأن البلاد تسبح في بحر من الحشيشة والنساء العاريات”، على حد وصف أحد المدونين، ما تسبب في هجوم جارف على العمل ومؤلفه وأبطاله، ولم تسلم منه القناة التي تعرضه، فيما يذهب الفريق الآخر إلى أن العمل يسلط الضوء على الجوانب السلبية، بهدف إبرازها لإيجاد معالجات لها.

ووجدت لجنة الثقافة البرلمانية، في هذا الجدل ما يستدعي تدخلها، لتعلن في بيان وقعه عدد من أعضائها، أن “البرامج التي تعرض على القنوات الفضائية مخالفة للذوق العام والقيم والأعراف التي يتصف بها المجتمع العراقي”، مطالبة بـ”إيقافها”، لأنها تنافي “حرمة الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك”.

ودعت اللجنة، هيئة الإعلام والاتصالات، المعنية بمراقبة محتوى البث الفضائي، إلى “رصد جميع البرامج المعروضة على شاشات التلفزة وعرضها على لجان متخصصة وإشعار لجنتنا بالإجراءات المتخذة بالسرعة الممكنة”.

ولم يتأخر تعليق هيئة الإعلام والاتصالات التي قالت إنها تراقب محتوى بعض المواد المتلفزة، مهددة باتخاذ إجراءات ضد بعض منها.

وقالت الهيئة إنها رصدت “بعض التجاوزات في محتوى برامج عدد من الفضائيات والتي خرجت عن سياق حرمة شهر رمضان”، مطالبة “وسائل الإعلام برفع المشاهد التي تخرج عن سياق الحياء والأعراف”.

وهددت الهيئة بـ”اتخاذ الإجراءات القانونية في حال عدم تصحيح الموقف”، فيما تلقى المتابعون هذا الموقف على أنه مقدمة لمنع مسلسل “الفندق”.

واعتبر مختصون في قطاع الفن، أن تدخل السلطات الرسمية في سجال يعنى بعمل فني أمر غير مقبول.

وقال ناصر طه، وهو سيناريست عراقي وإعلامي، اتخذ موقفا نقديا حادا ضد مسلسل الفندق، “أنا ضد منع أي عمل تلفزيوني درامي عراقي مهما اختلفنا عليه”، مؤكدا، “لا يجوز بأي حال من الأحوال السماح لسلطات أو جهات رسمية، بالتدخل في الأعمال الفنية”. وزاد أن “كل هذه الجهات، في تصوري، غير مؤهلة لتقييم أي عمل درامي”.

وتابع، “أنا شخصيا لدي اعتراضات كبيرة على مجمل الأعمال الدرامية المحلية بل والعربية.. لكنها لن تتجاوز حدها الفني والجمالي وتسمح لنفسها بأن تحمل سيف الجلاد لتقطع رقبة صناعها”.

وزاد، “أعلن تضامني الكبير في هذا الجانب مع مسلسل الفندق وصناعه وكل الأعمال الدرامية العراقية مهما كان مستواها الفني ومهما اختلفت معها فكريا وفنيا وجماليا”. وأضاف، “قولوا عنها ما شئتم.. انتقدوها.. افضحوا أخطاءها الفنية.. واجهوها بأعمال منافسة تتفوق عليها وتقصيها من ساحة المنافسة.. لكن لا تمنعوها ولا توقفوها ولا تنظروا إلى صناعها كعدو ينبغي اجتثاثه”.

وقالت قناة الشرقية إنها “تراقب ردود الفعل التي تدون في وسائل التواصل الاجتماعي” حول برامجها التي تعرض حاليا في رمضان.

وأضافت “نقدر عاليا آراءكم ونقف عند تعليقاتكم التي وردت بخصوص مسلسل الفندق حيث تشير بعض هذه التعليقات إلى امتعاض البعض من لقطات عرضت في هذا المسلسل”، مشيرة إلى أن “هذه اللقطات وردت في سياق الأحداث التي بني عليها مسلسل درامي اتّسم بطرحه لمشاكل واقعية وتحتاج إلى المصارحة لكي تتصدى لها الدولة والمجتمع معا”.

وأكدت القناة أن “العاملين في مسلسل الفندق يأخذون بنظر الاعتبار هذا الهدف النبيل الذي يسعى المسلسل لكشفه أمام الرأي العام”. لكنها ترى أن “التستر على مشاكل المجتمع قد يكون سببا في تفشيها”.

وبحسب الشرقية، المملوكة للإعلامي العراقي المخضرم سعد البزاز، فإن “دور العمل الفني هو تعرية مشاكل المجتمع، وربما صدمت هذه اللقطات بعض المشاهدين إلا أنها كانت وسيلة مهمة للفت انتباههم إلى مخاطر هذه المشاكل لكي يتجنبوا عواقبها”.

ولم يغب مؤلف مسلسل الفندق، حامد المالكي، عن الجدل الذي أحاط بعرض العمل، وخاض سجالات طويلة خلال الأيام الماضية.

ويقول المالكي، “يكثر اللواط والسُحاق وزنى المحارم في المجتمعات المنغلقة، التي تعزل بجدار العفّة الوهمي، الذكور عن الإناث”، مشيرا إلى أنه لو فتحت ملفات “زنى المحارم فقط، وكشفت للرأي العام لشاب الشعر وذهل القلب”.

وتابع أن “مجتمعنا العراقي ما زال محافظا على قيمه الشريفة، ولكن الوجه الآخر للقمر، ليس كمثل وجهه المنير”.

ومضى يقول “تناولت تقريبا 20 بالمئة من الانحطاط والقرف والنفايات في مجتمعنا العراقي الأصيل، من خلال مسلسل الفندق”، متعهدا بأن عمله القادم سيتناول “الـ 80 بالمئة من المسكوت عنه في ثقافتنا الخجولة، المواربة، والخائفة”، مشيرا إلى أن هناك “فرصة حياة واحدة، ويجب أن نمهد لأولادنا مجتمعا أفضل، خاليا من لصوص الديمقراطية”.

واعتبر الناقد الفني العراقي فاروق يوسف أن أقل ما يقال عن المسلسل إنه يصور الجزء الظاهر من جبل الفساد الذي بات العراقيون يرزحون تحته. فالمشاهد التي تضمنها “الفندق” يمكن رؤيتها في الحياة الواقعية التي تسعى الأحزاب الدينية إلى أن تضفي عليها صفة “المحافظة” في الوقت الذي تتولى فيه تلك الأحزاب بنفسها عملية الإشراف على الملاهي في واقع، صار يدر أموالا طائلة، اعتبرت جزءا من مصادر التمويل.

وقال يوسف في تصريح لـ”العرب”، “إذا ما كان المسلسل قد فضح حقيقة ذلك النوع من الواقع فإن أشد ما تخشاه الأحزاب المتسترة بالجبن أن يتطور الموقف الفني إلى فضح علاقتها بذلك الواقع وهي علاقة ليست سرية مثلما يتصورها البعض. هناك مناطق عديدة في العاصمة العراقية تقع تحت ولاية الأحزاب الدينية تشكل بؤرا للمتاجرة بكل ما له علاقة بما يسمى بحياة الليل”.