الاغتيالات..
للاغتيالات في اليمن تاريخ طويل.. لكن من المسئول عنها؟
صحت مدينة عدن الجنوبية العاصمة , صباح الأحد الـ30 من أغسطس 2015م على واقعة اغتيال لمسئول أمني رفيع , هو عبدالحكيم السنيدي رئيس عمليات جهاز الأمن في عدن منذ نحو عشر سنوات.
مسلحون مجهولون يغتالون العقيد السنيدي , إثر كمين نصبوه على بعد أمتار من منزله في حي المنصورة وسط عدن.
أطلق المسلحون وابلا من الرصاص على العقيد السنيدي الذي كان يستقل مركبته الخاصة في طريقه لحضور اجتماع للجنة الأمنية في المدينة التي تحررت الشهر المنصرم من قوات صالح ومليشيات الحوثي.
وعلى الرغم من عدم إعلان أي طرف مسئوليته عن العملية , لكن وسائل إعلام عربية ومحلية رجحت أن تكون عناصر تنظيم القاعدة , هي من تقف خلف العملية.
وعلى مدى الأيام الماضية تناقلت بعض الوكالات أنباء ظهور عناصر تنظيم القاعدة في الميناء العريق بالمدينة , وهو ما دفع إدارة الميناء إلى نفي تلك الأنباء , واتهمت نظام الرئيس اليمني المعزول علي عبدالله صالح بالوقوف وراء نشاط الجماعات المسلحة في عدن وحضرموت.
تاريخ الاغتيالات
يعود تاريخ الاغتيالات بحق رجال الأمن والجيش والساسة الجنوبيين منذ مطلع تسعينات القرن الماضي , بعد أقل من عام على توقيع اندماج فاشل بين شريكي الوحدة اليمنية بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية.
وبحسب إحصائيات حكومية فإن نحو 150 كادراً جنوبيا اغتيلوا في الأعوام الثلاثة الأولى , على تحقيق الوحدة اليمنية , برصاص عناصر مسلحة مرتبطة بتنظيم ؛ حسب مزاعم رئيس اليمن المخلوع علي عبدالله صالح.
وكانت هذه الاغتيالات قد سببت في احتجاج الرئيس الجنوبي علي سالم البيض نائب صالح , الذي احتج على عمليات الاغتيالات التي كانت تطال المسئولين الجنوبيين.
وكانت شخصيات شمالية من المحسوبة على قاعدة الجهاد , قد عادت للتو من أفغانستان إلى اليمن بقيادة رجل الدين الإخواني عبدالمجيد الزنداني وآخرين , مع توقيع الاندماج بين الدولتين الجارتين , وهو ما رجح أن تكون تلك العناصر هي من تقف خلف هذه العمليات.
يقول مسئولون جنوبيون أن عبد المجيد الزنداني ألقى محاضرة في أحد جوامع صنعاء القديمة , عقب عودته من أفغانستان التي كان يقاتل فيها إلى جانب الآلاف من العرب , السوفيت , “وحذر فيها من ما قال أنها الوحدة مع الكفار والملحدين ؛ في إشارة إلى الجنوبيين الذين كانوا دولة اشتراكية”.
اغتيال جار الله عمر أنموذجاً
في 28 ديسمبر 2002م اغتال مسلح القيادي في الحزب الاشتراكي اليمني جار الله عمر في قاعة اجتماعات كبرى في العاصمة اليمنية صنعاء خلال إلقائه لكلمة قوية في المؤتمر العام الثالث لحزب الإخوان المسلمين , نيابة عن الحزب الاشتراكي اليمني.
وقد شاهد الآلاف حول العام واقعة الاغتيال تلك , حيث رصدت كاميرات التلفزية الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وهو يقوم بتهدئة المشاركين في المؤتمر الذين انزعجوا أثناء إطلاق النار على جار الله عمر , وهو ما رجح حينها وقوف حزب الإصلاح الإسلامي خلف العملية.
الحرب الأولى على اليمن الجنوبي
احتجاج الرئيس البيض على عمليات التصفية التي كانت تنفذ بحق قيادات الجنوب , لكي يوقفها , بل أن (صالح) ذهب إلى ما هو أبعد من عمليات الاغتيالات , حيث حشد في الـ27 من إبريل شباط 1994م , في ميدان السبعين وسط العاصمة اليمنية صنعاء , قيادات الجيش وزعامات قبلية وقيادات جهادية (عناصر تنظيم القاعدة) , ليعلن فيها بدء تدشينه الحرب على الجنوب التي استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر , انتهت في السابع من يوليو باحتلال محافظات اليمن الجنوبي.
ليقوم عقب ذلك نظام صالح وشريكه حزب التجمع اليمني للإصلاح (المكون السياسي الذي انضوى تحت لواءه عناصر الجهاد في أفغانستان) , بطرد وتسريح قيادات الجيش والأمن الجنوبيين من وظائفهم , بينما استولى قادة عسكريون شماليون على العديد من المصانع الحكومية التابعة لدولة اليمن الجنوبي.
وعقب سنوات من الحرب الشمالية المدمرة لمقدارت دولة اليمن الجنوبي , عاد رجل الدين عبدالمجيد الزنداني للظهور مجدداً بعد ظهور تنظيمات جنوبية طالبت بعضها بإصلاح مسار الوحدة اليمنية وأخرى طالبت بحق تقرير المصير.
وقال الزنداني في محاضرة له حينها ” علي عبدالله صالح قال لي بأنه سيلتهم الجنوبيين , لكنه فشل” ؛ في تعليق له على ظهور تلك التنظيمات الجنوبية.
الاغتيالات تستمر
وعلى الرغم من خروج الآلاف من الضباط الجنوبيين من وظائفهم , إلا أن الاغتيالات التي كانت تتم لم تستثنهم , واغتيل العشرات من الضباط المتقاعدين والمسرحين , الاغتيالات كانت تتم بطريقة ممنهجة.
تسلم أبين لعناصر القاعدة
شهد مطلع العام 2011م , انتفاضة شعبية في اليمن ضد حكم الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بالتزامن مع ما عرف بثورات الربيع العربي , وهي حركة شعبية أطاحت بالرئيس اليمني الذي حكم اليمن نحو 33 عاماً.
حاول (صالح) حينها التشبث بالحكم , لكن قواته الأمنية قد ارتكبت الكثير من المجازر الوحشية بحق المتظاهرين اليمنيين.
وفي مايو آيار , تمكنت جماعات مسلحة مرتبطة بالقاعدة من إسقاط مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين , هذا السقوط أو التسليم , كان صالح قد سبقه بتصريحات قال فيها أنه سيترك السلطة , لكن القاعدة سوف تسيطر على الجنوب , وهو ما اعتبر حينها بأنه هو المتهم والمسئول الرئيس في تحريك تلك الجماعات المفترضة.
لكن تلك الجماعات تم إخراجها من أبين على يد ما عرف باللجان الشعبية , وهي مليشيات قبلية أنشأت في بلدة لودر الجنوبية , بدعم من الرئيس هادي ووزير دفاعه محمد ناصر أحمد.
وفي العام 2012م , تعرض صالح لمحاولة اغتيال في جامع النهدين بالعاصمة اليمنية صنعاء , وأصيب بجروح خطيرة نقل على إثرها إلى العاصمة السعودية الرياض لتلقي العلاج.
وعاد صالح بعد أن خيط السعوديون وجهه الذي مزقته قذيفة أطلقها مناوئون عليه أثناء تأديته لصلاة الجمعة في دار الرئاسة اليمنية بصنعاء.
وسلم (صالح) السلطة لنائب عبدربه منصور هادي , الذي أصبح فيما بعد رئيسا توافقيا في انتخابات عامة.
ومنذ تولي الرئيس هادي الحكم , ازدادت عمليات الاغتيالات التي تستهدف الجنوبيين دون غيرهم , وتمكنت الجماعات المسلحة المفترضة من السيطرة على مواقع عسكرية , وتسليم أخرى لها دون مقاومة من وحدات الجيش التي أغلبها موالية لصالح.
صالح وجماعة الإخوان المسلمين , لا يبرؤون من أول عملية اغتيال تتم في مدينة عدن , فجميع أصابع الاتهام تشير إلى أنهم هم من يقف خلف واقعة اغتيال العقيد عبدالحكيم السنيدي.
منذ الدقيقة الأولى لنشر خبر اغتياله , انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورته , وكتب مغردون اتهامات لحزب الإصلاح وقوات صالح بالوقوف وراء العملية , لكن ترى من المستفيد الأول من العملية.
مصادر أمنية في عدن , قالت أن كل التهم توجه للقوى اليمنية في الشمال , بما في ذلك جماعة الإخوان التي يرون.
تحدثت إلى ضابط أمن في المدينة , وسألته عن شخصية عبدالحكيم السنيدي , وقال لي انه من أفضل الكوادر الأمنية وتلقى العديد من الدورات التأهيلية في الخارج من بينها دورة في جمهورية ألمانيا الاتحادية.
تحدث الضابط عن رفيق دربه الذي قال انه كان يحلم بإعادة الأمن والاستقرار إلى عدن التي حرمت منه منذ سنوات.
ينتمى السنيدي إلى محافظة أبين مسقط رأس الرئيس عبدربه منصور هادي.
يأمل الكثير من المواطنين في عدن أن تكون هذه العملية آخر عملية في مسلسل الاغتيالات التي تطال الجنوبيين منذ اتحادهم مع اليمن الشمالي.
الرئيس عبدربه منصور هادي مطالب اليوم بأن يبذل كل الجهود لاستتاب الأمن في العاصمة عدن , وأن يلزم المقاومة الجنوبية في عدن بدفع الكثير من مقاتليها لتأمين المدينة.
فالصراع بين الجنوبيين وهادي من طرف , والقوى الشمالية من طرف آخر لم ينته بعد , ولا يزال صالح وحليفه الحوثي , وكذا وجماعة الإخوان التي تريد تحقيق مكاسب في عدن من الطرف الآخر , لم ينته بعد.
على هادي والجنوبيين أن يثبتوا للعالم أنهم قادرون على حماية بلادهم , وإفشال ما يخطط له صالح وحلفاؤه الجدد والقدامى في إرباك المشهد الجنوبي , وإدخال المدن المحررة في دوامة أخرى من الصراعات.