صفقة تحقق مطالب إسرائيل..

تقرير: لماذا قد تتنازل إيران عن سوريا لصالح روسيا؟

موسكو لا تزال تحدد الخيارات الإستراتيجية الأساسية في دمشق

أحمد نمر

يحاول نظام الملالي في إيران، منذ تطبيق الجزء الثاني من العقوبات الأمريكية على طهران، مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، البحث عن دعم حقيقي من حلفائه في العالم؛ للخروج من مأزق الأزمة الاقتصادية، خوفًا من سقوطه وخسارة السلطة، في ظل استمرار المظاهرات والاحتجاجات الداخلية على الأوضاع المعيشية والفساد المستشري في الحكومة.

ورغم أن إيران ترى في روسيا حليفتها الأولى، خصوصًا مع اشتراك المصالح التي تربط البلدين في سوريا، إلا أن موسكو تنظر إلى هذا الأمر من منحنى آخر تمامًا، إذ تعتبره تحالفًا مؤقتًا لا يندرج تحت التحالفات الإستراتيجية ذات المدى الطويل، لأنه يخدم مصالح الطرفين في قضية واحدة، هي سوريا.

هذه النظرة الروسية في تحالفها مع إيران، أشار لها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، حين اعترف مؤخرًا بوجود خلافات بين بلده وروسيا، فيما يتعلق بالأزمة السورية، لكنه زعم أن “لا خلاف حول شكل الوجود الإيراني في سوريا”. كما تطرقت صحيفة “لوموند” الفرنسية إلى ضعف هذا التحالف عبر مقال تحت عنوان “روسيا صديق مرهق لإيران”، إذ لفتت إلى أن موسكو لا تزال تحدد الخيارات الإستراتيجية الأساسية في دمشق، دون وجود آلية تعاون رسمية مع طهران على الجانب العسكري. أما من وجهة النظر الاقتصادية، فتنافست الشركات الروسية في سبتمبر/أيلول الماضي، مع منافسيها الإيرانيين في معرض دمشق لإعادة الإعمار، مشيرة -أي لوموند- في الوقت ذاته إلى أنه على الرغم من تجاهل إيران في القمة الرباعية، الشهر الماضي، بين قادة ألمانيا وفرنسا وروسيا وتركيا في إسطنبول لبحث الأزمة السورية، فإن السلطات الإيرانية مستعدة لاستيعاب هذه الاختلافات، ليس تفضلًا بل يأسًا، بعد إقصائها من أي حل سياسي في مستقبل سوريا.

ومن جهتها، تعتبر الصحف الإيرانية أن موسكو لم تقف بجانب حليفتها الإستراتيجية طهران بالضغط على الولايات المتحدة، أو إيجاد حلول بديلة لإنقاذها، أو حتى تمسكها بالاتفاق، الأمر الذي جعل النظام الإيراني يشعر باليأس. واعترف صحفيو النظام الإيراني أن موسكو تخلت عنهم في سوريا، الأمر الذي أكده الصحفي الإيراني سعد الله ضريع، المقرب من قوات الحرس الثوري الإيراني، في مقاله: “نأسف لفقدان نفوذنا في سوريا لصالح موسكو، وعلى الرغم من ذلك يمكننا أن نثق ببوتين، التجربة السورية أظهرت ذلك”.

وكأي تحالف مبني على المصلحة المؤقتة، فلا بد أن ينتهي بانتهاء المنفعة، أو يتم عقد صفقة جديدة بأهداف أخرى محددة، وهنا جاء التحرك الروسي الإيراني للتوجه إلى اتفاق جديد يمكن أن يخدم الطرفين، فمن جهة إيران يكمن هم نظامها بالبقاء في السلطة وتجاوز العقوبات الأمريكية التي ستكون سببًا رئيسًا في انهياره السريع، ولا تملك طهران ورقة للتفاوض مع موسكو إلا عن طريق الملف السوري ونفوذها فيه، وهو الأمر الذي تعتبره موسكو فرصة لكسب الحصة الأكبر من المكاسب في سوريا، وهذا الاتفاق الجديد يثبته الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعرضه صفقة على إسرائيل والولايات المتحدة تقوم بموجبها إيران بإبعاد قواتها من سوريا، مقابل تخفيف العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران، إذ كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن العرض خلال جلسة مغلقة للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست الإثنين الماضي، بحسب ما ذكرته أخبار القناة العاشرة الإسرائيلية.

والغريب في الأمر أن هذه الصفة جاءت وسط توترات مستمرة بين إسرائيل وروسيا حول إسقاط طائرة عسكرية روسية من قبل الدفاعات الجوية السورية، خلال غارة إسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا في سبتمبر/أيلول الماضي، وتأكيد روسيا مرارًا على أنها لا تستطيع إجبار إيران ووكلائها على الانسحاب من سوريا بالكامل، رغم إصرار إسرائيل على عدم السماح لتواجد القوات الإيرانية في أي مكان في البلد الذي مزقته الحرب.

وبهذا، يمكن الجزم أن الاتفاق الروسي – الإيراني تم، وأن حكومة طهران حققت مطالب إسرائيل باستغنائها عن تواجدها في سوريا لصالح موسكو، مقابل الحفاظ على نظامها بتخفيف العقوبات الأمريكية عليها، مما يمكنها من الاستمرار في الحكم وتجنب انهيارها مع توسع الاحتجاجات والمظاهرات الداخلية.
المصدر