تحليلات
مسؤولو التربية شركاء في التدمير..
تقرير: لماذا يدمر التعليم في العاصمة عدن؟
طالبات في احدى مدارس عدن
مشاكل جمة تعانيها العملية التعليمية في العاصمة عدن عموما, منذ أن اجتاحت القوات الشمالية الجنوب في منتصف تسعينات القرن الماضي، حيث ان التعليم يعد ابرز من طالته تلك الحرب الشهيرة التي قضت على كل شيء، قبل ان تتعرض عدن والجنوب لحرب أخرى في مارس من العام 2015م.
والى يومنا هذا وبعد ما يربو على عامين ونصف عام من التحرير وهو في حالة تدهور, فاغلب القائمين على هذا المجال وجدوا هذه الايام فرصة للوصول الى ما يتمنون, بمساعدة معاونيهم في الجهات العليا المنتهزين غياب المسؤولين.
يشكو عدد من مدراء المدارس في مديرية التواهي غياب دور مكتب عام التربية والتعليم بالمحافظة, فالصعاب تقف حجر عثرة امامهم منذ أن استؤنفت الدراسة, وأولياء أمور الطلاب هم الاخرون يشكون غياب الكتب المدرسية الجديدة فما يستلمه الطلاب كتب تشكو التمزق في وقت تتوفر فيه الكتب الجديدة وبشكل كبير على امتداد أرصفة الشوارع.
في هذا التحقيق الذي أعده قسم التحقيقات نسرد تفاصيل كاملة عن واقع العملية التعليمية في مديرية التواهي وهي نموذج لمعاناة باقي المديريات .
قال مدير مكتب التربية بالمديرية الاخ/ أنيس حجر : بداية العام الدراسي الجديد 2017-2018 وفي ظروف تعتبر استثنائية لهذه المحافظة هناك ظروف واجهتنا ولكن الحمد لله بوجود التعاون من قبل الجميع استطعنا التغلب على بعضها والبعض الآخر ظروف قاهرة خارج عن ارادتنا, منها المشاريع المتعثرة, كثانوية تمنع للبنات, ومدرسة ابن سينا للبنات جميعها مدارس تعليمية للبنات, وتعثر هاتان المدرستان يشكل عقبة في طريق استقرار العملية التعليمية، اوجدنا البديل لمدرسة ابن سينا ولكن البديل لمدرسة ثانوية تمنع غير مناسب والان نبحث على تموين لترميمها, لذلك نحن نناشد السلطة في المحافظة وإدارة التربية ووزير التربية وكذا السلطة العليا الممثلة برئاسة الوزراء, بان يساعدوا هذه المديرية على استئناف المشاريع المتعثرة.
وأضاف: بالنسبة للمشكلة الأخرى فهي ترميم المبنى البديل لثانوية تمنع, وقد قمنا بدراسة راجين اعتمادها من قبل السلطة المحلية, ومن المشاكل نقص عناوين الكتب في بعض المدارس واستطعنا التغلب عليه من المخزون الذي لدينا لكن بعضه قديم وتالف, واضطررنا لتوزيعه على الطلاب للدراسة به حتى تعمد وزارة التربية والتعليم إلى توفير الكتب للمراحل الاساسية ونتمنى خلال هذه الايام استكمال توزيع الكتب للمراحل العليا سواء في المدارس الاساسية او الثانوية.
تدخلات خاطئة
رغم كل المشاكل التي تعانيها المرحلة التعليمية في مديرية التواهي خاصة, فإن هناك تدخلات خاطئة تمارسها بعض القيادات العليا بالتربية, هذا ما اكد عليه حجر بالقول: هناك صعاب اخرى فنحن نواجه من قبل بعض التدخلات للقيادات العليا, التي تكون قراراتها لا تخدم العملية التعليمية والتربوية, ونحن مع السلطة المحلية بالمديرية ومكتب التربية بالمحافظة والخيرين في هذه المديرية نعمل على اجتثاث الفساد من اجل تحسين العملية التعليمية, ومن مشاكلنا عدم تنفيذ القرارات التي يكون فيها مصلحة للتعليم سواء من خلال التغييرات الإدارية او سواها, ونتمنى من الجهات العليا مساعدة الجهات الدنيا في تطبيق القرارات التي تكون لصالح العمل لأنه في نظرنا هناك اشكاليات يسببها بعض الاشخاص في المجال التربوي ونحاول بكل السبل إيجاد تغييرات لها, مشيراً الى أن بعض الاشخاص يعملون على العرقلة ونشر الفساد, فالعملية التعليمية والتربوية امانة يجب من الجميع ان يحافظوا عليها, وخلال الفترة القادمة اذا لم تحدث نقلة نوعية وجذرية للعملية التعليمية والتربوية, فانه في الوقت القريب العاجل ولعدم وجود خطط استراتيجية بناءة سوف تتدهور العملية التعليمية, وتحدث كارثة تعليمية.
10% أعباء إضافية
شهدت العاصمة عدن خلال هذه الفترة نزوحاً كبيراً من خارج المحافظة ليشكل الطلاب القادمون من مناطق النزوح اعباء إضافية.
وفي هذا الجانب يقول حجر (يومياً نستقبل أبناءنا الطلاب, الى مدارس المديرية وفوق طاقتنا ولكن هذا واجبنا فيجب ان نسهل للكل لاجئاً او نازحاً الى هذه المحافظة بشكل عام والى مديرية التواهي بشكل خاص, فنعمل على ترتيب الوضع التعليمي في مدارسنا وبشكل يومي, حيث يشكل عدد النازحين من خارج العاصمة عدن نسبة عشرة في المائة من اجمالي عدد طلاب المديرية, ومع هذا نحن وفرنا لهم الجو المناسب وقمنا بترتيبهم وإيجاد الحلول لهم حتى لمن لم يستطع ان يحمل الوثائق كانت هناك اجراءات من الجميع من اجل تسهيل التحاق هؤلاء الطلاب بالعملية التعليمية والتربوية ليعوضوا ما فاتهم.
مدرسو المواد
تم تشكيل لجان عمل من قبل الإخوة مدراء المدارس واقسام التعليم وتمت التهيئة لاستقبال هذا العام, في التخصصات العلمية وتم احداث تنقلات للمعلمين بحسب الاحتياج, فلا نقص في المعلمين ولا احتياج لكن هناك سوء توزيع وخلال الفترة الماضية, عملنا اعادة توزيع لبعض التخصصات والحمد لله غطينا الكثير من التخصصات, لكن مازلنا بحاجة الى تخصصات مثل القران الكريم.
ممارسات خاطئة
هناك بعض الممارسات التي تقوم بها الجهات العليا في التربية تختلف باختلاف هواية كل مدرس فمنهم من وجدوا في ظل هذه الأوضاع من يساعدهم، هذا ما اشار اليه حجر حيث قال: نحن بحاجة لوقف بعض القرارات التي تصدر من الجهات العليا والتي تقضي بنقل معلمين الى جهات اخرى وكذا تفريغ بعضهم و نقل اخرين الى الجامعة, نطالب بوقف هذه العملية كوننا بحاجة الى هؤلاء المدرسين.
فالمعلم يجب ان يخدم المدرسة والطلاب حتى ولو أراد تأهيل نفسه سواء في الماجستير أو الدكتوراه, فان الاحق ان يخدم الطلاب والطالبات في المدارس لكونه موظفاً.
وأبدى استغرابه من كون بعض التنقلات تتم بلا أي تنسيق وتتفاجأ انت كمدير في مكتب المديرية, بسحب مدرس الى مديرية أخرى والمدرسة بحاجة إليه, فاضطر في بعض الاوقات الى ترتيبات داخلية, مثل نقل مدرس من مدرسة الى اخرى, أو توزيع الحصص في المدرسة نفسها, وهذه التغطية يقوم بها قسم التعليم, هذه من ضمن المعاناة التي تواجهنا في المديرية.
وقال حجر: نحن نحاول ان نساعد ابناءنا في التعليم, عدن معروفة بحضارتها ومدنيتها, وهناك بعض القوانين في عدن مثل التسجيل بشهادة الميلاد, و من اجل تخفيف الكثافة الطلابية حددنا مربعاً لكل مدرسة حسب السكن فمثلا منطقة البنجسار فيها مدرسة تمنع فحددنا ان ابناء البنجسار عليهم أن يسجلوا فيها.
شكوى
تشكو ادارة ابن خلدون من الكثافة الطلابية حيث تصل نسبة الطلاب من فئة المهمشين فيها الى 70 %من اجمالي طلابها, وقالت رجاء القاضي مديرة المدرسة: تعاني فصول المدرسة من تزايد اعداد الطلاب ففي الفصل الواحد سبعون طالباً وطالبة, والسعة الكلية للفصل 40 طالباً ولأن إدارة المدرسة تحرص على ألا يحرم اي طالب من التعليم أجبرت على ضمهم.
غياب الكتب
وتقول رجاء: اما المعاناة الثانية فهي غياب الكتب ومطالباتنا الحثيثة تجابه بوعود مستمرة وحجج بعدم الطبع, ولا ندري إلى متى سنستمر على هذه الوعود؟ متسائلين اين هم طيلة فترة الإجازة من طبع الكتب المدرسية؟.
غياب الدعم
مشاكل عدة تعمل على اعاقة سير العملية التعليمية في مدرسة ابن خلدون كما ذكرتها الأستاذة رجاء منها تعطل الادوات الكهربائية التي لم تستطع إدارة المدرسة صيانتها بصورة مستمرة بسبب غياب الدعم, فالميزانية الشهرية للمدرسة 20 الف ريال منها 10 آلاف تذهب أجر موظفة وتتبقى 10 آلاف فما مقدور الإدارة ان تفعل بهذا المبلغ الزهيد.
غياب ذات الاختصاص
تقول رجاء: متابعات حثيثة نقوم بها كالتواصل مع ادارة التربية بخور مكسر لنقل معاناتنا من غياب الكتب وقلة المعلمين لكن لم نتحصل على شيء.
ففي حالة ان تغيبت مدرسة عن الحضور تتعطل معها 4 حصص في اليوم ونظراً لنقص المدرسين يتحمل المعلم أعباء ثلاثة معلمين, حيث يبلغ عدد الطلاب في المدرسة الى 930 طالباً وطالبة, وهذه المدرسة وفي هذه الحالة تعتبر مدرسة نموذجية بالنسبة لباقي المدارس التي تعاني غياب مدرسي بعض الفصول.
هدم متعمد
انتقلنا الى مدرسة اخرى على امل ان تكون احسن حالاً من ذي قبلها ولو باهتمام يسير من الجهات المعنية في المحافظة, لتبعث فينا روح الامل والتفاؤل فوجدناها هي الأخرى تشكو التغيب وعدم الاهتمام في حالة توحي بانتهاء العملية التعليمية إذا استمر الوضع على ما هو عليه في مدينة عرفت بالعلم والتعليم, وانجبت العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية, وأصبحت اليوم تحت سيطرة الهدم المتعمد للتعليم.
تحكي لنا الأستاذة رحيمة مديرة مدرسة ابن سينا تفاصيل معاناتها حيث تقول (معاناة كبيرة نعيشها منذ سنوات ولها اسباب عدة منها الكثافة الطلابية التي ولدها تعثر مشروع بناء مدرسة ابن سينا التي تم هدمها, فعدد الطلاب يصل إلى حدود 1200طالب وتصل اعداد الطلاب في المستويات الاول والثاني والثالث الى 100 طالب في الفصل الوحد, كون هذه المكان تابع لمدرسة الميناء ووجد كبديل موقت لمدرسة تعثر انجازها).
وتشير الى ان قضية مدرسة ابن سينا بحاجة الى تدخل الوزارة والجهات الامنية, واذا لم يكن هناك تعاون من الجهات العليا وتحرك جاد فلا فائدة.
مخزون قديم
غياب الكتب عن مدرسة ابن سينا جعل الادارة تلجا الى صرف الكتب الاكثر استخداماً ,تقول رحيمة (لنا 3 سنوات منذ استلمنا كتباً جديدة, وهذا العام تم توفيرها للصفوف الاول والثاني والثالث وبقية الصفوف نسلمهم من المخزون القديم, بالإضافة الى بعض الكتب التي نتحصل عليها من اولياء امور بعض الطلاب، ونحن نقوم بتلخيص الدروس لنخفف من المعاناة لكن لابد من الكتب, نحن في هذه المدرسة نعمل بشتى الوسائل ونوجد المخارج حتى نخرج بعمل لا يضر الطالب ولا يتعب المدرس والحمد لله متجاوزين منذ 2015م هذه الاشكاليات).
إصلاحات جذرية
وأشار رحيمة إلى انه اذا ارادت الجهات المعنية ضبط الامور في العملية التعليمية عليها ان تبدا اولا بضبط المعلمين المفرغين الذين يحصلون على تقارير طبية، فلابد أن تكون هناك جهة تقوم اولا بفحص هذه التقارير وفحص المريض, لكن المشكلة أن من جاء معه تقرير تم التوقيع له وهذه الامور سببت خربطة، حتى أصبح المعلم يداوم متى شاء ويتشرط نزوله في المدرسة التي يشاء وهذه الامور تتسبب في عدم تقدم التعليم.
حل المشاكل.. وجهة نظر
واختتمت بالقول: لابد ان يبدأ حل المشاكل من الاسفل بكل وضوح وشفافية, وحتى استطيع ان احل مشاكلي على اساس اقضي على الظواهر واقضي على الفساد لابد ان أبدأ من المدرسة ومن ثم انطلق الى خارج المدرسة.
سعر مكلف
يشكو اولياء الطلاب في عدن من عدم استلام اولادهم الكتب المدرسية الجديدة فالبعض منهم يسلم لهم كتب تالفة واخرى توشك على الانتهاء, بسبب كثرة تداولها بين الطلاب منذ سنوات, يقول احد المواطنين (بعض المدرسين يحددون الوحدات التي يركز فيه الطالب على المذاكرة, وعند البحث عنها لا نجدها بسبب تمزق الكتب ما يجعلنا نقوم بشراء الكتب من الباعة المتواجدين في الشوارع, وهذا مكلف حيث يصل سعر الكتاب الى 350 لبعض المواد, اذا اردنا أن نستبدل بالكتب كلها أخرى جديدة من خلال شرائها من بائعي الشوارع يصل أجمالي سعر الكتب الى 3000 الاف ريال, وهذا مكلف بنسبة فلا نستطيع دفع هذا المبلغ لسوء الحالة المادية.
وناشد الطلاب وزير التربية والتعليم النظر في قضية الكتب المدرسية كونها لا تصرف الى المدارس وما تقوم به ادارة المدرسة هو صرف كتب من مخزونها بعضها تالفة, ونحن لا نستطيع شراءها من الاسواق كون سعرها مرتفع).
تاريخ ولكن
عدن لها تاريخها ومكانتها منذ مئات السنين لكنها اضحت في طي النسيان, بعد ان هدم كل ما هو جميل فيها ليستمر هذا العمل الممنهج في التدمير, وهو ما سيرفض جملة وتفصيلا, في مشهد لمستقبل سيلوح نوره في الايام المقبلة.