السيطرة على البحر الأحمر..
تقرير: لماذا تريد إيران بناء قاعدة بحرية في اليمن
بيئة جنوب البحر الأحمر هي الأخطر من حيث التهديدات الأمنية وطبيعتها وتأثيراتها بشكل عام ومستوى تداعياتها على دول القرن الأفريقي والخليج العربي.
وللأسف تعد بيئة جنوب البحر الأحمر هي الأخطر من حيث التهديدات الأمنية وطبيعتها وتأثيراتها بشكل عام، ومستوى تداعياتها على دول القرن الأفريقي والخليج العربي معا، فالحروب الأهلية والصراعات العنيفة على السلطة، وانهيار مشروع الدولة الوطنية، والكوارث الطبيعية، والتنافس الدولي على الثروة والنفوذ، أسهمت في صياغة وتشكيل هذا الإقليم المضطرب، والممتد ليشمل ست دول عربية على شواطئ تبلغ 2100 كيلو متر.
وتكمن أهمية البحر الأحمر في أنه يشمل الدول التي تربط آسيا بالقرن الأفريقي والتي تتحكم على المدخل الجنوبي لهذا البحر، وعلى رأسها الصومال واليمن، وكذلك الدول المنتجة للبترول، في الخليج العربي إضافة إلى الدول الأوروبية وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية بل وكل الدول التي تمر تجارتها وبترولها عبر البحر الأحمر.
التهديدات الأمنية
وجاءت أول خطوة رسمية لتنفيذ تلك الإستراتيجية في عام 2009م، بعد انعقاد القمة الإيرانية - الجيبوتية بالعاصمة جيبوتي بين الرئيس الجيبوتي «إسماعيل عمر جيلا» ونظيره الإيراني «محمود أحمدي نجاد»، وهي القمة التي انتهت بتوقيع مذكرة تفاهم للتعاون المشترك، تضمنت الإعفاء من تأشيرات الدخول لمواطني البلدين، وبناء مراكز للتدريب، بالإضافة إلى منح البنك الإيراني قروضا للبنك المركزي الجيبوتي، وإنشاء لجنة مشتركة ومساهمة في عملية التنمية في جيبوتي، وتقديم منح دراسية للطلاب الجيبوتيين في جامعات طهران، وتقديم بعض المساعدات المالية وغيرها، ثم توالت الزيارات سواء من الرئيس الإيراني أم مسئولين بارزين إلى دول القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، مستغلين في المقام الأول الحالة الاقتصادية المتردية لدول القرن الأفريقي، والآن باتت سفن إيران الحربية ترسو في ميناء جيبوتي، بجانب كثرة التلميح ببناء قاعدة عسكرية بحرية إيرانية بجيبوتي، حيث يوفر وجود إيران بمنطقة القرن الأفريقي اكتساب نقاط إستراتيجية وعسكرية غاية الأهمية أبرزها:
ثانيا: كسر أي محاولة من محاولات فرض الحصار على إيران، ومد نفوذ سلاحها البحري إلى ما هو أبعد من الخليج العربي وبحر العرب.
الحرب في اليمن
إزاء تطور المواجهة العسكرية في اليمن وظهور ما يسمي الحرس الثوري الأفريقي في الصومال، فإن المخاوف من تمدد النفوذ الإيراني من المنصة الحوثية إلى أفريقيا قد تعززت، قياساً على توقعات امتداد مدى تأثير التدخل العسكري الإيراني في اليمن الآن لدول الخليج العربي لاحقاً.
مواجهة المخاطر
ثم تأتي القاعدة العسكرية الأمريكية «ليمونير» في جيبوتي، التي أنشئت عام 2007، والمسئولة عن العمليات والعلاقات العسكرية مع الدول الأفريقية، وبلغ تعداد قواتها ما يقرب من 4 آلاف جندي، وأصبحت مقرا لقوات «أفريكوم» في المنطقة، ومهمتها مراقبة المجال الجوي والبحري والبري للسودان وإريتريا والصومال وجيبوتي وكينيا، واليمن، هذا إلى جانب وجود قواعد يابانية وصينية، حيث يشير الاحتفال بالذكري الـ49 لإنشاء الجيش الصيني أخيراً في بكين إلى توجه صيني بعسكرة دوره حول العالم.
التهديدات الأمنية في الصومال
بعد فترة من الهدوء النسبي، عادت حركة شباب المجاهدين لتطفو مجدداً على سطح الأحداث في الصومال، وذلك بمعيار قوة التدمير وحجم الخسائر الناجمة عنها، الأمر الذي يحمل رسائل قوية لخصوم الحركة في الداخل والخارج، حيث تعبر هذه الهجمات الإرهابية عن الرغبة في قطع الطريق أمام استكمال إدارة الرئيس محمد عبد الله فرماجو جهودها، لتحقيق المصالحة الوطنية، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، خصوصاً بعد النجاح في تكوين عددٍ من الإدارات الإقليمية في: بونت لاند، وجوبا، وجنوب غرب البلاد، وإنشاء لجان لصياغة الدستور وضبط الحدود، وإعادة الإعمار، حيث تسعى حركة الشباب إلى سحب قوات الدول المشاركة في قوات أميصوم من الصومال، وهو ما أقدمت عليه بالفعل قوات سيراليون، بينما تقاوم قوات كل من كينيا وأوغندا، حيث تتمسك الحركة باعتبار أن قوات الاتحاد الأفريقي بمثابة قوات غازية تحمي حكومة عميلة ومرتدة، وهو ما يفضي إلى الحيلولة دون نشر قوات تابعة للأمم المتحدة في الصومال، بعد انسحاب بعثة (أميصوم) وكذلك تقويض النفوذ التركي في الصومال بوجه عام، وذلك عبر توجيه ضربة استباقية لإجهاض المساعي التركية لتأسيس جيش وطني منظم في البلاد.
السياسات الخليجية
أما في دولة جيبوتي فقد اتفقت الرياض وجيبوتي على انطلاق المنتدي الاقتصادي السعودي - الجيبوتي في مارس 2017، الذي جاء بعد أن قررت اللجنة السعودية الجيبوتية المُشتركة على تنفيذ 17 مشروعاً تنموياً في جيبوتي.
وفي ضوء تصاعد الدور الخليجي في البحر الأحمر، مع وجود تفاهمات مصرية - خليجية مؤسسة على مصالح مشتركة، تبدو اللحظة مناسبة لصياغة مبادرة عربية جديدة في منطقة القرن الأفريقي، تنطلق من بلورة منظومة شاملة للأمن في البحر الأحمر على أكبر قاعدة توافق عربي وإقليمي ودولي، تشمل الدول المشاطئة للبحر الأحمر، حيث لابد أن تأخذ بعين الاعتبار المصالح الدولية المؤسسة على التجارة العالمية المارة للبحر الأحمر، وأيضا الخط البحري لمبادرة الحزام والطريق الصينية والتي تمر بالبحر الأحمر انطلاقا من جنوبه وحتى شماله، ذلك إن بناء قاعدة مصالح مشتركة تبدو الطريق الصحيح لضمان أمنه خصوصا مع بوادر إنهاء الصراع في اليمن.