مما لا شك فيه بأن عبد ربه منصور هادي، ومن خلفه كتيبة المستشارين، والموظفين، والأعوان الذين يتقاضون أجورًا، ومرتبات شهرية توازي فاتورة الأجور، والمرتبات لكل موظفي الدولة، سلموا الدولة في 2014 لميليشيات الحوثي، ويومنا هذا سلموا السيادة الوطنية. وبالتالي فنحن نواجه اليوم مشكلة مركبة، والمتمثلة باستعادة الدولة، واستعادة السيادة الوطنية في ذات التوقيت، ولا عيب، ولا حرج لو أخذت عنوانا فضفاضا، ومصطلحا كبيرا يسمى «السيادة الكاملة».
مختصر الحديث بأن استعادة الدولة في اليمن، تطلب التخلص من أوتوقراطية عبدربه منصور هادي، لأن قرار تعينه سبق الانتخابات الصورية في 2012، ومن ثيوقراطية عبدالملك الحوثي التي حملته إلى السلطة بالانقلاب، وبأدق أكثر تسليم عبدربه منصور هادي للدولة في صنعاء، وهروبه إلى عدن، ومنها تسليم اليمن لدول الخليج، وتلكم ما منحت ميليشيات الحوثي مساحة، لتكون ذراع إيران في اليمن، والهدف سواحل اليمن، وكلها وصلنا إليها بعد الإطاحة بديكتاتورية علي عبدالله صالح. كلها، مجتمعة أوتوقراطية هادي، أو ثيوقراطية الحوثي، أو ديكتاتورية صالح تعد استبدادًا في استبداد، ويرفضها 70 % من أبناء الشعب اليمني بناء تحليل علمي، ومنصف، ودقيق.
من حسنات الحرب الأهلية في اليمن، بأنها كشفت جميع المشاريع، وفضحت جميع الأطراف، وانكشفت جميع المشاريع الداخلية، والخارجية الإقليمية، لأن الجميع انتهز الفوضى العبثية ليحقق مكاسبه، ومغانمه، وأطماعه بدون خجل، بل واجه الشعب اليمني بكل فجاجة، ووقاحة، ولم يكترث لوصول كل طبقات الشعب، وعلى رأسها طبقة المعلمين إلى مستوى التسول، والشحاتة.
ومن هذا المنطلق، فالمطلوب من عبدربه منصور هادي، أن يمسك بطوق النجاة المقدم بين ثنايات هذه الأسطر، قبل أن يجد نفسه مقدمًا لمحاكمة شعبية بتهمة الخيانة العظمى للوطن، ولن تتوقف المطالب الشعبية برقبة عبدربه منصور هادي بل ستطال كل من أثروا، وجنوا المكاسب السياسية بعد 2014، وخصوصًا جماعة الحوثي، وكل من تماهى مع مشروعها التخريبي، والتدميري في اليمن، بما فيها دول عربية، أو غير عربية بصورة مباشرة، أو غير مباشرة في إطالة أمد الحرب، ومعاناة اليمنيين. فالمفاوضات، وآخرها اتفاق السويد كان الهدف إطلاق المعتقلين، وقد تنبهت لذلك جماعة الحوثي، والثابت بأنها لن تسلم أحدًا، أما ميناء الحديدة فميليشيات الحوثي متمسكة بتسليمه لمن يدين لها بالولاء، وبذلك فالمفاوضات في حلقة مفرغة بما فيها سياسة الأمم المتحدة التي تستند للمسالك الإنسانية «الاستراتيجية الإنسانية»، لتوقف الحرب، لكنها فشلت فشلًا ذريعًا.
تكتمل الصورة، بأن المطلوب من هادي مغادرة السلطة بماء الوجه، وتسليم مهامه لقيادات على أرض الواقع ضمن إطار قانوني، وهم سلطات الحكم الذاتي، وبناء شخصيات اعتبارية تتفق عليها المكونات الشعبية في الجنوب العربي، وتعز، ومأرب، وتهامة، والكتلة القبلية الخاضعة لسيطرة ميليشيات الحوثي. وقد بدأت لدينا وقائع ميدانية تؤكد بأن سلطان بن علي العرادة قادر على إدارة الحكم الذاتي في مأرب، وحماية مصالح أبناء مأرب، لكن أبناء الجنوب العربي لا بد وأن يتفقوا على ممثل وحيد يدير كامل الشأن الجنوبي بحدود 1990، أما ما يخص تعز، وتهامة فالكثير من الشخصيات العسكرية، والاعتبارية بإمكانها تحمل هكذا مسئولية تاريخية، في حين مناطق جماعة الحوثي، وما تسمى بالكتلة القبلية، فهناك عديد من الشخصيات الاعتبارية، والعسكرية يمكنها تسلم زمام الأمور، وتحقيق تطلعات الشعب اليمني هناك بما فيها التحرير.
الصورة التي سردت سابقًا، تمت بناء تحليل للوضع اليمني، ودراسة الاختيارات الكبرى لإعادة بناء الدولة، فضلًا عن دراسة مستفيضة لوثائق استعادة الدولة، والسيادة الوطنية.
إجراء تحليل للوضع اليمني
1. المؤيدون: 10 % من الشعب اليمن، والذي ينظر إلى أن هادي تم الانقلاب عليه، من قبل جماعة الحوثي، وتدخلت دول التحالف العربي بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي، لاستعادة الدولة من الحوثي، ومحاربة الإرهاب. وتظل هذه المرحلة حتى استعادة الدولة، وتحدد ببسط السيادة على كامل الأراضي اليمنية، وتتعامل مع جماعة الحوثي، والشعب هناك بأنهم منظومة انقلاب مشتركة، تخضع للعقاب الجماعي، والحصار بناء سياسة الأمر الواقع، أو شرعية الأمر الواقع الحوثية.
2 . المرحليون: 20 % من الشعب اليمني، والذين ينظرون من زاوية مؤقتة، بأن هادي يستفاد منه لبسط شرعية الدولة، عبر بناء قوات مسلحة، وتشكيل مؤسسات دولة تستطيع إدارة الشأن اليمني بما هو متاح، وممكن، وبعدها يسلم مهامه، ويوزع سلطاته ويستبدلها بسلطات حكم ذاتي.
3 . الرافضون: 70 % من الشعب اليمني، ينظرون بأن هادي يدار من السعودية التي تريد التحكم بالثروات النفطية في اليمن، في حين جلبت معها الإمارات لتدير الثروات المائية، والمواقع الإستراتيجية البحرية، وتلعب قطر دورًا آخر معارضا للسعودية بناء خلافاتها الشخصية مع السعودية، والإمارات، وليس بما يخدم مصلحة اليمنيين، في حين إيران تدعم جماعة الحوثي لتشن حرب الممرات المائية، وخطوط الملاحة البحرية، والهدف السواحل القريبة من البحر الأحمر، وباب المندب.
الاختيارات الكبرى لإعادة بناء الدولة اليمنية
الدولة اليمنية المستعادة، لا حل لها سوى تحولها إلى شركة دول، لها فيما بينها علاقـات قانونيـة داخلية، أي قانون دستوري، بموجبه تقوم دولة أعلى فوق الدول المشاركة. ولنبسط الفكرة فدولة تعز، ودولة مأرب، ودولة الجنوب العربي، ودولة تهامة، ودولة الكتلة القبلية التي تخضع لجماعة الحوثي لا بد أن تتشكل في إطار دولة أعلى تسمى «اليمن».
اليمن يقتضي بالضرورة جهدًا في تحليلها، وتكوينًا مناسبًا، وتوجيها صحيحًا صارمًا، كما أنه يتطلب اختيارات واضحة، وهناك أمور استراتيجية يجب أن نستلهمها في عملنا.
1 - الانطلاق من الواقع اليمني، من خلال معطياته الموضوعية، ومطامح الشعب.
2 - التعبير عن هذا الواقع على أن نأخذ بعين الاعتبار متطلبات التقدم العصري، واكتشافات العلم، وتجارب الحركات الثورية المستمرة في اليمن، وغير اليمن، ومحاربة الإمبريالية في العالم.
3 - الاتحاد بالتفكك: وبموجب هذه الطريقة تتفكك الدولة البسيطة، وتتحول إلى دولة مركبه فتتحول إلـى عـدة دول.
4 - وحدات ذات كيانات دستورية مستقلة.
5 - إن مزايا التحسين التدريجي لظروف معيشة الشعب اليمني، والقضاء على البطالة سـتتمثل في تنشيط الانطلاقة الخلاقة للشعب، وتحقيق التقدم، وإنه لمن الواجب الأكيـد التنديـد بـشدة بمظاهر الترف، والإسراف وتبذير أموال الدولة في 2019.
وثائق استعادة الدولة والسيادة الوطنية
بموجب ميثاق الأمم المتحدة، يضطلع مجلس الأمن بمسؤولية رئيسية في صون السلم والأمن الدوليين. يوافق جميع أعضاء الأمم المتحدة على قبول قرارات مجلس الأمن وتطبيقها. في ما يلي قرارات مجلس الأمن بشأن اليمن لكنها تستند للقاعدة الشعبية، وهذه القاعدة الشعبية من تحدد القبول الشعبي الراهن، واتجاهات القرارات التالية:
القرار 2451، 21 ديسمبر 2018، قرار مجلس الأمن الذي أيّد اتفاق ستوكهولم، وناشد كافة الأطراف احترام وقف إطلاق النار في الحديدة بشكل كامل، كما فوّض الأمين العام للأمم المتحدة بتشكيل ونشر فريق مراقبة على الأرض، لمدة 30 يومًا بشكل أولي، لتكون مهمته دعم وتيسير التطبيق الكامل لاتفاق الحديدة.
القرار 2402، 26 فبراير 2018، يقرر أن يمدّد حظر السفر وتجميد جميـع الأصـول الماليـة وحظر الأسلحة على الذين يعيقون السلام ويهددون الأمن في اليمن.
القرار 2342، 23 فبراير 2017، يجـــــدد حـــــتى 26 فبراير 2018 حظر الأسلحة والسفر وتجميد الأصول العائدة لأفراد وكيانات حدّدتهم اللجنة المنشأة عملا بالقرار 2140 (2014) حول اليمن.
القرار 2266، 24 فبراير 2016، يقرر أن يمدّد تجميد جميـع الأمـوال والأصـول الماليـة والمـوارد الاقتـصادية وحظر السفر كما نصّ عليها القرار 2140 (2015) لوضع حدّ للأزمة في اليمن التي تهدد العملية الانتقالية التي تشهدها البلاد.
القرار 2216، 14 أبريل 2015 الذي يطلب من جميع الأطراف اليمنيين تطبيق القرار 2201 (2015) ويفرض حظرًا على السلاح على عدد من الأفراد ويطلب من الأمين العام أن يكثّف مساعيه الحميدة من أجل اسـتئناف العملية السياسية.
القرار 2204، 24 فبراير 2015 الذي يمدد ولاية فريـق الخبراء حتى مارس 2016.
القرار 2201، 15 فبراير 2015 الذي يشجب بشدة الإجراءات التي يتخذها الحوثيون لحل البرلمان والاستيلاء على المؤسسات الحكومية في اليمن، ويعبّر عن القلق البالغ إزاء ورود تقارير عـن استخدام الأطفـال كجنـود، ويحث جميع الأطراف على مواصلة الانتقال السياسي.
القرار 2140، 26 فبراير 2014، الذي يدعم تطبيق مخرجات الحوار الوطني ويعيد التأكيد على الحاجة للتطبيق الكامل والفوري للانتقال السياسي، ويفرض نظام عقوبات تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
القرار 2051، 12 يونيو 2012، الذي يعيد التأكيد على الحاجة للتطبيق الكامل والفوري للانتقال السياسي ويشير إلى إمكانية فرض عقوبات.
القرار 2014، 21 أكتوبر 2011، الذي يدعو إلى تطبيق الحل السياسي القائم على مبادرة مجلس التعاون الخليجي ويطلب من الأمين العام موصلة مساعيه الحميدة من أجل ذلك.
الشرعية الشعبية في استعادة الدولة
لقد بذلت المقاومات الشعبية من جهتها خلال حرب التحرير جهودًا جديرة بالثناء، لكي تجعل استعادة الدولة، في متناول أفراد شعبنا، وأن قضية التوافق على الشكل السياسي في بلادنا تتطلب:
أ - استعادة الهوية الوطنية، والبداية بهواية أبناء مناطق التحرير ذاتها.
ب - المحافظة على مكتسبات ثورة 2011، في بناء يمن لامركزي.
ج - توسيع القاعدة الشعبية لصناعة قرار الحكم الذاتي، بدخول الجميع إلى كل مستويات الحكم، والسلطة.
د - تكييف البرامج مع واقع البلاد: وهنا نقدم نموذجا بسيطا بأن كيان تربويين بلا حقوق، لا بد ويخرج من موقع المطالبة بالحقوق إلى موقع المحاسبة، وتتبع قنوات الأموال، وبحث سبل إعادة توجيها نحو قنواتها الصحيحة، ومحاكمة، ومقاضاة من يحول دون وصولها أو استقطاعها، أو نهبها.
استعادة السيادة الكاملة في اليمن
هذا القالب يحتاج إلى إشراك كل فئات المجتمع، من ممثلي التربويين، والصحيين، والأطباء، والمهندسين، والعمال، والفلاحين…إلخ. لتنادي بممثليها بالحكم الذاتي، وأبسط قالب هو حسابات الحكومة، بأن وحدة تنظيم الإيرادات المقبوضة، أو الأموال المقبوضة تبوب في حسابات لا مركزية، ولهذا خيارات إما خيارات سلطات الحكم الذاتي في تعز، مأرب، وتهامة، والجنوب العربي، أو الكتلة القبلية، أو حسابات الفئات ذاتها من معلمين، مهندسين…إلخ. بحيث يعاد تنظيمها لصالح المستفيد مباشرة.
وتكون الفكرة العامة محددة بالإطار التالي:
1 . مناطق جماعة الحوثي: إما يتم التعامل مع ممثلي الكتلة القبلية في تشريع الحكم الذاتي، أو عبر ممثلي المعلمين، الصحيين، المهندسين… إلخ.
2 . مناطق المحررة: يتم التعامل رأسًا مع ممثلي الحكم الذاتي المعينين، وهم المسئولون عن حسابات الحكومة، وإدارة الخدمات، والإنفاق، ودفع فاتورة الأجور والمرتبات.
الرسالة التي نريد إيصالها للعالم، بأن سلطات هادي الشرعية، أو سلطات الأمر الواقع الحوثية لم تعد محل ثقة بين اليمنيين، ولا تؤتمن على أموال المساعدات، أو إيرادات الدولة، ويتوجب على كل فئات الشعب إدارة مصالحها بنفسها، وتمثيل نفسها سياسًيا واعتباريًا، وبذلك تستعد اليمن لموجة تغيير جديدة 2019 لتستعيد الدولة والسيادة في آن واحد.