بحوث ودراسات
استعراض التمييز العرقي والطبقي بين السكان
هل يمكن تطبيق مشروع الدولة الاتحادية في شمال اليمن؟
على وقع ضربات طيران التحالف العربي والمعارك الطاحنة في عدة جبهات، وخاصة تلك الجبهات التي يقاتل فيها الجنوبيون، يصر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي على تطبيق مشروع الدولة الاتحادية التي اعلن الجنوبيون رفضهم المطلق لمخرجاتها، خاصة في اعقاب انسحاب فصيل مؤتمر شعب الجنوب من مؤتمر الحوار الذي اقر الدولة الاتحادية احتجاجا على انقلاب رئاسة الحوار على ما اتفق عليه قبل مشاركة الفريق الذي يراسه القيادي الجنوبي البارز محمد علي أحمد، لكن على عكس الرفض الجنوبي للدولة الاتحادية من الاقاليم الستة.. هل من امكانية لتطبيق مشروع الدولة الاتحادية ذات الاربعة الاقاليم في الشمال اليمن.
القسم السياسي في صحيفة (اليوم الثامن)، بحث في امكانية تطبيق ذلك واستعرض الفروق الاجتماعية والتمييز العنصري الموجود في شمال اليمن ناهيك في ظل الحروب التي يقوم بها المركز المقدس في صنعاء في محاولة لاستمرار حكمه على اليمن.
التقسم العرقي والطائفي في شمال اليمن
اليمن الشمالي أو ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية التي أتت عقب انقلاب جمهوري على حكم الامام أحمد حميد الدين, يتقسم على أساس عرقي وطائفي, حيث أن سكان صعدة وعمران وصنعاء وذمار والجوف وحجة يعتنقون المذهب الزيدي على عكس سكان بلدة عتمة والوصابين الأسفل والاعلى في ذمار التي يغلب على سكان طابع الشافعية, بالإضافة إلى الحديدة وتعز واب ومأرب الشوافع.
هذا التقسيم المذهبي جعل من سكان شمال الشمال يحتقرون سكان جنوب الشمال , حيث ان سكان صعدة وعمران يصفون سكان صنعاء بأنهم بقايا فرس وأتراك في حين يصف سكان صنعاء سكان ذمار على أساس أنهم الغجر ويطلقون عليهم أوصاف مناطقية تحتقرهم , في حين يدعي سكان ذمار أنهم ليس كما يصورهم أصحاب صنعاء, بل أنه عباقرة مستدلون بقصة خدعة ذماري لاثنين من سكان صنعاء وبات المثل الشعبي (ذماري بصنعانين) وهذا المثل له عدة قصص من بينها ان (ذماريا هب إلى العاصمة اليمنية صنعاء وفيها كان يبيع عسلا ليتعرض للنصب من قبل صنعانيين , ليعود في اليوم التالي بالانتقام ببيعهم عسلا مغشوشا وضع فيه (....)!.
وفي ذمار يحتقر الذماريون سكان بلدة يريم القريبة من أب والتي يعتنق سكانها المذهب الشافعي كما هو الحال ببقية مدن وبلدات محافظة (أب) التي تتميز طبيعتها بالاخضرار طوال العام, حيث يتداول الذماريون ما يقولون إنه نكتة على أبناء يريم موردين قصة أن الأمام حميد الدين نزل إلى ذمار وفيها التقى بالأهالي وأنهم طالبوه ببناء حديقة حيوانات في ذمار, لكن الامام طالبهم ببناء سور على بلدة يريم على اعتبار أن سكانها حيوانات .. وفق ذلك الوصف العنصري.
كما أن سكان تعز مثلهم مثل سكان أب يطالهم التمييز العرقي من قبل سكان شمال الشمال, حيث يتم وصفهم بأنهم (لغالغة) أي كثيري الكلام بدون فائدة, كما أن سكان بلدة ريمة التي باتت مؤخرا محافظة يمنية بعد أن ظلت لسنوات تتبع العاصمة اليمنية صنعاء يطالهم تهميش وتمييز عنصري وعرقي اكثر بكثير مما يطال سكان المناطقة الأخرى من قبل سكان الزيود.
ويصف شماليون أبناء ريمة بأنهم أدنى مرتبه منهم, على اعتبار أنهم يتاجرون فوق العربيات (بيع بضائع على متن عربيات يجرونها بأنفسهم) ويطلقون عليهم مثلا(أقتل الريمي ولا تشارعه) (لا تجادله).
أما تهامة (الحديدة) فأن احتقارهم من قبل الزيود يتم على مقاس أخر , حيث يتم تمييزهم على انهم ذو بشرة سوداء أي ضمن فئة المهمشين في اليمن المعروفة بـ(الاخدام), هذا التمييز العنصري مع سكان تهامة مكن نافذون زيود من السيطرة على الكثير من الاراضي والثروات في الحديدة, حيث يمتلك شماليون زيود مزارع كبيرة في الحديدة في حين أن سكان تهامة الأصليين يعيشون في الفقر المحدق, وينتشرون في معظم المدن اليمنية بحثا عن العمل, حيث تجد ابن تهامة يعمل في أعمال شاقة من بينها صناعة البلك (البردين).
منذ الانقلاب على حكم الامامة دخل اليمن الشمالي في متاهات الحروب المناطقية والعرقية, حيث شهد ما يعرف باليمن الأسفل (اب وتعز) معارك المناطق الوسطى الشهيرة والتي خلفت مقتل وجرح عشرات الآلاف من اليمنيين في ثمانينات القرن الماضي.
النظام في صنعاء حكمهم من خلال سياسة فرق تسد, وأنه تمكن من زرع الاقتتال في الكثير من المناطق حتى يسهل له الحصول على خيراتها ورفد بها خزينته".. مستدلين بأن " النظام اليمني عمد على زرع الثأر والاحقاد بين القبائل في مآرب النفطية شرق صنعاء".
وخاضت القوات الحكومية ستة حروب ضد الطائفة الشيعية في صعدة (الحوثيين) عقب انتفاضة الأخيرين ضد النظام على أساس أنه همشهم واحتقرهم على اعتبار أنهم (سادة هاشميون) وهي طبقة اجتماعية يعتقد من ينتمي إليها بأنهم يجب أن يكونوا الطبقة الاجتماعية العليا في البلد؛ لأن نسبهم يعود إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.
وفي العام 2011م الذي شهد مطلع ما عرف بثورات الربيع العربي, انخرط الحوثيون ضمن ما عرف بحركة التغيير التي طالبت حينها بإسقاط حكم الرئيس صالح , وعلى الرغم من خروج صالح من سدة الحكم , إلا أن الصراع الطائفي قد عاد بعد أن ظل الحوثيون والاخوان المسلمين يتهمون النظام السابق بتكريس المناطقية والحروب المذهبية .. إلا ان تلك الاتهامات لم تدم طويلا حيث خاض السلفيون الذي كانوا يقيمون في بلدة دماج بصعدة مركزا تعليما للقران الكريم والحديث الشريف معارك شرسة مع الحوثيين الشيعة, وجند السلفيون الذين كان يتزعمهم المرجعية الدينية يحيى الحجوري المئات من الشباب السلفيين وبذات من سكان اليمن الجنوبي الشوافع , وخلفت معارك دامت شهور مقتل وجرح المئات من الطرفين قبل أن يفضي اتفاقا حكوميا رعته الحكومة اليمنية بخروج السلفيين من دماج وتركها للحوثيين الذين وسعوا من نفوذهم , صاحب ذلك معارك مع جماعة الاخوان المسلمين.
وتوسع الحوثيون عقب ذلك، الى ان وجدوا انفسهم دون اي مقدمات في وسط العاصمة اليمنية صنعاء وذلك في الـ21 من سبتمبر ايلول 2014م، قبل ان يدشنوا انقلابا ضد حكومة الرئيس هادي المعترف به دوليا، في مطلع العام 2015م، قبل ان يتدخل التحالف العربي لدعم الشرعية والتصدي للعدوان الذي شنه الحوثيون على الجنوب.
في منصف مارس من العام 2013م اجتمع اليمنيون في ما قالوا أنه حوار وطني؛ لحل المشكلات التي يعاني منها اليمن بشقيه الجنوبي والشمالي, هذا الحوار الذي استمر حتى الـ25 من يناير الماضي انتهى بمخرجات أقرت بتقسيم اليمن الشمالي إلى أربعة أقاليم في حين تم تقسيم اليمن الجنوبي إلى (أقليمين) وذلك كحل وسط لمنع فك ارتباط اليمن الجنوبي الذي يطالب به الغالبية العظمى من سكانه بالاستقلال.
رأى المتحاورون أن تقسيم اليمن إلى ستة اقاليم كفيلة بحل مشاكل اليمن في حين أنها خطة لمحاولة منع استقلال اليمن الجنوبي, غير مدركين أن التقسيم على أساس مناطقي وعرقي قد يقود البلاد إلى حروب طائفية على مدى فترة طويلة قادمة.
لكن المركز المقدس اعتبر ان ذلك ليس حلا وانه قد يفقد الثروات الجنوبية ويعزل اقليم ازال بعيدا عن
على مدى العقدين الماضيين استخدم النظام اليمني- الذي كان يتزعمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح- انفصال الجنوب وسيلة إرهاب لخصومه السياسيين في الشمال , حيث أنه مع كل حركة مسلحة في شمال اليمن كان صالح يظهر في خطابات تخويف الشماليين بانفصال الجنوب الذي يعني فقدانهم الحصول على مصدر دخل باعتبار أن الثروة في الجنوب , وانفصاله يعني أن الشماليين سوف يصبحون فقراء وبدون مصادر دخل.
والتدقيق في مسألة تقسيم اليمن الشمالي إلى اقاليم أربعة يتبين أنها تمت على اساس مناطقي وعرقي, حيث اعطاء تهامة - التي ظهرت فيها حركة احتجاجات سلمية اطلق عليها الحراك طالبت علانية باستقلال تهامة باعتبارها محتلة من قبل الزيود وفق تصريحات زعيم الحراك التهامي- استقلال ذاتي .
ويبدو ان التهاميين قد حصلوا على مبتغاهم هو اقليم خاص بهم قد يؤدي ذلك الى عودة الكثير من الاملاك المسيطر عليها من قبل الزيود.
في حين ان اقليم الجند الذي ضم اليه محافظات اب وتعز - وهم شوافع - قد خرجوا من سيطرت وهيمنة الشمال الزيدي , ويرون انهم قادرون على النهوض بالاقتصاد الوطني للإقليم , حيث يوجد في الاقليم منفذ بحري على البحر الاحمر , ورأس مال تجاري ممثل بمجموعة هائل سعيد انعم.
اقليم سبأ ايضا ضم محافظات البيضاء ومأرب وذمار , والاخيرة محافظة يعتنق سكانها المذهب الزيدي وهو ما دفعهم للخروج في تظاهرات تطالب بعدم ضمهم على الشوافع , هذه التظاهرات اجبرت القائمين على رسم مخرجات الحوار اليمني على ضم ذمار الى اقليم ازال.
وقسم اليمن الشمالي وحدة الى اربعة اقاليم الاول سمي بإقليم (سبأ)، ويضم محافظات (الجوف ومأرب والبيضاء، وعاصمته (سبأ)" , وهي محافظات تعتنق المذهب الشافي , في حين ضم الإقليم الثاني "محافظتي (تعز وإب، ويسمى إقليم (الجند)، وعاصمته مدينة تعز" , وهي ايضا شافعية.
اما الإقليم الثالث فقد ضم محافظات (صعدة وعمران وصنعاء وذمار) ويسمى بإقليم (آزال)، وعاصمته صنعاء".
اما الإقليم الأخير سمى بإقليم (تهامة)، وضم الى جانب العاصمة التهامية (الحديدة) محافظات ريمة والمحويت وحجة.
وفي حالة اقرت تلك الاقاليم فأن مشكلات قادمة وحروب مناطقية وعرقية وطائفية قد يشهدها اليمن الشمالي في السنوات القادمة , حيث ان سكان اي اقليم قد يطلبوا بإخراج اي تجارة او رأس مال لأي مواطن ليس من ابناء الاقليم وقد يؤدي ذلك حتما الى الاقتتال.
اليوم وحدة اليمن الشمالي في اقليم مهمة اكثر من أي وقت مضى وذلك لتجنب العودة للحروب المناطقية والطائفية التي شهدها اليمن منذ ستينات القرن الماضي.
الحوثيون وحروبهم التي يخوضونها حاليا ضد مسلحي جماعة الاخوان المسلمين هي مساعي لعودة الحكم الملكي الذي عرفته اليمن قبل ثورة الستينات.
وفي حالة وتمكن الحوثيون من السيطرة على محافظات صنعاء العاصمة وعمران والجوف وحجة واسقاطها كما حصل لمحافظة صعدة فأن العودة للملكية أمر حتمي , خصوصا وان بوادر ذلك قد ظهرت قبل اشهر حين عاد الى العاصمة اليمنية صنعاء حفيد الامام الذي حكم المملكة اليمنية المتوكلية , والأمام نسبا من السادة الهاشميين الزيود وكان يحكم اليمن كملك وكانت المملكة اليمنية المتوكلية مثلها مثل جارته المملكة العربية السعودية .
ظل النظام اليمني السابق يستخدم معارك صعدة على انها محاولة لعودة الحكم الملكي , لكن يبدو ان مسألة العودة للملكية مجرد وقت فقط.
ولكن بعد العودة الى , كيف سيكون مصير جنوب اليمن الشمالي وكذا شرقه وغرب , حيث انه من الصعب اخضاع الشوافع اليمنيين الشماليين للحكم الأمامي الزيدي حتى وان تم استخدام القوة , وهذا يعني ان اقتتال طويل المدى ينتظر اليمنيون الشماليون.
ان الحل في ذلك هو وحدة اليمن الشمالي في كيان واحد مع التأكيد على اشراك كل الطوائف العرقية والدينية في الحكم والقرار السيادي , وبحث حلول ومعالجات للمشاكل والعالقة منذ ستينات القرن الماضي بما في ذلك تسوية اوضاع اسرة حميد الدين الملك اليمني السابق وكذا بحث حلول ومعالجات لمشاكل المناطقة الوسطى الشافعية التي ارتكب النظام اليمني بحقهم مجازر وحشية في منتصف ثمانينات القرن الماضي , وارجاع ممتلكات ابناء تهامة , واحتساب نصف ثروات مارب النفطية لأبناء المحافظة وذلك لإيجاد نهضة عمرانية في المحافظة التي شهدت اقامة مملكة سبأ , ووقف الاقتتال المناطقي والعرقي والقبلي الموجود والمتوارث منذ عشرات السنين.
وقف الاضطهاد لسكان صنعاء القديمة الذين تعود اصولهم الى الفرس والاتراك , وتأمين حياة اليهود اليمنيين الذين تم ترحيل الغالبية منهم الى اسرائيل وان بقي منهم القلة فهم يعيشون في خوف ورعب وبقائهم في صنعاء مهدد بالخطر القادم من شمال الشمال مسلحي جماعة الحوثي الذي يرفعون الموت لإسرائيل.
وحدة اليمن الشمالي هو ما يبحث عنه الجميع، والحوثيون والمخلوع صالح الذين يسيطرون على كل الشمال لا يريدون ان تذهب بلادهم نحو الاقلمة التي يرون ان فيها اضعاف لمركزهم المقدس.
وما حربهم على اليمن الا انهم لا يريدون التقسيم، حتى وان كان هذا التقسيم سيساهم في انصاف الاقاليم والاقليات التي حرمت من حقوقها وخاصة سكان تهامة التي يسيطر عليها الزود منذ قرن ونيف.
عودة الوضع الى مكان عليه قبل العام 1990م، هو السبيل الامثل لاستقرار اليمن بشقيه الشمالي والجنوبي، خاصة في ظل الشرق الاجتماعي الذي احدثه الحوثيون واتباع المخلوع صالح، جراء استمرارهم في الحرب العبثية والعرقية ضد اليمنيين في وسط اليمن وغربه.
لكن ذلك يتطلب نزع الحكم من الشمال الزيدي ومنحه لحاكم من اليمن الاسفل او من تهامة، لان استمرار السيطرة الزيدية يعني استمرار الحروب العبثية والاقتتال الطائفي والجهودي، في ظل اصرار شمالي على عدم التفريط في الجنوب اليمني الذي هزم قوات الشمال عسكريا.