تقارير وتحليلات
"اليوم الثامن" تقدم قراءة تحليلية في خطاب الإعلام المحلي..
مزالق إعلامية تهدد الهوية الثقافية الجنوبية (نظرة فاحصة)
المقدمة: لقد حرصتْ الشعوبُ والأُمم منذُ بداية فجر البشريّة حتّى هذا اليوم المُحافظةِ على تميُّزها وتفرُّدها اجتماعيّاً وثقافياً، لذلك أنصب اهتمامها بأن يكون لها هويّةٌ تُساعدُ في الإعلاءِ من شأن الأفراد وربط بعضهم ببعض، كما ساهم وجود الهويّة في زيادةِ الوعي بالذّات الثقافيّة والاجتماعيَّة، ممّا ساهمَ في تميُّزِ الشّعوب عن بعضهم بعضاً؛ فالهويّة جزءٌ لا يتجزّأ من نشأة الأفراد منذُ ولادتهم حتّى رحيلهم عن الحياة.
إن وجود فكرة الهويّة ستساهم- بدون شك- في التّعبيرِ عن مجموعةٍ من السّمات الخاصّة بشخصيّات الأفراد؛ لأنّ الهويّة تُضيفُ للفرد الخصوصيّة والذاتيّة، كما أنها سوف تجعله في إطار القالب الكلي للمجتمع، كما إنّها تعتبرُ الصّورة التي تعكسُ ثقافته، ولغته، وعقيدته، وحضارته، وتاريخه في دائرة الجماعة، كما تُساهمُ في بناءِ جسورٍ من التّواصل بين كافة الأفراد سواءً داخل مجتمعاتهم، أو مع المُجتمعات المُختلفة عنهم، وأنماط الهوية هي:
الهوية الثقافية
الهوية الاجتماعية
الهوية السياسية
ماهية الهوية
الهوية مأخوذة من، هُوَ .. هُوَ، بمعنى أنها جوهر الشيء، وحقيقته، لذا نجد أن الجرجاني في كتابه الذائع الصيت ”التعريفات“ يقول عنها: بأنها الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب[1].
فهوية الإنسان .. أو الثقافة .. أو الحضارة، هي جوهرها وحقيقتها، ولما كان في كل شيء من الأشياء – إنساناً أو ثقافة أو حضارة - الثوابت والمتغيرات .. فإن هوية الشيء هي ثوابته، التي تتجدد لا تتغير، تتجلى وتفصح عن ذاتها، دون أن تخلي مكانها لنقيضها، طالما بقيت الذات على قيد الحياة[2].
إن هوية أية أمة هي صفاتها التي تميزها من باقي الأمم لتعبر عن شخصيتها الحضارية“[3]. والهوية دائماً جماع ثلاثة عناصر: العقيدة التي توفر رؤية للوجود، واللسان الذي يجري التعبير به، والتراث الثقافي والحضاري الطويل المدى[4]. واللغة هي التي تلي الدين، كعامل مميز لشعب ثقافة ما عن شعب ثقافة أخرى يأتي التاريخ وعناصر الثقافة المختلفة في صنع الهوية. فالهوية الثقافة لها تعريفات كثيرة أهمّها التعريف الذي اعتمدته «اليونسكو، وهو أنها «مجموعة السمات الماديّة والروحية والفكرية والعاطفية التي تميّز مجتمعاً بعينه أو فئة اجتماعية، وهي تشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة، كما تشكل الحقوق الأساسية ونظم القيم والتقاليد والعادات".
ويُفهم من هذا التعريف أن الثقافة تشمل عقائد المجتمع وعاداته وتقاليده والمفاهيم المشتركة السائدة لديه، ولغته وتاريخه وتراثه ومنتجه الفكري والعقلي والعلمي ورموزه من الأشخاص والمقدّسات وسواهم، وآدابه وفنونه وعاداته وأنماط تفكيره وسلوكه ومرويّاته الشفوية وأساطيره وخرافاته .
والثقافةُ غير العمل الثقافي، لأنّ العمل الثقافي هو كلّ إنتاج ثقافي أو فني يدور في فلك الثقافة بمفهومها آنف الذكر ويصبّ في خدمتها وتحصينها وتطويرها والمحافظة عليها، ويشمل النتاجَ الأدبي والفكري والفني من رسم ومسرح وسينما وتمثيل وغناء وموسيقى ورقص وغيرها .
إنّ الثقافة والعمل الثقافي يمثّلان أهم ملمحٍ من ملامح هويّة الأمّة وشخصيتها، ويؤديان دوراً بالغ الأهمية في المحافظة على الأمّة وتحصينها وضمان تقدّمها ونهضتها.
انطلاقاً من هذه القاعدة، فإنّ الأمم التي حافظت على ثقافتها وانشغلت بالهمّ الثقافي هي تلك التي نالت الحظ الأوفر من التقدّم، بينما الدول التي تنكرت لثقافتها وقصّرت في الاهتمام بها وبالعمل الثقافي هي نفسها التي وقعت فريسة للأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وسواها.
أهمية الهوية الثقافية
إنّ للثقافة أهمية بالغة في حياة الأمم والشعوب، كما أن لها دوراً كبيراً في تحقيق التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وفي المحافظة على الأمن الاجتماعي، ووحدة الأمة، إلى جانب أهميتها في المحافظة على الهويّة الوطنية. وذلك انطلاقاً من الاعتبارات التالية :
- إن عناصر ثقافة المجتمع تمثّل المشترك بين أبناء الأمة، والثقافة العربية هي أمّ جامع من جوامع أمّة العرب لغة وتراثاً وعاداتٍ وقيماً، وكلّما ازداد هذا المشترك وحافظنا على بقائه جامعاً بين أبناء الأمّة ضمنّا تماسك المجتمع ووحدة الأمّة، وتبعاً لذلك ضمنّا قوتها، وقدرتها على الصبر في الشدائد ومواجهة التحديات.
- إنّ الأمّة، متى داهمتها أزمة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية، تتجه أنظارها في غالب الأحيان إلى مفكريها ومثقفيها، لاقتراح الحلول واجتراح السبل لمواجهة تلك التحديات، ويعدّ ذلك اعترافاً من المجتمع بأنّ مثقفيه ومفكريه هم منارات المستقبل، وأنهم القادرون على تشخيص المشكلات واقتراح الحلول والعلاجات.
- إنّ الأمة، عند تعرضها لتحديات تهدد وجودها، تستعين بموروثها الثقافي المخزون في بطون الكتب وفي صدور أبنائها، فتوظفه في حضّ الأمّة على الصبر والثبات والمواجهة، وتستخدمه في رفع المعنويات واستنهاض الطاقات وتعزيز الثقة بالنفس والأمل بالنصر، وذلك عندما يستمدّون من أعماق ذاكرتهم الجمعية ومن نماذجهم ورموزهم التاريخية والدينية العناصر والتجارب التي تشدّ من أزرهم.
- إن العمل الثقافي من خلال وسائله المختلفة من شعر وقصة ورواية ومؤلّفاتٍ ومسرحٍ وفنّ تشكيلي وغناء وموسيقى وتمثيل وسينما، يستطيع أن يعزّز الكثير من القيم الإيجابية التي لا يستغني المجتمع عنها والتي تصبّ في خدمة الوطن وتعزيز أمنه وقوته وتماسكه، ومن هذه القيم: الإخلاص، والانتماء، وحبّ الوطن، والإيثار، والتسامح، والتعاون، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، واحترام القوانين.
- إن الثقافة هي التي تعزّز الدافعية لدى أبناء المجتمع للتقدم والتطوير والإبداع والبناء. وتعد الهوية الثقافة الوسيلة الأكثر تأثيراً وفاعليّه في زيادة وعي أبناء المجتمع وتوسيع آفاق معرفتهم وإدراكهم، وتشكيل ضميرهم ووجدانهم، وهي جميعها عناصر تحصّن المجتمع من أي اختراقات.
- تعدّ الثقافة مصدراً مهماً من مصادر تحقيق الأمن الوطني، وذلك لأنّ عناصر ثقافة الأمّة تمثل الجوامع المشتركة بين الناس، وهذه الجوامع مصدر التلاحم والتماسك داخل المجتمع في العادة، ومتى ازداد التلاحم والتماسك في المجتمع ازدادت حصانة المجتمع وقدرته على الصمود أمام التحدّيات والأخطار والأزمات التي يتعرض لها. ومتى ازدادت الحصانة والمنعة تحقّق الأمن الوطن.
إنَّ الهوية الجنوبية ليست هويةً إشكالية تتعارض فيها مكونات الثقافة مع خصائص الهوية الوطنية، فالهوية الجنوبية المعاصرة المؤسَّسة على ثقافة إنسانية عريقة، والطالعة من معاناة القهر ومساعي التهميش والطمس والإلغاء، والتي أعادت إنتاج نفسها عبر مسيرة نضالٍ وطنيِّ تحرُّريٍّ شاق وعنيد، قد حصَّنت نفسها، باستنهاض ما اختزنته جذورها الثقافية العريقة، من السقوط فيما نهضت لحماية نفسها منه ومقاومته.
إن المتأمل في تاريخ هوية الجنوب العربي يرى أنها تأسست على عمق ثقافيِّ منفتحٍ على ثلاث جهات هي: تاريخ الجنوب العربي الموغل في القدم؛ معطيات الحاضر الموسوم بالنضال التَّحرُّري؛ وممكنات المستقبل المفتوح على استعادة القدرة على المشاركة في صنع الحضارة الإنسانية، وذلك في تواشجٍ متصل مع نهوض هذه الهوية، أولاً وقبل كلِّ شيء، على رؤى مستنيرة، وعلى مبادئ إنسانية متفتحة، وعلى قيمٍ ومعايير تحترم الإنسان، وتحمي حقوقه وحرياته جميعاً.
وتلك الهوية تشمل عناصر مختلفة، وتجمع بين أنماط حياة مميزة وبين الفنون والثقافة التي نتميز بها، كما أنها تتعلق بالتراث والعمارة والتاريخ والأدب والشعر والقصة والرواية والموسيقى والرقص والمسرح والفنون التشكيلية والفلكلور واللغة والسلوك والقيم والأخلاق.
إن طمس هُـوِيَّةِ شعبٍ ما أَو أُمَّــة يعني محو ذاكرتها وطمس حواسها وتفريغ ثقافتها، وهذا الأمر لا يتحقّق إلا بعد استبعاد أَو تشويه الهُـوِيَّة الأصيلة، وعندما يتم استبعاد أَو تشويه الهُـوِيَّة يفقد المجتمع يقظته فيدخل في حالة سبات طويل، ومن ثم إحلالَ هُـوِيَّة بديلة، واستهداف الهُـوِيَّة يأتي نتيجة لما تلعبه من دوراً استراتيجياً في تماسك المجتمعات وثباتها وصمودها، وعندما يفقد المجتمع هُـوِيَّته يفقد تماسكه وثباته فيصبح فريسة سهلة.
وعلى هذا الأساس فأن استهدافَ الهُـوِيَّة يُعدُّ ُ أخطرُ أشكال استهداف الأمم؛ لأنه يهدف السيطرة على الإنْسَان وتجريده من روابطه الوطنية وتفريغه من محتواه المبدئي والثوابت والولاء، ومحتواه الأخلاقي والقيمي، وهذا الأمر يؤدي إلى فقدان الشخص السياجَ الذي يحفظ شخصيته ضمن الجماعة المنتمي إليها، ومن ثم يتحول إلى دمية، حيث لا يمتلك أي مشاعر وأحاسيس تجاه وطنه ومجتمعه.
لذا فأن مسح هُـوِيَّة الجنوب يعني تدمير سماتها وانتمائها كلياً وجعلها في التبعية والإذلال الشمالي وبعثرة الانتماء الجنوبي وتفكيك النسيج الجمعي الواحد وتوطين حالة الانهزامية في الوسط الشعبي للجنوب، وتدمير مقوماته وأسس وجوده؛ فذلك يعتبر الرافعة الأهم لتحقيق أطماع الشمال وأدواتهم، وعلى هذا الأساس يصبح الجنوب حديقة خلفية للشمال وتابع له فكريا وثقافيا.
تأريخ الإعلام في اليمن والجنوب
على الرغم من أنّ العثمانيين أدخلوا الصحف إلى اليمن في نهاية القرن التاسع عشر، إلا أنّ تطور وسائل الإعلام الجماهيرية الحديثة كان بطيئاً نسبياً في ظل الحكم الملكي بين عاميّ 1918 و1962[5]. فلم يكن في العاصمة صنعاء سوى صحيفة مطبوعة واحدة حتى عام 1970، كما أنّ أول مطبوعات مملوكة لليمن ظهرت فقط قبل عقدٍ من الزمان. أما بالنسبة للجنوب ، ظهرت أول بُنية تحتية للبث في أربعينيات القرن الماضي، عندما كانت منطقة عدن تحت سيطرة قوات الاحتلال البريطانية. وفي عام 1940، أدخل البريطانيون أول محطةٍ إذاعية في عدن لنقل الأخبار والتوجيهات بشأن الحرب العالمية الثانية. أغلقت المحطة عام 1945، إلا أن وسيلة البث الإذاعي أثبتت شعبيتها في شمال والجنوب على حد سواء، وأدت إلى إنشاء محطة صنعاء الإذاعية عام 1946 وإذاعة عدن عام 1954. وفي عام 1946، اقتنى حزب الأحرار اليمنيين في جنوب اليمن مطبعةً وبدأ بنشر صحيفة صوت اليمن لنشر رسالة مناهضة للحكومة من خلالها.
وفي السنوات التي تلت ذلك، منع كل من قادة اليمن الشمالي والجنوب المنشورات الخاصة أو الحزبية، وأنشأوا بدلاً من ذلك صحفاً مملوكة للحكومة.
وبعد أن أصبح شمال اليمن جمهوريةً عام 1962، بدأت الحكومة الشمالية نشر صحيفتين يوميتين- الثورة في صنعاء والجمهورية في تعز. وبعد استقلال جنوب اليمن عن الحكم البريطاني عام 1967، نشرت الحكومة الجنوبية صحيفة 14 أكتوبر اليومية، بالإضافة إلى صحيفة الثورة الأسبوعية.
بدأ أول بثٍ تلفزيوني بالأبيض والأسود في الجنوب عام 1965، الذي كان يعتمد في البداية على البُنية التحتية البريطانية. أدخل التلفزيون إلى اليمن عام 1975. وتماماً كحال الصحافة المطبوعة والإذاعة، كان إنشاء القنوات التلفزيونية بدايةً حكراً بالكامل على الحكومة.
وفي عام 1974، أممت حكومة جنوب اليمن اقتصاد الجنوب، وبذلك أصبحت وسائل الإعلام في المنطقة تحت سيطرة الدولة، مما منح وزير الإعلام الحق في تعيين وعزل رؤساء تحرير الصحف ومديري الإذاعة أو التلفزيون. ظهرت حالة مماثلة في شمال اليمن مع إنشاء المؤسسة العامة اليمنية للإذاعة والتلفزيون عام 1976، والتي تُسيطر عليها وزارة الإعلام التابعة للحكومة الشمالية، والمسؤولة عن جميع عمليات البث.
عندما توّحد اليمن الشمالي والجنوب عام 1990، تغيرت البيئة الإعلامية إلى حدٍ كبير. فعلى الرغم من أنّ البث الإذاعي والتلفزيوني بقيا مملوكان للدولة، أعلنت الحكومة أنّ بإمكان الأحزاب السياسية والأفراد إمتلاك ونشر الصحف، حيث ظهرت العديد من المنشورات في الوقت الذي كان فيه تدخل الحكومة ضمن الحد الأدنى نسبياً. فقد منح قانون المطبوعات والنشر لعام 1990 كل مواطن الحق في نشر منشوراته الخاصة، إلا أن القانون أيضاً أوجز الأسس لبيئةٍ إعلامية أكثر قمعاً من خلال حظر المحتوى الذي ينتقد الدين، أو يشجع على الطائفية، أو يحرّض على العنف. كما تم التساهل مع الإنتقادات ضد السلطات الحاكمة إذا ما اعتبرت انتقاداتٍ “بناءة.” وبعد الحرب الأهلية عام 1994 بين الجنوبيين والحكومة في صنعاء، بدأت السلطات الحاكمة التدخل أكثر فأكثر في الإنتاج الإعلامي، وكُبحت بشكلٍ كبير حرية التعبير في الجنوب.
بدأت القنوات التلفزيونية الفضائية الأجنبية بالتغلغل في المجتمع اليمني في تسعينيات القرن الماضي، ولكن نظراً للتكاليف المرتفعة نسبياً للأطباق اللاقطة (اليمن أحد أفقر الدول في منطقة الشرق الأوسط)، واصلت القنوات الأرضية التي تُسيطر عليها الحكومة، الهيمنة على أرقام المشاهدين طوال العقد. تم إدخال الإنترنت إلى البلاد عام 1996، إلا أن انتشاره تعرض لعوائق بسبب الشبكة غير المتطورة، والصعوبات في ربط السكان في المناطق الريفية في البلاد بالشبكة.
وفي أعقاب الاحتجاجات والإطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح عام 2011، ترافق الاتفاق السياسي الجديد في اليمن بموجة تفاؤلٍ مبدئية لحرية وسائل الإعلام. فقد تم افتتاح عدد من القنوات الفضائية الموجه لليمن في الخارج، بالإضافة إلى العديد من المحطات الإذاعية الخاصة والمنشورات الاخبارية على الانترنت داخل وخارجها.
وقد أدت سيطرة الحوثيين على صنعاء الى انتشار وسائل إعلام يمنية متصارعة فيما بينها، لكن الجنوب يراد له ان يكون الحلقة الأضعف امام كل أطراف الصراع.
الإعلام اليمني في الدستور
احتلت اليمن المرتبة 170 من أصل 180 بلدا في مؤشر حرية الصحافة، وفق ما اشارت اليه منظمة "مراسلون بلا حدود" في تقرير العام 2016م،ويعود السبب في هذه المرتبة الى الصراع القائم بين الحوثيين والإخوان من طرف والجنوبيين من الطرف الأخر، حيث مارس الحوثيون حظرا على وسائل الإعلام الجنوبية، وكذلك فعلت ادارة الرئيس اليمني المتنحي عبدربه منصور هادي، التي سيطر عليها الاخوان المسلون، الى ممارست ضغوطا كبيرا على الصحفيين، واعتدت وزارة الداخلية التابعة لهادي والتي كان يقودها وزير الداخلية احمد الميسري الى الهجوم على صحيفتي اليوم الثامن والمرصد اللتان كانتا تصدران في العاصمة عدن.
وتنص المادة (42) من الدستور اليمني لعام 1991 على أن “تكفل الدولة حرية الفكر والإعراب عن الرأي بالقول والكتابة والتصوير في حـدود القانـون.” تم فرض هذه الحدود، في المقام الأول، من قِبل قانون المطبوعات والنشر عام 1990، والذي يحدد غراماتٍ وعقوبات تصل إلى السجن لمدة عام على الصحفيين الذين ينشرون مواد مخالفة للوحدة الوطنية، أو الإسلام أو “أهداف” الثورة اليمنية.
وأنشأت الحكومة اليمنية أيضاً المحكمة الخاصة بالصحافة والمطبوعات في صنعاء عام 2009، لملاحقة القضايا الإعلامية وفقاً لقانون العقوبات في البلاد، على الرغم من أنّ المحكمة توقفت عن العمل في أعقاب طرد الحكومة من المدينة. وعلى الرغم من أنّ البلاد أقرّت قانون حرية المعلومات عام 2012، لتصبح ثاني دولة عربية تقوم بذلك بعد الأردن، إلا أنّ هناك مخاوف متزايدة من عدم تنفيذه على نحوٍ ملائم.
إعلام الاحتلال اليمني في محاولة طمس الهوية الثقافية الجنوبية
منذ بداية الصراع مع العربية اليمنية والاعلام اليمني بمختلف أنماطه واتجاهاته يسعى ليل نهار إلى طمس وتهميش الهوية الثقافية الإبداعية والفنية والفكرية والرياضية الجنوبية من خلال مجموعة من البرامج الموجهة نحو تعطيل الإنتاج والفني والفكري والأدبي والثقافي والرياضي مما جعل معظم الاجيال بعيدة عن المشهد الثقافي والأدبي والمتأمل فيما تنتجه تلك الوسائل الاعلامية من أعمال خلال الثلاثة العقود المنصرمة يرى انها تعمل على طمس هوية الجنوب الثقافية محاولة ترسيخ ثقافة اليمننة على الاجيال شعب الجنوب.
إن قائمة التعديات والممارسات لمحو الهوية الثقافية الفكرية كثيرة، ولها أبعاد سياسية وثقافية تهدف القوى اليمنية المغتصبة لأرضنا من ورائها إلى تدمير مقومات الهوية وتشويه معالمها الثقافية
وفيما يلي نبرز أهم ملامح للتهميش والإقصاء الذي فرض على الثقافة الجنوبية هي:
- تهميش الشخصيات الثقافية الجنوبية وتغيبهم تماما من المشهد الثقافي.
- تدمير المؤسسات الثقافية والتنويرية ومصادرة ميزانياتها التشغيلية.
- نهب وصادرة كل المقومات والأصول الثقافية المادية والفكرية من مسرح ومنتديات وملتقيات ثقافية وأدبية ورياضية ودور سينما ومعاهد فنون ومكتبات ومناهج دراسية وغيرها.
- قاموا باستخدام تسميات يمنية على الشوارع والمدن والقرى الجنوبية هادفين بذلك إلى محو التاريخ والذاكرة.
- نهب وسرقة وتزوير أغانينا وتراثنا الشعبي ومأكولاتنا الشعبية والأزياء الشعبية.
- تزوير التاريخ الجنوبي وتحريفه في المناهج الدراسية وفي كافة مراحل التعليم الأساسي والثانوي والجامعي.
- تغير تاريخ الجنوب العربي العريق وتدل الشواهد التاريخية العديدة والوثائق المنشورة أن استهداف الثقافة والتاريخ سلاح للهيمنة ومقدمة للتبعية الفكرية والإلحاق الحضاري والتبعية الثقافية وذوبان الهوية، لذا مارست عصابات صنعاء نقل آثار الجنوب ودك معالمه والسطو على ما هو شائع في الثقافة الجنوبية
- عرض كل ما هو يمني في الساحة الثقافية على أنه إبداع أصيل، حيث جعل من الشماليين يتحولون إلى قراصنة للغزو الفكري، ينظرون بنظارات سميكة لا ترى في الجنوب وحضارته وتاريخه إلا صورا كربونية للحضارة اليمنية وتاريخها.
- - عمد نظام الاحتلال اليمني عقب احتلال الجنوب عسكريا إلى السيطرة على إذاعة وتلفزيون عدن العريقين، وقام بتحويل الإذاعة الى "برنامج ثان"، فيما قام بتغيير تلفزيون عدن الى "22 مايو" ثم قناة 7 يوليو، ويمانية، قبل ان تعود لاحقا الى قناة عدن المستنسخة لأكثر من طرف سياسي في اليمن.
- أنشئ نظام الاحتلال العديد من المواقع الإخبارية والصحف والقنوات التلفزيونية بأسماء مناطق جنوبية لمحاولة زرع الشقاق في المجتمع، فعلى الرغم من ان اليمنيين الشماليين "اسسوا قنوات تحمل أسماء هويات عريقة متجذرة "قنوات اليمن وسهيل ويمن شباب وبلقيس، لكن ملاك هذه القنوات سارعوا بتمويل إقليمي الى انشاء قنوات بأسماء مناطق جنوبية "فمحافظة المهرة تبث باسمها قناتين الأولى "المهرية" تبث من تركيا بتمويل من حكومة انقرة، في حين تبث قناة "المهرة" من العاصمة السعودية الرياض، والقناتان بعيدة كل البعد عن أي معنى لترسيخ الهوية الوطنية الجنوبية.
- وفي حضرموت تبث قناتان تحملان كليهما "قناة حضرموت"، الأولى حكومية والأخرى خاصة تتبع رجل الاعمال السعودي "بقشان" الذي يعد الممول الأول لإخوان اليمن بحضرموت.
- اما العاصمة عدن، فتبث باسمها ثلاث قنوات فضاية "الأولى قناة عدن المستقلة وهي تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي، وتتبنى مشروع استقلال الجنوب العربي، فيما الثانية قناة عدن الفضائية وتبث من السعودية هي موالية لإخوان اليمن، والقناة الثالثة فتبث من بيروت بتمويل إيراني، وكليهما قناتان تبثان خطابا مناهضا للجنوب.
أما الإذاعات المحلية التي تبث من العاصمة عدن، فجميعها لا تحمل اسم هوية وطنية جامعة، حيث تبث إذاعة "هنا عدن، بندر عدن" عدنية "اثير عدن".
الإعلام المحلي (نظرة فاحصة)
تم استعراض كمية كبيرة من المواد المصورة والتقارير التلفزيونية، وتم توثيق أخطاء في توصيف الهوية الوطنية الجنوبية ناهيك عن "وصف عدن بالعاصمة"، حيث تردد ذكرها بـ"مدينة عدن"، ناهيك انه تم استعراض حلقة على يوتيوب للبرنامج الصباحي "صباحك يا عدن"، فيها قدم المذيعة مهندسة في مجال التصاميم "على انها فتاة عدنية"، وتكرر هذا المصطلح كثيرا من خلال تقديم الضيوف من فنانين وشعراء "الفنان العدني والشاعر الأبيني، والفنان اللحجي، والرسام الحضرمي، والشاعر اليافعي"، وغيرها من التسميات المناطقية، تضرب الهوية الوطنية الجنوبية وتشجع أعداء الجنوب على تكريس سياسة التقسيم الخطيرة.
وقد تبين ان القناة بثت لقاء بفنانة شابة، صورت اغنيتها على انها "مناهضة للمجلس الانتقالي الجنوبي"، من خلال العديد من التعليقات التي تم رصدها على فيس بوك.
ويظهر جليا غياب الرؤية الاستراتيجية الإعلامية في ترسيخ الهوية الوطنية الجنوبية، أو على الأقل التشديد على المذيعين بضرورة تكريس الهوية الوطنية على الهوية، ووقف استخدام المصطلحات الأخرى.
كل هذا لا يعني عدم وجود برامج تلفزيونية تكرس الهوية الوطنية بمفهومها العام، الا ان القناة لا تزال لديها خطوط حمراء بشأن التعدي على المعالم التأريخية والأثرية ومنها المساجد التأريخية التي طمست في عدن واعيد تأسيسها بنمط معماري يمني، والسبب ربما يعود الى ان القناة لا ترغب في الدخول بصراع مع المجموعات التجارية اليمنية التي باتت سلطة عميقة في عدن، تدير حربها وفق استراتيجية "تأليب الشارع ضد المجلس الانتقالي الجنوبي.
التوصيات
1. إن المحافظة على الهوية الثقافية الجنوبية يحتاج إلى رؤية إعلامية وطنية وخطة إستراتيجية موجهة وليست ارتجالية وآنية، على أن يتم التركيز على مقومات تعزيز روح الانتماء والحفاظ على التاريخ بكافة الطرق والإمكانيات والسبل المتاحة. من اجل مجابهة مخططات الاحتلال اليمني لاقتلاعها وتهجيرها تمهيدا لمحو الهوية الثقافية.
2. تسخير جهودنا وانجازاتنا وتعزيز حضورنا لنخوض معركتنا أيضا بسلاح الثقافة الوطنية الجنوبية. والقصد هنا هو استخدام الثقافة كحقل داعم معرفي وإنتاجي من اجل خدمة القضية الجنوبية محليا وإقليميا ودوليا. وعليه تكمن أهم المهام الثقافية أمامنا كجنوبيين من خلال تعميم ثقافة تعزيز روح الانتماء للهوية الوطنية الجنوبية فكرا وممارسة وتوحيد الجهود على امتداد الوطن الجنوبي والشتات.
3. مقاومة جميع أشكال التغريب الثقافي لهويتنا وثقافتنا الوطنية والاجتماعية، ما دام الاحتلال على أرضنا. إن مهمتنا تكمن في رسم مشروعنا الحضاري من خلال الثقافة والإبداع، وهي إحدى أساليب مقاومة أشكال الطمس أو قتل الروح والهوية الجنوبية.
4. أن نكون أوفياء لحضارتنا العربية الجنوبية وتراثنا وقيمنا ومبادئنا السامية ومعتقداتنا الأصيلة ولغتنا وثقافتنا وعقيدتنا، وأن نسعى للحفاظ على هذه الثقافة والدفاع عنها وإبقائها حيّة في نفوسنا.
5. تعزيز العمل الإعلامي بما يدافع عن الإرث الثقافي والتأريخي لمدن الجنوب التي تعرضت للتدمير.
6. تركيز الإعلام على حماية الإرث الفني والثقافي المتنوع في الجنوب، وحمايته من أي استنساخ او سطو على "الألوان الغنائية الجنوبية".
الهوامش
[1] انظر: التعريفات، الشريف الجرجاني، دار عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى 1407هـ - 1987م، ص: 314.
[2] انظر: مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، د. محمد عمارة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، فبراير 1999م، ص: 6.
[3] ندوة الهوية العربية عبر حقب التاريخ، للمدة 1997م، المجمع العلمي بغداد، الكلمة الافتتاحية للندوة، ص: 7.
[4] انظر: العولمة وعالم بلا هوية، محمود سمير المنير، دار الكلمة للنشر والتوزيع، المنصورة، مصر، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2000م، ص: 146.
[5] الإعلام في اليمن - Fanack العربية وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (نشر في مارس 2, 2017)