بحوث ودراسات
في ظل استمرار الصراع وانقسام الحكم بين صنعاء وعدن
تحليل: هل يصبح استقلال الجنوب مطلبا إقليما؟
يتساءل كثيرون من يحكم اليمن ؟ أو كيف تدار اليمن البلد المضطرب منذ ربع قرن إثر فشل الاتحاد الهش الذي تم بين الدولتين الجارتين في مطلع تسعينات القرن الماضي.
ليس هناك حاكما وحيدا لليمن بشكل عام أو يمن ما بعد عام 1990م, الحرب أعادت وضع اليمن إلى ما قبل توحد البلدين الجارين.. محرر صحيفة اليوم الثامن يحاول استعراض ما افرزته الحرب من واقع ويضع جملة من الخيارات التي تبدو اقرب للصواب.
هناك (حُكمان) يمن جنوبي ويمن شمالي, فاليمن الجنوبي تحكمه السلطات الشرعية, وهذا أتى بعد أن تمكن سكان المحافظات الجنوبية, الذين يطالبون منذ سنوات بالاستقلال واستعادة دولتهم السابقة, من تحرير بلدهم, باستثناء ثلاث بلدات ريفية لا يزال القتال فيها مستمرة وهي بلدات مكيراس وكرش وبيحان.
اليمن الشمالي بات اليوم مجزأ، فجزء منه يسيطر عليه الإخوان المسلمون ويتمثل في محافظة مأرب النفطية, والإخوان هم حلفاء غير موثوق فيهم للتحالف العربي الذي تقوده السعودية, وجزء آخر لا يسيطر عليه أي طرف كما هو حاصل في تعز وإب والبيضاء, فهذه المحافظات تسيطر عليها مليشيات متقاتلة فيما بينها, والحسم لمصلحة الشرعية باتت تواجهه حسابات قوى سياسية ومليشيات ليست متحالفة بشكل جدي مع التحالف والشرعية.
في حين أن العاصمة اليمنية صنعاء وبلدات اليمن الشمالية الزيدية أو الواقعة شمال صنعاء تقع تحت حكم الزيود لمصلحة الحوثيين وأتباع المخلوع صالح.
لكن في كل الأحوال تقاسم السيطرة على اليمن ليست بالمستوى الذي يريده الناس, فالحكومة الشرعية في عدن لم تستطع أن توفر رواتب للموظفين الحكوميين, في حين أن سلطات الحوثي والمخلوع صالح التي سيطرت على البنك المركزي في صنعاء لنحو عامين ورفضت تصرف رواتب الموظفين الجنوبيين بسبب حسابات جهوية.. كما يقول البعض.
يشكو الكثير من الجنود والضباط الجنوبيين الذين قاتلوا في صف الشرعية أنهم لم يتسلموا مرتباتهم منذ مارس (آذار) من العام المنصرم تاريخ اجتياح قوات صالح ومليشيات الحوثي لقوات المخلوع صالح.
الكثير من رجال هادي متهمون بالاستيلاء على أموال قدمتها السعودية, كرواتب للمقاومة الشعبية في الجنوب, لكنها لم تصرف؟!، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لتبادل الاتهامات.
مستقبل اليمن يبدو مخيفاً, فالصراعات والتقسيمات العرقية بدأت في التوسع, في حين أن الحسابات الإقليمية والدولية باتت في صراع مستميت على هذا البلد الغني بالثروات النفطية والطبيعية، ناهيك عن أنه يقع على ممر دولي مهم.
سكان وسط اليمن الذين يعانون من التهميش والحرمان منذ أكثر من قرن من الزمان باتوا اليوم يشعرون بالحرية ويرون أن الدولة الاتحادية التي أقرها مؤتمر الحوار اليمني هي السبيل الوحيد للخروج من الهيمنة الزيدية, في حين يصر الجنوبيون على استعادة دولتهم السابقة التي اجتاحها نظام صالح في مناسبتين الأولى كانت انقلابا على مشروع الوحدة في حين أن الحرب الأخيرة أتت لمصلحة إخضاع كل اليمن لحساب طهران, إلا أن الرفض الشعبي في الجنوب للتواجد الشمالي دفع الناس للانخراط في المقاومة الشعبية (وهي تشكيلات مسلحة قادها محاربون قدامى) قاتلت الحوثيين وقوات صالح تحت علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي), وعقب مساندة التحالف العربي الذي تقوده السعودية للجنوبيين تمكنوا من تحرير عدن العاصمة في منتصف يوليو (تموز) 2015م.
وعلى هذا الأساس يظل الحكم متشظيا, في بلد متشظ منذ أكثر من ربع قرن, ويظل محل تجاذب وصراع إقليمي ودولي.
يعتقد سياسيون ومحللون أن الجهود الدولية التي تقوم بها الأمم المتحدة لا يمكن لها ان نجح في ايجاد تسوية سياسية الأمر الذي يجعل مهمة ايقاف الحرب صعبة، وهو ما يعني مزيدا من المجاعة والقتل والدمار للمدنيين.
يضع الكثير من السياسيين الحل هو في العودة الى ما قبل العام 1990م ، لكن هذا قد يتطلب قرارا دوليا واقليميا، وهو ما لا ترغب به بعض دول الخليج وخاصة السعودية التي لا تتمنى ان يكون لديها جار لديه تحالفات مع إيران، لكن هذا ما يمنع ان تؤمن الجارة الكبرى حدودها مع اليمن الجنوبي السابق وخاصة مياه بحر العرب وباب المندب.
فالحل الذي قد يكون متاحا هو الاحتكام الى الشعب في الجنوب ورغبته الجارفة في الاستقلال عن صنعاء، (الجار السيء).
الرغبة الإقليمية قد تكون خيارا أخيرا في دعم مشروع استقلال الجنوب، فالوحدة التي كان الجنوبيون يحلمون انها تزيد من قوتهم، أضعفتهم وجعلت منهم فقراء لا يقدرون على الحصول على اي شيء من ثروات بلادهم النفطية والطبيعية، ناهيك انها فتحت الباب على مصراعيه امام المد الإيراني.
فالحركة الحوثية نشأت قبل الوحدة اليمنية بعقود، الأمر الذي جعل الرئيس اليمني المعزول علي صالح يستغل هذه الحركة لتحقيق مطامعه وابتزاز دول الخليج وابرزها السعودية.
طلب صالح ابان حكمه تدخل السعودية في القتال الى جانب قواته، وشاركت الرياض بطيران عسكري وخاضت قواتها على الحدود في العام 2009م معارك ضد المتمردين الحوثيين.
ولكن هناك مسألة ربما تحول دون دعم الرياض لخيار استقلال الجنوب، والمتمثلة في ان الشمال اليمني مساحة جغرافية ضيقة وخزان بشري ضخم دون موارد، الأمر الذي قد يجعل السعودية تفضل بقاء ثروات الجنوب مصدرا للشماليين، خشية ان يتحول يتسلل الشماليون إلى اراضيها بحثا عن العمل.
فالسعودية قد تعقد انها غير قادرة على دعم الشمال بشكل متواصل فهي ترى ان بقاء الجنوب متوحدا مع الشمال سوف تساهم ثرواته في التخفيف من الاعباء المالية على الرياض، لكن هذه تبقى مشكلة سعودية، لكن ماذا بشان الجنوب؟
هل سيسمح سكان الجنوب بان تظل ثروات بلادهم تصدر إلى صنعاء، خاصة في ظل العدوان المتواصل على بلادهم .. مسألة تبدو معقدة وقد يعني استمرار الاقتتال بين الشماليين والجنوبيين، حيث سيحاول الشمال بكل قوة في محاول اخضاع الجنوب، فيما يصر الجنوبيون على الخلاص من هذا الاحتلال، وهو ما يعني تدهور البلد وفشله مستقلا ويصبح الخليج الأكثر تعرضا للتهديد في حالة وفشلت الدولة في اليمن.
ولكن يبقى الخيار الأكثر عقلانية هو دعم اقامة دولة حقيقية في الجنوب بغض النظر عن هويتها او توجها افضل من السير في طريق مظلم ليس له نهاية، خاصة في ظل عجز الحلفاء الاستراتيجيين في شمال اليمن تحقيق أي انتصارات على الارض.