تقارير وتحليلات
ضد الإرهاب
حرب أميركية ثلاثية الأهداف في اليمن
كان قرار مضاعفة عدد القوات الأميركية والضربات العسكرية في اليمن من أولى القرارات التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب فور تسلمه منصبه. فإثر ذلك أعلنت القوات الأميركية حربا مفتوحة على التنظيم الذي لم يلتقط بعد أنفاسه من ضربات التحالف العربي والقوات اليمنية، حتى جاءت التطورات العسكرية الأخيرة لتصيبه بحالة هستيرية.
وبعد أن نفذت قوات أميركية خاصة عملية إنزال ضد التنظيم المتشدد في محافظة البيضاء، وسط اليمن في 29 يناير 2017، شنّت مقاتلات ودرونز أميركية سلسلة غارات استهدفت المتشددين. وصحب هذه العملية إطلاق أول عملية للقوات البرية في اليمن منذ عامين.
ويعتبر اليمن الحصن الرئيسي لتنظيم القاعدة ويتركّز فيه أقوى فروعه، وهو القاعدة في جزيرة العرب. وبقدر ما تكون الضربات الموجهة له مؤثّرة فإن ذلك يعني ترجمة ميدانية لوعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن أميركا ستخوض معركتها الكبرى ضد التنظيمات المتشددة.
وبدأت ملامح وحجم التدخل الأميركي المباشر يتضحان عقب الإنزال الذي نفذته القوات الأميركية خلال يناير في قرية “يكلا” على الحدود بين محافظتي مأرب والبيضاء. وأسفرت العملية عن اصطياد رأس القيادي في تنظيم القاعدة عبدالرؤوف الذهبي، لكن قتل خلالها أيضا جندي أميركي وعدد من المدنيين.
وأثار ذلك غضبا في صفوف الأميركيين والحقوقيين الذين يرون أن الحملة ضد تنظيم القاعدة تؤدي إلى جملة من النتائج المختلطة، فبالتوازي مع القضاء على الرؤوس المتشددة تتسبب في قتل الكثير من الأبرياء.
وفيما يستمر الجدل حول الطائرات دون طيار وما تسببه من مكاسب وخسائر، تمضي الحرب في اليمن قدما ضد القاعدة وداعش. ولا توحي سياسة الرئيس دونالد ترامب ولا خلفية وزير دفاعه المخضرم جيمس ماتيس، الذي قاد الحروب الأميركية في الشرق الأوسط وفي أفغانستان، بأن هذه التنديدات يمكن أن تؤثر في قرار زيادة القوات أو عدد الضربات الجوية، أو في التراجع عن استعمال الدرونز طالما هي قادرة على دحر الإرهاب.
جدية واشنطن في محاربة الجماعات المتشددة في اليمن تلتقي مع أهداف القوات اليمنية والتحالف العربي
أهداف مشتركة
تلتقي جدية واشنطن في محاربة الجماعات المتشددة في اليمن مع أهداف القوات اليمنية وجهود البلدان الإقليمية، وعلى رأسها السعودية، للحيلولة دون سقوط اليمن بأيدي المتشدّدين ومنعه من أن يصبح محمية إيرانية، ويتحوّل إلى منصّة تهديد حقيقية لأمن المنطقة.
ويذهب العديد من المراقبين إلى أن الحكومة اليمنية والتحالف العربي مقتنعان إلى حد بعيد بالسماح لواشنطن بتنفيذ عمليات ضد الجماعات المسلحة مقابل استمرار دعمها للشرعية اليمنية بمنأى عن المخاوف التي يحاول بثها إعلام الانقلاب بالحديث عن اختراق محتمل للجيش الوطني من قبل جماعات إرهابية، وهو الأمر الذي لم يستطع الانقلابيون إثباته بل تراجع إلى حد بعيد عقب تمكن قوات من التحالف العربي من تحرير مدينة المكلا، في أبريل 2016.
وكشف مصدر مسؤول في الحكومة اليمنية عن دعمها لجهود الولايات المتحدة والتحالف العربي في محاربة الإرهاب. وأضاف المسؤول اليمني أن الحكومة مستعدة للتنسيق في هذه القضايا و”أنها تجري تقييما للضربات الأميركية التي استهدفت تنظيم القاعدة في اليمن”.
وتأتي الضربات الأميركية إلى جانب التدخل العسكري اليمني بالتعاون مع التحالف العربي لتشكل حصارا لتنظيم القاعدة، الذي نجح في استغلال حالة الفراغ الأمني السائدة في الكثير من المناطق وخرج من مخابئه في الجبال اليمنية، التي لجأ إليها منذ أن اشتد قصف الدرونز، والذي حصد خلال السنوات الماضية رؤوس معظم قيادات الصف الأول في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
وتعد عملية استهداف القيادي البارز في تنظيم القاعدة قائد بن سالم الحارثي، المكنى بأبي علي الحارثي في نوفمبر 2002، أول عملية قتل باستخدام الطائرات دون طيار في اليمن، فيما يعد مقتل ناصر الوحيشي، قائد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، سنة 2015، من أقوى الضربات التي شنتها القوات الأميركية في اليمن منذ الانهيار الذي شهدته البلاد بعد 2011.
وزاد الوضع الأمني والسياسي المضطرب القاعدة جرأة وقوة. ونجح التنظيم في السيطرة على مناطق هامة من البلاد، أبرزها مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، أكبر محافظات اليمن. وظل التنظيم مسيطرا على المدينة، وكاد يعلنها إمارة إسلامية، لمدة سنتين.
لكن غارات التحالف العربي والقوات العسكرية اليمنية أفشلت مخططاته. وطُرد تنظيم القاعدة من المكلا، ومناطق أخرى سيطر عليها، خاصة في المناطق القبلية السنية شمال اليمن وشرقه، أين استفاد التنظيم المتشدد من حاضنة شعبية هامة.
وأشارت عدة تقارير إلى أن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح المتحالف مع الحوثيين المرتبطين عضويا بالنظام الإيراني عمل على تحريك القاعدة، مستفيدا من علاقة المصالح المشتركة التي عقدها مع المتشددين طيلة سنوات حكمه، وذلك بهدف زيادة الضغط على القوات الشرعية.
الجدل يستمر حول الطائرات دون طيار وما تسببه من مكاسب وخسائر، تمضي الحرب في اليمن قدما ضد القاعدة وداعش
وتدفع هذه التقارير إلى ربط خيوط السياسة الأميركية في اليمن، فضرب القاعدة وتنظيم داعش، في جزء منه حرب على الإرهاب، لكنه أيضا يعني خطوات متقدمة نحو فرض الاستقرار في اليمن، خصوصا في سياق التقدم الذي تحرزه قوات دعم الشرعية بدعم من التحالف العربي.
وذكر فريق خبراء مجلس الأمن الدولي الخاص باليمن في تقرير صدر أواخر يناير 2017 أن تنظيم القاعدة عقب انسحابه من المكلا لم يستطع السيطرة على أجزاء مماثلة من الأراضي. وانحصرت أنشطته في تنفيذ هجمات ذات ثلاث فئات: انتحارية وبمدافع الهاون وزرع العبوات على جانبي الطرق.
قطع الطريق
ذكرت واشنطن أن أجهزة الاستخبارات الأميركية وضعت يدها على “كنز” من المعلومات الأمنية، حيث عثرت في المحتويات الإلكترونية التي استولت عليها القوات الأميركية الخاصة عقب عملية البيضاء في 29 يناير على “أدلة على أن فرع التنظيم في جزيرة العرب يخطط للتحرك ضد المصالح الأميركية”.
وقال المتحدث باسم البنتاغون، جيف ديفيس، إن تكثيف العمليات ضد عناصر وقادة القاعدة باليمن “جزء من خطة لمطاردة هذا التهديد الفعلي، والتأكد من إلحاق الهزيمة بهم وحرمانهم من فرصة التآمر وشن هجمات إرهابية من مناطق غير خاضعة للسلطة”.
وأشار إلى أن “القاعدة تستفيد من المناطق الخارجة عن نطاق السلطة في اليمن، من أجل إعداد أو توجيه هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة وحلفائها”، مؤكدا أن “القوات الأميركية ستواصل العمل مع الحكومة اليمنية من أجل التغلب على القاعدة”.
وكان هذا الكشف تمهيدا لعمليات أوسع شملت بعد ثلاثة أيام محافظات شبوة وأبين والبيضاء من خلال عمليات إنزال وقصف مركزة طالت وادي “يشبم” في شبوة وجبال “المراقشة” في أبين ومناطق من “قيفة” و”الصومعة” في البيضاء.
لكن، فيما يذهب مراقبون إلى ضرورة مواجهة تنظيم القاعدة والقضاء عليه كقوة تهدد وجود الحكومة الشرعية في المحافظات المحررة من الحوثيين جنوبي البلاد، يرى آخرون أن إشعال حرب أخرى سيؤدي إلى المزيد من تعقيد الأوضاع.
تنظيم القاعدة في جزيرة العرب تعرض طوال عام 2016 إلى أكثر من 30 ضربة أميركية بالطائرات دون طيار ما تسبب في مقتل 139 فردا
القاعدة وداعش وإيران
عقب فوز دونالد ترامب بالرئاسة، كتب مارك ريفكين وأحمد مهيدي، في مجلة “شؤون دولية” الأميركية، أن “الجهاديين مبتهجون بتولي ترامب سدة الرئاسة، حيث يعتقدون أنه سيقود الولايات المتحدة إلى مسار تدمير نفسها”، لكن الأخبار القادمة من اليمن لا تحمل بشائر خير للجهاديين.
وكشف تقرير مجلس الأمن عن تعرض تنظيم القاعدة في جزيرة العرب طوال عام 2016 إلى أكثر من 30 ضربة أميركية بالطائرات دون طيار ما تسبب في مقتل 139 فردا. ويرشح أن ترتفع الخسائر في صفوف القاعدة بعد أن نشرت واشنطن مجموعات صغيرة على الأرض للمساعدة في العمليات العسكرية التي تستهدف التنظيم.
يبدو اليمن مثاليا لتنفيذ ترامب تعهّداته ولتحقيق نصر على المخاطر الرئيسية الثلاثة في أجندته: داعش والقاعدة وإيران. لكن الضربات العسكرية وحدها لن تقطع حبل الإرهاب، وتقف التجارب السابقة في اليمن شاهدة على ذلك.
ويقول سكوت مان -وهو ضابط أميركي متقاعد- “إنه لأمر جيد أن نرى الضغط المتزايد لإدارة ترامب على كبار قادة تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة من خلال الغارات الجوية والعمليات على الأرض التي تشنها قوات النخبة لدينا، ولكن بعد 15 عاما من الغارات الجوية أحادية الجانب لمكافحة الإرهاب، يجب أن يعلم قادتنا أن “قطع رأس الأفعى” لا يقتصر على كيفية إلحاق الهزيمة بالمتطرفين العنيفين”.
ويرى مان -وهو مفكر في مجال مكافحة الإرهاب، ومؤلف كتاب يحمل عنوان “مغيرو اللعبة: التوجه محليا لهزيمة المتطرفين العنيفين”- أنه يجب أن ينشر فريق ترامب ووزير دفاعه جيمس ماتيس “دبلوماسيي التدخل السريع” الذين يكونون مستعدين لمواجهة المخاطر من أجل إشراك السكان والزعماء الذين يمكن أن يساعدوا في سحق القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.