في تركيا..

تقرير: لماذا الصحافيون الفاقدون للوعي لا يسلمون من السجن؟

الصحافي متين دوران

تطرقت الباحثة البارزة في معهد "غايتستون" أوزاي بولوت إلى الاعتقالات التعسفية التي تطال الكتّاب والصحافيين داخل تركيا بسبب التعبير عن آرائهم. وذكرت تحديداً ما حصل مع متين دوران الذي تعرض لعقوبات أكثر قساوة من تلك التي واجهها زملاؤه. سُجن دوران، 37 عاماً، بناء على اتهامات مرتبطة بالإرهاب داخل سجن سينجان بالقرب من أنقرة منذ 30 مارس (آذار) 2018. لكنّه غير مدرك للمكان الذي يقبع فيه ولا ما قررته المحكمة بخصوص مصيره.

حين لا يكون سجن الصحافيين كافياً تغلق الحكومة الوسائل الإعلامية التي يعملون فيها وقد تم إغلاق 131 منصة منها بعد محاولة الانقلاب، من بينها وكالات وقنوات إعلامية ومحطات إذاعية

كان دوران إعلامياً في إذاعة رنغين ومقرها مدينة ماردين جنوب البلاد. فقد دوران جزءاً من ذاكرته وقدرته على المشي والتحدث، بعد تعرضه لجلطة في دماغه أعقبت أزمة قلبية في 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2015. وعلى الرغم من كل ذلك، تم إرساله إلى السجن في مارس وبقي هنالك بحسب ما كتبته وكالة أنباء ما بين النهرين. في حديث إلى "غايتستون"، قال الصحافي الذي غطى سجن دوران أحمد قنبال إنّ محاكمة دوران بدأت سنة 2015 واستمرت أكثر من سنة. بعدها، حُكم عليه بالسجن لثلاث سنوات وشهر وخمسة عشر يوماً. استأنف محاميه الحكم فاستغرق الاستئناف أيضاً أكثر من سنتين. حين تمّ تثبيت الحكم عليه أخيراً تمّ توقيفه وهو يلازم فراشه بسبب حالته الصحية.

بحاجة لتقرير طبي!
أغلِقت إذاعة دوران بفعل حال الطوارئ التي فُرضت على البلاد بعد الانقلاب الفاشل. بعد يومين على وصوله إلى سينجان، تم إيداعه في مستشفى السجن بسبب التراجع الكبير في وضعه الصحي. يلازم زيدان دوران أخاه متين داخل السجن للاعتناء بصحته. (لم يُدن زيدان بأي جرم). استنفدت عائلته جميع وسائل الطعن أمام المحكمة الدستورية لإخراجه من السجن لكنّ السلطات تطلب منها الحصول على تقرير طبي من مجلس الطب الشرعي من أجل إثبات أنّ الصحافي لا يستطيع البقاء داخل السجن بسبب ظروفه الصحية. ولا تزال العائلة تنتظر تقرير المجلس. إنّ وضع دوران غريب لكنّه ليس الصحافي الوحيد المسجون في تركيا.

قوانين إرهاب فضفاضة لمحاكمتهم
هنالك 183 صحافياً وموظفاً في القطاع الإعلامي على الأقل، إمّا في الحبس الاحتياطي أو يقضون عقوبة بالسجن بحسب ما نقله تقرير صادر عن منصة الصحافة المستقلة "ب 24" في أغسطس (آب) الماضي. تتصدر تركيا دول العالم في محاكمة وسجن الصحافيين والإعلاميين بحسب ما خلصت إليه دراسة لمنظمة هيومن رايتس ووتش في فبراير (شباط) الماضي. وأضافت المنظمة واصفة القمع الذي أعقب الانقلاب في تدوينة أخرى خلال شهر مارس أنّ "لدى تركيا تقليداً طويلاً في إساءة استخدام النظام القضائي وقوانين الإرهاب الفضفاضة لمحاكمة الصحافيين والناشطين ونقّاد آخرين للحكومة". وذكرت أيضاً أنّ "المدعين طبقوا باستمرار بنوداً من القانون مثل ‘التحريض على الكراهية والعداوة بين الشعب و نشر بروباغندا إرهابية‘ لتخويف وإسكات المعارضة السلمية داخل وخارج العالم الإلكتروني".

أردوغان يهاجم المفكرين
هنالك أيضاً بند آخر في قانون العقوبات التركي يشير إلى "ارتكاب جرائم لصالح منظمة من دون الانتماء إلى تلك المنظمة" وهو يُستخدم بشكل شائع لاستهداف الصحافيين والكتاب ومن بينهم دوران. وفقاً لهذه المادة، يحاكم المتهمون كما لو كانوا يقاتلون الدولة التركية ك "أعضاء" في المنظمات الإرهابية. لقد برر الرئيس التركي سلوكه بالقول: إنّ الإرهاب لا يتشكل من تلقاء نفسه. لدى الإرهاب والإرهابيين عمال حدائق" وأضاف أردوغان أنّ عمّال الحدائق هم الأشخاص الذين يُنظر إليهم كمفكرين وهم يزرعون التطرف قبل أن يأتي يوم ويظهر الإرهابيون أمام العالم.

ماذا لو لم يكن السجن كافياً؟

حين لا يكون سجن الصحافيين كافياً تغلق الحكومة الوسائل الإعلامية التي يعملون فيها وقد تم إغلاق 131 منصة منها بعد محاولة الانقلاب، من بينها وكالات وقنوات إعلامية ومحطات إذاعية وصحف ومطابع وشركات توزيع. وفي 30 يوليو (تموز) تم إقفال المزيد من الوسائل الإعلامية: 12 شبكة تلفزيونية و 11 إذاعة. إضافة للاعتقالات التعسفية، يبرز سوء المعاملة والتعذيب كسلوك شائع بشكل مقلق في تركيا. على سبيل المثال، واجه أربعة صحافيين أتراك التعذيب والتهديد والسلوك المسيء داخل الاعتقال بعد هجوم بقنبلة في أغسطس 2016 في محافظة دياربكر وفقاً للاتحاد الدولي للصحافيين. وقال مراسل لإحدى الشبكات التلفزيونية في دياربكر: "بمجرد أن قلنا إنّنا صحافيون تغير حجم الألفاظ النابية وتعرضنا للإساءة اللفظية والجسدية".

وفي عريضة لإطلاق سراحه، كتب مدني دوران أنّ الصحافي "لا يمكنه المشي ولا التحدث ولا الأكل ولم يعد يتعرف إلى أحد بعد اليوم. يمكنه فقط التنفس". وشدّدت بولوت على أنّ دوران لا يستطيع التكلم مضيفة أنّ على المجتمع الدولي، تحديداً منظمات حقوق الإنسان، أن يكون صوتاً للصحافي وأن يبدأ حملة عاجلة لإطلاق سراحه.