الأدب والفن
التقارب بين الشعوب والتبادل الثقافي بين الحضارات..
قصائد حاكم أبوظبي تلهم لي دونغشيا لترجمتها وكتابتها بالخط الصيني
يعدّ الخط أحد أبرز التعبيرات الفنية التي تشهدها الحضارات الإنسانية، فهو فن يميّز شعبا عن آخر، وله تأثير كبير في تطوير العديد من أشكال الفن، لذلك يعمل الكثير من الفنانين على توظيف مواهبهم في الخط ضمن الأعمال التشكيلية وحتى ضمن سياسات بلدانهم الثقافية الساعية للتقارب مع شعوب دون غيرها، وتبادل الثقافات بترجمة أعمال أدبية وشعرية والتعريف بها للمجتمعات المحلية.
أخذ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات وحاكم إمارة دبي، عن أسلافه العديد من المهارات والمواهب، فهو لا يمارس السياسة فقط وإنما يعرف عنه أنه شاعر تلهم قصائده العديد من الفنانين لأدائها وحتى ترجمتها وتخطيطها.
والسياسة والشعر لا يفترقان أبدا عنده، فقد بايع مؤخرا حاكم أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيسًا للدولة خلفًا للرئيس الراحل الشيخ خليفة بن زايد، بقصيدة شعرية تداولتها أغلب وسائل الإعلام العربية والغربية.
ومؤخرا اختارت لي دونغشيا، رئيسة جمعية الخطاطين الصينيين العالمية في الخارج ورئيسة جمعية تشيباو الإماراتية، أن تكتب أشعار حاكم دبي بلغتها الصينية وأن تخطها على محامل صينية الهوية، تعبيرا عن التقارب بين الشعوب وأهمية التبادل الثقافي بين الحضارات.
لي دونغشيا اختارت أن تكتب أشعار حاكم دبي وأن تخطها على محامل {صينية} الهوية، تعبيرا عن التقارب بين الشعوب
وفي البهو الكبير لمكتبة محمد بن راشد، المنارة الثقافية الجديدة في دبي ودولة الإمارات، ووسط جدران تمتلئ بالكثير من كنوز المعرفة العربية وغيرها، وفي أجواء من البهجة التي ترتسم على وجوه الحاضرين من الجالية الصينية، ملأت القاعة نغمات تعزفها فتاتان على آلات القوتشين لتتجاوز الموسيقى حواجز اللغة والثقافة وتذوب فيها الاختلافات، ولتمد جسوراً من التواصل بين جميع البشر مشكّلة لغة عالمية تطرب لها الروح قبل أن يترجمها العقل.
وظهرت لي دونغشيا وهي تفرش أدواتها على منضدة ذات طراز عربي، وتحت ضوء الشمس يسطع زيها الصيني التقليدي المزركش، وشرعت تخطط بأناملها القصائد المُلهمة للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على أوراق الأرز، لتكتبها باللغة الصينية وتكسر صمت القاعة وسط نبرات إعجاب الحضور.
واختارت لي إحدى المقولات لتبدع في رسمها؛ تلك التي استهلها الشيخ محمد بن راشد في كتاب “رؤيتي” بقصة جميلة مستوحاة من الحياة في أفريقيا تبعث في نفس قارئها روح العمل ودفء الأمل، بقوله “مع إطلالة كل صباح في أفريقيا يستيقظ الغزال مدركاً أن عليه أن يسابق أسرع الأسود عدواً، وإلا كان مصيره الهلاك، ومع إطلالة كل صباح في أفريقيا يستيقظ الأسد مدركاً أن عليه أن يعدو أسرع من أبطأ غزال، وإلا أهلكه الجوع، لا يهم إن كنت أسداً أو كنت غزالاً، فمع إشراقة كل صباح يتعين عليك أن تعدو أسرع من غيرك حتى تحقق النجاح”.
وبدأت لي دونغشيا تحكي قصة تواجدها ضمن الجالية الصينية في دبي منذ عام 2000 واختيار الإمارات لتكون بلدها الثاني بعد الصين، لترسم فيها قصة نجاحها لما يقرب من ربع قرن من عمرها، وتبرز من خلال فن الخط الصيني والرسم مدى عمق الصداقة الصينية – العربية، وإنشاء صورة جيدة للصينيين في الخارج من خلال استخدام الخط والرسم كناقل ليصبحوا ناشرين للثقافة الصينية ويطوّروا العلاقات الودية بين البلدين.
وقالت الفنانة الصينية إن “دبي مدينة منفتحة وشاملة، تسمح للجنسيات والثقافات المختلفة بإظهار الانسجام وتبادل الخبرات والابتكارات؛ عصر اليوم هو عصر عظيم، يمنحنا الفرصة لإظهار مواهبنا، والتحلي بالحكمة والشجاعة لمواجهة المستقبل، ولدينا الثقة في خلق المجد والنجاح اللذين ينتميان إلى هذا العصر”.
وأكدت لي المنحدرة من مقاطعة شياو – أنهوي أنها تحرص دائماً على إبراز أنواع الفن التقليدي الصيني في كل مناسبة، ومدى أهمية عادات الصين وثقافتها؛ حيث شاركت في مهرجان دبي الصيني تشينغمينغ بعيدًا في أعماق الصحراء في دبي وأيضاً في حفل مهرجان الربيع الصيني، وغيرهما، معتبرة أن التعابير الثقافية والفنون ليست فقط ترنيمة جميلة وإنما إشادة بالإنجازات التنموية للوطن.
وأوضحت الفنانة أن نقل وتعزيز الثقافة الصينية خارج الوطن مسؤولية والتزام، ووصفت فنها بأنه قوة ناعمة تنتقل من خلال حبر جيانغنان؛ ينقلها أحفاد يانهوانغ على ظهر الخيول الجنكية، وعبر آلاف الأميال من تشانجوان، لتنتقل معها صورة قوية ومتفائلة لمزيج من الأفكار ونسج أجمل القصائد لأبناء الوطن من الجالية الصينية في البلدان المختلفة ومنها دولة الإمارات، لافتة إلى أن الكثير من زوار المناسبات الصينية يشعرون بعودتهم إلى عصر كونفوشيوس ومنغ، لتسمح للجمهور بالإحساس بمشاعر وأحلام الحكماء القدامى، مما يفسر المزيج الحاصل بين التقاليد والحداثة.
وخلال الأعوام الماضية شاركت الفنانة الصينية في أكثر من مناسبة ثقافية في دولة الإمارات، فضلاً عن العديد من أنشطة التبادل الثقافي الصيني – العربي مثل الخط والرسم والاتصالات والمعارض والمحاضرات الصحية والثقافية وغيرها، كما أنها قدمت تلك الثقافة الصينية العميقة عبر عدة استعراضات، منها: “هان تانغ”، ورقصة أوبرا بكين “قصيدة زهرة الكمثرى”، وتشيباو “لمسة من البخور الخام”، وأداء كتاب ياو النسائي “كتاب الأسطوري السماوي”، و”القلب الأولي”.
ولفتت لي دونغشيا إلى أنها -وباعتبارها رئيسة لجمعية الخطاطين الصينيين في الخارج- قامت بتدريس فن الخط للمجتمع الصيني المحلي طوال الأعوام الماضية. وأشارت إلى العرض الذي استقطب أكثر من 1000 صيني مغترب في 32 دولة جاءوا إلى دبي، أمام برج خليفة في 2017، ليعبر عن شمولية دبي وتسامحها مع الثقافات الأخرى كعاصمة للفنون والثقافة، علاوة على المعرض العالمي الكبير للخط الصيني والرسم، حيث تم عرض 500 عمل فني، وقام 300 فنان مشهور من 77 دولة بإنشاء لوحة حصان طويلة بطول 100 متر وسط صحراء دبي.
وحصلت لي على العديد من الجوائز في فن الخط والرسم في أكثر من 20 دولة، من بينها 5 أعمال فنية للخط تم نقشها على الحجر في مقاطعات مختلفة من الصين، وتتشرف لي بكونها رئيسة جمعية تشيباو الصينية ورئيسة مركز الاتصال الثقافي الصيني ورئيسة مجلس إدارة جمعية الإمارات للخط الصيني، وأيضاً تعمل مديرة لجنة تنظيم أداء “جي أن واي غالا”، والرئيسة الفخرية لجمعية المرأة الإماراتية – الصينية والرئيسة الفخرية لجمعية الإمارات للثقافة والتعليم الصينية.
يذكر أن مكتبة محمد بن راشد، التي افتتحت في يونيو الماضي، تهدف إلى تحفيز الشغف بالمعرفة بين كافة الأفراد ولاسيما فئة الشباب الذين يعيشون في دولة الإمارات العربية المتحدة، والحفاظ على الأدب والثقافة والإرث العربي، من خلال دعم وتشجيع القراءة والبحث والإبداع وريادة الأعمال، عبر الوصول المجاني إلى مجموعة متميزة من الكتب والمواد المعرفية الأخرى، إلى جانب تقديم خدمات معلوماتية عالية الجودة وإطلاق فعاليات ثقافية مميزة.
كما تعد إحدى أكثر المكتبات تقدماً من الناحية التكنولوجية في العالم؛ حيث تعتمد على أحدث التقنيات، ومن بينها الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي المعزز والتصوير المجسم (الهولوغرام) والروبوتات الذكية.
وقد استقبلت المكتبة في الأسبوع الماضي وفداً رفيع المستوى من جمهورية الصين الشعبية، حاملا معه 1000 كتاب في الثقافة الصينية والفنون والقصص المفضلة للأطفال وغيرها، هدية للمكتبة. وأعلن في ختام الزيارة عن إنشاء ركن مخصص داخل المكتبة للكتاب الصيني ويوم القراءة الصيني الذي سيتم الاحتفال به في الثامن من أغسطس من كل عام.