بحوث ودراسات
أخطاء في التقدير..
تحليل: ماذا لو قرّر التحالف إنهاء مشاركته في اليمن؟
أحيا اليمنيون، شمالاً وجنوباً، ذكرى ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963. واتفقت الآراء حول مآثر وأواصر العمل الثوري التحرري، وافترقت –هذا العام أكثر من سابقيه- حول المآلات التي صارت إليها الأهداف وأولها "نظام الحكم الجمهوري" الذي مني بانتكاسة مؤلمة بلغت ذروتها في الانقلاب الحوثي.
وبات النقاش اليمني في 2018م منقسماً على نفسه إزاء قضايا كانت محل إجماع لدى ثوار وثورتي سبتمبر وأكتوبر وعلى رأسها "الوحدة اليمنية" وهي اليوم مادة اختلاف في الآراء حد الخلاف وموضوع حوار غير منظم أعاد إلى الواجهة الحديث حول شكل الوحدة ونظام الحكم والمركزية وإمكانية تبلور شكل جديد وجدي للحكم والدولة والعلاقات بين الأقاليم.
لكن النقاش في مجمله يشتغل على هامش اللحظة اليمنية الراهنة والمحكومة بمتغير جوهري أحدثه الانقلاب الذي قوض نظام الحكم وأركان الدولة والسلطات انطلاقاً من المركز/ العاصمة وما استتبعه من تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات لدعم الشرعية واستجابة لها.
وكان من شأن ذلك أن يغير كلياً ترتيب ومواقع القضايا في سلم الأولويات ويصعد إلى الواجهة بقضايا وأولويات أخرى قياساً إلى حجم وشكل التغيرات الهائلة والارتدادية الناتجة عن أحداث الانقلاب وما أحدثه في الجغرافيا السياسية اليمنية على مستوى قشرة الوعي الجمعي وفي العمق.
"أزمة وعي وكفاءة"
برأي جماعة من الاستراتيجيين والمحللين، تعيش التكتلات السياسية والكيانات الحزبية التقليدية في اليمن والنخب وما في مستواها "أزمة وعي وكفاءة" أمام تحولات زلزالية تجاوزت مقدرة وكفاءة النخب التقليدية على التعاطي معها بمرونة وفاعلية وتركتها في حالة من التخبط والعجز عن إعطاء إجابات صحيحة لأي من الأسئلة المطروحة على سبيل الاستعجال والإلزام.
استدعى اليمنيون تدخل السعودية والإمارات (التحالف) لدعم الشرعية ضد الانقلاب المدعوم من إيران. تشكلت حالة من الإجماع حول خيار التدخل العربي لمواجهة وكبح التدخل الإيراني. وتعزز الإجماع اليمني حول التحالف متمثلاً في دولتيه الرئيستين: السعودية والإمارات، خلال وبعد أحداث ديسمبر 2017م.
لكن الفاعلين السياسيين والأساسيين، في سلطة الكيد والتنازع المدمر والفشل المريع أمام المليشيا المنقضة على السلطة والدولة والعاصمة في سبتمبر 2014، عادوا إلى إعمال خبراتهم الوحيدة في المنازعة والمكايدة إزاء التحالف ودولتيه وقواته ومجهوداته المبذولة بسخاء في معركة استعادة الدولة والشرعية وإسقاط الانقلاب. وبدلاً من التفرغ للمعركة الوطنية الكبرى والهدف الجامع كان يمنيو التحالف أكثر جدية في بلورة وتفريخ أعباء جديدة ينوء بثقلها التحالف وتنعكس سلباً على مسار الحرب وجبهاتها.
لاعبون جدد.. وأعباء متجددة
علاوة على هؤلاء كانت قد نشأت وتشكلت قوى وكيانات جديدة تلبية لظروف وضرورات ملء الفراغ وتعبئة الجهد الشعبي المقاوم للحوثيين وخصوصاً في عدن والمحافظات الجنوبية والشرقية. بالتالي جاء المجلس الانتقالي كتعبير محلي عن حالة من (المعالجة الخاصة) لانهيار الدولة والسلطات. إلى جانب تشكيلات محلية منظمة لقوات أمنية وعسكرية تحصلت هي الأخرى على دعم من التحالف ودولتيه، وتولت مهام الأمن في مناطقها حصراً، بينما شاركت قوات ألوية العمالقة بفاعلية مبكرة في معارك باب المندب والساحل الغربي.
ثم استجد في الصدد، أيضاً، تشكل قوات مقاومة كممثل لما عرف بـ"انتفاضة 2 ديسمبر" لتحصل هذه الأخيرة أيضاً على دعم سخي من التحالف، وراحت تضاعف من أعداد منتسبيها كما تزودت بتجهيزات عسكرية متكاملة تحت مظلة التحالف لتنخرط في معارك وجولات حرب تحرير مناطق الساحل الغربي.
بموازاة ذلك نشأت أيضاً عناوين جديدة للسجال وكيل الشكوك والاتهامات باتجاه التحالف أو إحدى دولتيه في المجال السياسي اليمني، وعلى صلة مباشرة هذه المرة بمتغيرات الأزمة الخليجية والمواقف منها.
وبالنظر إلى جبهة الساحل الغربي، على سبيل المثال، فقد شكل انضياف قوى جديدة (بصبغة شمالية) دافعية محفزة ودماء جديدة إلى جانب قوات العمالقة (جنوبية الصبغة) وقوات التحالف، وظهر الأثر الإيجابي بوضوح في مسارات المعركة والمكاسب المتحققة.
لكن هذا لا يمنع أيضاً من الإشارة إلى نوعية مشابهة لسابقاتها من الأعباء المتجددة أضيفت على كاهل التحالف وعلى حساب الهدف الرئيس والمجهودات العسكرية المنصبة وراء التحرير كهدف أول.
أخطاء في التقدير
في حقيقة الأمر، مثل التحالف طوق نجاة للجميع ممن تشاركوا وتقاسموا سلطة وحكومة ما بعد فبراير 2012م، كما تشاركوا وتقاسموا المسئولية اللازمة عن السماح بتآكل هيبة وفاعلية السلطات الحاكمة أمام عصابة متمردة ومليشيا أكلت الدولة بجيشها وأمنها وسلطاتها وقفز الجميع من المركب وتعلقوا بطوق التحالف.
وفي الحقيقة، أيضاً، فإن التحالف بات يمثل حاجة يمنية قبل وأكثر من كونها حاجة خاصة بمكونات يمنية في السلطة أو خارجها.
وفيما يبدو أن الأطراف اليمنية أو بعضها، على الأقل، تخطئ في تقدير طبيعة الظروف الجديدة والواقع الجديد الذي تأسس فراغاً وفوضى عارمة على أنقاض دولة منهارة ونظام منهار ومركز بات خارج حسابات التقييم، ومن الخطأ الجسيم استجرار مواقف وقناعات ضدية متشنجة حيال أي من القضايا والملفات، كما لو أن شيئاً لم يحدث على الإطلاق (..) وأكثر ما تحتاج إليه القيادات وأنصارها اليوم هو التحلي بقدر من الذكاء والمرونة لاستيعاب الواقع الجديد والتصرف من خلال ذلك وفقاً لشروط وحسابات ما هو كائن وليس ما كان.
كما تخطئ في تقدير واقعها الجديد قياساً إلى أدوار ومسئوليات شركاء جدد يسهمون بفاعلية في مسار الحرب ومكاسبها.
وتخطئ، ثالثاً، في تقدير حجم وقيمة وأهمية التحالف والأدوار المختلفة التي تلعبها دولتا الإمارات والسعودية ليس فقط في الحرب وإنما في منع انفجار حروب ملعونة وكارثية بين الأخوة الألداء!
التحالف حاجة يمنية
وكلما توسعت دائرة الجدل والخلافات والمنازعات والكيد والإخفاقات والاتهامات المتبادلة بين الأطراف اليمنية، تضاعفت الحاجة اليمنية إلى التحالف كضامن وحيد وخيار آمن بات لوحده يتكفل بمنع انفجار صراعات حقيقية وانجرار اللاعبين والفاعلين هنا وهناك إلى حالات مكلفة من التعبير الخاطئ عن الأعصاب المشدودة والمواقف المسبقة من وإلى هذه أو تلك من الحسابات والجهات والقناعات.
يتوهم أكثر المشاركين في النقاشات الارتجالية أن لدى الإمارات أو السعودية في اليمن مصالح مباشرة -أكثر من مصالح اليمنيين ككيانات وجهات وأطراف ولاعبين أو متلاعبين، أو أكثر من مصلحة اليمن المباشرة- وراء اندفاعهما في تأييد ودعم وتمويل ومشاركة اليمنيين مجهوداتهم بهدف استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب.
ولم يطرح هؤلاء على أنفسهم أو للنقاش السؤال التالي: ماذا لو قررت الإمارات، مثلاً، إنهاء مشاركتها ووقف برامج ومسارات الدعم والتمويل والمساعدات عسكرياً ومادياً وإغاثياً وتنموياً واجتماعياً؟ ما الذي سيحدث حينها؟ وما الذي سيحدث لو انسحب التحالف وأنهى أعماله ومشاركته في اليمن؟
الاشتغال الجدلي على السطح إعلامياً وسياسياً، وانشغال القيادات والمكونات بحساباتها ومسلماتها وموروثها الخاص ومكابرتها دون أخذ الفائدة والعبرة من الدروس والتجارب الماثلة، من شأنه أن يعمق الخسائر والأزمات ويطيل أمد الخراب واللادولة في اليمن.