بحوث ودراسات

"إخوانيةُ الرَّوحِ وسّلفيّةُ النِّقاب والمرحلة"..

تحليل: السُّروريّة.. كيف أصبحت أخطر وأشد ضرراً من تنظيم الإخوان؟

اِتفق الإخوان والسروية على إسقاط وتكفير الحكومات المسلمة العربية - أرشيف

في تصريحٍ لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لصحيفة ''تايم الأمريكية" وصف فيها أتباع السرورية بأنهم الأكثر تطرفاً في الشرق الأوسط، قائلاً : "إنهم أشد خطورةً من جماعة الإخوان المسلمين"، كما أكد ولي العهد أن "السروريين مجرمون بموجب قوانيننا، وستتم محاكمتهم متى توافرت الأدلة الكافية ضدهم".

وقبل ثلاثين عام؛ وصف الشيخ مقبل الوادعي في كتابهِ «الإلحاد الخميني في أرض الحرمين» : "أن السُّروريّة أخطر وأشد ضرراً من تنظيم الإخوان المسلمين".

وقد سُّمي التنظيم بـ"السُّروريَّة" نسبةً لـ محمد بن سرور بن نايف زين العابدين، مؤسس التنظيم والمُنظِّرِ للجماعة؛ والمولود في حوران في بلاد سوريا عام 1938م.

وفي عام 1965م ؛ غادر محمد بن سرور سوريا بعد نكبة الإخوان المسلمين، وذهب إلى السعودية، حيثُ أقدم على  التدريس في مادة الحساب، ولم يكن ذا علمٍ أو تخصُصٍ بالشريعة إطلاقًا.

 كانت نشأته إخوانية، وقد صّرح على قناة الحوار في برنامج سُّمي بـ «مراجعات مع الشيخ محمد بن سرور» يقول فيه عن نفسهِ: "وأنا صغير عِشت مع الإخوان، فعمري وتاريخي بالإخوان" اهـ .

وفي بريدة -القصيم عَرف محمد بن سرور السّلفية، وكان يُنكر على السلفيين عدم عملهم العمل التنظيمي الحَرَكِي السِّرِّي.

والحقيقة كما ذكر الباحث خالد العضّاض في لقاء مع المديفر على برنامج «في الصورة» قال : "أن محمد بن سرور -نقلاً عن أحد تلاميذهِ- قد رأى أن المجتمع القصيمي والسعودي لن يستطيع أن يكسَبَهُ في ذلك الوقت إلا بالغطاء السلفي، فكانت السلفية هي مفتاحُ القبول".

فبدأ في حينها بالعمل التنظيمي الحَرَكِي السِّرِّي، وقد استطاع أن يجد آذانًا صاغيةً وأصداءً واسعةً لدى كثيرٍ من الشباب المُتحمس، الذي كان متعطشًا لـطرحٍ سُنِّي ثوري على غِرار حركة الخُميني في ذلك الوقت.

وقد كان يعمل محمد بن سرور في العمل الدعوي تحت غطاء الإخوان المُسلمين؛ إلا أن عملَهُ كان مستقلاً عنهم، وقد أثار حفيظةَ وتوجسَ الإخوان منه .. خصوصاً مناع القطان.

ومن ذلك أن الإخوان يكفرون رجال الأمن ولا يلتقون بهم ولا يتعاملون معهم أبداً، وذلك عكس ما كان عليه محمد بن سرور فقد كسر هذا الحاجز، فكان يلتقي برجال الدولة ويتعامل معهم، وقد كان يتزلف ويتقرب إليهم برفع تقارير ضد طلابهِ -الشباب الصغار المُراهقين الثانوية ممن تأثروا بالفكر الناصري أو القومي-، وقد ذكر الباحث خالد العضّاض، أن أحد المقربين لـ محمد سرور قال : "إذا كانت حاجة له عند الجهات الأمنية أو الحكومية؛ يُقدم تقاريراً، ثم يطلب حاجتَهُ !".

وفي الثمانية الأعوام التي مكث فيها محمد بن سرور في السعودية استطاع على تأسيس وترتيب صفوف التنظيم كما صّرح عن ذلك في لقاء له على قناة الحوار قائلاً : "إن تأسيس التنظيم كان في السعودية"، ثم بعد ذلك أُبعد من المملكة، وانتقل إلى الكويت، ومن ثَمَّ انتقل إلى بريطانيا، وإلى الأردن، ومن ثمَّ إلى قطر، وتُوفِيَ في الدوحة.

استطاع محمد بن سرور أن يجمع بين المتناقضات(السلفية والإخوانية)، فانتقى من عقائد السلفية ما يتناسب مع المرحلة، مُنَاكِحاً بين عقائد ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب وبين ثَوْرية وحاكمية سيّد قطب؛ بعد أن علم مفتاحَ الدخول والقبول للمجتمع القصيمي للسلفية -كما سبق توضيح ذلك-.

وبعد فترة من العمل التنظيمي الحَرَكي السِّري، والسيطرة على المؤَسسات التعليمية في السعودية، واختراق كثيراً من المؤَسسات الأمنية، بدأ يشعر التنظيم بالثقة والقوة، وقد كان محمد بن سرور في هذه الفترة تحديداً في بريطانيا يُصدِر صحيفةً أسماها بـ«السُّنة» : كانت عبارة عن توجيهات وتحريضات يتلقاها أعضاءُ ورموز السُّروريّة في الداخل.

وجاءت أزمةُ الخليج -احتلال صدّام للكويت- حينها برز التنظيم السروري، وهنا ارتفع الصوت السروري على حكومة السعودية وحكومات الخليج تشغيباً وتحريضاً وتضليلاً وتكفيراً! ، وكذا برزت أهدافهم السياسية وارتفع صوتهم الثوري، ومن ثَمَّ بدأ التنظيم مِشْوَارَه التشغيبي الإرهابي التكفيري على الحكومات العربية.

وهنا برز رموز التنظيم السُّروريّ؛ ومنهم : ناصر العمر، وسلمان العودة، وسفر الحوالي، وغيرهم..، وبعد سِجنهم برز آخرون من دعاة السَّروريّة أمثال : محمد العريفي وعبدالعزيز الطريفي وغيرهما ..

 

السَّروريّ والإخوان المسلمين

 

اِتفق الإخوان والسروية على إسقاط وتكفير الحكومات المسلمة العربية، وشكَّلوا تحالفات بعد أزمة الخليج، وفي كثير من المواقف السياسية حصل بينهم تنسيقٌ وترتيب حتى قال قائلهم : "وحدة الصف لا وحدة الكلمة"،وهكذا القاعدة الشهيرة : "نتعاون فيما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه"، ويختلف السَّروريّة مع الإخوان في أمورٍ هشة واهية استطاع كل منهما تجاوزها، وهكذا يجمعهم العمل الحَرَكِي السِّرِّي، وحاكمية قُطب.

السَّروريّة والإرهاب

كشفت وثائق «أبوت آباد» أن التنظيم السَّروريّ هو الداعم المعنوي والمادي لتنظيم القاعدة، وقد كشفت الوثائق أن التنظيم السُّروريّ كان الداعم الأول معنوياً ومادياً لوصول لـ أبو عمر البغدادي -حامد داود محمد خليل الزاوي- إلى الخلافة، وهذا غير دعمهم لداعش والنصرة.

وهناك مقطع صوتي لـ أبو مصعب السوري -أكبر مُنَظِّر لتنظيم القاعدة- يقول فيهِ : "فالسعودية وحكومتها من أكفر حكومات البلاد الإسلامية .. وهذا الكلام يُصرِّح بهِ شيوخ الصحوة، أكثر من واحد يأتيني فيقول إن نظام فهد كافر ولكن لا تنقلوا عني هذا فنحن في ضعف"، وهكذا في نفس المقطع يقول أبو مصعب يذكر ناصر العُمر ويُظهِر حبَّه الشديد وإعجابَهِ الكبير بهِ.

ويقول ناصر البحري -أحد الحراس الشخصيين لأسامة بن لادن- في برنامج «إضاءات على قناة العربية» : "إن ما حصل من أحداث 11-سبتمبر إنما هو تفاعلات لفتاوى المشايخ وتحريضاتهم لنا، وضربَ مثلاً على ذلك بسلمان العودة على شريط «صناعة الموت».

وقد حصل هذا التنظيم على نصيبِهِ من المدح والإبراز من الأبِ الروحي للجماعات الإرهابية والتنظيمات الإسلامية السياسية يوسف القرضاوي، في كتابهِ «الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد».

السُّروريّة في اليمن

وأما في بلاد اليمن فقد كان لتنظيم السرورية الصولة الكبرى والمساحة الواسعة، ومن أبرز رموز التنظيم السّروريّ :جمعية الإحسان، وحزب الرشاد السلفي، وهكذا عبدالمجيد الهتاري، ومحمد موسى العامري، وأحمد أهيف، وعبدالوهاب الحميقاني-على قائمة الإرهاب السعودية-، وعبدالله الحاشدي.

وقد ثبت لنا أن كثيراً من شباب جمعية الإحسان السُّروريّة في عدن وأبين ولحج وحضرموت قاتل في صفوف القاعدة، وشارك عددٌ منهم في العمليات الإرهابية.

وهكذا أحد كبار مؤسسي جمعية الإحسان السَّروريّة عبدالمجيد الهتاري الريمي، أعلن بيعتهُ لـ أبو بكر البغدادي، وادعى لمبايعة داعش على أنها خلافة إسلامية.

وفاة محمد بن سرور في الدوحة 11 نوفمبر 2016م:

ومات بن سرور وبقيت السُّروريّة فكراً وتنظيماً وإرهاباً وتدميراً، مات إرهابيٌ وبقي الإرهاب، دُفن متطرفٌ وبقيَّ التطرفُ.

وسُجن سلمان العودة ومن معهُ وبقيت أفكارُهم المتطرفة حُرة طليقة، فلا يموت الإرهاب إلا بنشرِ السلام، ولا يحاربُ الفكرُ المتطرف إلا بفكرٍ وسطي، ولا يسقط فَهمُ الدينِ السقيم إلا بفهمٍ صحيح.

-----------------------------------------------
كاتب متخصص، يكتب لـ(اليوم الثامن) في قضايا الإسلام السياسي في المنطقة.

«رشاد العليمي» في مأرب لإعادة إحياء تحالف حرب «2019م».. الطريق إلى صنعاء من عدن


"قطاع غزة" بين نار الحرب والدبلوماسية: هل ينجح العالم في إخماد الصراع؟


مستقبل العلاقة الايرانية السعودية في ظل تزايد نفوذ طهران في المنطقة (رصد تحليلي)


الفنون الجنوبية بين الهدف والاستهداف.. من النشأة إلى التدمير "المسرح في عدن نموذجًا"