بحوث ودراسات
ماذا تعرف عن خطر الجوع؟
رحلة من إفريقيا الوسطى إلى اليمن
في ربوع العالم، وتحديدًا في مناطق النزاع والحروب هناك خطر آخر يحاصر الأطفال غير القتل بالأسلحة المتعددة، الجوع الذي يجعلهم بوجوه متورمة، وأعين غائرة، وبطون منتفخة.
لقد أظهرت أرقام سابقة أن حوالي 21 ألف شخص يموتون يوميًّا بسبب الجوع، ما يعني موت شخص واحد كل أربع ثوانٍ، غالبيتهم من الأطفال، أما تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) الذي صدر قبل أيام، فيحمل أرقامًا صادمة تظهر أن: «نحو 1.4 مليون طفل يواجهون خطر الموت نتيجة مجاعات في نيجيريا، والصومال، وجنوب السودان، واليمن»، وذلك بسبب سوء التغذية الحاد، ومع صعوبة تحقيق أجندة إنهاء الجوع في عام 2030 التي وضعتها الأمم المتحدة، تظهر الأرقام الخطيرة أن الجوع يقترن بشكل كبير بالنزاعات المسلحة التي اعتبرت السبب الرئيسي للجوع وفقر التغذية، ولذلك يرتبط إنهاء الجوع بالعمل على حل النزاعات ومنعها.
أطفال الصومال والبطون المنتفخة
«لقد بعت كل شيء من أقدار ومعالق وصحون وملابس وحصيرة وصفائح المياه لأشتري دقيق المنيهوت، إلا أنه في نهاية المطاف يبقى غاليًا جدًّا علينا«، تختصر السيدة الصومالية «كارانيتيني» بتلك الكلمات معاناتها.
فهي عندما عجزت عن توفير الدقيق كان خيارها كما غيرها من أهالي المنطقة التي تسكن فيها، أن تتوجه نحو أكل أوراق الصبار وثماره، إلا أن ابنتها الصغيرة «فاهان» لم تتقبل أمعاؤها هذا الطعام؛ فأصيبت بالإسهال والتقيؤ، ثم توفيت لاحقًا.
كانت «فاهان» قبل وفاتها تشبه الكثير من أطفال الصومال الجوعى، نحيلة جدًّا بسبب سوء التغذية وبطنها منتفخة، فأطفال الصومال لا يقوون على الذهاب للمدرسة بسبب غياب الطعام، إذ يواجه 50 ألف طفل الموت بسبب الجفاف هناك، وحسب أرقام اليونيسيف الأخيرة فإن: «من المتوقع أن يعاني 185 ألف طفل من سوء تغذية حاد في الصومال هذا العام، ولكن من المرجح أن يرتفع هذا العدد إلى 270 ألف طفل خلال الأشهر القليلة المقبلة».
ويعد الموت بالجوع الذي يستبعده العرب في قولهم «لا أحد يموت من الجوع» أمرًا واقعًا في الصومال، حتى أن 29 يناير (كانون الثاني) الماضي سجل فيه وفاة سبعة صوماليين بينهم أطفال جراء الجوع في إقليم جيدو.
الجفاف الواقع في القرن الإفريقي يأتي أثره بشكل كبير في توفير المزروعات والطعام لملايين الصوماليين، إذ لا يملك خمسة ملايين صومالي (نحو 40% من السكان) ما يكفيهم من الطعام لسد رمقهم بسبب ندرة الأمطار، هذا الجفاف الذي تسبب عام 2011 في وفاة 260 ألف شخص،
ومع بداية حرب الصومال في عام 2009، سجلت وفاة 133 ألف طفل دون عمر الخامسة بسبب انعدام الأمن الغذائي؛ بل إن أرقامًا أدق تؤكد أن حوالي 258 ألف صومالي نصفهم من الأطفال، قضوا نحبهم جوعًا بين أكتوبر (تشرين الأول) 2010، وأبريل (نيسان) 2012.
وتذكر المصادر الأممية أنّ حصيلة ضحايا الأزمة الغذائية في الصومال هي 4.6% من إجمالي السكان، و10% من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات لقوا حتفهم في جنوب الصومال ووسطه، وتزيد المأساة في الأقاليم الصومالية الجنوبية، هناك حيث تفرض حركة الشباب المتطرفة حظرًا على دخول المنظمات الإغاثية الدولية إلى المناطق المتضررة من الجفاف.
ورغم تخصيص البرنامج الغذاء العالمي ميزانية قدرها 1,5 مليون دولار للعام 2017، إلا أنه مبلغ ضئيل في وقت يحتاج جنوب مدغشقر إلى 189 مليون دولار على ثلاث سنوات لتطويره؛ حتى يقاوم الجوع بفاعلية أكبر.
خطر الموت يقترب من مليون طفل في جنوب السودان
في البلد الذي يشهد حربًا أهلية منذ ديسمبر (كانون الأول) عام 2013، أعلنت رسميًّا المجاعة في مناطق بجنوب السودان قبل أيام، وبذلك حسمت معركة المصطلحات بين «مجاعة حقيقية» التحذير الذي خلص إليه مجموع من المنظمات الدولية، وأبرزها برنامج الغذاء العالمي، و«فجوة غذائية لن تصل إلى مرحلة المجاعة» كما ترى حكومة جنوب السودان في نفيها لما أسمته «تقارير غير واقعية».
تقرير «يونيسيف» الذي صدر هذا الأسبوع أكد أن 270 ألف طفل في جنوب السودان يعانون من سوء تغذية حاد، بينما تشير مؤسسة إنقاذ الطفولة الخيرية إلى أن أكثر من مليون طفل في جنوب السودان يواجهون خطر الموت جوعًا، يأتي هذا مع التحذير من إبادة جماعية محتملة كما قالت الأمم المتحدة، وكانت تقارير سابقة قد أكدت أن خطر الافتقار الحاد للأمن الغذائي ينتظر نحو 5.3 مليون شخص في جنوب السودان بعد أن شكل العام الماضي أسوأ موسم قحط منذ استقلاله، إذ قد يتسبب الافتقار للأمن، وضعف المحاصيل في مصير مرعب، وكارثة مؤلمة لهؤلاء.
لقد اجتمع على مواطني هذه المناطق الحرب، والتباطؤ الاقتصادي، والجفاف، فولايتي الاستوائية وبحر الغزال اللتان يعدان سلتي الحبوب لباقي البلاد انتشر فيهما القتال، فـ«القتال المستعر يهدد الموسم الزراعي المقبل، مما ينذر بعواقب وخيمة للأمن الغذائي في بقية دولة جنوب السودان«، كما جاء في بيان منظمة الأغذية العالمية الفاو.
وأضاف البيان أن: «زيادة القتال يعرض الموسم الزراعي المقبل للخطر، مع احتمالات مقلقة بأن يؤثر ذلك على الأمن الغذائي لكامل جنوب السودان»، ووصلت أسعار المواد الغذائية لارتفاع قياسي بعد عامين من الحرب الأهلية التي اندلعت، وهو ما نجم عنه موت الناس جوعًا بعد إصابتهم بسوء التغذية، ومعاناتهم من انعدام الأمن الغذائي في مناطق القتال، فمستويات «مخيفة من الجوع في جنوب السودان» كما تصفها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، التي أكدت «تناقص كميات الغذاء المتوفرة وتواصل موسم القحط، وأن أسعار المواد الغذائية بلغت مستويات قياسية».
أطفال اليمن.. التسول لا يُسد جوعهم
«حين رأيتهما هيكلين عظميين متحركين، أحسست بفداحة المأساة التي يعيشها هذان الطفلان، كانا يعانيان من سوء تغذية وخيم، ولا يتحركان إلا بصعوبة»، تلك شهادة العامل في الصندوق الاجتماعي للتنمية إبراهيم الكلعي عن حال طفلين يمنيين يعيشان في بيتٍ من القش، على أطراف قرية البقعة الواقعة جنوب بلدة التحيتا.
لم يكن الطفلان وحدهما اللذان يعانيان من سوء التغذية، ولا حتى أطفال قريتهم فقط، فهناك مليون و500 ألف طفل تحت سن الخامسة، معرضون لخطر سوء التغذية منذ عام 2016، منهم 370 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد والوخيم، أما الأرقام التي صدرت قبل أيام عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) فتؤكد معاناة 462 ألف طفل من سوء تغذية حاد في اليمن.
وتأتي الأيام التي تعيش فيها اليمن حربًا بين السلطة الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، والتحالف العربي الذي تقوده السعودية مقابل جماعة الحوثي المتحالفة مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وأنصاره، بمزيد من الويلات على اليمن، فقد وصل وضع اليمن مع الجوع والذي اعتبر أنه لم يشهد له مثيل في العالم، لحد القول إن اليمنيين يواجهون بالفعل خطر التعرض لمجاعة عام 2017، وبشكل عام هناك أكثر من 21 مليون يمني (من أصل 26.6 مليون نسمة) بحاجة للمساعد لكونهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، منهم 7.6 ملايين يعانون انعدامًا غذائيًّا شديدًا.
بعد عامين من الحرب، وبعد أن وجد الأطفال اليمنيون أنفسهم مضطرين للتسول من أجل تأمين الطعام تأتي أرقام منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) لتؤكد: «أن طفلًا يمنيًّا واحدًا على الأقل يموت كل عشر دقائق بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، مثل: الإسهال، وسوء التغذية، والتهاب الجهاز التنفسي»، فهناك 2.2 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، ويحتاجون إلى العناية العاجلة، وأن من بينهم 4622 ألف طفل على الأقل يعانون من «سوء التغذية الحاد الوخيم»، في زيادة تصل نسبتها إلى 200% مقارنة بعام 2014.
هذا الوضع دفع الحكومة اليمنية لإعلان محافظة الحديدة «منطقة منكوبة»؛ بسبب انتشار المجاعة وانعدام الأمن الغذائي فيها.
نيجيريا.. ربع أطفال المخيم يموتون جوعًا
ارتفاع كبير في أسعار الغذاء، وشح في محصود الموسم الأخير بنيجيريا، يبدو أن هذا الوضع سيزيد من الأرقام التي أوردتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن: «نحو 5.5 مليون شخص بحاجة لمساعدات غذائية في شمال شرق نيجيريا».
فسكان نيجيريا يعانون بشكل كبير من التضخم، والارتفاع الحاد في أسعار الغذاء، لتصبح غالبية الضحايا الذين يواجهون خطر الموت بسبب الجوع هم من الأطفال، ففي مسح أجرته منظمة أطباء بلا حدود يظهر أن «ربع عدد الأطفال تحت سن الخامسة توفوا بسبب الجوع أو المرض في مخيمي لاجئين شمال شرقي مدينة مايدوغوري«، حسب ما قالت مديرة برنامج طوارئ شمال شرق نيجيريا التابع لمنظمة أطباء بلا حدود «ناتالي روبيرتس».
ولأن المناطق التي تنشط فيها جماعة «بوكو حرام» منذ سبع سنوات في شمال شرق نيجيريا، هي الأكثر تضررًا، دعت الأمم المتحدة لمرافقة قوات عسكرية مع عمال الإغاثة الذين يحاولون الوصول إلى مناطق الجوع، وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) قد أكدت أن: «ظروفًا تشبه المجاعة في المعقل السابق لجماعة بوكو حرام المتشددة في شمال شرق نيجيريا قد تتسبب في وفاة 75 ألف طفل إذا لم يتلقوا مساعدات، إذ يرتفع عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد إلى 450 ألف طفل في نيجيريا».
وعلى سبيل المثال، يموت عشرة أشخاص على الأقل يوميًّا في مخيم بانكي في شمال شرق نيجيريا، فاللاجئون لا يحصلون على الكميات الكافية من الغذاء، ويموت الأطفال من الجوع.
هل ينتهي الجوع من العالم؟
تؤكد أكبر المنظمات المهتمة بالشباب والتغيير الاجتماعي، منظمة «دو سمثينغ»، أن: «11% من سكان العالم يعانون الجوع وسوء التغذية، إذ يستهلكون 1200 سعر حراري يوميًّا، وهو أقل من الحد الموصى به»، بينما يشير مؤشر الجوع العالمي لعام 2016 إلى أن: «الجوع تراجع على مستوى العالم منذ عام 2000 بنسبة 29%، إلا أنه ما يزال هناك 795 مليون شخص يعانون من سوء التغذية في العالم».
ويؤكد التقرير الصادر عن معهد بحوث السياسات الغذائية الدولية أن: «النزاعات المسلحة مثل التي في اليمن، أو دولة جنوب السودان، أو سوريا هي السبب الرئيسي في الجوع وسوء التغذية، كما أن إفريقيا الوسطى من أشد الدول التي يعاني مواطنوها من الجوع، كما تعاني كل من تشاد وزامبيا وهايتي ومدغشقر واليمن وسيراليون من مشكلة جوع فادحة».
لا يعني ذلك أن هذا العدد الكبير من الوفيات بسبب الجوع ناجمٌ عن نقص المواد الغذائية في العالم، فما هو متوفر يكفي الجميع، إذن المشكلة تكمن في أن سكان هذه المناطق التي أنهكتها النزاعات لا يملكون المال لشراء ما يكفيهم من الطعام.
ولكن هل من الممكن القضاء على الجوع؟ حسب مؤشر الجوع العالمي لأجندة إنهاء الجوع في كل مكان بحلول عام 2030 التي وضعت العام الماضي، يُشار إلى أن القضاء على الجوع بعد 13 عامًا وفقًا لأهداف الأمم المتحدة ليس في طريقه للتحقق في المناطق التي تعاني من الجوع، فأكثر من 45 دولة ستبقى تعاني من القلق جراء معدلات الجوع لديها في عام 2030، ويظهر تقرير نشرته صحيفة «إندبندنت» البريطانية أنه: «بعد عام من وضع المجتمع الدولي هدف إنهاء الجوع بحلول عام 2030، وجد مؤشر الجوع العالمي لعام 2016 أن 50 دولة حول العالم لا تقوم بواجبها تجاه سكانها بتقديم الطعام الكافي لهم»، ويوضح المدير التنفيذي لشركة «كونسيرن وورلدوايد» دومينك ماكسورلي، أنه: «تعطينا أجندة 2030 طموحًا والتزامًا للوصول إلى مستوى صفر جوع (إنهاء لجوع)»، مضيفًا: «لدينا التكنولوجيا والمعرفة والمصادر لتحقيق هذه الرؤية، وما هو غائب الآن هو الشعور بالأزمة، والإرادة السياسية لتحويل الالتزام إلى أفعال».