رواية ألكس هالي..
الرواية والهوية

رواية ألكس هالي قد "غيّرت" أميركا

عندما ينفصل المرء عن الجغرافيا التي تلعثمت فيها طفولته وترعرع شبابه المبكر، ويدخل في فضاء جغرافيا جديدة، فإنه سرعان ما يدرك أن هذا الانفصال هو في الأغلب انفصالٌ فيزيائي وليس روحيا بأي معيار، ولقد تأكدت من هذا من طقوس استعادة تاريخ بعيد جدا قامت به رواية “جذور: قصة عائلة أميركية” للروائي الأميركي الجنسية والأفريقي التاريخ والأصول وهو ألكس هالي.
لقد اطلعت على هذه الرواية بعد أن قرأت عنها كثيرا من المراجعات التي تؤكد أنها تحفر عميقا في تاريخ عائلة هذا الروائي المنحدرة من أفريقيا والتي تم اختطافها من قبل الأوروبيين، في عام 1767، ونقلت إلى ولاية مريلاند الأميركية، وبيعت هناك في سوق العبيد.
عن هذه الرواية نال ألكس هالي جائزة بولتزر الشهيرة وبفضل ذلك ترجمت إلى ما يربو عن 37 لغة أجنبية. ويقال عن هذه الرواية إنها قد تمكّنت عن طريق السرد الفني للتاريخ وللحقائق المتصلة بتاريخ العبيد في الفضاءات الأوروبية/ الغربية من “تقصي جذوره” ودراما الاستعباد ونجحت بالتزامن في الكشف عن “قصة 39 مليونا من الأميركيين انحدروا من النسب الأفريقي” في ذلك الوقت.
يجمع النقاد على أن هذه الرواية قد أبرزت للأميركيين الأفارقة على نحو شديد الدرامية تراثهم الثقافي الغني والمسروق منهم وما تبقى منه من بقايا لا تزال تخاطب كل الأعراق حيثما توجد. هناك جملة مختصرة تعتبر في تقديري من بين أروع ما كُتب عن هذه الرواية وتقول هذه الجملة حرفيا إن رواية ألكس هالي قد “غيّرت” أميركا.
ولا شك أنه بفضل تخصص الدراسات الثقافية والإثنية تحولت هذه الرواية إلى شهادة إبداعية تدين الاستعباد وتنزع الغطاء عن دراما التاريخ الأفريقي الحزين والمؤلم جراء بطش وتشريد وتحقير الإنسان الأوروبي/الغربي الأبيض للشعوب الأفريقية، وأكثر من ذلك فإن رواية “جذور” قد أيقظت مختلف الأقليات العرقية والإثنية المهاجرة في أستراليا ونيوزيلندا وغيرهما من البلدان وجعلتها تبحث وتسأل عن جذور هوياتها وتقوم في آن واحد بإزاحة النقاب عن الانكسارات التي تعرضت لها عبر مسار التاريخ البشري.
ويستنتج النقاد من هذه الرواية أن الحضارة الأوروبية/ الحضارة الغربية التي تشكلت خلال قرنين من الحكم البرجوازي، ليست قادرة على أن تحل مشكلتين اثنتين صنعهما وجودها وهما مشكلة البروليتاريا والمشكلة الاستعمارية.
وبالفعل فإن البحث عن الهويات وعن الأصول الذي فجرته رواية “جذور” ليس مجرد ترف أركيولوجي بل هو بحث الإنسان عن تاريخه المسروق منه، وهكذا فإن رواية ألكس هالي، التي أسالت الكثير من الدموع وعصرت القلوب وأيقظت الحس التاريخي لدى المهاجرين والمقتلَعين من بيئاتهم الأولى إلى الأبد، قد لعبت دورا محوريا في بناء معمار النظرية القائلة إن الهويات الثقافية هي من صنع التاريخ بكل تعرجاته وآلامه وضحاياه.