صدام المحافظين والإصلاحيين يُعقّد مأزق طهران..

تقرير: هل يملك الرئيس الإيراني سلطة القرار للعودة للالتزامات النووية

مفتاح التهدئة والتصعيد في يد خامنئي

طهران

تعيش إيران على وقع انقسامات حادة بعد أن تبنى مجلس صيانة الدستور، الهيئة الرقابية العليا، قرار البرلمان برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20 بالمئة ومنع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من دخول المنشآت النووية، ما يعني عمليا المصادقة على الخروج من الاتفاق النووي للعام 2015 وغلق باب التفاوض الدبلوماسي لانهاء الأزمة القائمة منذ انسحب الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب من الاتفاق في مايو/ايار.

ويقود المحافظون المتشددون مجلس صيانة الدستور، فيما تكابد الحكومة التي يقودها الاصلاحيون للخروج من المأزق النووي خاصة بعد فوز الديمقراطي جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة على منافسه الجمهوري ترامب الذي شدد الضغوط والعقوبات على إيران.

وكانت الحكومة الإصلاحية تراهن إلى حد كبير على فوز بايدن الذي كان نائبا للرئيس الأميركي باراك اوباما حين وقعت طهران الاتفاق النووي مع القوى الست الكبرى ومن ضمنها الولايات المتحدة، للتخلص من عقوبات قاسية كان فرضها عليها ترامب.

لكن قرار مجلس صيانة الدستور أعاد خلط جميع الأوراق سواء داخل إيران أو خارجها، فالرئيس الإيراني حسن روحاني الذي يُعتبر مهندس اتفاق 2015 لم يعد يملك هامشا واسعا للتحرك بعد هذا القرار، فيما سيجد الشركاء الأوروبيون الذين يقاومون منذ مايو/ايار انهيار الاتفاق النووي، أنفسهم في حرج.

أما الرئيس الأميركي المنتخب فأكد صراحة في حملته الانتخابية وبعد فوزه أنه مع العودة للاتفاق النووي بشرط عودة إيران لكامل التزاماتها النووية.

وأصبح اليوم أمام واقع جديد هو انتهاك إيران بشكل واسع للاتفاق النووي لجهة رفع نسبة تخصيب اليورانيوم بدرجة عالية جدا مقارنة مع الحد الأقصى المسموح به في الاتفاق ولجهة العمل على نقل أجهزة متطورة للطرد المركزي لمنشأة نووية تحت الأرض ضمن الاستعدادات لنشاط نووي مكثف.  

ويواجه الرئيس الإيراني الإصلاحي ضغوطا شديدة بسبب موقف المحافظين المتشدد بعد اغتيال كبير العلماء النوويين محسن فخري زاده الأسبوع الماضي قرب العاصمة.

وانطلاقا من شعوره بأن الوضع أصبح اشدّ تعقيدا بعد قرار مجلس صيانة الدستور، انتقد حسن روحاني القانون القاضي بتسريع الأنشطة النووية وتقييد تفتيش المنشآت النووية.

وخلال مشاركته عبر اتصال مرئي في مراسم افتتاح مشاريع طاقة بعدة محافظات إيرانية، دعا روحاني البرلمانيين المحافظين إلى ترك الحكومة من أجل تنفيذ مهامها، مشيرا إلى أن القانون الذي يعارضه هو وأعضاء حكومته، من شأنه إيجاد مشاكل في العلاقات الخارجية الإيرانية، مطالبا البرلمان والسلطة القضائية والقوات المسلحة، بعدم الاستعجال قائلا "دعونا ننجز مهامنا بهدوء ودقة".

قال مخاطبا النواب "اتركوا الأمر لأهل الخبرات في الدبلوماسية.. دعونا لا نتسرع ولا نصاب بالذعر. إذا نجحت الحكومة، فإنها ستقدم هذا النجاح لكم. لا تقلقوا من أن هذه الحكومة ستحل المشكلات وتنهيها، يمكنكم القيام بذلك".

وتابع "القضايا ستُحل بالصبر والحكمة. دعوا أولئك الذين لديهم عشرون عاما من الخبرة والذين نجحوا في الدبلوماسية وهزموا الولايات المتحدة مرارا في هذه السنوات الثلاث، يقومون بذلك بعناية واجتهاد".

والأربعاء، صادّق مجلس صيانة الدستور على مشروع قانون يقضي بتسريع الأنشطة النووية وتقييد تفتيش المنشآت النووية رغم معارضة الرئيس روحاني وأعضاء الحكومة.

وذكرت وكالة أنباء فارس شبه الرسمية، أن المشروع المسمى 'خطة العمل الإستراتيجية لرفع العقوبات وحماية مصالح الأمة الإيرانية"، أحيل إلى مجلس صيانة الدستور بعد أن أقره مجلس الشورى (البرلمان).

ويُلزم القانون هيئة الطاقة الذرية الإيرانية ببدء رفع تخصيب اليورانيوم 20 بالمئة على الأقل وزيادة مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب.

ولم يكن الاتفاق النووي المبرم مع الدول الكبرى عام 2015 يسمح لطهران بتخصيب اليورانيوم بنسبة تفوق 3.67 بالمئة.

وفي إطار القانون ستنسحب إيران أيضا من البروتوكول الإضافي الملحق بالاتفاق، إذا فشلت أطراف الاتفاق في اتخاذ خطوات حول عودة العلاقات المصرفية الإيرانية وصادرات النفط إلى طبيعتها في غضون شهرين.

ويشير تجاهل رأي الحكومة المعارض لمشروع القانون إلى الخلافات الحادة بين التيارين المحافظ والإصلاحي في توقيت يبدو في غير صالح طهران التي كانت تمني النفس بتخفيف التوتر والخروج من مأزق العقوبات.

ودأب المحافظون على هذا النهج منذ المفاوضات التي قادت في السنوات الماضية لاتفاق 2015، لكن الظرف الحالي يبدو مختلفا تماما عن تلك السنوات، فأثر العقوبات التي فرضها ترامب في مدة وجيزة من حكمه (أربع سنوات) أشدّ بأضعاف من تلك التي خضعت لها الجمهورية الإسلامية طيلة أكثر من عقد.

وعمقت جائحة كورونا التي تفشت بشكل كبير في كل المحافظات الإيرانية، جراح الاقتصاد الإيراني الذي يعاني بشدة ويقف على حافة الانهيار مع التراجع الحاد في صادرات وإيرادات الطاقة.

ويعتقد المحافظون أن مصادقة مجلس صيانة الدستور على القانون الأخير، سيشكل ضغوطا على إدارة بايدن والدول الأوروبية الموقعة على اتفاق 2015، لكن الخطوة في حدّ ذاتها قد تدفع الرئيس الأميركي المنتخب لتعديل موقفه من أزمة الملف النووي وقد تقنعه بوجاهة التشدد الذي أبداه سلفه ترامب الذي يغادر البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني، على أساس أن لا ثقة في الجانب الإيراني وأنه يتوجب المضي قدما في خيار العقوبات القصوى.

تجاهل اعتراض الحكومة على مشروع قانون التحلل من الاتفاق النووي يشير إلى الخلافات الحادة بين التيارين المحافظ والإصلاحي في توقيت يبدو في غير صالح طهران التي كانت تُمني النفس بتخفيف التوتر والخروج من مأزق العقوبات

وإلى حدّ الآن تبدو سياسات بايدن الخارجية تميل للدبلوماسية في حلّ النزاعات، لكن في بالنسبة للملف الإيراني وعلى ضوء المستجدات الأخيرة فإن التراخي في التعامل بصرامة مع التهديدات والانتهاكات الإيرانية سيُقرأ على أنه ضعف وعجز.

وفي خضم الجدل القائم في إيران وحالة الصدام المعلنة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، يبقى مفتاح التوافق أو التهدئة بيد المرشد الأعلى علي خامني وهو أعلى مرجعية دينية وسياسية.

لكن ثمة حسابات أخرى تجعل خامنئي يلتزم الصمت كمن يزكي استمرار الصدام الداخلي حتى لو كان الظرف الحرج الذي تمر بها إيران لا يسمح بمعارك داخلية وتصفية الحسابات.

ولم يصدر عنه موقف صريح حتى الآن لكنه وجه في تصريحات سابقة بعدم التعويل على الأجنبي للخروج من الأزمة، مؤكدا أن الأوروبيين يناصبون إيران العداء ولا يمكن أيضا الوثوق في الأميركيين، مشيرا إلى الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن.

ويشرف الحرس الثوري على البرنامج النووي حتى أن العلماء النوويين أعضاء فيه برتب عسكرية وقد سلط اغتيال كبير العلماء النوويين محسن فخري زاده الأسبوع الماضي الضوء على هذا التداخل وعلى أن الضربة كانت موجهة أساسا للثوري الإيراني.

وبالنسبة لحكومة روحاني فإنها باتت في مأزق فهي ملزمة قانونيا بتنفيذ قرار مجلس صيانة الدستور برفع نسبة تخصيب اليورانيوم وتشديد القيود على تفتيش المنشآت النووية ومن جهة أخرى تريد الاستمرار في الدفع الدبلوماسي لانهاء الأزمة وفك العزلة بعد أن وصل بايدن للرئاسة في الولايات المتحدة.

ويرى الاصلاحيون في فوز بايدن فرصة للتخلص من العقوبات التي وضعت الاقتصاد الإيراني على حافة الإفلاس، لذلك ترك روحاني الباب مواربا للتفاوض على أساس العودة للاتفاق النووي بمنطق "إن عدتم عدنا"، لكن بايدن في المقابل لن يوقع للإيرانيين صكا على البياض وهو ما تعلمه جيدا الحكومة الإصلاحية بقيادة روحاني.