في عيدها العالمي

المرأة اللحجية أنموذجٌ حيٌ  للكفاح والشجاعة

علياء مواطنية لحجية تبيع الخبز لإعالة اسرتها

شيماء باسيد (لحج)

تحتفل  اليوم  الثامن من مارس 2017م  المرأة في كافة أنحاء العالم  بيومها العالمي  ,  هذا الإحتفال العالمي الذي يأتي  للدلالة على إحترام المرأة وتقديرا لمكانتها وجهودها في المجتمع. والذي يتم الإحتفاء به بالانجازات المختلفة للمرأة ونضالها المستمر للمطالبة بحقوقها  كإنسان في مختلف البلدان حول العالم , في لحج  جسدت المرأة منذ سنوات  مثال  يُحتذى للحياة رغم كل أساليب  القمع والتهميش  لها دون مراعاة لحريتها  المكفولة وإنسانيتها المقدسة .

تعاني المرأة هنا كثيرا لإثبات ذاتها في مجتمع  يمارس ذكوريته بشكل  ظالم  ضدها رغم أنها تشكل حاليا  وتتبنى دور مهم  , فهي تتحمل مسؤوليات وأعباء الحياة اليومية تماما كالرجل بل وتؤديها داخل البيت وخارجه , ويكفيها شرفا  بوجود نماذج كثيرة جدا   لنساء يفتحن بيوت بشجاعة ويصرفن على أسرهن بمنتهى المسؤولية .

في الحرب الأخيرة  مارس2015م  ضربت نساء لحج أروع الأمثلة في الوطنية والشجاعة والتضحية , فقدمن أزواجهن وأبنائهن وأخوتهن  شهداء  , لا بل عديد  أمثلة نعرفها لنساء سقطن في تلك الحرب وللذاكرة اللحجية أن تنقشهن فيها  عبر الأجيال , فهن مناضلات بالفطرة منذ حقبة الإستعمار  حتى اللحظة كما تحملن تباعات الحرب الإقتصادية الصعبة من نزوح  وصرفيات يومية في ظل وضع إقتصادي خانق , ساعدن فيه أزواجهن والأهل ولازلن للأن في أزمة تأخير رواتب الموظفين  نساء كثيرات أمتهن حرف وخرجن للعمل الخاص , ومثلهن من يقتدى ويُحتذى به على الإطلاق .

 

من قصص النضال والكفاح في الحياة في حوطة لحج  قصة كوكب عبدالله ناصر من قرية المحلة , أو كما يطلق عليها ( ماما كوكب)  من قبل كل الطلاب ذوي الإحتياجات  الخاصة  في جمعية الصم والبكم  في لحج . كوكب ومن خلال  عملها في قطاع الصحة كممرضة وهذه  المهنة الإنسانية السامية فجّرت لديها طاقات تُثبت  للجميع أن إيمان  المرأة بقضايا  الإنسان وحقوقه  يُحدث الأثر البالغ  في التأثير والتغيير  وليس محليا وحسب.

كوكب قامت بتأسيس  هذه الجمعية في العام 2006م  في ظل ظروف  مادية ومجتمعية صعبة , لاتزال  تكافح هي وطاقمها الإداري  ببراعة فمؤخرا  توقفت الدراسة في الجمعية  لمدة اسبوعين   بسبب عدم توفر أجرة لسائقي الباصات  ناهيك عن تبعات إيجار المبنى ورواتب لاتذكر للمعلمات  . الجمعية تضم حوالي 72 طالب من التمهيدي للثانوية ناهيك عن طاقم المعلمات  وعددهن 16  معلمة مؤهلة في لغة الإشارة يُدرسن  مختلف المواد  ومن ضمنها اللغة الإنجليزية أيضا بالإضافة إلى الكادر الإداري  المتبقي .

وعن  معايدتها  للمرأة اللحجية في اليوم  العالمي  تقول كوكب:  "  في يوم المرأة العالمي رسالتي  للمرأة في لحج أن تكون قوية في وجه كل الظروف مهما كانت وأن تؤمن  بقضيتها وفقط , هذا الإيمان  القوي كفيل بتغيير كل شيء ".

أما بالنسبة للمجتمع  وتحدياته تتحدث  كوكب  عن النظرة القاصرة للمرأة  وبأنها ليست قوية كفاية  لجعل الحاضر مكان يليق بالعيش  وجعل المستقبل أفضل  كما  أنها وفي مجالها هذا بالتحديد  تعاني  من قصور في  النظرة  لطلابها ذوي الإحتياجات الخاصة  فلا زالوا فئة مهمشة في مجتمع  لايكترث بالنظر لهم وإن نظر لهم يوما فهذه  النظرة ممتلئة بشعور بالنقص وبأنهم لايستطيعون إنجاز شيء كغيرهم من الأسوياء رغم أن لديهم مواهب وطاقات مهولة ومميزة جدا رغم قلة الإمكانيات التي  ستساعدهم إن توفرت على تفجير طاقات كامنة لكن  للأسف  يتم التعامل معهم على اساس أنهم عبء على المجتمع والذي يتم أيضا تهميش انسانه بشكل عام ناهيك عن هذه الفئة .

وعن أحلامها تقول:  " أرى المستقبل جميل ومشرق  رغم كل التحديات التي أواجها اليوم  وأحلم أن تحضى الجمعية بمبنى خاص كما يحلم به الطلاب أنفسهم ويكون مؤهل بكل الوسائل التعليمية والترفيهية وأحدث الأساليب في التعامل مع الصم والبكم , نحن صنعنا شيء قوي ومتين من لاشيء  وهذا الحلم  سنصمد  جميعا هنا في الجمعية لنراه على أرض الواقع مستقبلا" .

 

 

 

 

 

أنموذج آخر في الصبر والكفاح  في مدينة الحوطة  الحجّة علياء أحمد  وهي  مطلقة في العقد الخامس من العمر ,  لديها أربع بنات وولد ,  تنهض كل يوم في الرابعة فجرا  لتخبز ( الكدر) ثم تخرج  في الثامنة إلى الثامنة والنصف وتفترش ركن لها في الشارع  لتبيعه حتى الثانية عشر ظهرا وتضطر لأوقات أن تنتظر الى الثانية مابعد الظهر لتبيع أقراصها من ذلك الخبز الشعبي  وأحيانا لاتتمكن من بيعه كاملا فتعود بما تبقى إلى البيت .  عن كفاحها في هذا  العمل تحت أشعة الشمس تقول الحجة علياء : ظروف المعيشة الصعبة هي من أجبرتني على الخروج  للبيع  وكنت قد  أخذت المهنة عن والدتي التي ربتنا من بيع الكدر وأفتخر أني ربيت بناتي الأربع وولدي الوحيد وزوجتهم  كذلك  من هذا الدخل البسيط الذي يبارك الله  فيه  مع كل إصرار وصبر لكسب  الرزق الحلال .

وعن رسالتها للمرأة اللحجية تحدثت  عن ضرورة الإعتماد على النفس وكسر حاجز الخوف والتحرج من الناس والتعويل على ما سيقولون وما سيظنون عنها. واضافت : " اخرجوا للبيع والعمل الشريف أيّ كان واعتمدوا على أنفسكن في تربية أطفالكم  ولا تخافوا أحد ما دمتن متوكلات على الله تعالى " .

 

 

 إمرأة مكافحة وشجاعة أخرى وهي جمعة سلمان سالم عمر  عسكرية متقاعدة في الشرطة برتبة مساعد  , تسكن حارة ( الحاو)  لديها بنتين وولدين , خدمت في المجال الأمني  لمدة ثلاثين عام , وهي الأن تعمل في فرزة لحج  منذ حوالي 12 سنة مضت . تنهض مبكرا كل يوم  لتكون منذ الأذان الأول للفجر في الفرزة حتى الظهر وتستلم  مقابل عملها  ( ككراني)  مبلغ عشرة ألف ريال شهريا لكنها انقطعت عنها قسرا منذ ثلاث سنوات وهي تعمل  دون راتب من النقابة وتكتفي حاليا بما تتحصل عليه من أجر زهيد  من سائقي الباصات .

الحديث مع الحجة ( جمعة) ذو شجون حين استعادت ذكرياتها  أيام زمان خصوصا أثناء فترة حكم الرئيس سالمين وتتذكر أنها عملت ككراني أيضا في تلك الفترة وعملت في المليشيات وكانت سائقة لحراثة زراعية ولكنها كانت في  مجتمع كما قالت عنه  أكثر احتراما للمرأة ومشجعا لها وليس كما هو الحال عليه الآن .وعما تتعرض له المرأة في المواصلات  تقول : لقد تدخلت في العديد  من حالات التحرش بالنساء  في الباصات وللأسف  كانت المرأة تمشي سفور ولها احترامها ومكانتها الأن  كلها تتغطى  لكنها لاتزال تتعرض لانتهاكات وحين تتعرض لها ايضا  لاينصفها أحد.

 

 

العمل  في الفرزة ليس بالسهل على الإطلاق  خصوصا بالنسبة لإمراءة في مجتمع  منغلق ونظرته  لم تزل قاصرة ضدها  بشكل عام وأيضا حين يتعلق الأمر بعملها في بيئة  تعج  بالرجال ويغلب  على طبيعة العمل فيها العشوائية  والصراخ والبلطجة  وهذا ما تراه  بعينيك  حين تكون  راكب عادي  في باص أجرة وتلك الدقائق  التي  تنتظرها  حتى يكتمل عدد  الركاب ويتم دفع الأجرة  جميعا كفيلة أن تخرج  عن طوعك  لعديد ممارسات  تراها حولك  في الفرزة  فكيف  بما تستطيع إمرأة تحمله هناك , لكن الحجة جمعة قوية وشجاعة وأثبتت وجودها وبقوة في هذا المكان والتي قالت  أن الجميع هنا يعاملها كأم وهي فخورة بنفسها ومرتاحة جدا بعملها وقانعة بما تتحصل عليه من أجر يومي وتحمد الله عليه كل ليلة  . الحجة جمعة تعود إلى منزلها لتطبخ طعام الغذاء بنفسها  وتقوم بأعمال المنزل المختلفة كما أنها تقوم بتربية أحفادها وتصرف عليهم مجسدة بروتينها اليومي هذا مثال حي  لقوة المرأة وتحملها  بجدارة كل المسؤوليات داخل البيت وخارجه .سألتها  عما تتمناه  فأجابت :  "  في مجال عملي اليومي أتمنى أن يتم  تنظيم الفرزة من قبل رجال النقابة والأمن  لأنني  تعبت كثيرا  من كثرة الصراخ ومحاولة ترتيب وتنظيم  سير الباصات وللأسف لا أحد من الرجال   يساعدني في ذلك " .

 

إمرأة لحجية أخرى أشهر من نار على علم في عالم الفن والمسرح إنها الفنانة القديرة لول نصيب هي من مواليد العام 1958م , تسكن حارة الجامع  في مدينة الحوطة , لديها دبلوم في المسرح  وكانت بداياتها الأولى في  احتفالات  المدرسة في أعياد الأم حين كانت في المرحلة الإبتدائية ,  لول نصيب  من أشهر رواد المسرح في لحج التي قدمت الكثير , وهي تمتلك مواهب متعددة في التمثيل , الرقص, الغناء, والتأليف وأهم  الأعمدة الفنية التي لاتزال بين جنباتنا من الرواد  الأوائل في حين تخسر لحج كوادرها بين فترة وأخرى من مثقفين وأدباء وفنانين  يموتون بصمت وإهمال  مجتمعي ورسمي .

 

 الحديث  مع لول  نصيب  لايٌمل تظهر فيها وببراعة ثقافة الفنانة اللحجية ومعلوماتها التوثيقية القيمة لتاريخ  لحج  الفني والممتد عبر سنوات  طويلة  للأسف ذلك التاريخ  الحافل بالضوء تم اغراقه عمدا بالظلام منذ العقدين الماضيين .  تتحدث لول عن انحسار المرأة فنيا  لابل مجتمعيا حتى عن المشهد في لحج  الذي يتنازعه الرجل رغم  تقلبات المجتمع والظروف الإقتصادية الصعبة والتي حملت المرأة مسؤليات أكبر منها , ناهيك عن الموهوبات اللواتي  لايجدن من يدعم مواهبهن  على عكس ما حظي به الرواد الأوائل في ذلك الزمن من دعم وتشجيع من الأشخاص الذين امنوا بأهمية الفن تلك الفترة ودعموه بالكثير من المال والجهد والوقت وكذلك دعم الدولة الذي ساعد الكثيرات  للظهور للأسف تراجعت لحج وانحسرت فنيا واحبطت مواهبها بسبب اتفادها لذلك .

عن رسالتها للمرأة اللحجية في عيدها العالمي تقول لول :  "  أحب أن أهنىء المرأة اللحجية  المكافحة , الصبورة , والصامدة والتي لازالت واقفة رغم كل الصعاب والمحن التي واجهتها ولازالت تواجهها متمنية لها الخروج منها   , كما أهنىء المرأة اللحجية الموهوبة بملكاتها المختلفة ثقافية , فنية , أدبية أو رياضية وأقول لها سيري إلى الأمام واستغلي كل فرصة متوفرة للنجاح ولا تتركي أي قيود تعرقلك " .

 

هكذا  تبقى المرأة في لحج ملهمة جدا بصمودها وشجاعتها وايمانها بحقوقها , ملهمة بمثابرتها في الدراسة والعمل والطموح وتربية أطفالها وتحمل أعباء الحياة وحل مشكلاتها .

المرأة بشكل عام وفي لحج  على وجه الخصوص عليها  أن تفهم  أنها ليست معطى بيولوجي يتم النظرة والتعامل معه على هذا الأساس بل هي أبعد وأعمق وأشد أهمية من هذا التأطير المجحف بحقها , عليها أن تؤمن وبشدة أنها اللبنة الإجتماعية الأولى والأساسية  لبناء المجتمع وتطويره وتعيش حياتها على ذلك . وكل عام ونساء لحج والعالم أجمع بخير وحب وسلام وشجاعة .