الذكرى الـ18 التي سقط بسببها حوالى ثلاثة آلاف قتيل..

تحليل: "بوجينكا الإخوانية".. الأم الشرعية لأحداث الـ"11 من سبتمبر"

اصطدام طائرة بأحد أشهر المباني في الولايات المتحدة

واشنطن

يتذكر أحد الصحافيين العاملين ضمن فريق عمل وكالة الأنباء الفرنسية اللحظات الأولى لهجوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001، عندما بدأت تتوالى الأنباء إلى مكتبه عن اصطدام طائرة بأحد أشهر المباني في الولايات المتحدة، متذكراً خطة مشابهة كان من المقدر أن تحدث قبلها بسنوات عدة.

ويقول الصحافي ميشال موتو، أنه في ساعات الصباح الأولى من يوم الثلاثاء، وبينما كان الطقس جميلاً في مدينة نيويورك، لفت انتباهه نبأ على قناة تلفزيونية محلية تفيد يقول المقدم فيها "تبلغنا للتو اندلاع حريق في الطوابق العليا لأحد برجي مركز التجارة العالمي"، ولاحقاً بدأت الأخبار تصل بأن "طائرة اصطدمت بالطوابق العليا لأحد برجي مركز التجارة العالمي".



ويقول موتو: "هل كانت طائرة تجارية؟ على الفور وردتني 'عملية بوجينكا' التي كان من المقرر أن يتم فيها خطف طائرات تجارية فوق المحيط الهادئ ومن ثم توجيهها إلى مبان مهمة".

ويتابع قائلاً "وقبل دقيقة من الساعة 10:00 بعد أن احترق مدة 56 دقيقة، تفكك البرج الجنوبي وانهار تاركاً سحابة من الغبار في السماء، وكان المشهد مثيراً للصدمة. وبعد 29 دقيقة ينهار البرج الشمالي بدوره. وفي الساعة 09:37 تتحطم طائرة تجارية على مقر البنتاغون في واشنطن".

ولاحقاً يتساءل الصحافي "كم طائرة مخطوفة لا تزال تحلق في السماء؟ كم عدد الأهداف؟ هل البيت الأبيض من ضمنها؟ والكونغرس؟ مخطط بوجينكا' كان يقضي بخطف 11 طائرة تجارية..".



وفي ذكرى الـ18 على هجمات 11 سبتمبر 2011 التي سقط بسببها حوالى ثلاثة آلاف قتيل، لا تزال حتى اليوم تتكشف بعض المعلومات المتعلقة بالنهج الذي اتبعه منفذو الاعتداءات التي تثبت يوماً بعد يوم ارتباطهم الوثيق بالخطط التي رسمها تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي.

وبحسب بعض التفاصيل التي سبق أن نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن خطة "بوجينكا" هي عملية تفجيرات واختطاف طائرات واسعة بثلاث مراحل، خطط لها المدعوان رمزي يوسف وخالد شيخ محمد في منتصف يناير (كانون الثاني) 1996.

والهجوم كان ينطوي على مؤامرة لاغتيال البابا يوحنا بولس الثاني تزامناً مع تفجير 11 طائرة مدنية تجارية متجهة من آسيا إلى الولايات المتحدة واقتراح أن تضرب إحداها مقر وكالة الاستخبارات المركزية.



ولكن على الرغم من التخطيط الدقيق تعطلت مؤامرة بوجينكا بعد أن لفت حريق كيميائي انتباه الشرطة الوطنية الفلبينية (PNP)، ما دعا يوسف إلى تفجير قنابل اختبار في مركز تجاري ومسرح، أدت إلى إصابة عشرات الأشخاص، فضلاً عن طائرة للخطوط الجوية الفلبينية أسفرت عن مقتل شخص واحد.

وتفيد "اللجنة الوطنية حول الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة"، أو عرف باسم "لجنة هجمات 11/09"، في تقاريرها المنشورة على موقعها الإلكتروني أن "خالد شيخ محمد كان عضواً بارزاً في تنظيم الإخوان المسلمين، بعد انضمامه إلى صفوفه بسن 16، وخضوعه لتدريبات جهادية عدة".



وفي فبراير (شباط) 2016، نشر موقع "بيزنس إنسايدر"الإلكتروني تفاصيل تسجيلات صوتية لأحد أعضاء تنظيم القاعدة ناصر الوحيشي، الذي قضى في غارة أمريكية بصيف 2015، يؤكد فيها علاقة مدبر هجومي "بوجينكا" و"11 سبتمبر" بتنظيم الإخوان المسلمين.

وينقل عن الوحيشي قوله خالد شيخ محمد كان يحلم بمهاجمة الولايات المتحدة منذ نعومة أظافره، وتحديداً عندما كان عضواً ناشطاً في تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي.



ويتابع الوحيشي أن عملية أهداف "بوجينكا" بدت بشكل واضح عندما أقدم خالد شيخ محمد على إعداد مسرحية تضم شخصية "تتساءل عن كيفية إسقاط طائرة أمريكية"، ما يفيد بأن السّمات الإرهابية متشربة من الفكر الإخواني.

وكان ضابط استخباراتي أمريكي السابق يدعى روبرت بيير، كشف في كتابه "النوم مع الشيطان": أن "رئيس اللجنة العسكرية لتنظيم القاعدة خالد شيخ محمد، أدار خلية للقاعدة في قطر، أحد أبرز مركز العمليات التابعة لتنظيم الإخوان، مع محمد الإسلامبولي شقيق خالد الإسلامبولي قاتل السادات، وكان على علاقة برمزي يوسف مدبر تفجير مركز التجارة العالمي في 1993 وخططوا لاختطاف طائرات تجارية وعملية إرهابية لتفجير الطائرات في سماء الولايات المتحدة عرفت بعملية بوجينكا".



أما اللافت، بحسب ما ذكره تقرير لصحيفة "الخليج"، كان علاقة وزير داخلية نظام الحمدين السابق عبدالله بن خالد آل ثاني بالمدعو خالد شيخ محمد؛ الذي يعتبر أيضاً العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وذلك في لقاء له مع قائد الشرطة، وزير الاقتصاد في قطر سابقاً حمد بن جاسم بن حمد آل ثاني (أزيح من منصبه في لقاء معه في 1998)، حيث أكد له إقامة خالد شيخ محمد بقطر في مزرعة عبدالله بن خالد آل ثاني حتى عام 1996.

وأضاف بيير أنه خلال إقامة خالد شيخ محمد في مزرعة الوعب في حدود عام 1995، سافر إلى البوسنة لدعم عناصر القاعدة وتقديم الدعم المالي لهم، وتكفل بنفقات رحلته وزير الداخلية والأوقاف القطري عبدالله بن خالد آل ثاني، قبل أن يعود إلى قطر ويسافر مرة أخرى إلى مانيلا بالفلبين.

وأثناء إقامة خالد شيخ محمد في قطر عام 1995، تلقى اتصالاً هاتفياً من ابن شقيقته رمزي يوسف، واسمه الحقيقي عبد الباسط البلوشي، بينما كان محتجزاً في الولايات المتحدة، بعد اعتقاله في باكستان فبراير (شباط) 1995، لتنفيذ تفجيرات مركز التجارة العالمي، وإعداده لعمليات إرهابية متعددة اتخذ من الفلبين قاعدة له، منها التخطيط لعملية "أوبلان بوجينكا" وتعني بالعربية "عملية الدوي الكبير".

وعندما تراجع رفيقه اشتياق باركر في اللحظات الأخيرة عن القيام بالعملية اضطر يوسف للبحث عن خطة ثانية، كانت بالاتصال بصديق له في قطر، والده دبلوماسي كبير وأحد أفراد الأسرة الحاكمة في قطر، وكانت خطة يوسف الاستفادة من حصانة دبلوماسية لأحد الشخصيات الرسمية لعدم تفتيش الحقائب.

وكان رئيس لجنة مكافحة الإرهاب في إدارة الرئيسين بيل كلينتون وجورج دبليو بوش، ريتشارد كلارك، كشف حيثيات إحدى أبرز الوقائع التي تفيد احتضان القاعدة الإخوانية في قطر لخالد شيخ محمد والحيلولة دون إلقاء القبض عليه.

ويفند كلارك أن الإدارة الأمريكية "طلبت من السفير الأمريكي في الدوحة أن يتحدث إلى الأمير ويطلب منه أن يكلم رئيس جهاز الأمن من أجل القبض على خالد شيخ محمد لبضع ساعات حتى يصل فريق أمريكي ينقله إلى الولايات المتحدة، إلا أنه بعد لقاء السفير مع الأمير، اختفى خالد شيخ محمد، ولم يستطع أحد العثور عليه في مدينة الدوحة الصغيرة، بعد ذلك قال لنا القطريون إنهم يعتقدون أنه غادر البلاد، لكنهم لم يقولوا لنا أبداً كيف؟".

وعليه انطلق خالد شيخ محمد ليرتب هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، وهجوم بالي في إندونيسيا وغيرها من الهجمات الإرهابية؟

ويقول كلارك "لو كان القطريون سلموه للولايات المتحدة في عام 1996 كما طلب منهم، لكان العالم حاله مختلفاً الآن".



ولكن لحسن الحظ، في 2003 ألقي القبض على خالد شيخ محمد في باكستان واقتيد إلى معتقل غوانتانامو في كوبا، حيث اعترف، بحسب بيان وزارة الدفاع الأمريكية، بتدبير العديد من الهجمات الإرهابية حول العالم، ومن بينها هجمات 11 سبتمبر (أيلول).

وقال في إفادته: "لست سعيداً بمقتل 3000 في أمريكا. بل أشعر بالأسف. لكن لغة أية حرب في العالم هي القتل. أعني أن لغة الحرب هي الضحايا".

وجاء خالد شيخ محمد، أثناء محاكمته، على ذكر كيف فتحت قناة "الجزيرة" القطرية منبرها له حيث سمحت له، على الرغم من المطالبات بتسليمه إلى الجهات الأمنية، بالتأكيد على أنه يتولى منصب رئيس الجناح العسكري لتنظيم "القاعدة" الذي كان يتزعمه أسامة بن لادن، ما يضع النظام الحمدين في تقاطع طرق بين مصالح تنظيم الإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة القائم على فكرة اعتبار كل من لا ينضوي في صفوفهم على أنه إرهابي وتنطبق عليه "لغة الحرب".



ويوضح مؤسس لجنة شؤون العلاقات الخارجية الأمريكية-السعودية سلمان الأنصاري لمجلة "ذي هيل" أن مبادرة الدوحة بإيواء خالد شيخ محمد بعد إحباط مؤامرة بوجينكا، بدلاً من سوقه إلى العدالة يؤكد علاقة الترابطية بين الإخوان المسلمين - قطر - القاعدة واضحة.

وخلص الأنصاري إلى أن "ما تعلمه خالد شيخ محمد في الدوحة أثمر لاحقاً بتخطيطه وتنفيذه لهجمات 11 سبتمبر (أيلول).