الحوثيون يستخدمون القضاء لاضطهادهم في صنعاء..

تقرير: ماذا تريد إيران من بهائيي اليمن؟

محاكم تفتيش طائفية تأتمر بالسياسة الإيرانية

صالح البيضاني
كاتب وباحث وسياسي يمني، عضو مؤتمر الحوار الوطني في اليمن، عضو الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.

أدانت شخصيات ومنظمات بهائية شروع الحوثيين في منتصف الشهر الجاري بعقد جلسات محاكمة غير معلنة في صنعاء لأكثر من عشرين من أتباع الطائفة البهائية تم إلقاء القبض على بعضهم في أوقات سابقة، قبل أن توجه لهم رسميا إحدى المحاكم الخاضعة لسيطرة الميليشيات الحوثية تهما بالردة والتجسس لجهات خارجية.

واعتبرت بيانات صادرة عن جهات بهائية أن “الاتهامات ذات الدوافع الطائفية والتي تحركها القوى الحاكمة في صنعاء ضد البهائيين” جاءت عقب خطاب تحريضي من قبل زعيم الجماعة الحوثية عبدالملك الحوثي ضد البهائيين، وهو ما تلاه تصعيد جديد ضد البهائيين في صنعاء، شمل اعتقال قيادات بارزة وأحكاما بالإعدام في يناير الماضي، إضافة إلى المزيد من الاعتقالات التي طالت أتباع الطائفة البهائية.

وفي تصريح لـ”العرب” حول تفاصيل التصعيد الحوثي الأخير ضد الحوثيين قال عبدالله العلفي وهو ناشط بهائي يمني إن المحكمة الجزائية في صنعاء عقدت السبت الماضي جلسة مفاجئة وسرية دون أن تبلغ المتهمين وعددهم 24 من بينهم ثماني نساء وفتاة قاصر، ووفقا للعلفي فقد تم إحضار أربعة من البهائيين للمحكمة ووجهت إليهم تهمة التجسس لصالح إسرائيل وأميركا وبريطانيا من خلال نشر البهائية في اليمن والتي يعتبرها الحوثيون خلايا صهيونية هدفها تدمير الإسلام.

ولفت العلفي إلى أن أحد محامي المتهمين فوجئ بالصدفة عند حضوره للمحكمة لمتابعة قضية أخرى أن هناك جلسة منعقدة لمحاكمة البهائيين في اليمن، حيث كانت الجلسة منعقدة على نطاق ضيق وبحضور محدود اقتصر على القاضي والنائب العام والموظفين الرسميين بالمحكمة، وانتهت الجلسة بقرار القاضي عقد جلسة أخرى في نهاية شهر سبتمبر وإحضار كافة المتهمين الأربعة والعشرين، في الوقت الذي لا يزال فيه ستة آخرون معتقلين في السجن المركزي والأمن القومي بصنعاء، كما أشار العلفي إلى أن الجهات المخولة لم تخبر أيا من المتهمين بالتهم الموجهة إليهم ولم تحقق معهم أو تسلمهم نسخا من عريضة الاتهام.

وعن خلفيات العلاقة المتوترة بين الحوثيين والبهائيين في اليمن قال عبدالله العلفي إن أبناء الطائفة البهائية تعرضوا لموجات من الاستهداف بدأت في العام 2008 حيث اعتقلت الأجهزة الأمنية عددا من البهائيين اليمنيين والمقيمين وانتهت الحملة بترحيل عدد من المقيمين مع عائلاتهم، لتعود حملات استهداف البهائيين مجددا إلى الواجهة في العام 2013، غير أن الاعتقالات بلغت مستوى قياسيا عقب سيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر 2014 باعتقال العشرات من الناشطين في الأعوام التالية.

وبينما رفض العلفي الإفصاح عن موقعه في الديانة البهائية في اليمن معتبرا أن “الوضع لا يسمح بإعلان الصفات”، تحدث لـ”العرب” عن طبيعة التكوينات البهائية ووجود مكون رسمي للديانة في اليمن بالقول “جميع البهائيين في العالم يرتبطون ببعضهم تحت مظلة بيت العدل الأعظم، وفي كل دولة يوجد محفل مركزي ينتخبه البهائيون كل سنة، هذا المحفل ليس كهنوتيا إنما هو إداري مهمته الأساسية إدارة شؤون البهائيين وربطهم بالعالم البهائي”.

مرة أخرى، نشهد تهما ملفقة وإجراءات غير عادلة بشكل صارخ تستخدم لاضطهاد البهائيين اليمنيين بسبب إيمانهم

وعن عدد المنتمين للديانة البهائية في اليمن قال العلفي إن عددهم يزيد عن الألفين في عموم اليمن 75 بالمئة منهم من الجامعيين، وهو الأمر الذي يتناقض مع إحصاءات شبه رسمية تقول إن عددهم لا يتجاوز المئات.

وفي رده على سؤال لـ”العرب” عن طريقة الانضمام لديانتهم أجاب “في عقيدتنا البهائيون نوعان؛ الأول يؤمن برسالة بهاءالله ويصلي صلاة البهائيين ويلتزم بشريعتهم والمبادئ التي أمر بها الدين، والثاني يؤمن بمبادئ البهائيين ويتصف بسلوكهم دون أن يكون مؤمنا برسالة بهاءالله، والأول يمتاز على الثاني بالمشاركة في الانتخابات البهائية، بينما يحرم البهائي ‘إداريا’ إذا تبين أنه لم يلتزم بالمبادئ البهائية الأساسية”.

ويتهم بعض المراقبين الحوثيين بأنهم قاموا بالتضييق على الطائفية البهائية انطلاقا من حالة القمع التي يواجه بها أبناء هذه الديانة في إيران التي تعتبر الموئل الفكري الأول للبهائيين والذين يتخذون اليوم من مدينة حيفا في إسرائيل مقرا عالميا لهم منذ 1868، وهو أحد أسباب اتهامهم بالعمالة لصالح اليهود عبر التاريخ.

ووصف بيان صادر عن البهائيين في اليمن محاكمة 24 من أتباع الطائفة بالمحاكمة غير القانونية ووصفها البيان بأنها “أسلوب تعسفي إيراني ممنهج يكرره الحوثيون في اليمن للقضاء على الطائفة البهائية ونسف النسيج الاجتماعي القائم على التعدد والتعايش وحقوق الإنسان”.

وأضاف البيان “يؤكد الحوثيون بهذا التصعيد التعسفي الجائر ضد البهائيين بأنهم جماعة متطرفة لا تؤمن بالتعايش وتهدد السلم الاجتماعي وحقوق الإنسان ولا تبالي بكل الأصوات الإنسانية التي تدعوها لوقف الانتهاكات واحترام الدستور والقوانين الوطنية والعهود والمواثيق الدولية التي تعهد بها اليمن”.

ويزعم البهائيون أن ديانتهم دخلت اليمن في القرن التاسع عشر وتحديدا في عام 1844، عندما قام أحد مؤسسي البهائية المدعو علي محمد الشيرازي المعروف بـ”الباب” بالتوقف في ميناء “المخا” على البحر الأحمر.

وعلى الرغم من وجود تقارير تتحدث عن ظهور البهائية في مدينة عدن بجنوب اليمن في الخمسينات من القرن الماضي، إلا أنه من المؤكد أن هذه الديانة التي تحاول إيجاد موطئ قدم لها في اليمن لم تتمكن حتى الآن من تجاوز حالة النخبوية ولم تستطع النفاذ إلى عمق المجتمع اليمني.

وفي تعليق على بدء محاكمة 24 من البهائيين في اليمن قالت باني دوغال ممثلة الجامعة البهائية العالمية في الأمم المتحدة “إن هذه التهم مقلقة للغاية ومؤشر لتصعيد وتيرة الضغوط على البهائيين، وتأتي في وقت يعاني فيه البهائيون من تهديدات مستمرة، وتَئُن فيه البلاد تحت وطأة أزمة إنسانية تستدعي الاهتمام العاجل”.

واستطردت “لدينا أسباب كافية للقلق على سلامة البهائيين في اليمن. إننا نحث المجتمع الدولي على مطالبة القوى الحاكمة في صنعاء بالإسقاط الفوري لهذه التهم الباطلة واللامنطقية الموجهة ضد هؤلاء الأبرياء الذين تتم إدانتهم كيديا لا لسبب سوى لممارستهم معتقداتهم”.

وأضافت دوغال أن “الطريقة التي يتبعها الحوثيون في استهداف البهائيين في اليمن تذكرنا بشدة بالاضطهادات المرعبة التي استهدفت قيادات المجتمع البهائي في إيران في الثمانينات، تلك الأحداث التي تم فيها اعتقال وقتل البهائيين”.

وطالب بيان صادر عن منظمة العفو الدولية الحوثيين “بوقف اضطهاد البهائيين، والكف عن الاستخدام السيء لنظام العدالة لمعاقبة حرية الاعتقاد وملاحقة الناشطين السياسيين والصحافيين والناشطين والبهائيين والأقليات الأخرى”.

وقالت لين معلوف مديرة بحوث الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، تعليقا على البدء في محاكمة العشرات من أبناء الطائفة البهائية في اليمن “مرة أخرى، نشهد تهما ملفقة وإجراءات غير عادلة بشكل صارخ تستخدم لاضطهاد البهائيين اليمنيين بسبب إيمانهم. ومن المثير للاشمئزاز بشكل خاص أن بعض هؤلاء الرجال والنساء قد يواجهون عقوبة الإعدام بسبب معتقداتهم وأنشطتهم السلمية”.

وأضافت “اتُهمت المجموعة، التي تضم فتاة قاصرا، بارتكاب جرائم خطيرة مختلفة بما في ذلك التجسس لدول أجنبية، وبعضها يمكن أن يحمل عقوبة الإعدام. يجب على السلطات الحوثية إسقاط هذه التهم الزائفة، والإفراج عن المعتقلين المتعسف بهم، وإنهاء إساءة استخدامهم لنظام العدالة لمعاقبة حرية الاعتقاد وملاحقة الناشطين السياسيين والصحافيين والناشطين والبهائيين والأقليات الأخرى”.