تهديدات متلاحقة..
تحليل: مستقبل الأمن الإقليمي العربي للأزمة اليمنية
تعرضت المنطقة العربية للعديد من الأزمات الداخلية والخارجية التي شكلت بدورها ديناميكيات حركة التفاعلات في المنطقة؛ حيث تمثل المنطقة العربية أحد أهم المناطق التي يمتد التأثيرات داخلها إلى معظم دول العالم.
كما تعد معضلة غياب الأمن والاستقرار أحد أهم السمات المميزة للواقع العربي، خاصة في ظل النزاعات المتزايدة التي تمثل أهم القضايا المطروحة والمحورية على اهتمامات المباحثات الإقليمية والدولية، وكذلك شغلت العديد من الباحثين ومراكز الفكر، بل ويصب اهتمام معظم صانعي القرار في العالم على ضرورة تحقيق الاستقرار والأمن في هذه المنطقة في ظل تصاعد الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية.
وعليه تزايد الأهتمام بدراسة أسباب تلك النزاعات في ظل الأحداث المتسارعة التي شهدتها المنطقة، في الفترة الأخيرة خاصة بعد أحداث الثورات العربية؛ حيث شهدت المنطقة تزايدًا مضطردًا في حجم ومستوى التهديدات الأمنية بعد حدوث حالة من الفراغ الاستراتيجي التي أصابت العديد من الدول العربية بداية من تونس مرورا بليبيا ومصر وسوريا واليمن، إلا أن الأخيرة مثلت أحد أهم المهددات الكبرى للأمن الإقليمي بعد استعصاء الأزمة اليمنية على الحل، وهذا ما جعل من الملف الأمني لليمن أيضًا، قضية محورية تتصل بالأمن والسلم الدوليين، وفيما يلي أبرز تلك التهديدات:
استقلال الجنوب
وتزثق تقارير اخبارية ما تشهده الساحة الداخلية اليمنية من صراعات واحتراب الأهلي الداخلي، خاصة فيما يتعلق بالصراع بين الفصائل اليمنية المسلحة، في ظل الدعوات الجنوبية بالرغبة في الاستقلال،
وهو ما يمثل تهديد لمستقبل ووحدة الأراضي اليمنية، هذا الصراع الممتد بجذوره إلى حقب تاريخية سابقة قبل توقيع اتفاق الوحدة بين البلدين الجارين الجنوبي والشمالي.
ولعل سيطرة جماعة الحوثي الإرهابية على العديد من المناطق، كان له الأثر الكبير على تصاعد تلك المطالبات؛ حيث تشهد اليمن حالة من الصراعات الداخلية، بعد أن قامت القوات الجنوبية بقيادة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي، بالإعلان عن رغبتها في الانفصال، وعلى الرغم من التواجد العسكري الكبير من جانب القوات الحكومية اليمنية إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور تلك الدعوات مجددًا، خاصة لما تتمتع به المنطقة من مكانة جيوسياسية بالغة الأهمية نظرًا لجوارها مع مضيق باب المندب الذي يمكن من خلاله التحكم في حركة الملاحة في هذا المنطقة.
كما توالت أعمال التصعيد من جانب الحراك الجنوبي بعدما أعلن الزبيدي عدم التزامه بمخرجات الحوار الوطني الشامل في مارس 2013م، ويناير 2014م، عوضا عن نجاح الزبيدي في إحكام السيطرة الكاملة على المدينة الجنوبية بعد سيطرة الانفصاليين الميداني في جنوب اليمن وسيطرتهم على عدن، عاصمة الحكومة بحكم الامر الواقع، مما يكشف النقاب عن تصدعات العميقة وتبدل الولاءات في البلد الذي تعصف به الحرب.
إلى جانب مشكلة الجنوب، تشهد اليمن في شطرها الشمالي سيطرة كاملة من جانب الحوثيين مما يعزز من قدرتهم على بسط النفوذ تمهيدًا لترسيم هذه السيطرة الميدانية في كافة المفاوضات المتعلقة بالتسوية المقبلة، وهو ما يشكل تحديًا جديدًا يهدد وحدة اليمن ككيان واحد، والذي سينعكس بالضرورة على أمن المنطقة الإقليمي.
الجماعات الإرهابية
تنشأ الجماعات الإرهابية بشكل خاص في المناطق التي تتزايد بها النزاعات الداخلية، فغياب الأمن يعد أحهم العناصر المؤثرة في نشأة تلك الجماعات وتغلغلها، وبالإضافة إلى النزاع تتميز الطبيعة الجغرافية لليمن بالعديد من المميزات التي قد تستخدمها الجماعات الإرهابية في نشر أفكارها، بالإضافة إلى ذلك تشهد اليمن حالة من القبلية المتجذرة والتي يمكن أن تسهم بشكل أو بآخر في وجود هذه الجماعات.
ولعل الحرب الدائرة في اليمن وامتداها لسنوات متتالية دون توقف أسهمت في بروز العديد من التيارات الدينية المتشددة كالقاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة، كما أن سيطرة الحوثيين على العديد من المناطق والذين يقتربون أيديولوجيًا من الجماعات الشيعية ساهم بشكل كبير في وجود تلك الجماعات وانتشارها الواسع تحت مظلة مواجهة تيار الشيعة الرافضة.
حيث لا تزال الحركات السلفية المسلحة تشكل رقمًا بارزًا في الصراع المحتدم في مدينة عدن لمواجهة التمدد لحوثي، بيد أن حضورها الحالي، يقع ضمن معادلة متعددة الولاءات.
ولعل انتشار وتمدد هذه الجماعات أثار العديد من التساؤلات حول تموضع تلك الجماعات وخاصة في المناطق الجنوبية، مثل تنظيم القاعدة الذي يصنف ضمن أخطر الحركات الجهادية السلفية، وأبرزها إثارة للشواغل الأمنية، إقليميًا ودوليًا.
وعلى الرغم من توجيه العديد من الضربات العسكرية والميدانية لتلك التنظيمات، إلا أن تنظيم القاعدة على سبيل المثال أعاد تموضعه في المناطق الأكثر خطورة في العمق الصحراوي، وبجانب تنظيم القاعدة؛ ظهر تنظيم داعش الإرهابي في جنوب اليمن، خاصة في ظل الغموض حول وجود كيان مؤسسي له في اليمن، إلا أن ظهوره يتمحور حول القيام بالعمليات التفجيرية، والهجمات الإرهابية، التي كان أخرها، تنفيذ هجوم انتحاري، استهدف مقرًا أمنيًا، في حي خور مكسر، بمدينة عدن، في نوفمبر 2017م.
وعلى ضوء هذه المعطيات ليس من المستبعد أن تشهد اليمن تحولًا كبيرًا في حجم ونوعية العمليات سواء داخليًا أو خارجيًا، وإن كانت هذه العمليات تشهد انحصارًا في الوقت الحالي بعد مقتل زعيم تنظيم قاعدة اليمن ناصر الوحيشي في يونيو 2015؛ حيث تحاول التنظيمات تكوين تحالفات محلية تسمح لهم بإعادة انتشار العناصر الإرهابية وتنفيذ العمليات، ولا شك أن استمرار حالة النزاع اليمني سوف يلقي بظلاله على مستقبل تلك الجماعات المسلحة من حيث درجة التواجد والانتشار.
الأمن الإقليمي البحري
تحتل اليمن موقعًا استراتيجيًا بوقوعها علي معبر مائي يربط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر والمتوسط من خلال خليج عدن وباب المندب المؤدي إلي قناة السويس. لذا تلعب اليمن دورًا مهما فى الإسهام في تأمين الخطوط الملاحية العابرة من تلك المنطقة التي تشكل عصب الاقتصاد العالمي. حيث يمر 30% من النفط والغاز المستخرج من الخليج العربي إلي الأسواق العالمية، عبر منطقة باب المندب ومضيق عدن.
كما يعد مضيق باب المندب من أهم المضايق العالمية، وتزداد أهميته بفعل ارتباطه بقناة السويس وممر مضيق هرمز؛ حيث تمر من خلاله الصادرات الخليجية والمنتجات الواردة من شرق آسيا، ناهيك عن حاملات النفط. كما لم تنبع أهميته فقط من خلال التنافس الدولي بين الشرق والغرب.
وتتشابك هنا العديد من الدول فيما يتعلق بالسيطرة على المضيق خاصة إيران وجماعة الحوثيين في اليمن لما يمكن أن يستغلوه في تنفيذ أهداف داخلية وإقليمية؛ حيث هدد قائد فيلق القدس الجنرال «قاسم سليماني» بإغلاق مضيق باب المندب على خلفية استهداف ميليشيات الحوثي التابعة لإيران ناقلة نفط سعودية في البحر الأحمر، حيث تعرضت الناقلة لأضرار بسيطة كادت أن تتطور في أن يتعرض البحر الأحمر لكارثة بيئية، كما أعلنت طهران مسئوليتها عن الحادث، ردا على التهديدات الأمريكية الأخيرة، في المقابل أكد سليماني، أن البحر الأحمر لم يعد آمنا لحضور القوات الأمريكية. في السياق ذاته، لوح الرئيس الإيراني «حسن روحاني» في وقت سابق بإغلاق مضيق هرمز، ردا على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنع تصدير النفط الإيراني، ومن هنا ظهر الخطر الناجم عن التحكم في أهم المضايق العالمية.
الجدير بالذكر أن هذا الاستهداف ليس الأول من نوعه ففي يناير لعام ٢٠١٧، تعرضت ناقلة سعودية كانت تقوم بدورية قرب ميناء الحديدة غرب اليمن لهجوم مسلح من قبل نفس الجماعة، مما أسفر عن مقتل اثنين من طاقم السفينة وإصابة ثلاثة آخرين.
في حين أعلنت القوات الإماراتية الموجودة ضمن التحالف العربي في مايو ٢٠١٨، أنها تمكنت من تدمير زورقين كانا يهددان إحدى ناقلات النفط التجارية في البحر الأحمر، وتأتي أهمية هذا الممر أن من يسيطر عليه يمكنه من السيطرة على حركة الاقتصاد بين الدول، عوضا عن استغلاله كورقة ضغط في العديد من الملفات الإقليمية والدولية.
ومن ثم فإن مضيق باب المندب من الممرات الملاحية الدولية الذي يعد أحد اهم شرايين التحكم في العديد من مجريات الأحداث الداخلية والإقليمية والدولية اليمنية، وأن النزاع عليه سيؤدي بطبيعة الحال إلى تهديد أمن المنطقة العربية الإقليمي.
الأزمات الإنسانية
تشكل الأزمات الإنسانية في اليمن وهو في الأساس من أفقر دول العالم، أحد أهم نتائج هذا الصراع الذي نتج عنه تردي الأوضاع الإنسانية والمعيشية، وفي هذا الشأن أعلنت الأمم المتحدة انتشار مرض الكوليرا في مدينة الحديدة اليمنية بسبب التلوث الناجم عن قصف منشآت الصرف الصحي، فيما يعاني الشعب اليمني في مختلف أنحاء البلاد من تفشي أوبئة كالكوليرا والدفتريا بسبب نقص المساعدات وتضرر البنى التحتية نتيجة لاستهدافها في عمليات القصف خلال الحرب الدائرة هناك حتى الآن.
إن اليمن وفق تقارير الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية تشهد أسوأ أزمة إنسانية فى العالم، حيث يحتاج اثنان وعشرون مليون شخص (حوالي 75 في المائة من السكان) إلى شكل من أشكال المساعدة والحماية الإنسانية، بمن في ذلك 8.4 مليون شخص لا يعرفون من أين سيحصلون على وجبتهم القادمة، ونوهت إلى أن حوالي 28 ألف يمنى قتلوا أو أصيبوا منذ عام 2015، وأن الأمم المتحدة وثقت حوالي 9500 وفاة لمدنيين.
كما أصدر رؤساء منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي بيانا مشتركا قالت فيه: "نصدر معا نداء عاجلا آخر للتحالف للسماح بدخول الإمدادات المنقذة للحياة إلى اليمن لمواجهة ما يعد الآن أسوأ أزمة إنسانية في العالم. إن الإمدادات، التي تشمل أدوية ولقاحات ومواد غذائية، ضرورية للقضاء على المرض والجوع".
ومن ثم فإن استمرار الحرب اليمينة لن يؤدي إلى العديد من المشاكل الإنسانية في الداخل اليمني بل سينعكس على أمن المنطقة العربية في البعد الإنساني.
الصراعات الطائفية
تمثل الصراعات الطائفية في اليمن مرتكزا أساسيا لتهديد الأمن الإقليمي للمنطقة خاصة وأن هناك العديد من أطراف الصراع الداخلي يتبنون أجندات طائفية من شأنها تأجيج الصراعات الطائفية والاثنية في المنطقة.
وفي هذه المعادلة الطائفية تعد اليمن الحلقة الأضعف في الحزام الأمني الإقليمي؛ حيث يشكل المجتمع اليمني الهش بتركيبته الجهوية - المذهبية أساسا للاضطراب الاجتماعي والسياسي الذي تشهده صنعاء علي مر عقود. وتنعكس اضطرابات المشهد اليمني علي الأمن الإقليمي بشكل مباشر، وذلك تبعًا لطبيعة العلاقات العشائرية - المذهبية الممتدة بين اليمن ودول المنطقة.
إن المأزق اليمني وإن كان ينبع من داخل الحدود الوطنية الذي صنعته مسببات وعوامل داخلية، إلا أنه تفاقم بفعل الأبعاد الخارجية التي ساعدت في تفاقم حدة هذا الصراع، خاصة في ظل المساعي العديدة للعديد من الدول الإقليمية للتوغل في الداخل اليمني لتحقيق مصالحها.
إن دول الإقليم تخشى حدوث تفجر زائد للوضع باليمن،لأن شظاياه ستطال دول الجوار بمشاكل أمنية وجغرافية وسياسية وأعباء اجتماعية واقتصادية، كما أن الأمر قد يضرم العنف والتطرف الذي يتحاشاه العالم، ويطال تأثيره السلبي على حركة الملاحة البحرية الدولية، وهذه المعطيات ستكون لها تراكمات خطيرة على الأمن الإقليمي العربي.