ضوء أخضر يمني لأنقرة..
تقرير: دور أمني لتركيا في عدن.. مطامع أم جسر عبور
قالت حكومة الرئيس اليمني الانتقالي عبدربه منصور هادي ان تركيا قدمت منحة مالية لليمن، بقيمة مائة مليون دولار امريكي، لما زعمت انه لتنفيذ مشاريع تنموية واغاثية في البلد الذي يشهد حربا افتعلها الموالون الحوثيون الموالون لإيران منذ مارس/ آذار 2015م، باجتياح الجنوب ومحاولة احتلال عدن العاصمة.
ويبدو الأمر مثيرا للاستغراب فتركيا التي تواجه أزمات اقتصادية وتهديدات أمريكية، تسعى عبر حكومة الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي التي يتحكم في إخوان اليمن، للبحث عن موطئ قدم في عدن العاصمة الجنوبية التي يرفض الجنوبيون أي دور لتحالف "ايران وقطر وتركيا" فيها، وهو التحالف الذي يقول جنوبيون انه يستهدف قضيتهم وعدالتها القائمة على حق استعادة دولة اليمن الجنوبية الشعبية المنقلب عليها بالحرب والاحتلال في صيف 1994م.
الرفض الجنوبي لأي دور تركي يستمد من كون أنقرة المتحالفة مع قطر وإيران تسعى الى تمكين الإخوان من السيطرة على عدن، والذي يعني إعادة احتلال تحالف سبعة يوليو الى الجنوب المحرر من الحوثيين.
ويرى الجنوبيون حزب الإخوان في اليمن، احد الأطراف اليمنية التي تحالفت مع نظام صالح في الحرب الأولى على الجنوب، ناهيك عن رفضهم للدور القطري المؤيد لما عرف بحرب الردة والانفصال والتي أجاز فيها الإخوان قتل الجنوبيين ونهب املاكهم بدعوى انهم ماركسيون وخارجون عن الدين الإسلامي.
وحمل نظام صالح الإخوان مسؤولية الاجتياح العسكري للجنوب باعتبارهم من أصدر الفتوى، الا ان الإخوان يبررون ذلك بانهم كانوا أدوات بيد النظام اليمني المنقل على مشروع الوحدة السلمي.
ويرفض هادي الذي كان جزءا من تحالف سبعة يوليو، أي حلول لقضية الجنوب، ناهيك عن رفض الإخوان إلغاء تلك الفتوى التي يقول جنوبيون انها لا تزال سارية المفعول الى اليوم.
وبعيدا المطامع التركية التوسعية في المنطقة، يحاول الإخوان استغلال تركيا في إعادة فرض وجودهم في الجنوب وخاصة في العاصمة عدن، ويرون ان ذلك لن يتحقق الا من البوابة التركية، حيث سارعت الحكومة اليمنية التي يتحكم فيها الإخوان الى الحديث عن دعم تركي لليمن، على الرغم من ان انقرة تعاني من ازمة اقتصادية كبيرة.
وعلى الرغم من ان تركيا تواجه أزمة مالية خانقة، من خلال الدعم القطري، فكيف لدولة تعاني من ازمة مالية خانقة وتطلب من حلفائه الدعم ان تقدم دعما ماليا لبلد أخرى.
وقالت وكالة سبأ الرسمية التي يشرف عليها موالون لقطر ان "الحكومة التركية يوم الخميس، تقديم منحة مالية للحكومة اليمنية بمبلغ 100 مليون دولار، لتنفيذ عدد من المشاريع التنموية والإغاثية في اليمن".
وضاعفت سلطات تركيا من تحركاتها باتجاه اليمن وعبر بوابة السلطات الحكومية الرسمية؛ بصيغة غلب عليها الطابع الأمني خلال زيارات ثلاث (رسمية) في بضعة أسابيع، والأخيرة بتمثيل رفيع على رأسه نائب وزير الداخلية، الاثنين 14 يناير 2019.
وتدافعت موجات الحراك التركي جهة اليمن (النازف) بمعطيات؛ تأطرت أمنيا واستخباراتيا أولا، ثم تاليا، وبعد انتقادات سلطت في الإعلام على الطابع الأمني الصريح والاندفاعي؛ أعطت مؤشرا إلى تنويع الصيغة الاستهدافية عبر آليات ومنح في التعليم العالي والخدمات العلاجية ودعم مشاريع خدمية.
وتقول تقارير إخبارية يمنية انه لوقت طويل، وخلال السنوات الأربع الماضية على الأقل بصورة أكثر تركيزا، وجدت حكومة رجب أردوغان وحزب العدالة والتنمية صعوبة في التعاطي مع اليمن والحالة اليمنية بمعزل عن الاعتبارات الإيديولوجية واصطفافات زمن ما بعد الربيع العربي العارم والعامر بالفوضى.
ولا تؤخذ تحركاتها مؤخرا بمعزل عن الحسابات والحساسيات على صلة، لتأخذ مبادرة بعيدة نوعا ما عن الهواجس الأمنية والسياسية، لكنها تبقي على الغموض الموقفي، حيث الإخوان وقطر يستكملون مع أنقرة مثلثا محوريا بدا في موقف يراكم العدائية تجاه مراكز فاعلة وعواصم وازنة في الخليج ومصر وتزايد التباعد وما هو أكثر من الجفاء بعد انتظام التحالف العربي في اليمن والأزمة مع قطر.
حساسيات مفرطة تعاني منها الحالة اليمنية؛ إزاء التدخلات والتداخلات، بين السياسي والأمني والأيديولوجي، في ظروف سيئة للغاية باتت مثالا للاستقطاب وتسللات اللاعبين الإقليميين المتنافسين خصوصا أولئك الذين ليسوا على جانب حسن من التموضع السياسي والمرحلي من التحالف العربي وقطبيه الخليجيين المنخرطين بصورة جادة في حرب استعادة الشرعية اليمنية ودعمها.
ومما يبدو واضحا هو ان حلفاء قطر في اليمن يسعون من خلال الحليف التركيا الى التمكن من الجنوب المحرر والحصول على موطئ نفوذ في المنطقة، وهو ما قد يعني ان انقرة قد تكون جسر عبور لدور قطري قادم في اليمن.
وتخوض قطر حربا في اليمن الى جانب تحالف إيران، نكاية بجيرانها الذين أعلنوا مقاطعة الدوحة على خليفة تورطها في دعم الجماعات الإرهابية والتحالف مع إيران، قبل ان تعلن قطر ذلك بصراحة.
ويراهن صقور إخوان اليمن على التحالفات المضادة لمواجهة التحالف العربي الذي يحارب الحوثيين والتنظيمات الإرهابية التي تؤكد تقارير دولية إلى تورط الدوحة في دعمها.
ويبدو ان الحكومة اليمنية الانتقالية قد منحت انقرة ضوء أخضر، فالاستقبال الحكومي لوفد تركي في عدن، يوحي بان الحكومة اليمنية تسعى من خلال ذلك الى ابتزاز التحالف العربي من جهة وفرض مشاريع قد لا تتوافق والمشروع العربي الكبير الذي جاء التحالف العربي الى اليمن لإعادة احيائه.
تقول قناة الجزيرة القطرية عن الدور التركي في عدن وزيارة وفد من وزارة الداخلية وأجهزة المخابرات إن "الزيارة كانت تركز بصورة أساسية على الدور الإغاثي التركي في اليمن، خصوصا وأن المنظمات الإغاثية التركية تابعة لوزارة الداخلية التركية، لكن هذا يؤسس لدور تركي جديد بعد برود العلاقة بين البلدين".
مما يؤكد وجود ضوء اخضر لأنقرة في عدن، هو ما كشف عنه مسؤول في حكومة معين عبدالملك لقناة الجزيرة القطرية، حيث ذكر " أن المسؤولين الأتراك أكدوا أن زيارتهم لليمن جاءت بتوجيهات مباشرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأن لقاءهم برئيس الحكومة اليمنية انتهى بتفاهمات بوجود فريق تركي في اليمن لدراسة ورصد الجوانب الإنسانية".
وأكد المسؤول اليمني "أن الدور التركي في اليمن سوف يتعاظم في سياق إحداث حالة من التوازن تخدم المصالح اليمنية بدرجة أساسية، للحفاظ على اليمن موحدا ومستقرا".
ولكن أكثر ما يمكن ان تعمله أنقرة في عدن هو افساح المجال امام الدوحة المعزولة خليجيا والتي تم اعفاء مشاركتها ضمن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.
وهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حليفة بلاده تركيا بتدمير اقتصاده ان هي فكرت في محاربة حلفاء واشنطن في محاربة الإرهاب في شمال سوريا.
وأعلنت وكالات أنباء دولية عن انهيار جديد للعملة التركية في اعقاب تغريدة للرئيس الأمريكي عن ثقته في تدمير اقتصاد انقرة ان هي حاربت حلفاء واشنطن في مكافحة الإرهاب.