قضايا وحريات

أحلام النساء الأمريكيات " تتكسر على عتبات البيت الأبيض"

إخفاقات النساء الأمريكيات في الوصول إلى الرئاسة الأمريكية “قراءة تحليلية”

اعترفت كامالا هاريس بهزيمتها أمام ترامب، مما أثار نقاشات حول صعوبات وصول النساء لأعلى المناصب السياسية في أمريكا

نيويورك

قدمت مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات ورقة تحليلية تناولت فيها التحديات التي تواجه النساء في الولايات المتحدة الأمريكية للوصول إلى مناصب القيادة، وخاصة منصب الرئاسة. وتضمنت  نتائج رئيسية تلقي الضوء على أبرز العقبات التي تعوق تحقيق النساء لطموحاتهن السياسية في الساحة الأمريكية. وفيما يلي أبرز ما توصلت إليه الورقة:
  أظهرت الورقة التي أعدها د. صبري عفيف أن أول دستور أمريكي صدر عام 1789 لم يمنح المرأة أو العبيد السود حق التصويت أو الترشح في الانتخابات. وعلى مدار التاريخ الأمريكي، شهدت البلاد معارك اجتماعية عنيفة لتأمين حقوق العبيد والنساء، خاصة حق التصويت والترشح، مما يشير إلى جذور تاريخية عميقة للتهميش الذي عانت منه النساء والفئات المستضعفة.
  أوضحت  أن المطالبات بمنح المرأة حق التصويت والترشح بدأت في عام 1848، إلا أن حصول النساء على حقوقهن السياسية والانتخابية لم يتحقق إلا في عام 1920، بعد مرور نحو سبعين عامًا من المطالبة المتواصلة. وهذا التأخير في منح الحقوق يعكس حجم المقاومة التي واجهتها النساء من أجل نيل حقوقهن الأساسية في المشاركة السياسية.
وأشار الباحث إلى أن النظام الانتخابي الأمريكي يخضع لتحكم عوامل عدة مثل الثقافة الجمعية السائدة وتمويلات رجال الأعمال، وهي عوامل تجعل من الصعب على النساء كسر الحواجز الجندرية للوصول إلى المناصب القيادية. كما توضح الورقة أن أوروبا تتفوق على الولايات المتحدة في مجال إتاحة الفرص للنساء وتجاوز هيمنة الذكور على المناصب القيادية، مما يعكس اختلافات جوهرية بين النظامين السياسيين.
  توضح الورقة أن شريحة كبيرة من المجتمع الأمريكي ذات توجهات محافظة، وترفض تولي النساء لمنصب الرئاسة. هذا الاتجاه المحافظ يتطلب تغييرًا في السياسات الانتخابية، وتشجيع الأحزاب السياسية على دعم مشاركة النساء في السياسة. كما يتطلب تشجيع رجال الأعمال على تمويل الحملات الانتخابية للمرشحات، بهدف تحقيق توازن أكبر وفرص أوسع للمرأة في الساحة السياسية.
تستنتج الورقة أن هناك حاجة ملحة لتبني إصلاحات جوهرية في النظام الانتخابي والسياسي الأمريكي لتعزيز فرص النساء للوصول إلى مناصب قيادية. كما توصي بأهمية تبني سياسات تدعم مشاركة المرأة وتعزز المساواة بين الجنسين في الحياة السياسية.

 

المقدمة

إن قصة الحركة الحقوقية في الولايات المتحدة هي قصة كفاح ونضال طويل، ولكنها أيضًا قصة أمل وإصرار وتحدي مستمر. وقد أثرت هذه الحركة بشكل عميق على المجتمع الأمريكي، وتركّت إرثًا غنيًا من القيم والمبادئ التي تستلهم منها الحركات الاجتماعية في جميع أنحاء العالم.

فقد ابتدأت تلك الحقوق بإلغاء العبودية بشكل رسمي في الولايات المتحدة عام 1865 بعد جهود مضنية من الرئيس لنكولن، إلا أن التغيير الثقافي العميق مازال تجلياته واضحة في كثير من المجالات. فالتعصب العنصري والتمييز، اللذان ترسخت جذورهما بعمق في المجتمع الأمريكي، لم يختفيا بين ليلة وضحاها.

رغم أن خطوة هامة نحو المساواة جاءت مع انتخاب جون كينيدي رئيسًا، حيث تبنى أجندة إصلاحية شملت الحقوق المدنية. ومع ذلك، كان ثمن ذلك اغتياله المفاجئ عام 1963 حيث ألقى بظلاله على تلك الفترة، وأدّى إلى تصعيد التوترات الا بعد صراع طويل ومضنٍ، ومن نتائجه تمكن الأمريكيون من أصل أفريقي من تحقيق انتصارات هامة، بدءًا من إلغاء العبودية وصولاً إلى صدور قانون الحقوق المدنية عام 1964. هذا القانون التاريخي، الذي جاء تتويجًا لجهود عظماء مثل مارتن لوثر كينج، وضع حداً للتفرقة العنصرية المؤسساتية، وفتح الباب أمام تحقيق المساواة الكاملة.

إن التقدم المحرز في مجال الحقوق المدنية منذ ذلك الحين، رغم كونه بطيئًا ومليئًا بالتحديات، يؤكد على أهمية استمرار النضال من أجل تحقيق المساواة الكاملة في العديد من المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

في الربع الأوّل من القرن الواحد والعشرين، شهدت الولايات المتحدة الأمريكية تحولات جذرية في مجالي الحقوق السياسية والمدنية، بدءاً بصعود باراك أوباما كأول رئيس من أصول أفريقية يتولى قيادة البيت الأبيض. تبعه لاحقاً ترشيح قيادتين نسويتين بارزتين: هيلاري كلينتون، التي كانت أول امرأة تترشح لمنصب الرئيس عن حزب رئيسي، وكمالا هاريس التي أصبحت أول امرأة وأول شخص من أصول آسيوية وأفريقية يشغل منصب نائب الرئيس. وبهذا تكون الولايات المتحدة قد شهدت تطوراً ملحوظاً نحو تنوع قيادتها السياسية، مما يعكس تغييرات واسعة في المجتمع الأمريكي وتقبلاً أوسع للتنوع في المواقع القيادية.

ومع ذلك، فإن الطريق إلى المساواة لم يكن مفروشًا بالورود. فقد واجهت الحركة الحقوقية مقاومة شديدة من قبل القوى المحافظة، وتعرض قادتها للاضطهاد والعنف. ورغم ذلك، استمرت الحركة في النمو والتطور، وبلغت ذروتها بانتخاب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدة عام 2008. هذا الحدث التاريخي مثّل نقطة تحول هامة في تاريخ أمريكا، حيث أظهر أن الحلم الأمريكي يمكن أن يتحقق لأي شخص بغض النظر عن عرقه أو لونه.

لكن لماذا لم يرشح الحزب الديموقراطي "هيلاري كلينتون" سيدة البيت الأبيض السابقة، لمنصب الرئاسة في 2008، وقدم عليها "باراك أوباما"؟ هل لكونها امرأة يا تُرى، ولم يسبق للأمريكان ولم يخطر ببالهم أن تحكمهم يوما امرأة؟! بالفعل لم تحكَم أمريكا يوما منذ نشأتها امرأة، ولم يفرز المجتمع الأمريكي في تاريخه الحافل بالحرية والديموقراطية والتقدم نموذجا واحدا لامرأة تتقدم لحكم البلاد.

لقد حاولت العديد من النساء من قبل الوصول إلى الرئاسة، إلا أن كل هذه المحاولات فشلت في الفوز في الانتخابات، مما أدّى إلى عدم نجاح هذا الطريق أمام المرأة رغم عدم نجاحها ونجاحها في تحقيق بعض النجاحات. فيما بعد أبرز المحطات التي شهدت انخفاضات مرشحة.

على الرغم من أن العديد من النساء في الولايات المتحدة قد سعين للوصول إلى الرئاسة الأمريكية، إلا أن جميع محاولاتهن قد باءت بالفشل حتى الآن، مما يعكس التحديات العميقة التي تواجهها المرأة في الساحة السياسية الأمريكية. وعند مقارنة هذه الظاهرة بما يحدث في دول ديمقراطية أخرى حول العالم، يظهر تباين واضح في مدى قبول وتفضيل الزعماء النساء في المناصب العليا، وخاصة في رئاسة الدولة.

فما هي العوامل السياسية والاجتماعية والثقافية التي تحد من فرص النساء في الوصول إلى أعلى المناصب السياسية في الولايات المتحدة مقارنةً بتجارب دول أخرى؟

وهذه القراءة التحليلية سوف تسلط الضوء على العوائق والتحديات التي تواجه النساء الأمريكيات في الحصول على دعم الأعضاء والمجمع الانتخابي في الولايات المتحدة. وتهدف هذه القراءة في معرفة العوامل التي تؤدي إلى فشل المرأة في الوصول إلى الرئاسة وتحليل القضايا المجتمعية والسياسية الثقافية، وتقييم التأثير الانتخابي على المرشحات. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف نقدم عدد السؤال الرئيس: ما هي العوائق والتحديات التي تواجه النساء الأمريكيات في الحصول فرص مناسبة في قيادة البيت الأبيض الأمريكي؟ ويتفرع من هذا السؤال عدد من الأسئلة، هي:

1-  لماذا غابت المرأة عن منصب الرئاسة في الولايات المتحدة؟

2-  هل هناك تقصير ما من المرأة للوصول إلى هذا المنصب؟ ما هو؟

3-  هل تكون الخلفية العرقية لهاريس سببا في فوزها أم العكس؟ ولماذا؟

4-  كيف يمكن كسر السطوة الذكورية على منصب الرئاسة؟

المطلب الأول:  القيادات النسوية التاريخية في السياسة العالمية وتأثيرها على التنمية"

أولا: مفهوم القيادات النسوية:

القيادات النسوية تشير إلى النساء اللاتي يصلن إلى مناصب قيادية ويتولين أدوارًا حاسمة في المجالات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية، بهدف إحداث تغيير إيجابي والتأثير في مجتمعاتهن ودولهن. غالبًا ما يكون لهذه القيادات رؤية تقدمية حول قضايا المساواة بين الجنسين، وحقوق المرأة، ودورها في تعزيز العدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة. وتتميز القيادات النسوية بقدرتها على تحدي الأنماط الاجتماعية التقليدية التي تحصر دور المرأة في أدوار محدودة، حيث تركز على تمكين النساء والفئات المهمشة ورفع صوتهن في دوائر صنع القرار.

وتأتي القيادات النسوية أيضًا كجزء من الحركة النسوية، التي تدعم حقوق المرأة وتسعى لتحقيق المساواة الكاملة في الفرص بين الجنسين. ويتضمن مفهوم القيادة النسوية تبني قيم التعاون والمرونة والشمولية، وتعتمد غالبًا على الاستراتيجيات الجماعية وتوزيع المسؤوليات لتحقيق الأهداف المشتركة.

ويتسع مفهوم القيادة النسوية ليشمل جميع المستويات، سواء في الحكومات أو المؤسسات أو المجتمعات المحلية، حيث تسعى القيادات النسوية إلى بناء مجتمعات عادلة تتيح للنساء والشباب فرص المشاركة الحقيقية وتحقيق إمكاناتهم، مما يؤدي إلى تأثيرات طويلة المدى على التنمية والعدالة الاجتماعية والسياسية.

وقد شهد العالم منذ أوائل القرن التاسع عشر وحتى القرن الشامل والعشرين بروز قيادات نسوية، استطاعت أن تتولى مهامها في دولها، مما أحدث تغييرات كبيرة في مختلف قطاعات الحكم والسياسة والاقتصاد. وتعتبر القيادات النسوية في الدول ظاهرة تعتمد الدراسة لأثرها على اللمسات الزجاجية الرائعة وتحديها للأنماط التقليدية التي تعتمد على النساء لمناصب عليا.

برزت ألمع القيادات النسوية في العالم فكانت "ماري أنطوانيت" ملكة فرنسا (من 1774 إلى 1792)، و"كاترين الثانية" ملكة روسيا (من 1762 إلى 1796)، و"إيزابيلا الثانية" تحكم إسبانيا (من 1833 إلى 1868)، و"فيكتوريا" ملكة المملكة المتحدة (من 1837 إلى 1901) والتي تمكنت من توسيع إمبراطورية بريطانيا العظمى وأيرلندا لمسافة 14 مليون ميل مربع، لتشمل القارات الخمس في العالم.. حكمت المملكة المتحدة منذ عام 1837 حتى 1901م كانت فترة حكم الملكة فيكتوريا واحدة من مختلف الحكم في التاريخ البريطاني، وعرفت باسم "العصر الفيكتوري". خلال فترة حكمها، تطورت الإمبراطورية البريطانية لتصبح أكبر عمارة في العالم، مما جعل الملكة فيكتوريا قوة رمزية عالمية للقوة.

وفي الصين الإمبراطورة الأرملة تسيشي التي تولت تسيشي السلطة في الصين باعتبارها الوصاية على العرش، فعليا فعليا على الحكم من عام 1861 إلى عام 1908. وتعد واحدة من أهم الشخصيات في التاريخ الصيني؛ قادت إمبراطورية الصين خلال فترة الاضطرابات والضغوط الاستعمارية الخارجية. رغم بداياتها المتواضعة كجارية في القصر، تمكنت من السيطرة على الإمبراطور الإمبراطوري والحكم بشكل غير رسمي.

والملكة رنافالونا الأولى (مدغشقر) التي حكمت مدغشقر من عام 1828 إلى 1861. كانت رانافالونا معروفة بسياساتها القومية المتشددة التي هدفت لحماية مدغشقر النفوذ الأوروبي.

والملكة ماريا الثانية (البرتغال) التي تولت العرش المزدوج بين عامي 1834 و1853. كانت فترة حكمها مليئة بالاضطرابات السياسية بسبب الداخلية والحروب. قادت ماري الثانية بلدها خلال فترة صعبة في تاريخ إسبانيا، حيث تنافست مع العديد من الصراعات التجارية.

وقد شهد النصف الثاني من القرن العشرين تحولًا جذريًا في دور المرأة في السياسة على التوجه العالمي. ومع بداية هذا الفصل، بدأت العديد من النساء في تطبيق الحواجز التي فرضت عليها كسر القيود. في هذه الفترة، حققت المرأة تقدمًا طفيفًا في الوصول إلى المناصب الحكومية في المرأة، سواء على مستوى الرئاسة أو التقدم. كما ساهمت في الاهتمام بالنسوية فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، مما دفع إلى تغيير الأيديولوجيات السياسية الاجتماعية في العديد من الدول.

تولت ( إنديرا غاندي) منصب رئيس وزراء الهند مرتين، الأولى من 1966 حتى 1977، المنشورة من 1980 حتى 1984م تعد انديرا غاندي أحد أبرز الزعماء في القرن العشرين. كانت أول امرأة تتولى منصب رئيس وزراء الهند، وساهمت بشكل كبير في تحديث الهند بعد الاستقلال. العديد من العناصر التي تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهي موجهة بقوة إلى السياسة الهندية.

كما كانت سياساتها قوية في دعم أعضاءها، وأبرزها برنامج "الإصلاحات الخضراء" الذي ساعد في تطوير الزراعة. على الصعيد الخارجي، كانت غاندي شخصية محورية في حركة عدم الانحياز. ومع ذلك، تناولت التكيفات بسبب قرارها بحالة الطوارئ في عام 1975، حيث تم تقليص الحريات المدنية بشكل عام.

 أغتيلت إنديرا غاندي عام 1984 على يد أحد حراسها الشخصيين. بسبب الانتقادات التي وجهتها لها البعض، إلا أنها ورثتها في الهند ولا تزال قوية، إذ ساعدت في تشكيل هندستية حديثة على مستوى السياسة والاقتصاد.

وشغلت مارغريت تاتشر منصب رئيس وزراء المملكة المتحدة من 1979 حتى 1990. كانت تاتشر أول امرأة تصل إلى منصب رئيس وزراء بريطانيا، وظلت واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا في السياسة البريطانية والعالمية في القرن العشرين. وتعرفت بقانون المرأة الحديدية" بسبب شخصيتها القوية والسياسات الاقتصادية الساخرة التي تعتمدها.

أول سيدة رئيسة للوزراء في المملكة المتحدة لثلاث ولايات متتالية (من 1979 إلى 1990) كانت تاتشر شخصية مؤثرة في السياسة السياسية، لا سيما خلال حرب فوكلاند مع الأرجنتين في عام 1982، حيث كانت قوة القيادة السياسية. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن حليفًا قويًا للولايات المتحدة تحت قيادة رونالد ريغان.

وكانت كناظير بوتو أول امرأة في العالم تصبح رئيسة وزراء في منظمة ذات مسلمة. تولت منصبها لأول مرة في عام 1988، ثم تم اختيارها في عام 1993.

كان لناظير بوتو محورية شخصية في السياسة الباكستانية، وركزت على تعزيز الديمقراطية في بلدها. وكان الهدف من ذلك تقديم إصلاحات اقتصادية اجتماعية، بما في ذلك مكافحة الفقر للفتيات.

وشغلت جولدر منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي من 1969 إلى 1974. وكانت غولدار أول امرأة تشغل هذا المنصب في إسرائيل، وقد كانت إحدى شخصياتها في الهندسة المدنية خلال فترة الحرب الباردة.

وتعد أنجيلا ميركل (ألمانيا): شغلت منصب مستشارة من عام 2005 الألمانية حتى عام 2021، وساهمت في الاستقرار الاقتصادي الأوروبي وقيادة ألمانيا الشقيقة، وجاكيندا أرديرن (نيوزيلندا): تولت منصب رئيسة الوزراء لعام 2017، وتتميز بسياساتها المتقدمة في التعامل مع الإنسانية، وكريستينا فرنانديز دي كيرشنر (الأرجنتين): تولت الرئاسة عام 2007، لها تأثيرات كبيرة في السياسة الأرجنتينية. ديلما روسيف أول امرأة تتولى منصب رئيسة البرازيل في عام 2011. روسيف، التي كانت جزءًا من حركة الديمقراطية في البرازيل، واجهت أيضًا تحديات كبيرة في مناصبها من حيث الدعم السياسي، وقد أُجبرت على الخضوع لعملية العزل السياسي في عام 2016.

أيضا "ماري روبنسون" أول رئيسة لأيرلندا (من 1990 -إلى1997)، وتلتها في منصب الرئاسة "ماري ماكليس" التي اختارتها مجلة فوربس الأمريكية كواحدة من أقوى سيدات العالم في 2008 و"كورازون أكينو" أول سيدة تشغل منصب رئاسة الفلبين (من 1986 إلى 1992) بعد الإطاحة بالديكتاتور فيردناند ماركوس عام 1986، واختارتها مجلة تايم "سيدة العام".. و"تانسو تشيللر" التى كانت أول امرأة تتولى منصب رئيسة وزراء في تاريخ تركيا الحديث، و"إيلين جونسون سيرليف" الأرملة البالغة من العمر 67 عاما، وأول سيدة تشغل منصب رئيس دولة إفريقية هي "ليبيريا" التي طالما عانت من الحروب الأهلية والمشاكل الاقتصادية والاضطرابات، حيث التي أطاحت بمنافسها لاعب الكرة الليبيري الشهير "جورج وايا"، وحصلت على جائزة نوبل للسلام لعام 2011

المطلب الثاني: المرأة الأمريكية والإخفاقات المتكررة في الوصول إلى منصب الرئاسة

على مدار تاريخها السياسي الطويل لم تشهد الولايات المتحدة الأمريكية تولي امرأة منصب الرئاسة فمن 60 ولاية رئاسية تعاقب خلالها 47 رئيسا على حكم الولايات المتحدة الأمريكية لم تتمكن امرأة واحدة من الوصول إلى سدة الحكم.

أولا: نضال المرأة الامريكية من أجل التصويت

ناضلت المرأة الأميركية طوال 200عاما من أجل نيل حقوقها في التصويت في الانتخابات حتى حصلنَ على حق النساء القانوني في التصويت، وهو ما تم تطبيقه خلال نصف قرن بداية من العديد من الولايات الأمريكية في صورة محدودة غالبا، ثم في جميع أنحاء البلاد عام 1920.

لقد بدأت المطالب بحق النساء في التصويت في الولايات المتحدة الامريكية في اكتساب التأييد في أربعينات القرن التاسع عشر، إذ انبثقت من حركة حقوق المرأة الأكبر. مرر مؤتمر سينيكا فولز (أول اتفاقية حقوق امرأة) تقريرًا لصالح حق المرأة في التصويت عام 1848، على الرغم من معارضة بعض منظميه الذين اعتقدوا أن الفكرة كانت متطرفة للغاية. إلَّا أنه بحلول أول مؤتمر قومي لحقوق المرأة جرى عقده عام 1850، أصبح حق المرأة في التصويت جانبًا مهما من نشاطات الحركة.

تأسست أول منظمات قومية لدعم حق المرأة في التصويت في 1869 عندما تأسست منظمتان متنافستان، أحدهما بقيادة سوزان أنتوني وإليزابيث كادي ستانتون والأخرى بقيادة لوسي ستون. بعد سنوات من المنافسة، اندمجتا في 1890 في صورة المنظمة القومية الأمريكية لحق المرأة في التصويت تحت قيادة سوزان أنتوني. تأسس اتحاد النساء المسيحي المعتدل (والذي كان أكبر منظمة نساء في ذلك الوقت) في 1873 والذي تبنى أيضا قضية حق المرأة في التصويت، والذي أعطى دفعة قوية للحركة.

أملاً في أن تحكم المحكمة العليا للولايات المتحدة لصالح حق المرأة الدستوري في التصويت، حاول داعمو حق المرأة في التصويت في سبعينات القرن التاسع عشر التصويت وقدموا دعاوٍ قضائية عندما تم منعهم. نجحت أنتوني في التصويت عام 1872 ولكن تم إلقاء القبض عليها وحُكم عليها بأنها مذنبة في محاكمة نالت متابعة واسعة من العامة والتي أعطت زخماً جديداً للحركة. بعد أن حكمت المحكمة العليا للولايات المتحدة ضدهم في عام 1875، بدأ داعمو حق المرأة في التصويت حملة استمرت عقودا دعت إلى تعديل في دستور الولايات المتحدة لينص على حق التصويت للنساء، إلَّا أن معظم مجهودات الحملة تركزت على اكتساب الحق في التصويت في كل ولاية فقط.

أسست أليس بول الحزب الوطني للمرأة عام 1916، وهي منظمة ركزت على التعديل القومي لحق المرأة في التصويت. تم إلقاء القبض على أكثر من 200 عضو من الحزب الوطني للمرأة في 1917 أثناء إضرابهم أمام البيت الأبيض، والذين قام بعضهم بالإضراب عن الطعام وتعرضوا للإطعام القسري بعد إرسالهم إلى السجن. بعد سلسلة ملحمية من التصويتات في كونغرس الولايات المتحدة وفي تشريعات الدولة، أصبح التعديل التاسع عشر جزءا من دستور الولايات المتحدة رسميا في 26 أغسطس 1920. نص التعديل على أن «لن يتم حرمان مواطني الولايات المتحدة من حقهم في التصويت أو اجتزائه بواسطة الولايات المتحدة أو أي ولاية بناءً على الجنس»[1].

أصبحت منظمة حق المرأة في التصويت اتحاد النساء المصوتات وبدأ الحزب الوطني للمرأة الخاص بأليس بول ممارسة الضغط لاكتساب المساواة الكاملة وتعديل الحقوق المتساوية والذي سيقره الكونغرس أثناء الموجة الثانية من حركة المرأة في 1972 (ولكنه لم يتم التصديق عليه ولم يتم تطبيقه أبدا). أتى الثوران الرئيسي لتصويت المرأة في 1928 عندما أدركت شركات المدن الكبري أنها تحتاج إلى تأييد النساء لانتخاب آل سميث، بينما حرك المنافسون النساء لتأييد الحظر والتصويت للجمهوري هربرت هوفر. كان النساء الكاثوليكيات معارضين للتصويت في أوائل العشرينات، ولكنهن شاركن بأعداد كبيرة في انتخابات 1928 والتي كانت فيها الكاثوليكية قضية كبرى لأول مرة. تم انتخاب عدد من النساء، ولكن لم يصبح لأي منهن أهمية بارزة في تلك الفترة. في المجمل، تراجعت حركة حقوق النساء بوضوح في العشرينات.

ثانيا: المحاولات النسوية الفاشلة

لم تكن وزيرة الخارجية السابقة "هيلاري كلينتون"، التي ترشحت للرئاسة في 2016، أو النائبة " كامالا هاريس" التي ترشحت في 2024، أولى السيدات اللاتي خسرن أمام منافس رجل في انتخابات البيت الأبيض. بل كانت هناك العديد من النساء الأمريكيات اللاتي حاولن كسر المألوف من خلال خوض تجارب ترشيح لمنصبي نائب الرئيس أو الرئيس، سعياً للوصول إلى البيت الأبيض وممارسة حقوقهن السياسية. ورغم التحديات التي واجهنها، بما في ذلك المعوقات الاجتماعية والسياسية، فقد ظلّت تلك المحاولات تعكس رغبة قوية في تغيير واقع المرأة في الساحة السياسية الأمريكية.

وإذا عدنا للورى لقراءة تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية المناهض لحقوق المرأة، نرى أن المرأة الامريكية سعت جاهدة للوصول إلى منصب في الإدارة العليا في البيت الأبيض، لكنهن فشلن في تحقيق هذا الهدف بسبب العوائق الاجتماعية والسياسية.

وتتضمن قائمة المرشحات في انتخابات الرئاسة الأمريكية أسماء عدة، فيما يلي مجموعة من أبرز النساء اللاتي خضن مرحلة أو مراحل عدة من الانتخابات الرئاسية:

فيكتوريا وودهل (1872)

أول امرأة تترشح لمنصب الرئيس في تاريخ الولايات المتحدة، ممثلة عن الحزب الوطني للمساواة في الحقوق، ورغم أن النساء لم يكن لديهن حق التصويت آنذاك، فإن فيكتوريا وودهل كانت رائدة في مجال حقوق المرأة وحرية التعبير والمساواة بين الجنسين.

وواجهت وودهول تحديات عديدة، بما في ذلك الاعتقال بتهمة نشر مواد "فاحشة" في البريد وفقا لقوانين "كومستوك" في ذلك الوقت، وقضت يوم الانتخابات في السجن.

بيلفا لوكوود (1884)

إحدى الرائدات في مجال حقوق المرأة والسياسة الأمريكية، وكانت من أوائل النساء اللاتي ترشحن لمنصب رئيس الولايات المتحدة، وقامت بصياغة قانون أقره الكونغرس سمح للنساء بمزاولة مهنة المحاماة أمام المحكمة العليا في الولايات المتحدة، ثم أصبحت أول محامية تمارس عملها أمام المحكمة، وقد عُرفت بإنجازاتها التي كانت تُعد غير مألوفة في عصرها، إذ كانت محامية بارزة وناشطة في مجال حقوق المرأة.

شيرلي أنيتا تشيشولم (1972)

أول امرأة أمريكية من أصل إفريقي تسعى للحصول على ترشيح حزب كبير لمنصب رئيس الولايات المتحدة، وقامت بحملة في جميع أنحاء البلاد وكانت على بطاقة الاقتراع في 12 انتخابات تمهيدية، وحصلت على 151.95 صوتا من أصوات المندوبين في المؤتمر الوطني الديمقراطي.

وكانت شيرلي تشيشولم مدافعة قوية عن حقوق المرأة وحقوق الأفارقة الأمريكيين، وقد أثرت مواقفها الجريئة والمستقلة في السياسة الأمريكية بشكل ملحوظ، ما جعلها شخصية ملهمة للأجيال اللاحقة، كما كانت أول امرأة سوداء دخلت الكونغرس في عام 1969، وشاركت بفاعلية في قضايا الحقوق المدنية والمساواة.

إلين مكورماك (1976-1980)

سياسية أمريكية وناشطة في مجال حقوق الحياة، وواحدة من أولى النساء اللائي ترشحن للرئاسة عن حزب كبير، حيث ترشحت مكورماك للرئاسة مرتين في عامي 1976 و1980، ممثلة التيار المحافظ، وكانت من أبرز المدافعين عن قضايا مناهضة الإجهاض.

وكانت مكورماك أول امرأة تحصل على تمويل حكومي لحملتها الانتخابية، بفضل تبرعات مؤيديها من التيار المحافظ ومجتمع مناهضة الإجهاض، وكانت حملتها تركز بشكل أساسي على قضايا حقوق الحياة ومعارضة الإجهاض، وأسهمت في تسليط الضوء على هذه القضايا على المستوى الوطني.

ورغم عدم فوزها بالرئاسة أو حتى الحصول على نسبة مرتفعة من الأصوات، فإن حملاتها كانت رمزاً لقوة الحراك الاجتماعي والسياسي المحافظ آنذاك، وأسهمت في دفع قضايا حقوق الحياة إلى الواجهة، حيث كانت صوتاً مؤثراً لمجتمع المحافظين.

وكانت نموذجًا للمرأة المحافظة التي استطاعت لفت الأنظار إلى القضايا التي تدافع عنها، وتعتبر حملتها الرئاسية في السبعينيات علامة بارزة في تاريخ النساء الأمريكيات في السياسة، وخاصة فيما يتعلق بتمثيل الأصوات المحافظة في الانتخابات الرئاسية.

لينورا فولاني (1988)

سياسية وناشطة أمريكية، معروفة بكونها أول امرأة وأول أميركية من أصل إفريقي، تظهر على بطاقات الاقتراع الرئاسي في جميع الولايات الخمسين، حيث ترشحت للرئاسة في انتخابات عام 1988 كمستقلة عن حزب التحالف الجديد، وتمكنت من الحصول على الأصوات في جميع الولايات، وهو إنجاز لم يحققه أحد من قبل من خارج الحزبين الرئيسيين.

ورغم أنها لم تحقق نتائج قوية، فإن ترشحها كان رمزاً لكسر الحواجز أمام النساء والأقليات في السياسة الأمريكية، حيث كانت فولاني من أبرز الداعمين للإصلاح الانتخابي، وخاصة فيما يتعلق بدعم الأصوات المستقلة وتحدي هيمنة الحزبين الديمقراطي والجمهوري، كما اهتمت بالقضايا الاجتماعية والتعليمية وسعت لتعزيز العدالة الاقتصادية.

ولم تصل لينورا فولاني إلى مناصب تنفيذية، إلا أن عملها كان له أثر طويل الأمد في زيادة الوعي حول ضرورة الإصلاح السياسي وتوسيع الخيارات الانتخابية للأميركيين، وفتحت الباب للعديد من المرشحين المستقلين والأصوات غير التقليدية في السياسة.

سينثيا ماكيني (2008)

سياسية أمريكية وناشطة حقوقية، وعضو سابق في مجلس النواب الأمريكي عن ولاية جورجيا، وتعد من أبرز الأصوات التقدمية في السياسة الأمريكية، إذ عرفت بمواقفها الجريئة وآرائها المناهضة للحروب والناقدة للسياسات الخارجية الأمريكية.

وانتُخبت ماكيني لأول مرة لمجلس النواب عام 1992 كأول امرأة سوداء تمثل جورجيا في الكونغرس، ثم ترشحت للرئاسة في عام 2008، عن حزب الخضر الأمريكي، ما جعلها واحدة من القلائل من النساء الأمريكيات السوداء اللائي يترشحن للرئاسة.

وركزت حملتها على قضايا العدالة البيئية وحقوق الإنسان ومعارضة الحروب وإصلاح النظام الانتخابي، كما كانت ناشطة مدافعة عن حقوق الفلسطينيين وحقوق الأقليات، وقد شاركت في حملات وفعاليات دولية تدعو للسلام والمساواة.

ميشيل باكمان (2012)

سياسية أمريكية وعضو سابق في مجلس النواب الأمريكي، وتعد شخصية بارزة في حزب الجمهوريين وكانت معروفة بآرائها المحافظة القوية التي تركزت على تقليل دور الحكومة وخفض الضرائب، كما عُرفت بمواقفها المحافظة في العديد من القضايا، مثل معارضتها الصريحة لزواج المثليين، وانتقاداتها سياسات أوباما الاقتصادية وبرامج الرعاية الصحية، مثل قانون الرعاية الصحية الميسر (أوباما كير).

وترشحت باكمان للانتخابات الرئاسية في عام 2012، حيث ترشحت للانتخابات التمهيدية عن الحزب الجمهوري، ورغم أنها كانت في البداية من المرشحين البارزين، انسحبت من السباق بعد أداء ضعيف في الانتخابات التمهيدية.

وعقب تقاعدها من الكونغرس في عام 2015، استمرت باكمان في التأثير السياسي من خلال مشاركاتها في منظمات محافظة وظهورها الإعلامي، وتميزت بمواقفها الصارمة وتصريحاتها المثيرة للجدل، ما جعلها شخصية مؤثرة ضمن الأوساط المحافظة في السياسة الأمريكية.

جيل ستاين (2012- 2016)

طبيبة وناشطة بيئية وسياسية أمريكية، اشتهرت بترشحها مرتين للرئاسة عن حزب الخضر في الولايات المتحدة، وبرزت كواحدة من أبرز الأصوات المناهضة للسياسات التقليدية في أمريكا، خاصة فيما يتعلق بالقضايا البيئية والعدالة الاجتماعية.

ترشحت ستاين للرئاسة لأول مرة في عام 2012 عن حزب الخضر، ثم في عام 2016، وخلال حملتها الانتخابية نادت ببرنامج "الصفقة الخضراء" الذي يقترح تحولًا اقتصاديًا مستدامًا يعتمد على الطاقة المتجددة، والاستثمار في البنية التحتية البيئية، وخلق وظائف جديدة في مجالات الطاقة النظيفة.

وتعد جيل ستاين واحدة من الشخصيات التي تسعى لكسر احتكار الحزبين الرئيسيين للسياسة الأمريكية، حيث تمثل صوتًا بديلاً يركز على البيئة، والعدالة الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق الإنسان.

هيلاري كلينتون (2016)

أول امرأة تترشح رسميًا عن حزب رئيسي لمنصب الرئاسة، حيث فازت بترشيح الحزب الديمقراطي في انتخابات 2016، وهيلاري كلينتون كانت ذات مسيرة سياسية طويلة كسيدة أولى وكسيناتور ووزيرة خارجية، ورغم خسارتها أمام دونالد ترامب، فقد حققت سابقة تاريخية كأول امرأة تحصل على دعم حزب رئيسي للرئاسة.

على مدى حياتها المهنية، ركزت كلينتون على قضايا حقوق وتمكين المرأة، وقدمت عدة مبادرات لتعزيز حقوق الإنسان محليًا وعالميًا، كما دعمت قضايا الأطفال والأسر، وركزت على بناء السياسات التي تعزز المساواة الاجتماعية.

وتظل هيلاري كلينتون واحدة من الشخصيات الرائدة والمثيرة للجدل في السياسة الأمريكية، إذ تمثل نموذجًا للنساء الطموحات اللائي يسعين لكسر الحواجز التقليدية، وتدافع عن سياسات التقدم الاجتماعي وتعزيز مكانة الولايات المتحدة على الصعيد العالمي.

كامالا هاريس (2024)

سياسية ومحامية أمريكية، شغلت منصب نائبة رئيس الولايات المتحدة جو بايدن، وأصبحت أول امرأة وأول أمريكية من أصول إفريقية وجنوب آسيوية تصل إلى هذا المنصب في تاريخ الولايات المتحدة، حيث عُرفت هاريس بمواقفها التقدمية، وأصبحت من الشخصيات البارزة في الحزب الديمقراطي، حيث ركزت على العدالة الاجتماعية والإصلاح الجنائي وحقوق الإنسان.

·      ورغم خسارة هاريس أمام منافسها الجمهوري الرئيس دونالد ترامب، فإنها تعتبر رمزًا للنساء والأقليات في الولايات المتحدة، حيث تمثل التغيير والفرص المتاحة في النظام السياسي الأمريكي، وتؤكد بأدائها أهمية التنوع في القيادة وتعزيز حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين

المطلب الثالث: "التحديات أمام تحقيق المساواة الكاملة في تمثيل المرأة في المناصب السياسية العليا"

 

تستمر قضية إخفاق النساء في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في إثارة العديد من التساؤلات حول العوائق التي تمنع وصولهن إلى هذا المنصب القيادي رغم التقدم الكبير الذي أحرزته المرأة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الولايات المتحدة. ويشير المحللون إلى جملة من الأسباب التي تساهم في هذا الإخفاق المتكرر، بدءًا من القيود الثقافية إلى التعقيدات السياسية والتمييز العرقي والجنسي.

وقد تأثرت المنظمات الخفية للنساء في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بأشخاص ينشطون من السياسيين والاجتماعيين. على الرغم من وجود العديد من النساء في الوصول إلى رئاسة الولايات المتحدة، إلا أن كل هذه المحاولات لم تحقق النجاح حتى الآن.

على الرغم من التقدم الكبير الذي حققته المرأة الأمريكية في مختلف المجالات، إلا أن حلم الوصول إلى البيت الأبيض بوصفه أول رئيسة للولايات المتحدة الأمريكية، ظل حلماً بعيد المنال. فبالرغم من ترشح العديد من الكفاءات النسائية لمنصب الرئاسة، إلا أن الانتخابات الرأسية الأمريكية لم تشهد حتى الآن فوز امرأة بهذا المنصب الرفيع.

وتثير هذه الظاهرة تساؤلات عديدة حول الأسباب الكامنة وراء هذا الفشل المتكرر، وهل يعود الأمر إلى عوامل اجتماعية وثقافية عميقة الجذور، أم أن هناك أسبابًا سياسية واقتصادية أخرى تلعب دوراً حاسماً في تحديد نتائج الانتخابات؟

وفي هذه المطلب سنقوم في هذا المطلب بإلقاء الضوء على التحديات التي يجب مواجهتها لتحقيق المساواة الكاملة في تمثيل المرأة في أعلى المناصب السياسية.

1-  المجتمع الأمريكي والقيادة النسائية

كثير من المحللين يرون ان المجتمع الأمريكي مجتمع ذكوري بحت وألا يريد ان تحكمه امرأة وهذا ما يؤكده زينب السويج، المديرة التنفيذية لمنظمة المؤتمر الإسلامي الأمريكي المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والأقليات، أن المرأة الأمريكية لديها محاولات سابقة للترشح للرئاسة لكنها لم تفز بسبب سيطرة المجتمع الذكوري على رئاسة الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

وأضافت السويج، في تصريحات لفريق نقطة حوار في واشنطن، "أن المجتمع الأمريكي لم يكن مستعدا لأن تحكمه امرأة". وأوضحت أيضا "أن هناك تمييزا جنسيا ضد النساء من كثير من أفراد المجتمع الأمريكي الذين يعتقدون أن المرأة ليست كفؤا لهذا المنصب"[2].

اتفق أستاذ التاريخ السياسي نيمان، مع وجهة نظر أور تلك، قائلاً إنه لا يزال هناك الكثير من الأميركيين، رجالاً ونساءاً، الذين لن يصوتوا لإمرأة. مشيراً إلى استطلاعات الرأي التي أجرتها You Gov، والتي كشفت أن نسبة الأميركيين الذين يعتقدون أن البلاد جاهزة لرئاسة تقودها إمرأة، انخفضت من 67% إلى 57% بين عامي 2015 و 2024.

هناك قطاعات من السكان لا تزال لا تستطيع أن تتخيل وجود امرأة على رأس أقوى دولة في العالم. فهناك، فيما يعرف بـ “حزام الكتاب المقدس”، تعتبر البروتستانتية الإنجيلية جزءاً لا يتجزأ من الثقافة، وتعتبر النسوية لدى الكثيرين هناك بمثابة كلمة نابية. كما أن عدم إنجاب هاريس لأطفال بيولوجيين لم يحظ بقبول جيد هناك.

2-  ضعف التشريع الأمريكي المناصر لحقوق المرأة السياسية

أما دكتور رضوان زيادة، الباحث في المركز العربي في واشنطن، فيرى أن جزءاً من أسباب غياب المرأة عن منصب الرئاسة في أمريكا يعود إلى "تاريخ كتابة الدستور الأمريكي وحصول المرأة على حق الاقتراع والتصويت ثم نظام الثنائية الحزبي الذي يحكم الولايات المتحدة".

من المثير أن بعض المرشحات، لم يكن مسموح لهن بذلك نحو فيكتوريا وودهال (1872) حيث أول امرأة ترشح نفسها لرئاسة الولايات المتحدة عام 1872، في وقت لم يكن من الممكن للمرأة أن يحق لها التصويت. وكذلك مثل هيلاري كلينتون، حصل على شعبية كبيرة، لكن نظام المجمع الانتخابي لا يصلهن للرئاسة.

في انتخابات عام 2016 تفوّق عدد الأمريكيين الذين صوتوا لامرأة على أولئك الذين صوتوا لرجل بفارق كبير، إذ تجاوز الرقم 2.8 مليون صوت. لكن نظام الانتخابات الأمريكية الخاص الذي يعتمد على أصوات المجمع الانتخابي حسب الولايات، تسبب آنذاك في هزيمة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون أمام دونالد ترامب.

ويرى خبراء أن حقيقة عدم انتخاب امرأة من قبل في التاريخ الأمريكي لا تعكس عدم وجود دعم شعبي عام للمرشحات النساء، لكن هذه الفئة تواجه صعوبة تجاوز النظام الانتخابي المعقد الذي يفرض أن يحظى المرشح الفائز بأصوات أغلب أعضاء المجمع الانتخابي.

وأضاف زيادة، في تصريحات لفريق نقطة حوار في واشنطن، أن "إنهاء السيطرة الذكورية على هذا المنصب يعتمد على تشجيع النساء أكثر من أجل الانخراط في الحياة العامة وهو ما يحدث باضطراد".

3-  العنصرية النسوية الأمريكية ضد بعضهن البعض

في بلد يحتضن قرابة 171 مليون و800 ألف امرأة، تلعب النساء دورا حاسما في أي انتخابات محلية أو عامة، خاصة إن كانت نتائجها تمس حياتهن اليومية والشخصية، وتشير بيانات التعداد في الولايات المتحدة، بين عامي 2004، و2022، إلى أن النساء الأميركيات عادة ما يصوتن في الانتخابات أكثر من الرجال.

وكان عام 2022 نسائيا من الدرجة الأولى، إذ سجل 70 في المئة من النساء الأميركيات أنفسهن للتصويت في الانتخابات التشريعية، التي جرت آنذاك. فقد مثل حضورها وتأبيدهن لترامب أكثر من هاريس، مما دعا هاريس تصرح في مقابلة مع محطة إن بي سي الأمريكية: "احضروا فعالياتي الانتخابية، وسترون أن هناك رجالا أكثر من النساء. تجربتي توضح أنه بغض النظر عن الجنس، الناس يريدون رئيسا يخطط لخفض كلفة المعيشة، ورئيسا يخطط لتأمين أمريكا".

لقد دعمت العديد من النساء مسيرة دونالد ترامب السياسية، وخاصة خلال حملاته الانتخابية للرئاسة، ولعبت مشاركتهن دورًا بارزًا في نجاحه السياسي. ومن بين هؤلاء النساء:

كايلي جين كريمر - بصفتها المديرة التنفيذية لـ "نساء من أجل ترامب"، كانت كريمر شخصية بارزة في تنظيم التجمعات المؤيدة لترامب، بما في ذلك حملة "أوقفوا السرقة" المثيرة للجدل بعد انتخابات 2020. ولعبت دورًا رئيسيًا في الترويج لسياسات ترامب بين الناخبات.

سارة ساندرز - سارة هاكابي ساندرز، السكرتيرة الصحفية السابقة لترامب، كانت مؤيدة صريحة له طوال فترة رئاسته وما بعدها، وفي النهاية ترشحت لمنصب حاكم ولاية أركنساس بتأييد ترامب.

كيليان كونواي - بصفتها واحدة من كبار مستشاري ترامب، لعبت كونواي دورًا محوريًا في صياغة رسالته والتواصل مع الناخبات المحافظات، وغالبًا ما كانت تعمل كمتحدثة باسم إدارته.

إيفانكا ترامب - ابنة دونالد ترامب، التي شغلت منصبًا في إدارته، كانت مدافعة عامة عن سياساته، وخاصة تلك المتعلقة بتمكين المرأة اقتصاديًا، ولعبت دورًا مهمًا في حملتي 2016 و2020.

لارا ترامب - عضو آخر في العائلة ومؤيد قوي، كانت لارا ترامب نشطة في التجمعات الانتخابية وأعربت أيضًا عن دعمها من خلال الظهور في وسائل الإعلام وحملات وسائل التواصل الاجتماعي.

تومي لاهرين - شخصية إعلامية محافظة، أصبحت لاهرين مؤيدة صريحة لترامب، واستخدمت منصتها لحشد النساء الأخريات لدعم سياساته وقيادته.

لقد ساعدت هؤلاء النساء، من بين أخريات، في حشد الناخبات حول ترامب خلال حملته الرئاسية، على الرغم من الجدل المحيط بشخصيته السياسية. وكان دعمهن فعالاً في تأمين التركيبة السكانية الرئيسية للناخبين، وخاصة بين النساء البيض والجماعات المحافظة.

وارتفع تأييد ترمب بين النساء في فئة 45 عاماً العمرية وما فوق تحديداً، وفق استطلاع رأي   AP VoteCast. وصوتت له 46% مقابل 53% لهاريس. ويعد هذا الفارق أقل مقارنة بفوز بايدن، الذي حصل على دعم 55% من النساء مقابل 43% لترمب. وظل دعم ترمب ثابتاً بين النساء البيض، إذ حصل على تأييد أكثر من نصفهن بقليل، وهو نفس مستوى الدعم الذي تلقاه في عام 2020.

أستاذ التاريخ السياسي بجامعة بينجهامتون في نيويورك، والخبير في السياسة الأميركية الحديثة، دونالد نيمان، قال لـ "الشرق"، إن الخطاب الجنسي لترمب يبدو أنه كان ناجحاً في زيادة هامشه بين الرجال، بما في ذلك الشباب والرجال اللاتينيين. حتى أن ترمب زاد حصته من دعم الشباب إلى نسبة 46% مقابل 36% في عام 2020.

4-  التمييز العنصري ضد النساء والأقليات  

كان ترامب شكك في الهوية العرقية لكامالا هاريس خلال مناقشة حادة في لقاء للصحفيين السود في شيكاغو شهر أغسطس/ آب الماضي.

كما يرون أن الانتخابات الرئاسية عادة ما تشهد تمييزا ضد النساء والأقليات، بينما تحقق النساء عموما أداءاه أفضل في الانتخابات عندما يمثلن جزءا من قائمة مرشحين أو في الأنظمة التي تتميز بالتمثيل النسبي. وادعى ترامب أن هاريس لم تؤكد إلا على تراثها الآسيوي الأمريكي حتى وقت قريب عندما زعم أنها أصبحت امرأة سوداء. وتهكّم ترامب قائلا "لم أكن أعرف أنها سوداء حتى قبل سنوات عدة عندما حدث أنها أصبحت سوداء". وأضاف "أنا أحترم الفئتين، لكن من الواضح أنها لا تفعل ذلك، لأنها كانت هندية طوال الوقت ثم فجأة قامت بالالتفاف وأصبحت سوداء"

ولم يسبق أن انتخبت في مجلس الشيوخ الأمريكي سوى ثلاث نساء سوداوات ــ كارول موزلي براون من إلينوي، وكامالا هاريس، ولافونزا بتلر من كاليفورنيا. ولم تشغل أي منهن مقعدًا مع الأخرى في نفس الوقت.

لا تزال العنصرية والتمييز ضد السود والأقليات الأخرى متجذّرة بعمق في العديد من أجزاء الولايات المتحدة، كما تظهر الإحصائيات في جميع مجالات المجتمع. تشكّل هذه الظواهر مجتمعة نوعاً من الشوفينية العنصرية التي يحتمل أنها كلّفت هاريس بعض الأصوات. وقد استغل ترامب هذه المشاعر في حملته الانتخابية بشكل ممنهج. وبحسب استطلاعات الرأي بعد التصويت، حصل ترامب على أصوات أكثر بفارق كبير بين المسيحيين الإنجيليين والبروتستانت والكاثوليك مقارنة بهاريس. وأفاد العديد من ناخبي ترامب بأن قرارهم كان يعتمد بشكل كبير على مدى ثقتهم بمن سيقود البلاد، بينما ركّز ناخبو هاريس على أهمية امتلاك المرشح لحسن التقدير.

نتائج البحث

1-                   أن أول دستور أمريكي صدر عام 1789 لم يمنح المرأة أو العبيد (السود) حق التصويت أو الترشح في الانتخابات، وشهدت الولايات المتحدة على مدار تاريخها معارك اجتماعية دامية لتحرير العبيد ومنح النساء حق التصويت والترشح في الانتخابات.

2-                  بدأت المطالب بحق النساء في التصويت والترشح في الولايات المتحدة عام 1848 ورغم ذلك لم تحصل المرأة على حقوقها السياسية والانتخابية سوى في عام 1920، وهو ما يعكس حجم الممانعة التي واجهتها النساء لإقرار حقوقهن في المشاركة السياسية.

3-                  النظام الانتخابي في أمريكا تتحكم فيه اعتبارات الثقافة الجمعية، وتمويلات رجال الأعمال، وهي عوامل تظل عصية على كسر المعوقات الجندرية، بخلاف أوروبا التي تتقدم عن الولايات المتحدة بمراحل في ما يتعلق باحتكارية الذكور للمناصب القيادية”.

4-  شريحة كبيرة من المجتمع الأمريكي تميل إلى المحافظة، وهو اتجاه يرفض تولي النساء منصب الرئاسة، وهذا ما يتطلب بالضرورة تغيير السياسة الانتخابية، وتشجيع الأحزاب للمرأة على المشاركة السياسية وإقبال رجال الأعمال على تمويل الحملات الانتخابية للنساء".

هوامش

[1] تصويت النساء في الولايات المتحدةhttps://ar.wikipedia.org/wik

[2] هل أمريكا مستعدة لتولي امرأة من أصول عرقية سوداء السلطة؟ https://www.bbc.com/arabic/articles/cj6k2jjlpe8o#:~

بعد سقوط الأسد.. هل تنجح إيران بترتيب أوراقها الإقليمية عبر حزب الله؟


احتجاجات العمال والمتقاعدين تجتاح إيران: مطالب بتحسين الأوضاع المعيشية


بعد ثلاث سنوات من الغياب: البعثة الدبلوماسية السعودية تعود إلى كابول


تحولات جديدة في المشهد السوري – اللبناني: زيارة جنبلاط وظهور الجولاني في دائرة الضوء