بحوث ودراسات

مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات..

النفوذ الإيراني في الصومال وعلاقته في دعم التنظيمات الإرهابية دراسة تحليلية

مقاتلون من الجيش الصومالي - الصورة عن وكالات

القاهرة

المقدمة: تعد منطقة القرن الإفريقي من أهم مناطق العالم الاستراتيجية، بسبب موقعها الجغرافي المترامي الأطراف، المسيطر على مدخل البحر الأحمر الجنوبي عند مضيق باب المندب، والمؤثر أيضاً في مدخله الشمالي من جهة قناة السويس، لذلك فإن البحر الأحمر هو شريان الحياة الواصل بين أرجاء العالم أجمع، وحلقة الوصل المحورية لسريان التجارة العالمية.

علاوة على ذلك فإن البحر الأحمر له باع كبير من الناحية الاستراتيجية، إذ يعد صمام الأمن والأمان والمحدد الرئيس لاستقرار الدول العربية والإفريقية بصفة عامة ومصر بصفة خاصة، ويمثل أهم مصادر الدخل القومي لمصر ومرآة التجارة المصرية المنعكسة على العالم أجمع عن طريق قناة السويس، بالإضافة لما تخطط له مصر من آمال واعدة مستقبلاً في المنطقة الاقتصادية في إقليم قناة السويس. تواصل إيران مد أذرعها في القارة الأفريقية وعدم الاكتفاء بساحتها التقليدية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، في إستراتيجية تمنحها حيوية في المناورة والتعاطي مع الضغوط الدولية المتصاعدة عليها، ويعد الصومال البلد الذي يعيش وضعا سياسيا ملتبسا منذ عقود، فرصة جديدة لإيران.

وأقامت طهران علاقات سرية مع جماعة الشباب الإرهابية التي تتخذ من الصومال مقرا لها والمعروفة جيدا بهجماتها في منطقة القرن الأفريقي.

ولا تستطيع إيران الهيمنة على بلد غالبيته من السنة مثل الصومال، ولذلك فهي تحرص عبر تحالفها مع حركة الشباب على تحقيق أهداف مشتركة، كمناهضة النفوذ الغربي والأميركي ومنافسة خصوم إقليميين وإثبات وجودها في تلك المنطقة بالغة الأهمية بنشر الإرهاب والفوضى، وكذلك بهدف استخدام الصومال لتحويل الأسلحة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن ونقل الأسلحة إلى دول أخرى مثل كينيا وتنزانيا وجنوب السودان وموزمبيق وجمهورية أفريقيا الوسطى.

أهداف الدراسة:

نتيجة للأهمية الاستراتيجية للصومال والمنطقة المجاورة لها سواء لمصر والعالم العربي، فمن المهم تتبع كل التحديات والمخاطر الحافلة بهذه المنطقة، التي على رأسها التوغل الإيراني السياسي والديني في هذه المنطقة، وآثار ذلك على مضيق باب المندب من جهة، وقناة السويس من جهة أخرى، ومن المفيد رصد الأدوات والآليات الإيرانية في تحقيق حلم الهيمنة الإيرانية على هذه المنطقة وتحليلها، وكشف المخاطر والتحديات والأبعاد التي تتولد من ذلك التواجد.

إشكالية الدراسة:

تكمن إشكالية الدراسة في أن منطقة القرن الإفريقي تحظى بالأهمية من مختلف القوى العالمية ومنها إيران، فإن للصومال أهمية متضاعفة لما يتمتع به من موارد وثروات وكنوز مدفونة في أرضه، إضافة إلى حدوده مترامية الأطراف وسواحله الطويلة التي تشرف على منافذ مائية استراتيجية تمر منها نسبة كبيرة من التجارة العالمية، مما يجعلها ذات أهمية تجارية واقتصادية كبرى. 

وترى القيادة العسكرية في إيران أن احتلال اليمن بواسطة الحوثيين يبقى عملاً ناقصاً ما لم يُستكمَل بضم الصومال بحيث يتم إقفال باب المندب أمام السفن المتوجهة إلى البحر الأحمر. بما أن إيران ساندت حلفاءها الحوثيين في اليمن، بعد تحالفاتها مع جماعة الإخوان، فهي حالياً تركز الاهتمام على مساندة حلفائها في الصومال باحتواء الشباب المؤمن والسبب أن «الكمّاشة» الاستراتيجية التي تحلم طهران بتشغيلها بين الصومال واليمن لا تستقيم مهمتها إذا لم يكتمل هذا المسعى. ومن أجل إنجاح هذه المهمة، قامت «حركة الشباب المجاهدين»، بعملية مفاجئة ضد وفد إماراتي راح ضحيته عدد من المرافقين والحراس.

أسئلة الدراسة:

1- ماهي الأهداف الإيرانية من توسيع نفوذها في الصومال؟

2- ما هي آليات وأدوات التغلغل الإيراني في الصومال؟

3- هل هُرّبت أسلحة مقدمة من إيران للحوثيين إلى الصومال؟

4- هل تنجح محاولات تواجد إيران في الصومال بطريقة تسمح للثورة الإيرانية باحتضان التنظيمات الإرهابية مثل «الإخوان في اليمن» و"الشباب المؤمن في الصومال؟

5- ماهي التحديات الناتجة من توسع النفوذ الإيراني في الصومال؟

6- ما هي سبل المواجهة للحد من توسع النفوذ الإيراني في الصومال؟

المطلب الأول: أهداف السياسة الخارجية الإيرانية في الصومال

تسعي إيران إلى الهيمنة والسيطرة على الصومال، وذلك من خلال الحصول على موطئ قدم لها في مدخل البحر الأحمر وإقامة قواعد عسكرية لها في المنطقة، ومن ثم فإن ذلك الهدف يُعد هدفاً رئيساً للسياسة الخارجية الإيرانية، وهو ما يُحتم على إيران انتهاج كل الوسائل والأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، من أجل تحقيق ذلك الهدف، إلا أن تحقيق هذا الهدف الأولي والكلي لن يتم تحقيقه في حقيقة الأمر، إلا من خلال بعض الأهداف الجزئية التي تتشكل وتتحد معاً لتحقيق الهيمنة الإيرانية في المنطقة المطلة على باب المندب على النحو التالي:

أ ـ الأهداف السياسية:

تحاول إيران بسط نفوذها في الصومال، وتكوين محور معادي للغرب تحت رايتها من دول العالم الثالث، وذلك سعياً لتقليل النفوذ الغربي والأمريكي في المنطقة لصالحها، كما تهدف إيران إلى الخروج من العزلة الدولية الغربية التي فُرُضت عليها بسبب برنامجها النووي.

.بـ الأهداف الاقتصادية

1- سرقة موارد وخيرات الصومال بشكل يتنافى مع قواعد القانون الدولي واحترام سيادة الدول على مواردها التي تقع في أرضها منها ما كشفه تقرير دولي عن سرقة إيران لثروة سمكية قبالة السواحل الصومالية حيث قامت192 سفينة إيرانية بعمليات صيد غير قانونية واسعة النطاق، دون الحصول على تراخيص من الجهات الرسمية في الصومال.

2- ساعدت جماعة الشباب الإرهابية على بيع الفحم الصومالي بدون وجه حق وبشكل غير قانوني وتهريبه عبر أراضيها. وفي هذا السياق كشف تقرير أممي صدر في أكتوبر 2018 بشأن انتهاك طهران للعقوبات الأممية المفروضة على حركة الشباب منذ عام 2012 بحظر تجارة الفحم لتجفيف منابع تمويلها، بمساعدة الحركة على استغلال الأراضي الإيرانية كنقطة تجمع لوجستية لشحنات من الفحم الصومالي بهدف تصديره لعدد من الدول باستخدام علامة تجارية إيرانية، وهو ما أسهم في حرمان الشعب الصومالي من حوالي 150 مليون دولار سنويا، هي القيمة الإجمالية التقريبية لتجارة الفحم غير المشروعة في الصومال.

3-  سرقة اليورانيوم الصومالي بحسب تصريحات معلنة لمسؤولين صوماليين. ففي عام 2017 نقلت قناة “فوكس نيوز” تصريحات عن السفير الصومالي في واشنطن، أحمد عوض، كشف فيها عن قيام جماعة تابعة لتنظيم القاعدة – يقصد الشباب- بإرسال اليورانيوم إلى إيران، بعد أن استولت على إحدى الشركات العاملة في مناجم اليورانيوم بإفريقيا. وفي عام 2020 حذرت السلطات الصومالية من الخطر الإيراني داخليا وخارجيا لاستغلال ثروات البلاد أو لتوظيف الجماعات المسلحة لخدمة أهداف أجنداتها السرية بالمنطقة، ما يعني استمرار النهج الإيراني الخطير وعدم توقفه

جـ ـ الأهداف الدينية الاستراتيجية والأمنية

يعد مبدأ تصدير الثورة الإسلامية من أهم الأهداف الإيرانية العقائدية والدستورية على نحو دقيق، وذلك من خلال المؤسسات الإيرانية والمراكز الثقافية التي تسعي إلى تشييع الصومال وبقية الدول الافريقية، ويظهر ذلك بقوة في دول شرق إفريقيا، من خلال السفارات الإيرانية والبعثات الدينية والتعليمية التي ترسلها إيران إلى إفريقيا.

المطلب الثاني: الفرص التي ساهمت في تمدد النفوذ الإيراني في الصومال

تستفيد إيران من فرص جذابة لها لتواجدها وتوسع نفوذها في الصومال، حيث الأهمية الجغرافية وموقعها من القارة الإفريقية، وقربها إلى الأحداث اليمنية، وكل هذه العوامل مجتمعة تجعل دولة طموحة مثل إيران تسعى لاقتناص الفرص المتاحة؛ مما يوفر لها البيئة المناسبة لوضع خططها للوصول إلى أهدافها، ويعزز من ذلك:

1.   غياب النفوذ العربي في المشهد الصومالي خاصة في المجال السياسي والدبلوماسي، لاسيما بعد تضييق الخناق على المؤسسات العربية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.

2.   الفقر والجهل، وحاجة المجتمع إلى الدعم التعليمي والإغاثي، والترحيب بكل من يبذل جهدًا لسدِّ هذه الحاجات الاجتماعية دون النظر إلى خلفيات مقدِّم الدعم.

3.   ضعف إمكانيات المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية في الصومال، وهو ما يفتح الطريق أمام أي طرف آخر للاندماج في المجتمع.

4.   غياب الرؤية الحكومية عن الوجود الإيراني في البلاد خاصة نواحيها الاجتماعية والسياسية والعقدية، وربما يكون تصريح عمدة مقديشو (حسن محمد المشهور بمونغاب) حول تلقيه شكاوى من هيئة علماء الصومال تتحدث عن انتشار التشيع بين الشعب تعتبر الكلمة الأبرز التي تصدر من الحكومة الحالية. 

5.   وجود الطرق الصوفية التي تكون مدخلًا مقبولًا لربط العلاقة بينهما، خاصة أن القاسم المشترك بين الطرفين كراهيتهم للفكر الوهابي أو السلفي المنتشر في أوساط الصوماليين.

6.   الحركات الإسلامية المدعومة من إيران تلعب دورا كبيرا في التمدد الإيراني في الصومال ودول القرن الافريقي.

7.   تستفيد طهران من التعاطف الشعبي الصومالي مع السياسة الخارجية الإيرانية المناهضة للغرب وخاصة أميركا، واعتبار بعض عامة الناس أن الثورة الإسلامية الإيرانية هي التي تدافع عن القضايا الكبرى للمسلمين، كما يغيب عن الوعي الجمعي الصومالي موقف إيران من الثورات العربية، وما تفعله في العراق وسوريا واليمن، رغم أن الصوماليين بشكل عام مع الثورات العربية منذ انطلاقها.

المطلب الثالث: آليات التوغل الإيراني في الصومال[1]

 

تمتلك إيران الكثير من الأدوات والآليات التي بمقدورها توظيفها لخدمة الأهداف الأولية للسياسة الخارجية وتنفيذ مشروعها الشامل في الصومال، إذ تنتهج سياسة ناعمة، فقد لجأت إيران إلى وسائل إنسانية وخدمية كستار يساعدها على اختراق المجتمع الصومالي والتوغل فيها ونشر أفكارها بين شعوبها خاصة الشعب الصومالي مستغلة الظروف الصعبة التي يعيشوها والكوارث البيئية والأزمات الاقتصادية الطاحنة والمجاعات المتوالية، لفتح أبواب تتسلل منها فيما بينهم. ويمكن وضع عدد من المداخل الرئيسية للوجود الإيراني في الشأن الصومالي، كالتالي:

أولا: الوجود السياسي والدبلوماسي

ويمكن تصنيف الوجود السياسي والدبلوماسي الإيراني المكثف في مرحلتين هما:

1- مرحلة ما بعد ظهور المحاكم الإسلامية (ما بين 2006 إلى 2011)
بشكل مفاجئ، محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، بزغ فجر المحاكم الإسلامية، وسيطرتها على الجنوب، ما عدا منطقتين كانتا مقرًّا للحكومة الصومالية المؤقتة، وتمكنت من فرض أجندة سياسية ذات طابع إسلامي على الواقع السياسي. وفي هذه الفترة، اتهمت الأمم المتحدة -عبر اللجنة الأممية لمتابعة فرض حظر الأسلحة على الصومال- حزب الله في لبنان، والجمهورية الإسلامية الإيرانية ودولًا أخرى بإرسال أسلحة وذخائر إلى المحاكم الإسلامية، وكذلك تدريب مقاتلين صوماليين في معسكرات حزب الله في لبنان، وإشراكهم في حرب تموز/يوليو عام 2006 ضد إسرائيل، وأشارت هذه التقارير إلى أن إيران تريد دعم المتطرفين في القرن الإفريقي وعلى الرغم من هذا الاتهام الأممي، إلا أن إيران لم يكن لها وجود ملموس على الساحة السياسية والاجتماعية، ولم يجد المتابعون للشأن الصومالي أدلة حقيقية على الدور الإيراني فيما يخص القتال الدائر بين المحاكم الإسلامية والفصائل الصومالية الأخرى "مرَّةً ضد زعماء الحرب، وأخرى ضد الحكومة المؤقتة في مقرها الرئيسي (بيدوا)". وكانت الزيارات الرسمية لقيادات المحاكم الإسلامية منحصرة في الدول العربية، بالإضافة إلى أريتريا، وزارت وفود تمثلها، دولة الامارات العربية، وجمهورية اليمن، ودولة قطر، وجمهورية مصر العربية، بينما لم يزر أي مسؤول من المحاكم الإسلامية، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أو جمهورية لبنان.

2- مرحلة ما بعد إعلان حالة المجاعة (عام 2011 حتى الآن 2015)
وتأتي بعد إعلان الرئيس الصومالي شيخ شريف شيخ أحمد، وكذلك الأمم المتحدة، حالة المجاعة في المناطق الجنوبية من الصومال، وانتشر الخبر في كبريات وسائل الإعلام الدولية، وضعت هذا القصة الصومال أعلى سُلَّم الأجندة الدولية، واهتمام السياسة الخارجية لبلدان عديدة، إسلامية وغربي بدأ الدور الإيراني يبرز للواجهة، ويتغلغل في الوسط المجتمعي والسياسي، والدبلوماسي، ووُضعت على ما يبدو خطط مدروسة للربط بين إيران الدولة، وبعض المكونات السياسية، وكذلك بين المجتمع الصومالي وبين المؤسسات الاجتماعية الإيرانية سواء عبر الإغاثة أو التنمية أو التعليم، كما تم تنشيط صوماليي المهجر الذين اعتنقوا الفكر الشيعي أثناء دراستهم في إيران ويعد أبرز أوجه التعاون بين البلدين، وتوقيع اتفاقية تعاون بين برلمانيي البلدين التي تنص على تقديم الطرف الإيراني خدمة طبية مجانية لأعضاء البرلمان الصومالي وعائلاتهم، ولأجل ذلك يتردد كثير من نواب البرلمان وأسرهم إلى إيران، بحجة الرحلة العلاجية ومن هنا، أصبحت إيران الدولة الأكثر تعاونًا مع أهم سلطة في البلاد، وهي السلطة التشريعية، ولا شك في أن هذا التعاون سيترك آثاره إن عاجلًا أو آجلًا على بعض صُنَّاع القرار في البلد. وفي أغسطس/آب عام 2011، زار مقديشو وزيرُ الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، والتقى بالرئيس شيخ شريف شيخ أحمد، وذلك أثناء المجاعة التي ضربت الصومال، وأعلن آنذاك بناء مستشفى متكامل ومجهز لتلبية الاحتياجات العلاجية، مع إنشاء مخيم يتسع لألفى نازح، وهي المرة الأولى التي يُسجَّل فيها اهتمام إيراني رسمي. في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012، توجه الوزير الإيراني نفسه إلى مقديشو مرة أخرى، والتقى خلالها الرئيس حسن شيخ محمود، في القصر الرئاسي، وأعلن أثناء مؤتمره الصحفي افتتاح سفارتهم في الصومال بعد أكثر من عقدين من الغياب، وفتح مكتب للهلال الأحمر الإيراني، ومكتب آخر لمؤسسة الامام الخوميني الخيرية. واللافت أن السفارة الإيرانية، وكذلك مقرات مؤسساتهم الخيرية تعمل خارج الأماكن المحصنة أمنيًّا في مقديشو.

 ثانيا/ المعونات والحوافز الاقتصادية

 التجارة في الصومال مفتوحة للجميع، في ظل غياب الأنظمة والقوانين التي تنظم العمل التجاري للبلد، وتصبح التجارة مع الصومال ميسرة وسهلة لمن أراد ذلك، ورغم صعوبة الحصول على بيانات توضح طبيعة التبادل التجاري بين إيران والصومال، إلا أنه يمكن تسجيل الملاحظات التالية فيما يتعلق بالجوانب البارزة منها:

1.   إيران واحدة من أهم مستوردي الفاكهة الصومالية وبالذات الموز (مادة سريعة التلف) بجانب السمسم وغيره، مما يضمن لها ارتباط النخب المالية بها إن عاجلًا أو آجلًا. 

2.   توريد بعض أصناف المحروقات عبر طرق سرية وبأسعار منخفضة يتم التعاقد بها مع التجار الموالين لها.

3.    قيام إيران بسرقة موارد وخيرات الصومال بشكل يتنافى مع قواعد القانون الدولي واحترام سيادة الدول على مواردها التي تقع في أرضها منها ما كشفه تقرير دولي عن سرقة إيران لثروة سمكية قبالة السواحل الصومالية حيث قامت192 سفينة إيرانية بعمليات صيد غير قانونية واسعة النطاق، دون الحصول على تراخيص من الجهات الرسمية في الصومال.

4.   وفي عام 2020 حذرت السلطات الصومالية من الخطر الإيراني داخليا وخارجيا لاستغلال ثروات البلاد أو لتوظيف الجماعات المسلحة لخدمة أهداف أجنداتها السرية بالمنطقة، ما يعني استمرار النهج الإيراني الخطير وعدم توقفه.

ثالثا: المعونات والحوافز الاجتماعية

جذبت حالة المجاعة والجفاف التي أُعلنت في الصومال أنظار القيادات السياسية والدينية في إيران لوضع استراتيجية بعيدة، وبالفعل قامت بجهود إغاثية وإنسانية واجتماعية لقيت ترحيبًا وتعاونًا محليًّا في المرحلة الأولى من الدعم الإنساني.

لكن، ومن خلال بعض الأعمال الاجتماعية والإنسانية، أصبحت هذه النشاطات محل استغراب الحكومة الصومالية، وهيئة علماء الصومال، بل بدا هذا الدعم كشكل من أشكال الانتشار والتوسع الشيعي في البلاد، وهناك حالات مرصودة ولافتة تتعلق بكيفية تقديم الدعم الإنساني أو المشاريع الاجتماعية وبرعاية إيرانية، ومن الأمثلة على ذلك:

1.   الزواج الجماعي: وبتنسيق مباشر من السفارة الإيرانية في مقديشو، وتم رصد ثلاثمائة دولار أميركي لكل أسرة شهريًّا، لإعالتهم عدة شهور، مع تحمل نفقات الزواج وتكاليف السكن والأثاث، ولا شك أن هذه الأسر التي تنشأ تحت النفقة الإيرانية ستكون متعاطفة معها، مع الإشارة إلى أن البلاد لم تعهد في تاريخها ما يُعرف بالزواج الجماعي.

2.   تكثيف النشاط الإنساني في المناطق ذات الأقليات مثل حمروين التي كانت مقرًّا للوجود الفارسي في القرن السابع الهجري، وكذلك الأقليات ذات الأصول العربية، وتهتم بهذا الحي لرمزيتها التاريخية.

3.   المنح الدراسية: تقدم الجامعات الإيرانية بفروعها المختلفة منحًا دراسية (أكثر من ثلاثمائة منحة دراسية خاصة في الطب والهندسة) عبر شخصيات صومالية مرموقة، أو عبر التعاقد المباشر مع بعض الجامعات المحلية، وهي مراحل الشهادة الجامعية والماجستير، وكذلك ربطها مع جامعات أخرى في العراق.

4.   وتشهد الساحة التعليمية في الآونة الأخيرة رحلات ولقاءات أكاديمية بين جامعات صومالية وأخرى إيرانية، وهي بداية للعلاقة الثقافية بين البلدين.

5.   الصوماليون في المهجر والإعلان عن التشيع: لم يبرز إلى العلن في الوسط المحلي سابقًا شخصيات تعلن اعتناقها للفكر الشيعي، ربما خوفًا من ردَّة الفعل الاجتماعي ضدهم، إلا أنه في الآونة الأخيرة ظهرت شخصيات تتحدث إلى وسائل الإعلام من الصوماليين في المهجر، أو تكتب مقالات تقول بشكل علني: إنها درست المنهج الديني الصحيح في إيران، واقتنعت بأن الشيعة هم أقرب إلى الحق من السنَّة، والبعض منهم درس في قم.

رابعا: الدعم الثقافي ونشر التشيع

ومن أجل البحث عن شريك محلي، تُعتبر الطرق الصوفية الحليف الأقرب لإيران لسببين: أولهما: أن الصوماليين مجتمع سني شافعي، ولا يوجد أقليات شيعية ولم يشهد التاريخ الديني في البلاد، أتباعًا للمذاهب الفقية الأخرى مثل الحنابلة، أو المالكية، وعليه لا تجد إيران من يرتبط معها من الناحية العقائدية.

ثانيهما: أن متطرفي الصوفية يجدون قواسم مشتركة مع إيران، مثل محاربة الفكر الوهابي السلفي المهيمن على الساحة الدينية الاجتماعية.

وعلى هذا الأساس قامت السفارة الإيرانية في مقديشو بفتح قنوات تواصل مع المجموعات الصوفية في البلاد، وفي مكوناتها الثلاثة، التي سنشرحها لاحقًا، وتعاملت مع كل فريق وفق اهتماماته الدينية أو السياسية أو العسكرية، وربما الغرض منها تقديم الدعم اللازم ليصبحوا رقمًا صعبًا في المعادلة الاجتماعية والسياسية في البلاد.

وتأتي طريقة تفاعلهم مع الأشكال المختلفة للطرق الصوفية كالتالي:

أ. الصوفية التقليدية المتمثلة بمشايخها وقادة الطرق (الطريقة القادرية، الطريقة الأحمدية)، تم ربطها بالمؤسسات الخيرية الإيرانية، مثل مؤسسة الامام الخوميني الخيرية، ودعم أنشطتهم الاجتماعية والدعوية، والتنسيق معهم للحصول على منح دراسية من المراكز العلمية والجامعات الصوفية في اليمن، والعراق، وكذلك بعض الجامعات في إيران.

وتم تفعيل الأنشطة المتعلقة بإبراز آل البيت، عن طريق عقد حفلات ضخمة للمولد النبوي كل عام، ويُلاحَظ خلال السنوات الأخيرة الحديث الإعلامي والفعاليات الكبرى عن دور آل البيت في الإسلام، ربما يعتبر هذا مدخلًا مستقبليًّا لاستغلال حُبِّ أهل السنَّة لآل البيت، مع ترسيخ صورة ذهنية جديدة لدى المجتمع الصومالي، وهي أفضلية الصحابة من آل البيت على غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا، الصوفية السياسية المتمثلة بالجناح السياسي لتنظيم أهل السنة والجماعة، وكان لهم تمثيل وزاري في مجلس الوزراء ما قبل عهد الرئيس الحالي حسن شيخ محمود، ولهم عدد من أعضاء البرلمان الفيدرالي الحالي، وتتعامل السفارة الإيرانية في مقديشو معهم كطرف سياسي أساسي في البلاد، حيث تم استضافة قيادات عليا من تنظيم أهل السنة والجماعة ونواب برلمانيين في طهران، وقاموا بزيارات متكررة إلى إيران، وهي زيارات بقيت نتائجها في طي الكتمان، وقد تندرج في سياق التنسيق السياسي بين الطرفين:

‌ج. الصوفية المسلحة المتمثلة في الجناح العسكري لتنظيم أهل السنة والجماعة المتمركزة في المناطق الوسطى والتي لا تزال قوية ومؤثِّرة من الناحية العسكرية، كما أنه تنظيم منفصل من الجيش الوطني في تلك المنطقة، وتدور من حين لآخر اشتباكات مسلحة بينهما.

وتسيطر الجماعة حاليًا على مدن رئيسية في المناطق الوسطى، مثل عاصمة إقليم " كلمدج" الذي أُنشئ حديثًا، كما أنها لا تعترف بالنظام المحلي الجديد.

والغريب في المشهد، أن إيران هي الدولة الوحيدة التي زار وفد من سفارتها في مقديشو تلك المنطقة نهاية العام الماضي، والتقى مع القيادات العسكرية والسياسية لأهل السنة والجماعة، كما أنه أطلق عددًا من المشاريع الاجتماعية والإغاثية في تلك المناطق الوسطى من البلاد، وجاءت هذه الزيارة دون التنسيق مع الأجهزة الحكومية المعنية وفق العرف الدولي في مثل هذه الزيارة.

وليس بغريب في المنظور القريب أن يصبح هذا الجناح العسكري المنحصر حاليًا في منطقة الوسط متمددًا، ويتحول إلى لاعب رئيسي في المشهد الوطني، وربما يستقيظ البعض عندئذ، وحينها، تجد الدولة الصومالية ومن معها من الدول العربية أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه.

‌د. تشبيك الروابط بين الصوفية الصومالية، مع الصوفية في إثيوبيا خاصة جماعة الأحباش -المسيطرة على المجلس الأعلى الإسلامي في أديس أبابا- وهي الرافد الطبيعي لتغلغل المذهب الشيعي في المناطق السنية في إثيوبيا، ودون ممانعة سياسية من قيادات الدولتين.

وكان الرئيس شيخ محمود قد كشف في تصريحات له خلال مؤتمر علماء الصومال الذي أقيم نهاية شهر يناير الماضي، عن وجود تحركات إيرانية لنشر التشيع خلال ولايته الأولى المنتهية عام 2017 والتي رصدتها أجهزته المخابراتية، كما أماط اللثام عن أجندة تخريبية لإيران تحت ستار الأعمال الإنسانية وجهود الإغاثة. والمثير في الأمر ما أكده الرئيس من تورط دبلوماسيين إيرانيين ومسؤولين بمنظمات إغاثية في هذا الموضوع وهو ما كان سببا في اتخاذه القرار آنذاك بمنع الوجود الإيراني في البلاد، عبر إغلاق السفارة الإيرانية، وحظر أنشطة «الهلال الأحمر» الإيراني، ومؤسسة الخميني الخيرية. ولا شك أن ذلك يؤكد أن النشاط الإيراني المريب في الصومال وتدخل الدولة الشيعية في منطقة الإفريقي والتلاعب بأمن دولها والعبث به هو أمر ليس حديثا وإنما يرجع لسنوات ماضية بما يعكس الأجندة الإيرانية المستمرة لتحقيق أهداف معينة تخدم مصالحها.

خامسا: تسليح ودعم جماعة الشباب المتشددة

حركة "الشباب المجاهدين" فصيل صومالي مسلح له أسماء كثيرة أبرزها حركة الشباب الصومالية، والشباب أو المجاهدون، وحركة المجاهدين، وحركة الشباب الإسلامي، والشباب الجهادي.

انفصل عن اتحاد المحاكم الإسلامية، وأعلن سعيه لإقامة دولة إسلامية، ثم أعلن ولاءه لتنظيم القاعدة عام 2012، وشنّ حربا ضد الحكومة الصومالية وحلفائها في الداخل والخارج.

صنفت وزارة الخارجية الأميركية حركة الشباب الصومالية في قرار صادر في 29 فبراير/شباط 2008 بأنها حركة إرهابية، وبأنها مجموعة "متطرفة عنيفة ووحشية" تنتمي إلى تنظيم القاعدة، وأعلنت الوزارة تجميد أموال الحركة في الولايات المتحدة.".

وكان ظهور جماعة الشباب المتشددة بمثابة فرصة ذهبية بالنسبة لإيران لتحقيق مزيد من التوغل والاختراق الأمني للبلاد بكافة السبل لتعظيم مكاسبها ومصالحها الخاصة وتحقيق أهدافها المغرضة. وفي عام 2018 كشف تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة، عن ضلوع إيران في تمويل وتسليح حركة “الشباب” ومخالفة العقوبات المفروضة على الحركة، وهو ما تأكد مجددا بواسطة تقارير حديثة كشفت عن قيام إيران بتهريب أسلحة لجماعات مسلحة في الصومال عبر خليج عدن.

وكانت دراسة عن المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، لعام (2021)، قد أكدت تهريب أسلحة إيرانية بشكل ممنهج عبر خليج عدن إلى الصومال. واستندت تلك الدراسة إلى تشابه بيانات قطع السلاح التي تم العثور عليها في أنحاء مختلفة من الصومال، بالإضافة إلى ما تم العثور عليه داخل مخازن 13 قاربا تم اعتراضها بواسطة سفن عسكرية. كما أكد عسكريون صوماليون إدارة إيران لعمليات سرية، لتقويض جهود الولايات المتحدة الأمريكية في الصومال، وذلك من خلال تقديم أسلحة متطورة وأجهزة تفجير عن بعد، ومواد كيميائية تستخدم في صنع القنابل. كما أفادت وزارة الدفاع الصومالية، باحتمالات استخدام الأموال والأسلحة والذخيرة الإيرانية في هجمات 2019 و2020، التي شنتها «حركة الشباب» على القواعد العسكرية الأمركية في الصومال وشمال كينيا، بالإضافة إلى القافلة العسكرية للاتحاد الأوروبي في مقديشو.

وأعلنت "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية" أن "أسلحة قدمتها إيران لحلفائها الحوثيين في اليمن يجري تهريبها عبر خليج عدن إلى الصومال"،[2] حيث يحارب مقاتلو حركة الشباب المرتبطون بتنظيم القاعدة حكومة البلاد.

وفي تقرير معهد الدراسات الأمنية: كشف أن إيران تسلح الجماعات المتطرفة في القرن الإفريقي تقرير جديد صادر عن معهد الدراسات الأمنية أنَّ شبكة تهريب الأسلحة من المحتمل أنها تتوسع تلك العمليات الى الجماعات الموالية لحركة الشباب في إثيوبيا وكينيا وموزمبيق، ممَّا يؤجج مشكلة غياب الأمن في منطقة القرن الإفريقي.

وأفادت مجلة «فورين بوليسي» أنه يشيع أيضاً نقل الأسلحة الإيرانية إلى جمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان وتنزانيا.

وفي مطلع كانون الثاني/يناير نجحت القوات الأمريكية في اعتراض قارب يهرب أكثر من 2,000 بندقية كلاشنكوف هجومية في المياه الدولية بين إيران واليمن، وهو الطريق الشائع لتهريب الأسلحة إلى مليشيا الحوثي. وتعتبر تلك الضبطية أحدث عملية اعتراض تقوم بها القوات الأمريكية لأسلحة كانت متجهة إلى الصومال خلال السنوات الأخيرة.[3]

ولم تقتصر إيران هنا بل تجاوز الأمر لأكثر من ذلك حيث ساعدت جماعة الشباب الإرهابية على بيع الفحم الصومالي بدون وجه حق وبشكل غير قانوني وتهريبه عبر أراضيها. وفي هذا السياق كشف تقرير أممي صدر في أكتوبر 2018 بشأن انتهاك طهران للعقوبات الأممية المفروضة على حركة الشباب منذ عام 2012 بحظر تجارة الفحم لتجفيف منابع تمويلها، بمساعدة الحركة على استغلال الأراضي الإيرانية كنقطة تجمع لوجستية لشحنات من الفحم الصومالي بهدف تصديره لعدد من الدول باستخدام علامة تجارية إيرانية، وهو ما أسهم في حرمان الشعب الصومالي من حوالي 150 مليون دولار سنويا، هي القيمة الإجمالية التقريبية لتجارة الفحم غير المشروعة في الصومال.

 وفي عام 2017 نقلت قناة “فوكس نيوز” تصريحات عن السفير الصومالي في واشنطن، أحمد عوض، كشف فيها عن قيام جماعة تابعة لتنظيم القاعدة – يقصد الشباب- بإرسال اليورانيوم إلى إيران، بعد أن استولت على إحدى الشركات العاملة في مناجم اليورانيوم بإفريقيا[4].   

وقال مسؤولون أميركيون: إن ميليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، متورطة في عملية تزويد جماعة شباب الصومال الإرهابية بالأسلحة والعتاد، وهذا تطور مثير للقلق ويهدد بمزيد من زعزعة الاستقرار في المنقطة التي تشهد أعمال عنف متصاعدة.

وبحسب تقرير نشرته شبكة CNN، فإن هناك معلومات حول محادثات جرت بين ميليشيا الحوثي وحركة الشباب الصومالية لتوفير الأسلحة للأخيرة بتواطؤ من إيران. ووفقاً للمسؤولين الأميركيين أن واشنطن تجري التحقيقات للحصول على أدلة على تسليم الحوثيين دعماً عسكرياً لجماعة الشباب الصومالية؛ وكذا معرفة مدى تورط إيران في تقديم الدعم العسكري والمالي للحوثيين في هذه الصفقة.

المطلب الرابع: التحركات العربية لمواجهة التمدد الإيراني في الصومال

بعد عودة النشاط الإيراني المعلن والرسمي في الصومال إلى عام 2011 حيث ضربت المجاعة الجنوب الصومالي، فتم استغلال الأمر وقام وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر صالحي بزيارة للصومال في أغسطس من ذلك العام، وأعلن فيها عن تقديم مساعدات قيمتها ٢٥ مليون دولار شملت إنشاء مخيم يتسع لألفي شخص، وتجهيز مستشفى متكامل، وتقديم مساعدات طبية وتعليمية للمتضررين. وتحت ستار الأعمال الخيرية سنحت الفرصة لنشاط كبير لهيئات إيرانية خطيرة منها لجنة الإمام الخميني للإغاثة، والهلال الأحمر الإيراني، والملحقية التعليمية للسفارة الإيرانية في مقديشو، والمخيم الطبي الإيراني. وفي مقابل ذلك ظهرت تحذيرات من الحكماء الصوماليين من النشاط الإيراني مع زيادة الريبة والشك لا سيما مع انتشار حفلات الزواج الجماعي غير المألوفة في المجتمع الصومالي والتي كانت تتم برعاية إيرانية كاملة وبشكل يثير القلق من الدوافع الحقيقية الكامنة وراءها.

أولا: توترات العلاقات الصومالية الإيرانية

ويحسب للقيادة السياسية الصومالية إدراكها ووعيها العميق بالخطر الإيراني والتنديد به والعمل على مواجهته بشتى السبل وعلى مختلف الأصعدة. وكان الرئيس شيخ محمود محقا حينما قال أمام مؤتمر علماء الصومال مؤخرا أنه “استأصل الورم” وهو يتحدث عن طرد الصومال لإيران خلال ولايته الأولى في حكم الصومال (٢٠١٢-٢٠١٧). وكشف الرئيس الصومالي للعلماء عن التحركات الإيرانية المريبة وكيفية قيامها بأنشطة رائعة تخفي وراءها أجندة تخريبية وأفكارا هدامة. وكذلك الموقف الحاسم للجهات المسؤولة بالصومال بعد اكتشاف النشاط الإيراني المنحرف والتأكد من تورط دبلوماسيين إيرانيين ومسؤولين بمنظمات إغاثية تابعة لها في القضية بموجب أدلة دامغة. فلم تكتف الإدارة الصومالية بطرد المسؤولين المتورطين، بل قررت منع الوجود الإيراني تماما بهدف استئصال الورم على حد وصف الرئيس الصومالي، وهو وصف يعكس التوجه الصومالي الحكيم وسياسته الخارجية القائمة على ثوابت الحفاظ على البلاد من الافكار الهدامة والأجندات التخريبية وعدم الانخداع في المظاهر الإنسانية التي يستخدمها النظام الإيراني كستار لإخفاء الوجه القبيح.

وقد شهدت العلاقات الصومالية الإيرانية توترات عديدة انتهت بقطع العلاقات الديبلوماسية عام 2016 بعد موافقة مجلس الوزراء الصومالي وذلك على خلفية الهجوم على السفارة السعودية في طهران، تضامناً مع المملكة العربية السعودية. وأمهلت الحكومة الصومالية السفير الإيراني في الصومال 72 ساعة لمغادرة البلاد، كما أمهلت مؤسسة الخميني الخيرية مدة أسبوع لمغادرة البلاد أيضا[5]ً.

ثانيا: موافق الدول العربية والافريقية والدولية

واقع الأمر أن النهج الإيراني وما ينطوي عليه من أجندة مريبة، أدى إلى توحد المواقف العربية والإفريقية في مواجهة هذا الواقع الذي يعد تهديدا خطيرا للمنطقة وشعوبها وعقائدها وأمنها. وعلى الصعيد العربي فإن هناك توافقا عربيا على رفض التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للبلدان العربية في الشرق الإفريقي وعلى رأسها الصومال، فقد تم تأسست مؤسسات متعددة الأطراف كمجلس البحر الأحمر لتعزيز التعاون في الشؤون الاقتصادية والأمنية كالاتجار بالأسلحة بين الدول العربية والإفريقية. ويضم في عضويته كلاً من جيبوتي ومصر وإريتريا والأردن والمملكة العربية السعودية والصومال والسودان واليمن.

وكذلك شرع البرلمان العربي منذ 2019 في تدشين استراتيجية عربية موحدة للتعامل مع إيران.

أما الدور الاماراتي فيعد الأبرز عربيا واقليما في وجه التدخلات الإيرانية والتنظيمات الإرهابية في الصومال، وهذا الحضور العربي الاماراتي امتد لعشرات السنوات منذ عامي 1993 و1994 عندما قدمت الإمارات قوات إلى العمليات الإنسانية وعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وفي العام 2010، عاد المستشارون الإماراتيون للإشراف على إنشاء "قوات الشرطة البحرية في بونتلاند" التي تأسست لمكافحة عمليات القرصنة المتزايدة بتمويل سنوي من أبوظبي يقدّر بنحو 50 مليون دولار.

وفي السياق عينه، أنشأت الإمارات العربية المتحدة منذ العام 2010 قاعدة كبيرة لــ"قوات الشرطة البحرية في بونتلاند" في بوصاصو وزادت من وجودها الإجمالي في الصومال إذ وصل عديدها إلى 180 جنديًا.. وإلى جانب القواعد الرئيسية في بربرة وصوماليلاند وعصب في إريتريا والتي استخدمتها الإمارات في عملياتها ضد الحوثيين في اليمن، عزز تمركزها في بوصاصو وجودها في البحر الأحمر بما أسهم في تيسير العمليات في اليمن وأيضًا في تسهيل التصدي للتهريب الإيراني.

وعندما انحسر تهديد القرصنة انتقلت "قوات الشرطة البحرية في بونتلاند" عمليًا إلى مهمة مكافحة الإرهاب، ما أسهم في قمع تمرد الجهاديين في جبال غلغالا بدءًا من العام 2014 بالإضافة إلى ذلك، بدأت الإمارات في العام 2014 بتدريب آلاف المجندين الصوماليين ودفع رواتبهم. وصد الهجوم البحري الذي شنته "حركة الشباب" في العام 2016 على بونتلاند وقيادة تحرير بلدة قندلا في ذلك العام من فرع تنظيم "الدولة الإسلامية" المشكّل حديثًا وتأمين المطارات الرئيسية في بونتلاند.

ونظرا لتلك المواقف الإماراتية قامت "حركة الشباب" بتجنيد مجند سابق في الجيش الوطني الصومالي للهجوم على "معسكر الجنرال غوردون" في مقديشو، ما أسفر عن مقتل أربعة ضباط إماراتيين وضابط بحريني.[6]

ومع ذلك، جاءت بسالة "قوات الشرطة البحرية في بونتلاند" في مكافحة الإرهاب في نهاية المطاف على حساب مهمتها الأصلية إذ عادت القرصنة إلى الظهور قبالة ساحل بونتلاند منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، في حين أن تفشي الصيد غير القانوني وتهريب الأسلحة الإيرانية استمرا بلا هوادة.

وفي جلسة بشأن الصومال في فبراير/شباط عام 2022 قالت الإمارات في مجلس الأمن إنها تسلط الضوء على 4 مسائل:

أولها: التركيز على دعم المسار السياسي باعتباره أساساً لتحقيق سلام مستدام في الصومال.

ثانيا: أهمية تقديم المساعدة للصومال. في التصدي للتهديدات الأمنية التي تحول دون بناء سلام مستدام فيه، وفي مقدمتها حركة الشباب الإرهابية التي تستمر في شن الهجمات.

ثالثا: أهمية إيصال المساعدات الإنسانية. بشكل كامل وآمن في ظل موجة النزوح التي خلفتها الأوضاع الأمنية المتردية والكوارث الطبيعية.

رابعا: العمل لدعم الصومال في التصدي لتداعيات تغير المناخ. والتي أدت جميعها إلى تزايد انعدام الأمن الغذائي.

ويرى خبراء أن جهود الإمارات ساهمت على نحو كبير في تحقيق الجيش الصومالي انتصارات ميدانية متسارعة على حركة الشباب أغنى وأخطر التنظيمات الإرهابية في أفريقيا والمرتبطة بتنظيم “القاعدة” الإرهابي. مشددين على أن فقدان الحركة لمناطق واسعة في وسط البلاد خلال العام الماضي من أبرز الدلائل على أهمية التعاون بين مقديشو والإمارات.

أما على الصعيد الإفريقي فهناك رفض عام للتحركات الإيرانية من معظم دول القرن الإفريقي؛ لكونها تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي. وعلى المستوى الدولي فإن الأهمية الاستراتيجية للقرن الإفريقي تجعل دول العالم المختلفة قلقة من أي تهديد إيراني لأمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب الذي تمر منه 12% من إجمالي التجارة الدولية[7].

المطلب الخامس: التحديات وسبل مواجهته.

أولا: التحديات

1- البلدان العربية الساحلية مثل الصومال والجنوب العربي واليمن وجيبوتي، تجد نفسها أمام مشاريع دولية طموحة لهذا الموقع الاستراتيجي من العالم، ويأتي التنافس الدولي والإقليمي على منطقة القرن الإفريقي لتبحث كل دولة عن موطئ قدم لها على البحر وربما لإنشاء قواعد عسكرية في المستقبل.

2- تأمل إيران في سعيها الحثيث لتحقيق مشروعها السياسي في المنطقة الشرق أوسطية كقوة إقليمية تسعي للهيمنة والسيطرة على النسق الإقليمي الجديد، وهو ما قد تبين من خلال مهام الحرس الثوري الإيراني وأعماله الخارجية في دول الجوار الإفريقي والعربي، لاسيما عقب ثورات الربيع العربي، تلك التي مهدت للأذرع الإيرانية الاندفاع بقوة نحو الإقليم الشرق أوسطي من جهة كما هو واضح في العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان والبحرين.

3-   أن توسع الدور الإيراني في العالم العربي مع نشر المذهب الشيعي في الأقطار الإسلامية السنية ليس عملًا تطوعيًّا يقوم به دعاة فرادى أو جماعات، وإنما تقف خلفه دولة بقدر إيران، وهناك تناغم بين استراتيجية الدولة الراغبة في التواجد في هذه المنطقة الاستراتيجية، وبين نشر المذهب الشيعي، كما أن النجاحات المتكررة لإيران في الاستيلاء على عواصم عربية يمنحها زخمًا كبيرًا لفتوحات جديدة.

4-    التوسع في القرن الإفريقي، وخاصة في الصومال، ربما يصبح هذا البلد جزءًا من أهم الأوراق السياسية لدى طهران، ما لم يتم فتح آفاق التعاون بين الصومال والدول العربية.

5- ليس بمقدور الصوماليين وحدهم المنافسة أمام مشروع يحظى بدعم رسمي وشعبي من دولة طامحة للتوسع فكريًّا وسياسيًّا، ما لم تقم الدول العربية خاصة الخليجية بتنفيذ خطوات مدروسة لدعمها في المجالات التي تؤثر على مستقبل هذا البلد من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والتربية.

6- تسعى إيران لتكوين واستكمال الدوائر المفرغة من “الهلال الشيعي”، الذي لا يكتمل إلا من خلال سيطرة إيران على الجانب الجنوبي من هذا الهلال على حساب دول منطقة القرن الإفريقي ومضيق باب المندب على وجه الخصوص، عن طريق بذر الفتن والصراعات على أسس ثورية شيعية ضد الدول الإفريقية والعربية على حد السواء، وهو الأمر الذي يشكل تهديدا واضحا وصريحا للأمن القومي العربي، الأمر الذي يتطلب استراتيجيات تعاون جديدة وجدية في كل المجالات بين الدول العربية والإفريقية لتحجيم الدور الإيراني المتغلغل داخل منطقة القرن الإفريقي.

7-  تحد اخر هو إن الإقليم الإفريقي يفتقد جدياً للمنظومة الجماعية أو حتى الفرعية لضمان الأمن فيه، إذ إن منظومة الأمن الجماعي فيه تقوم بتأمين الدول داخلياً وتدفع التهديد عنها خارجياً، بما يكفل لها الأمن والاستقرار، بشرط توافق مصالح، وغايات وأهداف أطرافها، إذ كان من الممكن في وقت سابق قيام منظومة عربية ـ إفريقية جماعية لحماية الأمن في منطقة القرن الإفريقي، إلا أن الوضع الآن أصبح مُعقدا للغاية لوجود أطراف إقليمية ودولية ذات مصالح متضاربة في هذه المنطقة، على من ذلك فإن تكوين هذه المنظومة ليست بالأمر المستحيل؛ لضمان حماية بقاء وأمن واستقرار الدول العربية والإفريقية معاً.

8- بناء على ما قد تقدم، فإن منطقة القرن الإفريقي تمثل بالنسبة للأمن القومي العربي أهمية استراتيجية خطيرة، إذ تضم المنطقة أهم منابع نهر النيل، الذي يعد شريان الحياة لمصر والمصريين، وتعد إثيوبيا أحد أهم منابع نهر النيل بنسبة 86% بالنسبة لمصر من إجمالى المياه الواردة من دول حوض النيل جميعاً، ما يضعها على رأس قائمة أولويات السياسة المصرية.

ثانيا: سبل المواجهة

1- توحيد الصفوف وتكوين تكتلات عسكرية واقتصادية لتأمين هذه المنطقة من أي تهديد لها على غرار التهديد الإيراني عند مضيق باب المندب.

2- إيجاد حلول سلمية وجذرية للأزمات والمشاكل الإفريقية كما هو الحال في الصومال، وإريتريا، واليمن والجنوب العربي، وإثيوبيا، والسعي لاستخدام مصر والدول العربية القوة الناعمة المتمثلة في التقارب الثقافي والحضاري، وهو أفضل وأقل كلفة من التنافس مع القوى الدولية والإقليمية الأخرى بالأدوات والآليات العسكرية والقوى الصلبة.

3-  تشجيع الدول العربية وعلى رأسها دول الخليج العربي في ملئ الفراغ الثقافي في الصومال، وتقديم المساعدات الإنسانية والثقافية، وتقوية اللغة العربية في الصومال.

4- ضرورة التحرك المصري السعودي السوداني المشترك لوقف الأنشطة الإيرانية في جنوب البحر الأحمر؛ وذلك لعدم لإضرار بحركة الملاحة البحرية من جانب ولعدم الإضرار بمياه النيل من جانب آخر.

5- ضرورة لعب المملكة العربية السعودية دوراً في المحافظة على الطابع السني لهذه البلاد الإفريقية التي يقع كثير من مواطنيها نتيجة الفقر والحاجة، فريسة للمخططات الإيرانية الشيعية.

6- توثيق العلاقات المصرية الإفريقية، خاصة مع خاصة مع الدول التي يشكل النفوذ الإيراني فيها خطراً على المصالح المصرية المختلفة

7- القضاء على خطر ميليشيات الحوثيين في المناطق الغربية الساحلية في البلاد التي تقوم إيران من خلالها بتقديم الدعم لهم، والتي تقترب من سواحل الدول الإفريقية التي تنشط فيها إيران عسكرياً.

8- وضع خطط استراتيجية، لتوفير فرص التعليم البديل، واستقبال الجامعات في الدول العربية وكذلك توفير سوق بديلة للمنتجات الصومالية لقطع الطريق أمام المغريات الإيرانية، خاصة المواشي، والموز وغيره من المنتجات المشهورة من الصومال، ودعم مؤسسات الدولة الصومالية وتكثيف البعثات الدبلوماسية العربية، ورفع مستوى وجودها في البلاد مع إطلاق المشاريع الاجتماعية والثقافية.

 

 


المصادر: 

[1] مظاهر تغلغل التشيع الإيراني في البلدان السنية: مصر، سورية، الأردن، السودان، وغيرها”، حمدان الأشقر، “ 27/10/2008، شبكة الدفاع عن السنة

[2] هل هُرّبت أسلحة مقدمة من إيران للحوثيين إلى الصومال؟

[3] تقرير معهد الدراسات الأمنية: إيران تسلح الجماعات المتطرفة في القرن الإفريقي

[4] أحمد محمود ، الفحم الصومالي.. إيران وحركة "الشباب" تشعلان الإرهاب بأفريقيا ، 17 أكتوبر 2018،متاح علي الرابط التالي:

[5] الدور الإيراني في الصومال: البحث عن موطئ

[6] بالحفاظ على دور الإمارات العربية المتحدة وتنسيقه مع الجهود التركية والقطرية يمكن مضاعفة قوة الهجوم الذي تشنه الحكومة الصومالية ضد حركة "الشباب".

[7] الأجندة الإيرانية في الصومال

إسرائيل وحزب الله: اغتيال نصر الله يفتح صفحة جديدة من الصراع.. مستقبل المقاومة في الميزان


"طفح الكيل".. هل كانت إشارة "بنيامين نتنياهو" لقتل "زعيم حزب الله حسن نصر الله"؟


بين الخطأ البشري والاختراق التكنولوجي: القصة الكاملة لتفجيرات أجهزة الاتصال في حزب الله


هل نجحت إسرائيل في اغتيال حسن نصر الله؟ نتنياهو يثير التكهنات بـ"انتظروا"