الضغط على الرياض..

تقرير: قمة الـ20 هل أصبحت خيبة أمل لأنقرة

خيبة أمل تركية

أنقرة

عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يحاول جلب الأضواء لقضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي مطلع أكتوبر الماضي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، بعد تراجعها الواضح في سلّم الاهتمام الدولي وفقدها الزخم الذي اكتسبته بادئ الأمر بفعل الضجيج الإعلامي الكثيف الذي أثير حولها.

وطالب أردوغان السعودية بتسليم أنقرة المشتبه بهم في مقتل خاشقجي، الأمر الذي اعتبره مراقبون انعكاسا لرغبة الرئيس التركي في التصعيد مجدّدا ضدّ ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان الذي أظهرت جولته الإقليمية ومشاركته الأخيرة في قمّة مجموعة العشرين بالأرجنتين ولقاءاته بعدد من كبار القادة والمسؤولين، أنّه بمنأى عن العزلة الدولية التي أرادت كل من الدوحة وأنقرة فرضها عليه، عبر الزج باسمه في قضية مقتل الصحافي.

وتحقّق السلطات السعودية مع واحد وعشرين شخصا موقوفين على ذمّة القضيّة، بينما وجه النائب العام السعودي الاتهام إلى أحد عشر فردا من بينهم، وطلب عقوبة الإعدام لخمسة منهم، لتأخذ القضية بذلك مجراها القانوني والقضائي بعيدا عن المجرى السياسي الذي بدا أن أنقرة تريد بالتعاون مع الدوحة توجيهها نحوه، رغبة في الضغط على الرياض ومساومتها على ملفات أخرى غير متصلة بمقتل خاشقجي.

وعلّق مراقبون على الطلب التركي بتسليم السعودية لمواطنيها بأنّه “مطلب تعجيزي تدرك أنقرة استحالة استجابة الرياض له، لكّنها تريد من خلاله تجديد الضجّة حول مقتل الصحافي، بعد أن استنفدت الوسائل الضرورية لذلك وعلى رأسها عملية التسريب بجرعات محسوبة للمعلومات بشأن تفاصيل الجريمة”.

وكان لافتا عودة أردوغان نفسه إلى التفاصيل الدقيقة بحادثة مقتل الصحافي، والتي كانت قد صنعت مادّة إعلامية “مشوّقة ومثيرة للرأي العام”، ساهمت في انتشار أخبار الجريمة على أوسع نطاق.

مشاركة ولي العهد السعودي في قمة العشرين بينت أن بلاده بمنأى عن شبح العزلة التي أرادت أنقرة والدوحة فرضها عليها

وقال الرئيس التركي في مؤتمر صحافي على هامش قمّة مجموعة العشرين ببوينس آيرس، إنّ لديه أدلة على أن خاشقجي قتل في 7.5 دقيقة وإنه قدم تلك الأدلة لكل الدول التي طلبتها، لكّنه كشف في الوقت نفسه عن رغبة أنقرة في تدويل القضية بالقول إن مقتل الصحافي السعودي “لم يكن فقط مشكلة بالنسبة لتركيا بل للعالم بأسره”.

واعتبر أردوغان أن “محاكمة هؤلاء الأشخاص (المتهمين بمقتل خاشقجي) في تركيا أمر أساسي من أجل الرد على أي تساؤلات قد تكون لدى الأسرة الدولية”.

وأضاف “يجب الكشف عمن أمر بهذه الجريمة ومن نفذها.. ولن يرضى العالم الإسلامي قبل أن يتم كشف مرتكبي الجريمة”.كما اتّهم الرياض برفضها مساعدة المدعين الأتراك بتقديم معلومات عن مكان جثة الصحافي القتيل.

وبحسب مراقبين فقد كشف وجود ولي العهد السعودي في قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس أنّه وبلاده بمنأى عن شبح العزلة، وذلك بلقائه قادة غربيين وإبرامه اتفاقا حول النفط مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

كما ناقش الأمير محمّد بن سلمان قضايا الاستثمار والشراكات الاقتصادية مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جين بينغ.

ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة “شينخوا” عن شي قوله إنّ بكين “تدعم السعودية بقوة في مسعاها لتنويع الاقتصاد والإصلاح الاجتماعي وستواصل التكاتف مع الرياض في القضايا المتعلقة بمصالحهما الأساسية”.

والتقى ولي العهد السعودي أيضا خلال قمّة العشرين كلا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي. كما جمعه لقاء مقتضب بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، بينما التقى وزير الخارجية مايك بومبيو بنظيره السعودي عادل الجبير ودافع عن حيوية علاقة بلاده بالمملكة، نافيا في تصريح صحافي وجود أي دليل مباشر يربط بين شخص ولي العهد السعودي وجريمة قتل الصحافي خاشقجي.

وشكّل مجمل تلك الاتصالات والمحادثات التي أجراها ولي العهد السعودي في القمة خيبة أمل لتركيا وللرئيس أردوغان الذي لم ينجح رغم الجهود السياسية والإعلامية لكل من تركيا وقطر في فرض قضية خاشقجي بشكل رئيسي على أجندة قمة بوينس آيرس، وخصوصا على القادة الذين حضروها والتقوا ولي العهد السعودي خلالها.

وتابعت أنقرة باهتمام طريقة تعاطي القادة مع قضية جاشقجي في قمّة العشرين، لكنّها لم تلمس ما كانت تطمح إليه من ضغوط دولية على السعودية. وهو ما عبّر عنه الرئيس أردوغان ذاته حين قال إنّ “واحدا فقط من قادة الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، هو رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أثار قضية قتل خاشقجي خلال انعقاد القمة”.

غير أنّ مراقبين قالوا إن ترودو في حديثه مع ولي العهد السعودي، حتى وإن تطرّق لمقتل الصحافي، كان يريد إعادة الجسور مع الرياض بعد الإجراءات الصارمة التي اتخذتها قبل أشهر ضدّ بلاده بسبب تدخّلها في شأن قضائي سعودي، وذلك حفاظا على مصالح اقتصادية لكندا.