سلاح الخبز لا يمكن مقاومته
التسوية السياسية في اليمن مؤجلة لعام 2017
يغادر العام 2016 مخلفا الكثير من الملفات العالقة في اليمن وعلى رأسها ملف التسوية السياسية الذي فشل المجتمع الدولي في تمريره نتيجة لعدة عوامل من أبرزها رهان جميع الأطراف على خيارات سياسية خاصة لا تقبل التنازل من جوه متعددة، فبينما تتشبث الحكومة الشرعية بثلاث مرجعيات للحل، ترتكز استراتيجية الانقلابيين على اللعب بعامل الوقت وانتظار التحولات الجديدة على المشهدين الإقليمي والدولي.
سياسيا، كان فشل مشاورات السلام اليمنية التي رعتها الأمم المتحدة من أبرز ملامح العام 2016، وما تلا ذلك من تداعيات أفضت إلى إعلان المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد عن خطته للسلام التي قبلها الانقلابيون ورفضتها الحكومة اليمنية بشدة واعتبرتها مكافأة للانقلاب وخروجا عن قرار مجلس الأمن الدولي 2216.
وقد ساهمت الضغوط الدولية التي مورست على الحكومة اليمنية ومنها تحركات وزير الخارجية الأميركي جون كيري في دفع الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته للعودة إلى عدن والبدء باستثمار عوامل القوة لمواجهة أي تحديات سياسية مرتقبة.
واستطاعت الحكومة اليمنية في فبراير من العام 2016 الظفر بنصر دبلوماسي إضافي من خلال إقرار مجلس الأمن الدولي لمشروع قرار بريطاني يدعو إلى التنفيذ الكامل لعملية الانتقال السياسي في اليمن، وتمديد العقوبات المفروضة ضد مسلحي جماعة الحوثيين والقوات الموالية لصالح لمدة عام آخر.
كما عمل الرئيس عبدربه منصور على ترميم البيت الداخلي للشرعية من خلال اتخاذ قرارات مبنية على التوازن في جبهة التيار المؤيد للشرعية. وقد كانت أبرز مظاهر حالة التوازن الجديدة التي رغب عبدربه منصور في إخراجها للضوء بعد فترة تردد طويلة، إقالة نائبه ورئيس الوزراء السابق خالد بحاح مطلع أبريل وتعيين اللواء علي محسن الأحمر نائبا للرئيس وأحمد عبيد بن دغر رئيسا للوزراء، وهو القرار الذي تبعه إجراء تعديل وزاري في حكومة بن دغر.
وعلى صعيد موازين القوة العسكرية شهد العام 2016 تحولا ملفتا في موازين القوى العسكرية بعد تدخل قوات التحالف العربي بشكل مباشر على الأرض، وهو ما تسبب في دفع ميليشيات الحوثي وعلي عبدالله صالح التي كانت على مشارف مدينة مأرب وملاحقتها غربا باتجاه العاصمة صنعاء التي اقترب الجيش اليمني منها بشكل غير مسبوق مع بداية العام ليتمكن الجيش الوطني والمقاومة الشعبية بدعم من طيران التحالف من إحكام القبضة على مناطق واسعة من منطقتي نهم التي توصف بالبوابة الشرقية للعاصمة صنعاء.
وبالتوازي مع هذا التقدم تمكنت القوات الحكومية من إحراز تقدم مماثل في منطقة صرواح آخر مديريات مأرب التي احتفظ بها الانقلابيون لتحويلها إلى نقطة انطلاق لهجماتهم الصاروخية التي استهدفت مأرب بشكل منتظم غير أنها لم تتسبب في سقوط أي خسائر بشرية بفضل منظومة “باتريوت” التي نشرها التحالف العربي.
الشرعية اليمنية، ممثلة في الجيش، تمكنت أيضا من التقدم في محافظة الجوف الاستراتيجية وتحرير مركزها وهي تسيطر حاليا على 80 بالمئة من مساحتها، كما تغير الواقع في محافظة تعز التي استعاد الجيش الوطني معظم مناطقها.
وفي المقابل تواصل في العام 2016 نزيف ميليشيا الحوثي وقوات عبدالله صالح التي حولت استراتيجيتها من الهجوم إلى الدفاع.
التحول العسكري الأبرز الذي شهده نهاية العام 2016 هو فتح جبهات مباشرة في محافظة صعدة التي تعد معقل الحوثيين الرئيسي، حيث تقدمت قوات تابعة للجيش الوطني والمقاومة الشعبية من مناطق “كتاف” و”البقع” و”باقم” على الحدود مع السعودية وتوغلت في مناطق صعدة التي انشغل معظم مقاتليها التابعين للحوثي بخوض معارك في جبهات أخرى داخلية وأخرى خارجية على الحدود مع السعودية، وإلى جانب الرمزية العسكرية التي يمثلها نقل المعارك إلى عقر دار الحوثيين، يحمل هذا الأمر بعدا نفسيا هاما.
وخلفت الحرب التي أشعلها الحوثيون في سبتمبر من العام 2014 كارثة إنسانية ظهرت ملامحها بشكل جلي في 2016 من خلال المجاعة التي اجتاحت بعض مناطق اليمن الأكثر فقرا. ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف، يعاني نحو 2.2 مليون طفل يمني من سوء تغذية حاد، و462 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم، أي بزيادة تصل إلى 200 بالمئة مقارنة بالعام 2014، إضافة إلى 1.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد المتوسط.
ومع تصاعد الضغوط الشعبية في المناطق التي يسيطر عليها الانقلابيون جراء ممارسات الميليشيا وعجزها عن دفع رواتب الموظفين، إضافة إلى تصاعد الاستنزاف العسكري والمالي للحوثيين وصالح، في مقابل تنامي قوة الشرعية المدعومة من التحالف العربي وترتيب صفوفها بعد عودتها للداخل، تتجه السيناريوهات المنطقية إلى انهيار جبهة الانقلاب بشكل مفاجئ مع تقدم قوات الجيش الوطني نحو أسوار العاصمة صنعاء، في ظل مؤشرات على تغير وشيك في مواقف القبائل المحيطة بها، فيما يراهن الانقلابيون على تغير مفاجئ أيضا ولكن في المواقف الدولية من قبيل ما حدث في سوريا، وهو ما يفسر ذهاب العديد من الوفود الحوثية في زيارات لموسكو قيل إن الهدف منها دفع الروس لتكرار سيناريو تدخلهم في سوريا، كما يأمل الحوثي وصالح في تغير جذري في الموقف الأميركي بعد تولي دونالد ترامب مقاليد السلطة في واشنطن، وهي كلها رهانات ضبابية يبدو أنها لن تصمد أمام ثورة جياع باتت تلوح في الأفق.