تطورات اقليمية

انتفاضة الحياة اليومية في إيران..

صوت الخبز أعلى من الرصاص.. هل يسقط النظام الإيراني من الداخل؟

الخيار الثالث... حين لا تكون الحرب ولا السلام حلًا - اليوم الثامن

نيويورك

تعيش إيران في السنوات الأخيرة واحدة من أكثر فتراتها اضطرابًا على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فبين تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد سياسات النظام، واستمرار القمع الوحشي للسجناء السياسيين، وبين الانقسامات المتزايدة داخل بنية النظام ذاته، وتزايد الدعوات في الداخل والخارج لتبني مسار ثالث بديل للحرب أو الاسترضاء، تبدو المعارضة الإيرانية اليوم في مفترق طرق حاسم.

يتناول هذا التقرير مجموعة من التطورات والمواقف والمقالات التي ترصد واقع المعارضة الإيرانية من الداخل والخارج، وتُظهر اتساع نطاق الغضب الشعبي، وتفاقم الأزمة البنيوية للنظام، وتقدّم قراءات من شخصيات سياسية وصحافية تسلط الضوء على معضلة النظام من زوايا متعددة.

انتفاضة الخبازين في إيران: صرخة ضد الفساد والإفلاس

في مدن إيران، من رشت إلى طهران ومشهد، يخرج الخبازون إلى الشوارع في احتجاجات رمزية قوية، ليس من ميادين السياسة، بل من قلب الحياة اليومية. يعيدون أجهزة الدفع الحكومية ويهددون بالإضرابات الجماعية، في صرخة يأس ضد نظام "نانينو" الرقمي الذي فرضته السلطات، والذي دفع هذا القطاع الحيوي إلى حافة الانهيار. هذه الاحتجاجات ليست مجرد نزاع عمالي، بل هي صيحة وطنية تكشف عن فساد النظام وسوء إدارته، وتتحول تدريجيًا إلى مطالبة بإنهاء حكم الثيوقراطية.

تحت ستار نظام "ذكي" لإدارة دعم الطحين، تحول تطبيق "نانينو" إلى ما وصفه خبازو رشت بـ"العدو الأكبر". بعيدًا عن كونه أداة للكفاءة، فإنه آلية مركزية للابتزاز تُدار من طهران. ويستخدم النظام مقاييس غير واقعية لإنتاج الخبز، ويُعاقب الخبازون بغرامات وتخفيضات في الحصص إذا لم يتماشوا مع أهداف النظام. وتحولت صرخة أحد الخبازين في مشهد، الذي لم يتمكن من شراء بطاطس لأطفاله، إلى شعار مأساوي لحال الشارع الإيراني.

إيران منقسمة: صراع داخلي حول المفاوضات النووية والعلاقات مع أمريكا

قال الكاتب الصحافي ضياء قدور إن إيران تعيش حالة من الانقسامات الداخلية العميقة بعد حرب قصيرة مع إسرائيل، حيث تتصادم رؤى "الإصلاحيين" والمتشددين حول مستقبل المفاوضات النووية والعلاقة مع الولايات المتحدة. ويرى أن هذا الانقسام ليس مجرد اختلاف في التكتيك، بل يعكس تصادمًا في الهوية والرؤية الاستراتيجية للنظام.

ونقل قدور تحذيرات صريحة من صحيفة "هم‌ميهن" المقربة من الإصلاحيين من استفزازات ضد القادة الأمريكيين، معتبرًا أن فتاوى قتل ترامب ونتنياهو تعرض البلاد لخطر انتقامات عسكرية. وفي المقابل، واصل المتشددون تأييد خطاب التصعيد ورفض أي مفاوضات دون شروط تعجيزية، في حين دعا الرئيس السابق حسن روحاني إلى انسحاب تكتيكي يضمن بقاء النظام.

بعد ثلاثين عامًا من التحذيرات: لا حرب ولا استرضاء بل مقاومة منظمة

في مقال تحليلي نشرته صحيفة لومانيتيه الفرنسية، دعا جان بيير برار، العضو الفخري في البرلمان الفرنسي ورئيس اللجنة الفرنسية لإيران ديمقراطية، إلى تبني ما وصفه بـ"الخيار الثالث" في التعامل مع النظام الإيراني، أي دعم التغيير الديمقراطي من الداخل عبر المقاومة المنظمة.

وقال برار إن الرهان على الحرب أو ابن الشاه أثبت فشله، مشيرًا إلى أن الطريق الحقيقي يتمثل في برنامج المقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم رجوي، القائم على الديمقراطية، والمساواة، وفصل الدين عن الدولة. وأضاف أن مقاومة 20 يونيو 1981، تمثل لحظة ولادة لمسار شعبي مناهض للاستبداد. كما انتقد الغرب بشدة لتعامله مع النظام بدلًا من الوقوف إلى جانب من كشفوا جرائمه، خصوصًا في ملف البرنامج النووي.

العراق في قلب العاصفة: هل تصمد المقاومة؟

قال الكاتب حسين نعمة الكرعاوي إن ما يجري في العراق هو امتداد لحرب كبرى على المقاومة في المنطقة، وأن الحشد الشعبي يتعرض لحملات منظمة هدفها نزع سلاحه تمهيدًا لجر البلاد إلى حظيرة التطبيع. وأشار إلى أن المفاوضات الأمريكية–الإيرانية لا تُعقد في فراغ، بل في ظل جرائم إسرائيلية متواصلة في فلسطين، واستباحة للسيادة السورية، وضغط على حزب الله في لبنان.

وأكد الكرعاوي أن المرجعية في النجف، إلى جانب المقاومة العراقية، يمثلان صمام أمان بوجه مشاريع التقسيم والهيمنة. وحذر من أن استهداف الحشد ليس عبثيًا، بل هو جزء من مشروع مدروس لتفكيك الداخل العراقي، كما دعا إلى تطوير قدرات الدفاع وتعزيز الإمكانيات لمواجهة أي طارئ.

في زنزانات القمع: انتهاكات ضد السجناء السياسيين

في تقرير صادر عن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، كُشف عن تدهور مقلق في أوضاع عدد من السجناء السياسيين داخل سجون إيران، حيث تعرضت معصومة صنوبري – وهي أم وناشطة من أنصار مجاهدي خلق – للضرب المبرح من قبل مسؤولة في سجن فرديس كرج، بعد رفعها شعارات عاشورائية مناهضة للمرشد.

كما نُقل السجين السياسي بيجن كاظمي إلى جهة مجهولة وصفها بـ"وكر آمن"، وهو مصطلح يُشير غالبًا إلى مواقع استخبارات الحرس. أما آذر كوروندي، المصابة بأمراض قلب وسرطان سابق، فحُرمت من الرعاية الطبية اللازمة، فيما يعيش محمد أكبري منفرد، المشلول تمامًا، في ظروف غير إنسانية دون كرسي متحرك، وسط تهديدات بالإعدام.

ودعت المقاومة الإيرانية المفوض السامي ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لتشكيل بعثة دولية تزور السجون الإيرانية، وتوثق هذه الانتهاكات بحق السجناء، خاصة النساء والمعارضين السياسيين.

إن الواقع السياسي والإنساني في إيران اليوم لا يعكس دولة في أزمة عابرة، بل نظامًا مأزومًا في جوهره، تحاصره الضغوط من الداخل والخارج، وتكشف معارضته المتعددة الأشكال – من احتجاجات الخبازين إلى بيانات السجون – عن عمق التحدي القائم. وبينما يتجه المتشددون إلى مزيد من العنف والتصعيد، تتقدم أطروحة "الخيار الثالث"، بوصفها المسار الأجدى نحو تغيير حقيقي تفرضه إرادة الداخل لا ترتيبات الخارج.

قضاة الموت وإرث الظلم في إيران

يُعتبر لقب "قضاة الموت" وصفًا دقيقًا لشريحة من القضاة في النظام الإيراني الذين تحولوا من حماة القانون إلى أدوات قمع وظلم، شاركوا بشكل مباشر في تعذيب السجناء السياسيين وسجناء الرأي، وأصدروا آلاف أحكام الإعدام والسجن المشدد. هؤلاء القضاة، الذين كان من المفترض أن يكونوا رموز العدالة، أصبحوا رموزًا للعنف والظلم في ذاكرة الشعب الإيراني.

السلطة القضائية: من ملاذ للعدل إلى أداة قمع

لم تكن السلطة القضائية في إيران عبر أكثر من أربعة عقود ملاذًا للمظلومين، بل تحولت إلى ذراع قمعي للنظام الديني الاستبدادي. حيث أُخضع القضاء لمبدأ "ولاية الفقيه"، الذي يجعل رأي المرشد الأعلى فوق القانون، مما أدى إلى فقدان استقلال القضاء وتحويل القضاة إلى منفذين لأوامر النظام دون مراعاة للعدالة أو حقوق الإنسان.

أبرز قضاة الموت وتأثيرهم المدمر

برز في التاريخ الإيراني الحديث عدد من قضاة الموت الذين تركوا أثرًا دامياً، منهم:

صادق خلخالي: الذي أصدر أحكام إعدام جماعية بعد الثورة الإيرانية دون محاكمات عادلة.

أسد الله لاجوردي: المعروف بـ"جلاد إيفين" الذي مارس التعذيب والإجبار على الاعترافات القسرية.

محمدي گيلاني: حاكم الشرع ومدعي عام الثورة، الذي لم يرحم حتى أبناءه بسبب نشاطهم السياسي.

إبراهيم رئيسي، حسين علي نيري، مصطفى بورمحمدي، ومرتضى إشراقي: أعضاء "لجان الموت" التي نفذت مجزرة السجناء السياسيين في صيف 1988، حيث أُعدم آلاف السجناء خلال دقائق معدودة.

كما استمر هذا النهج مع قضاة جدد مثل سعيد مرتضوي، المعروف بـ"جزار الصحافة"، والقاضي حسن مقيسه، وعلي رازيني، الذين أصدروا أحكامًا قاسية ضد المحتجين والصحفيين.

 

المحاكم الصورية وانعدام العدالة

تحولت المحاكم في إيران إلى مسرحيات صورية، حيث تُصدر الأحكام مسبقًا، ولا يُسمح للمتهمين بالدفاع أو بالحصول على محامٍ مستقل. هذا النظام القضائي يفتقر إلى الشفافية ويُستخدم كأداة لقمع المعارضة وإسكات الأصوات الحرة.

العدالة التاريخية والمستقبل المنتظر

رغم وفاة بعض قضاة الموت، مثل إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية، فإن العديد منهم ما زالوا في السلطة أو لم يُحاسبوا على جرائمهم. الشعب الإيراني وعائلات الضحايا يطالبون بمحاكمات علنية ودولية لهؤلاء القضاة كخطوة نحو إحقاق العدالة.

في المستقبل القريب، من المتوقع أن يُفتح ملف هذه الجرائم أمام نظام قضائي شفاف ومستقل، حيث لن يفلت أي قاضٍ أو جلاد من المساءلة، وسيتم تحقيق العدالة التي طال انتظارها.

تاريخ "قضاة الموت" في النظام الإيراني هو شهادة دامغة على انحراف السلطة القضائية عن مسار العدالة وتحولها إلى أداة قمع وظلم. ومع تصاعد مطالب الشعب الإيراني بالحرية والكرامة، يظل تحقيق العدالة والمساءلة القضائية ركيزة أساسية لبناء مستقبل ديمقراطي وإنساني في إيران.

صحف فرنسية: برلمانيون يدعون لحلول جذرية تجاه إيران بعيداً عن الحرب والمساومة


كيف ساهمت بطولة الرئيس الكوري في تأهل العراق إلى مونديال 1986؟


من مانشستر إلى شفيلد.. الطفلة العدنية منة ووالدها خالد جرجرة يجسدان رسالة إنسانية على دراجتيهما


هايتيرا والوفاء تُشكلان تحالفاً استراتيجياً لتحديث اتصالات قطاع الطاقة في الإمارات