أيضا أيامها دول

النقود..من زمن الذهب إلى عصر العملات الافتراضية

سكّ العملات المعدنية تقليد قديم يعود إلى ما قبل الميلاد. وشكّل الذهب والفضة ثم معادن أخرى كالنحاس مادة هذه العملات؛ لكن اليوم عوضت الدول هذه العملات الثمينة بسبائك معدنية رخيصة الثمن

البقاء للعملة الأقوى

ملهم الملائكة
الرياض

أثّر الحراك السياسي وعدم الاستقرار المستمر في المنطقة العربية على عملات بعض الدول وباتت عرضة لانهيارات غير محسوبة. فقد تأثرت بشكل مباشر المسكوكات المعدنية في عدد من البلدان.

وفي ضوء تعاظم قيمة العملات الدولية (توجد ورقة نقدية من فئة 500 يورو على سبيل المثال) ليس بوسع المرء إلا أن يتساءل عن سبب وجود المسكوكات المعدنية واستمرار تداولها رغم وجود عملات ورقية من فئات ضخمة.

يجيب عن هذا السؤال إبراهيم محمد، الكاتب والإعلامي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، مبيّنا لـ”العرب”، أنّ سكّ العملات المعدنية تقليد قديم يعود إلى ما قبل الميلاد. وشكّل الذهب والفضة ثم معادن أخرى كالنحاس مادة هذه العملات؛ لكن اليوم عوضت الدول هذه العملات الثمينة بسبائك معدنية رخيصة الثمن.

أما بخصوص العملات الورقية، فقد ظهرت في القرن السابع عشر عندما بدأت أوروبا باتباع تقليد صيني يتمثل في طباعة الوحدات النقدية الورقية التي أخذت مكانها بشكل تدريجي إلى جانب الوحدات المسكوكة.

ويفسر الخبير الاقتصادي، المقيم في العاصمة الألمانية برلين، سبب تعايش العملة الورقية إلى جانب المسكوكات المعدنية مشيرا إلى أنّ كلّا منهما يلعب دوره المكمل للآخر؛ وحتى فترات ليست ببعيدة كانت للعملات المعدنية من فئات صغيرة كالقرش والفلس والمليم قوة شرائية.

ويضيف “أنا على سبيل المثال كنت في غاية السعادة عندما كانت جدتي تعطيني عشرة قروش لشراء الحلوى، غير أن الوضع تغير اليوم ولم يعد لهذه الفئات قوة شرائية، حتى أن بعضها خرج من التعامل.

أما الفئات الأخرى فلا تزال تحتفظ بقوتها الشرائية وهذا ما يفسر استمرارها، وتزيد في التعلق بها تقاليد تعود إلى المئات من السنين ليس من السهل التخلص منها، كما يعزز التمسك بها استخدام سبائك معدنية متدنية التكاليف لصناعتها”.

 

 

النقود تدخل العالم الافتراضي

البيتكوين، عملة افتراضية إلكترونية لا مركزية تستخدم فقط على الإنترنت. وهي وسيلة مُثلى لضمان سلامة المعاملات. تعتمد هذه العملة أساسا على التوقيع الإلكتروني والتشفير المباشر بين شخصين. ويتم إصدارها عن طريق الكمبيوتر المزود بكروت شاشة قوية أو أجهزة خارجية مصممة خصيصا لعمليات التعدين.

وتعتمد هذه العملة على نظام الند للند، وهو نظام يمكن المستخدمين من التعامل علنا ومباشرة مع بعضهم البعض دون الحاجة إلى وسيط بنكي أو نقدي. ولا توجد رسوم تحويل ولا عمولة عند استخدام هذه العملة.

وبإمكان المستخدم تبديل قطع بيتكوين النقدية الموجودة لديه بعملات أخرى حقيقية، ويمكن القيام بذلك بين المستخدمين أنفسهم.

وتعد ألمانيا الدولة الوحيدة التي اعترفت رسميًا بعملة البيتكوين، وأنها نوع من النقود الإلكترونية، وبهذا اعتبرت الحكومة الألمانية أنها تستطيع فرض الضريبة على الأرباح التي تحققها الشركات التي تتعامل بالبيتكوين، في حين تبقى المعاملات المالية الفردية معفية من الضرائب.

وتزداد يوما بعد يوم أعداد المؤسسات والمطاعم ومواقع التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط ومختلف أنحاء العالم التي تقبل دفع المشتريات والخدمات باستخدام العملة الرقمية.

 

 

العراق بداية انهيار المسكوكات

 

بدأت ظاهرة انهيار المسكوكات أولا في العراق في أعوام الحصار الاقتصادي خلال تسعينات القرن العشرين، حيث انهارت قيمة الدينار أمام العملات الدولية وتحولت إلى 0.01 من قيمته الحقيقية بسبب قيام نظام صدام حسين إصدار عملات بالمليارات من الدنانير دون غطاء نقدي.

وأخذ الناس يجمعون العملات النقدية من فئة (1فلس و5 فلوس و10 فلوس و50 فلسا و100 فلس و500 فلس) ويذيبونها ليستفيدوا من مصهور معادنها في تصنيع أشياء تسد حاجة السوق الفقير والمحروم من كل شيء.

بعد عام 2003، اختفت العملة المعدنية تماما من أسواق العراق وحلت محلها عملات ورقية استطاعت بفضل الدعم الأميركي أن تحافظ على قيمتها إلى حد ما، فاستقر الدينار لمدة 13 عاما أمام الدولار.

ولم يعد الناس يشعرون بحاجة إلى تداول المسكوكات المعدنية (الفلس والدرهم والدينار وأجزائها) فنُسيت بالكامل ولم يعد لها وجود سوى في المتاحف وعند هواة جمع المسكوكات القديمة.

 

سوريا تلغي الليرة المعدنية

 

تكرر المشهد في سوريا، التي تمزقها الحرب منذ نحو 6 أعوام، إذ تتحدث تقارير مسربة، عن قيام مجموعات صناعية متخصصة في إذابة العملة وتحويلها إلى معادن في البلد الذي تراجع اقتصاده بشكل كبير وانهارت عملته بشكل متسارع.

وكرد فعل على ذلك، سحبت الحكومة السورية العملة المعدنية من فئة 1 ليرة سورية من التداول بشكل نهائي، وذلك اعتبارا من تاريخ 27 /11 /2013 بموجب القرار الصادر عن رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي في هذا الخصوص، وبذلك تكون العملة المعدنية المذكورة لا قيمة لها عند من يمتلك مبالغ معينة منها.

واستمر تدمير العملات من فئة ليرتين و5 ليرات و10 ليرات و25 ليرة بوتيرة عالية، حتى بات من الصعب العثور عليها في أي مكان، حسب إفادات لاجئين سوريين في ألمانيا، تحدثوا إلى “العرب” بشرط عدم ذكر هوياتهم.

 

التهريب بدلا من التذويب في اليمن

 

في اليمن الذي لا يملك قاعدة صناعية، يلجأ الكثيرون في ظل انهيار الريال بشكل متسارع، إلى تهريب العملات المعدنية بشكل صفقات يلفها الفساد نحو دول عربية ومنها إلى الصين حيث تقوم مصانعها بصهرها وإعادة تصنيعها.

وكشفت مصادر في مطار صنعاء عن ضبط 225 ألف ريال من عملات معدنية بحوزة شخص فلسطيني يحمل جواز سفر عراقي ويعتقد أنه مولود بالعراق حسب تقرير نشره موقع يمن برس، وكان المشار إليه يقوم بتهريبها عن طريق المطار.

وبعد التحري ظهر أنّ المهرب المذكور مخول من المصرف المركزي اليمني بنقل المبلغ يدويا عبر المطار إلى مطار عمّان في الأردن.

واعترف بقيامه سابقا بنقل عدة شحنات تقدّر بالآلاف من الريالات لتصل وجهتها الأخيرة إلى الصين حيث يعاد تدويرها ثم ترسل إلى اليمن ثانية، حسب أقواله.

 

تونس: تزوير العملات المعدنية أسهل

 

بعد الثورة التونسية، شاعت ظاهرة تزوير العملة المعدنية من فئة 5 دنانير، بشكل كبير ما شكل سابقة في مجال تزوير العملات، الذي يجري عادة على الفئات الورقية متوسطة القيمة. وبات تداول النُسخ المزورة في التعامل أمرا شبه مفروغ منه، ما يهدد إلى حد كبير مصير الدينار التونسي برمته.

ويؤكد أحد المتداولين “لم نعد نعير هذه العملة المزورة من فئة 5 دنانير أي انتباه، فهي شبيهة بالأصلية حد التطابق، زد على ذلك أنّ الخطأ يكمن في طريقة التصنيع الرسمية المتكونة من قطعتين إحداهما صفراء خطت عليها عبارة 5 دنانير والأخرى 500 مليم المتداولة وهو الأمر الذي جعل التزوير أمرا ممكنا، وفق كشف تقرير نشرته صحيفة التونسية الإلكترونية في12 - 11 - 2013"

 

عملات جديدة في ليبيا

 

في ليبيا التي تحولت إلى مدن وأقاليم متحاربة، اختفت المسكوكات المعدنية على يد عصابات متخصصة تقوم بإذابة العملات المعدنية وأسلاك الهاتف وكابلات التيار الكهربائي. وحسب مصدر سياسي ليبي، لجأ إلى هولندا وتحدث إلى “العرب”، طالبا عدم الكشف عن اسمه، “تقوم الميلشيات والعصابات بشحن المواد الناتجة عن إذابة المعادن والمسكوكات وبيعها إلى مصانع إيرانية عبر شبكة قراصنة تتولى عمليات تهريب النفط والغاز والسلاح والمواد الممنوعة من وإلى الأقاليم والمدن الليبية، وتقوم المصانع الإيرانية التابعة للحرس الثوري بإعادة تصنيعها لإنتاج العتاد الخفيف”.

وقد سبق هذا اختفاء العملة المعدنية في عهد العقيد معمر القذافي ابتداء من عام 1985 نتيجة انهيار العملة بسبب الحصار الدولي، ثم اختفت تماما عام 2005، إثر قيام شخص مجهول (يرجح أنّه أحد أبناء القذافي حسب إفادة نفس اللاجئ السياسي الليبي) بتهريب كل المسكوكات (بما قيمته العشرات من ملايين اليورو) إلى إيطاليا.

وكإجراء مضاد وبعد أن رفع الغرب الحصار عن القذافي الذي سلّم مشروعه النووي والتسليحي كاملا إلى المراقبين الدوليين، أقدم العقيد الليبي في عام 2009 على إصدار عملات جديدة في ذلك العام من فئات 100 درهم و250 درهما و50 درهما. لكن العملات من فئة 10 دراهم و20 درهما فقدت إلى الأبد.

وبعد إفلاس البنك المركزي الليبي عاد الليبيون إلى استخدام العملة الورقية التي تحمل صورة القذافي والتي كانوا قد نبذوها. وكشف مصرف ليبيا المركزي، مطلع أبريل 2015 عن إصدار عملة معدنية من فئتي 50 درهما و100 درهم.

قانون كريشام

حسب الموسوعة الشعبية ويكيبيديا فإن قانون كريشام هو الذي يتحكم في تداول وسوق المسكوكات. ويتلخص هذا القانون في العبارة المشهورة “النقود الرديئة تطرد النقود الجيدة من السوق”؛ ففي البلدان التي يجري فيها تداول نوعين من النقود القانونية، أحدهما رديء والآخر جيد، يطرد الرديء الجيد من التداول بين الناس.

وقد لاحظ كريشام هذه الظاهرة في بلاده إنكلترا، كلما ضربت نقود جديدة لتحل محل نقود قديمة متآكلة، حيث أن النقود الجديدة لا تلبث أن تختفي من التداول، ويعود السبب في ذلك إلى أنه طالما كانت للنوعين من النقود نفس القوة الشرائية تجعل الشخص مخيرا في أن يؤدي ما عليه من ديون أو تسديدات نقدية بالعملة الرديئة أو الجديدة، فإنه يعمل على تسديدها بالعملة الرديئة مستبقيا العملة الجديدة عنده بعيدا عن التداول في السوق. ولا يستعمل في تعاملاته سوى العملة الرديئة.

ولنفس السبب يكون الدائن ملزما بقبولها. ولو رفض الدائنون ذلك وطلبوا العملة الجديدة لعمل القانون بشكل عكسي، بحيث تصبح العملة الجديدة هي التي تطرد العملة الرديئة.

 

 

علاج الظاهرة

 

في علاج هذه الظاهرة الخطيرة التي تؤدي إلى انهيار قيمة المسكوكات وما يتبعه من أثر كبير على العملات الورقية، يتبادر إلى الذهن حلٌّ نظري يتمثل في إلغاء العملات المسكوكة وإيقاف التداول بها، وتحويلها إلى عملات ورقية.

ولا ينفي إبراهيم محمد اعتماد إيقاف التداول بالمسكوكات لكنه يبيّن أن المطالبة بإلغاء العملات المسكوكة وتحويلها إلى عملة ورقية تبدو جذابة إذا أخذنا بعين الاعتبار فقدان بعضها لقوته الشرائية، غير أنّ القيام بذلك دون تمييز بين وحدة نقدية وأخرى ليس عمليا أو مجديا.

ويشرح موضحا أنه بالنسبة إلى الوحدات النقدية المعدنية التي فقدت قيمتها الشرائية يمكن التوقف عن سكها وحتى عدم طباعتها كعملة ورقية شريطة التنسيق في هذا الشأن مع نظم الحسابات المعتمدة في المؤسسات والبنوك.

أما الوحدات النقدية التي لا تزال تحتفظ بقيمتها الشرائية كالريال والجنيه وغيرهما، فيبين أنّ الاستمرار في سكها يبدو عمليا أكثر وليس بالضرورة أعلى تكلفة من العملة الورقية.

ومن المعروف أنّ العملات الورقية تتلف بشكل أسرع من مثيلتها المعدنية. وهذا يتطلب إعادة طباعة بديل عنها بشكل متكرر مما يرفع التكلفة.

من الناحية العملية، مازلنا نستخدم الوحدات النقدية كالريال والجنيه بشكل يومي ومباشر أو عبر الأجهزة الأوتوماتيكية لشراء حلويات ومشروبات، ودفع أجور النقل داخل المدن وغير ذلك، ومن شأن ذلك أن يجعل استمرارها أمرا لا غنى عنه في المدى المنظور.

إلا أنّ الأسواق العربية تفتقر إلى عوامل تشجع المتداولين على التعامل بالمسكوكات، وفي الغرب توضع أسعار المفرد بقيمة تجزئة العملة (سعر السروال 50 يورو و99 سنتا مثلا)، وهذا يجري مع كل السلع والخدمات، ما يجبر المتداولين والبنوك على استعمال المسكوكات المعنية وأجزائها.

 

كاتب عراقي