تحليلات
إسقاط التهم الجنائية..
تقرير: مقارنة أنقرة بواشنطن ما بين الدولة العميقة و سيادة القانون
هل توجد دولة عميقة داخل الولايات المتحدة تذكرنا بمنظمة سرية
في مقابلة بودكاست حديثة، ألمح إكيم ألبتكين رئيس مجلس الأعمال التركي الأميركي إلى وجود "دولة عميقة" في الولايات المتحدة. كان هذا جزءًا من جهوده لإسقاط التهم الجنائية المعلقة ضده أو تخفيضها حتى يتمكن من متابعة أعماله ومصالحه الشخصية دون خوف من تسليمه إلى الولايات المتحدة من دول أخرى.
ولكن هل هو على حق؟ هل توجد دولة عميقة داخل الولايات المتحدة تذكرنا بمنظمة سرية مماثلة من قضاه وضباط عسكريين متقاعدين وناشطين ومصالح تجارية وأكاديميين في تركيا في أواخر القرن العشرين والتي نصبت نفسها على أنها حارسة العلمانية والحداثة؟
أم أن ألبتكين يتشبث بقشة لتجنب مواجهة العدالة الأميركية على أفعاله السيئة التي ارتكبها أثناء عمله نيابة عن الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية، في أفعالها ضد حليفها السابق فتح الله غولن؟
على الرغم من أن هذا المؤلف يفضل التفسير الأخير، إلا أننا دائمًا ما نجد ذرة من الحقيقة داخل نظريات المؤامرة المطروحة - سواء بصدق أم لا - كتفسيرات لسلسلة من الأحداث.
ليس سراً أن الغالبية العظمى من موظفي الحكومة الأميركية فضلوا هيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016. كما أنه ليس سراً أن العديد منهم نظموا لمعارضة مبادرات الرئيس دونالد ترامب واستمروا في محاولة إحباط مبادراته أو على الأقل تأخيرها على مدار فترة إدارته. وكانوا يستندون في ذلك على حلفاء بين معظم الأكاديميين الجامعيين ووسائل الإعلام الكبرى والصحافيين وكتاب الرأي.
وينضم إليهم أعضاء ديمقراطيون في الكونغرس والعديد من المسؤولين الحكوميين السابقين وضباط عسكريين ومدنيين متقاعدين.
وأخيرًا، هناك بالتأكيد قضاة في جميع أنحاء نظام المحاكم الفيدرالية في الولايات المتحدة لا يشاركون وجهات النظر حول سلطات الرئيس بموجب دستور الولايات المتحدة والتي يمتلكها ترامب وأنصاره.
لكن هذا لا يشكل "دولة عميقة"، وهي حكومة بديلة ترى نفسها حارسة للديمقراطية مستعدة لتخريب العملية الانتخابية الدستورية من أجل حماية البلاد من رئيس يرون أنه يغتصب الدستور.
ولكن إذا الدولة العميقة الأميركية قوية كما زعم ألبتكين، فلماذا لا يزال ترامب يترأس حكومة الولايات المتحدة؟
وفي تركيا، كان لشبكة الدولة العميقة للمصالح العسكرية والقضائية والأكاديمية والتجارية والإعلامية قوة حقيقية. ومن خلال استخدام المعدات العسكرية أو الإقالات القسرية للقادة المدنيين أو إحداث تغيير في الحكومة بموجب مذكرة، تمكن أعضاء هذه الشبكة من عكس نتائج الانتخابات وعزل المسؤولين المنتخبين والسيطرة على مجرى الأحداث السياسية بوسائل قانونية وغير قانونية، حيث تحدد العناصر القيادية للشبكة ما الذي يأتي في مصلحة الجمهورية.
لم يحدث شيء من هذا، حتى الآن، في الولايات المتحدة، وغير محتمل أن يحدث.
طرحت عناصر هامشية في كلا الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة نظريات جامحة حول تداعيات انتخابات نوفمبر 2020 - يقترح البعض انقلابات عسكرية لفرض عزل ترامب من منصبه.
ولكن في الواقع، سيجري نقل السلطة، أو احتفاظ ترامب بها، وفقًا لدستور الولايات المتحدة والقوانين التي أقرها الكونغرس كما تفسرها المحاكم بموجب الدستور.
وعلى الرغم من أن العناصر المتطرفة في الحزب الديمقراطي وكذلك العناصر المتطرفة في الحزب الجمهوري ستكره الاعتراف بذلك، إلا أنهم يشتركون في سوء فهم عميق وعدم إيمان بتقديس الموظفين العموميين لسيادة القانون وتقديس الناخبين الأميركيين للعملية الانتخابية الدستورية.
إذن، أين هي الحقيقة التي يزعمها ألبتكين وطورها إلى مؤامرة على مستوى الحكومة الأميركية ضد رئاسة ترامب التي تآمرت عليه؟
وفي عام 2016، تزايدت مخاوف بعض عناصر الولايات المتحدة بشأن تصرفات الحكومة الروسية لتعطيل أو التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية. قام بعضهم، متأثرًا بالعداء الشخصي ضد ترامب، بالتخلي عن أخلاقياتهم المهنية وارتكبوا أخطاء جسيمة لما اعتقدوا أنه يجب أن يكون صحيحًا بغض النظر عن الأدلة التي أثبتت عكس ذلك، أي أن الرئيس ترامب وحملته تآمروا مع روسيا لتأمين النصر الانتخابي لصالح فلاديمير بوتين.
ولكننا نعلم الآن أنه لم تكن هناك مؤامرة بين ترامب، أو حملته، والحكومة الروسية لتأمين النصر الانتخابي. إن الكشف العلني عن أفعال بعض مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي وغيرهم من المسؤولين الحكوميين الأميركيين، كما ورد في تقرير المفتش العام بوزارة العدل وكما رأينا في الإقرار الأخير بالذنب لكليسميث، يقدم دليلاً على عدم وجود دولة عميقة في الولايات المتحدة .
ولكن على العكس من ذلك، فإن آلية سيادة القانون، التي طبقت بشكل غير كامل في بعض الأحيان لأنها غير كاملة وأحيانًا فاسدة، لا تزال تعمل بشكل جيد.
لكن ألبتكين لم يتوقف عند حد الادعاء بأن الموظفين المهنيين التابعين للحزب الديمقراطي في حكومة الولايات المتحدة شكلوا مؤامرة واسعة لاغتصاب الدستور لإزاحة ترامب من منصبه بوسائل خارجة عن القانون، لكنه زعم أيضاً أنهم على علاقة وثيقة بحركة غولن.
وهنا أيضًا نجد بعض من الحقيقة في بناء مؤامرة كبرى واسعة النطاق. حيث شارك أنصار غولن في محاولة الانقلاب في يوليو 2016، ولدى غولن العديد من الاتصالات الجيدة داخل هياكل السلطة السياسية الأميركية، وكانت هناك دعوات للتحقيق في تزوير التأشيرات في بعض المدارس الأميركية التابعة لـ "حزمت"، وهي مجموعة غولن الخيرية والتعليمية.
لكن بعض هذه الحقائق لا تشكل دليلاً على أن غولن أو أتباعه قد انضموا إلى وزارة العدل. والأهم من ذلك بالنسبة لألبتكين، أنه لا يوجد دليل على أن التهم وجهت إليه بناءً على طلب غولن أكثر مما تم توجيهها بناء على طلب البيروقراطيين الأميركيين المعادين لترامب.
وباختصار، يسعى ألبتكين إلى تشتيت انتباه الجمهور عن الأسئلة الحقيقية المطروحة: هل أساء تمثيل نفسه كمواطن عادي عند توظيف مايكل فلين وبيجان كيان في أعمال العلاقات العامة المعادية لغولن بينما كان يعمل في الواقع نيابة عن الحكومة التركية؟ وهل استمر في الكذب بشأنها عندما أصبحت العلاقة بينه وبين الرئاسة التركية واضحة لا يمكن إنكارها، كما تزعم وزارة العدل الأميركية؟
في الولايات المتحدة، سيحصل ألبتكين على جلسة استماع عادلة لأنه، على الرغم من كل عيوبها، تظل الولايات المتحدة خاضعة للقانون، وليس العكس كما هو الحال في تركيا.