قصة قصيرة..

الباحثون عن الوهم

إنها هي لقد عرف صوتها وعلى الفور أغلق جواله

شجار و عراك وصخب لا ينتهي بينهما .. لقد تغيرت زوجته كثيراً , حيث تكثر من السهر و أدمنت على الانترنت و القنوات الفضائية والشات ومكالمات الجوال مع الشباب , واكتشف زوجها تصرفاتها الصبيانية , وحاول نصحها وإعادتها إلى جادة الصواب .. ولكن دون جدوى .. وبعد أن فشلت كل محاولاته لتقويمها لم يجد أمامه إلا الطلاق ..
عاش" احمد" وحدة قاتله كره فيها النساء وحمد الله أنهما لم يرزقا أطفالاً بعد تجربة فاشلة استمرت ثلاث سنوات ..
الوحدة قاتلة لا ترحم حيث يعود "احمد" من عمله العاشرة مساءً و هو مرهق من العمل طوال النهار ..
و كعادته كل يوم في شقته الصغيرة يحضّر عشاءً خفيفاً ثم يتابع التلفزيون .. المسلسلات العربية .. التركية .. الأفلام العربية و الأجنبية والتي مل من مشاهدتها ..
أخذت أصابعه تعبث بجهاز الريموت يقلب في القنوات الفضائية .. إطلالة جميلة لمطربة شابة يشاهدها لأول مره تلبس فستاناً وردياً وتغني بصوت شجي أخذ بمجامع قلبه .. تابعها حتى انتهت ..
أحب هذه القناة من أجل هذه المطربة وهذه الأغنية .. ثم أخذ يتفحص الشريط الذي يمر أمامه في أسفل الشاشة .. إنه التعارف بالشات الفضائي .. أسماء .. ألقاب .. حوارات حب .. غرام .. شكوى ..حنين .. كل يكتب رسالته و تعاد ثلاث مرات .
تابع حتى كون لنفسه لقباُ ثم أصبح مشاركاً يرسل رسائله كل مساءً عبر الجوال إلى القناة في البداية لم يتجاوز الأمر حدود السلام و التعارف ..
وذات ليلة شتوية باردة .. والصمت يلف المكان إلا من صفير الرياح التي تتسلل عبر النافذة جلس "احمد" أمام الشاشة ..و لأول مره ظهر لقب جديد لفتاة شدته من اسمها ولقبها .. راسلها ..حياها أثنى عليها .. وجاملته بردود مقتضبة .. لم تعره اهتماماً , لم ييأس كرر رسائل ملتهبة لها ..!!
نثر عبيرها في الفضاء .. حتى لفت نظرها .. بدأت تستجيب له و ترد عليه و أصبح "محمود" بلقبه معروفاً عند الجميع .. يلتقي معها كل مساءً عبر الشاشة بالرسائل ..
تعلق بالفتاة المجهولة وكذلك الطرف الآخر ..
أصبح الاثنان أشهر ثنائي مغرم في القناة, بدأت بالصداقة ثم إعجاب ثم تحول إلى حب متبادل بدأ التفكير في الحصول على الأرقام حاول كل منهما عبر القناة الحصول على أرقام الجوالات عبر الإدارة و الكنترول ولكن قوبل طلبهما بالرفض الكامل ..
حاول كل منهما التلميح للآخر بعناوين ,ولكن الرقابة تتدخل و تقطع الرسائل مما سبب لهما قلقاً و توتراً كبيرين ..
سهرا الليالي , دفعا فواتير مكلفة نظير الرسائل المتبادلة .. حتى أرهقت ميزانية كل منهما ولكن دون جدوى ..
كررا معاً محاولات مستميتة وبعد أن تسلل اليأس إلى نفس "احمد" بشرته زميلته ولمحت له بعنوان وجوال يظهر أسفل الشاشة لطبيبة وعلى الفور اتصل على الرقم المذكور .
و على الطرف الآخر سمع صوت امرأة تحييه و ترحب به وعندما طلب منها رقم فتاته قالت له : عاود الاتصال بعد عشر دقائق ..
مرت وكأنها دهر .. اتصل مره أخرى بالوسيطة لكي تعطيه رقم الهاتف لفتاته .. وكتبه بشوق و لهفة ثم شكرها وأغلقت الخط وأخذ يتأمل الرقم المذكور ويحبس أنفاسه .. ويقول الحمد الله سأتصل بها .. هذه من أحببت .. من عشقت .. سيكون لقاءً عاصفاً لنا ..
أخذ قلبه يقفز من مكانه و نبضه يتجاوز الحد المعقول .. العرق يتصبب منه في عز الشتاء و البرودة ..نعم سأكلمها .. سأطوي ليالي السهر والحزن والشوق ..
سألتقي بمن أحبها قلبي ..
أمسك بجواله وأخذ يقرأ الأرقام بيد مرتعشة و لهفة شديدة .. بعد لحظات سيرن جوالها و يسمع صوتها الذي طالما حلم به ..
هاهو الجوال يرن موسيقى جميلة تنساب إلى أذنيه وعلى الطرف الآخر أتاه صوت ناعم جميل يخاطبه بشوق ولهفة .. إنها فتاته .. وأخذ ينصت إليها وهي لم تعرف شخصيته بعد لا زالت غامضة لم تترك له فرصة للكلام إنها أكثر لهفة وشوقاً منه..
نعم إنها هي لقد عرف صوتها وعلى الفور أغلق جواله وفي الغد اشترى شريحة أخرى وعاد يبحث عن تعارف جديد بديلاً عن طليقته.