ترجمة..
هل تستخدم كوريا الشمالية الطائرات المسيرة في حرب مستقبلية؟

الطائرات المسيرة

أثار هجوم الطائرات المسيرة المفاجئ على المنشآت النفطية السعودية جدلًا كبيرًا حول ما إذا كان هذا هو مستقبل الصراع. لقد ازداد الجدل حول الطائرات المسيرة بصورة هائلة منذ أن بدأ الرئيس باراك أوباما الاعتماد عليها بشدة في الحرب على الإرهاب، وسرعان ما عدلت البلدان الأخرى برامجها وطوّرتها.
في الولايات المتحدة، كثيرًا ما يُقال إن "إف-35" هي آخر طائرة مقاتلة بطيار ستنتجها أمريكا. الطائرات المسيرة أرخص؛ حيث يمكنها التحليق فوق ساحة المعركة لساعات طويلة؛ ولعل الأكثر أهمية هو أنها إذا جرى إسقاطها، لا يوجد طيار بشري ليموت أو يؤخذ أسيرًا، وهذا شيء جذاب على الصعيد السياسي. إنه يضمن أن أحداثًا مثل محاكمة فرانسيس جاري باورز أو سجن الطيارين الأمريكيين خلال حرب فيتنام لن تتكرر أبدًا. لقد أصبح المسار السياسي ذو المقاومة الأقل للضربات الجوية هو استخدام الطائرات من دون طيار بدلًا من الطائرات المأهولة.
أما بالنسبة للقوى الأصغر، مثل كوريا الشمالية أو إيران، تقدّم الطائرات المسيرة فائدتين إضافيتين. أولًا، نظرًا لأن الطائرات المسيرة غير مكلفة نسبيًّا، فإنها تفتح إمكانية منافسة الهيمنة الجوية الأمريكية، وهذا التحدي لا يزال صغيرًا بكل تأكيد، لكن في البيئات حيث يكون التفوق الجوي الأمريكي شبه كامل، تفتح الطائرات المسيرة مساحة وإمكانيات جديدة، وهذا حتمًا سيكون جذّابًا.
وتقوم الهيمنة الجوية الأمريكية على برامج ضخمة التكلفة مثل الطائرات المأهولة، وحاملات الطائرات، والقواعد الجوية الكبيرة.. الخ، كما تقدّم الطائرات المسيرة طريقة رخيصة لإجراء الاستطلاع – مثل ما أوضحت الهجمات على المنشآت السعودية - لمهاجمة حلفاء الولايات المتحدة في بيئة جوية غير متماثلة. ونظرًا لأن القوة الجوية لكوريا الشمالية متأخرة كثيرًا عن القوة الجوية الإيرانية بسبب العقوبات والوقود المحدود للتدريب، قد تكون جاذبية الطائرات المسيرة لكوريا الشمالية مرتفعة جدًا.
ثانيًا، تخلق الطائرات المسيرة غموضًا حول ما إذا كان استخدامها يشكل عملًا حربيًا. إن تحليق الطائرات المأهولة فوق مجال جوي سيادي هو انتهاك واضح ومقبول على نطاق واسع، كما أن الكثير من الصراعات الماضية شهدت ذلك، ونحن نعرف ما يعنيه هذا، لكن قواعد القوة الجوية الآلية المستقبلية لا تتمتع بهذا الإجماع. ويمكن أن تزعم الدول، بقدر من الصحة، أن طائرتها المسيرة كانت في المجال الجوي الدولي، أو أن المتحكم لم يعلم أين كانت الطائرة، أو أن مشكلات في البرمجيات أخرجتها عن مسارها، وما إلى ذلك. باختصار، تقدّم الطائرات المسيرة إمكانية للإنكار أكثر بقليل من الطائرات المأهولة، ونحن نرى قدرًا كبيرًا من هذه الظاهرة في الصراع السيبراني، فمعايير الفضاء السيبراني أقل وضوحًا بكثير من تبادل النار التقليدي.
هذا، وتستغل الدول المارقة، مثل إيران وكوريا الشمالية، تلك المناطق الرمادية لضعف الإجماع العالمي فيما يخص أنه ينبغي اعتبار أعمالهم هناك جديرة بالرد التقليدي، ونحن بالفعل نرى هذا في التردد حول كيفية الرد على هجوم الطائرات المسيرة على السعودية، وعمليات الاختراق الكورية الشمالية.
وبالنسبة إلى كوريا الشمالية تحديدًا، ربما تفتح الضربة السعودية بعض الخيارات الجديدة. فمن الناحية التقليدية، لا تتمتع كوريا الشمالية بتفوق عسكري في السماء، حيث تفتقر بشدة أيضًا لقدرات الاستطلاع الجوي، لا سيما بالمقارنة مع تحليق طائرات يو-2 وتغطية القمر الصناعي التي تقوم بها الولايات المتحدة (واليابان) فوق كوريا الشمالية، فقد كانت كوريا الشمالية ترسل فعلًا طائرات من دون طيار بكاميرات بدائية فوق المجال الجوي الكوري الجنوبي منذ 2014 على أقل تقدير، ومن شبه المؤكد أن هذا سيستمر.
إن الطائرات المسيرة رخيصة بما يكفي لكي تكون ضمن موارد كوريا الشمالية المحدودة، وموازنة التباين الهائل في المعلومات بين الاستطلاع الجوي للولايات المتحدة وكوريا الشمالية يجعل الطائرات من دون طيار أكثر جاذبية، ولا يهتم الكوريون الشماليون بقواعد السيادة على المجال الجوي، خاصة فيما يتعلق بكوريا الجنوبية. لقد استفزت كوريا الشمالية نظيرتها الجنوبية على طول المنطقة منزوعة السلاح وخط الحدود الشمالي لعقود، ولن تتوقف الآن، وتستثمر سيول، أخيرًا، في الإجراءات المضادة.
مع هذا، الاحتمالية الأكثر إثارة للقلق هي أن تقلّد كوريا الشمالية الضربة الإيرانية على السعودية، ولا شك أن الطائرات من دون طيار تسمح لكوريا الشمالية بتوسيع نطاق استفزازاتها البرية والبحرية التقليدية على طول المنطقة منزوعة السلاح وخط الحدود الشمالي إلى السماء، وهذا بدوره سيوّسع منطقة العمليات لسوء السلوك الكوري الشمالي؛ وسوف تدخل قائمة جديدة من الأهداف المحتملة في نطاقها. في العادة، تحدث الاستفزازات الكورية الشمالية على الحدود مباشرة، ربما لأن بيونج يانج تفتقر للقدرة على الضرب في العمق، لكن هذا القيد سيُرفع الآن، وستستطيع الطائرات المسيرة الكورية الشمالية الآن التوغل أكثر في كوريا الجنوبية قبل إحداث الدمار.
وأخيرًا ما يعزز هذه الاحتمالية هو قُرب أضخم تكتل حضري لكوريا الجنوبية من الشمال، حيث يضم ممر سيول – جيونجي -إنتشون نحو 60% من إجمالي سكان كوريا الجنوبية، ويقع البيت الأزرق – مقر الرئيس الكوري الجنوبي – على بُعد 23 ميلًا من المنطقة منزوعة السلاح، في حين يقع مركز الثقل لكوريا الجنوبية متاخمًا للحدود، ما سيقدّم الكثير من الأهداف المغرية التي يصعب الدفاع عنها للطائرات المسيرة الكورية الشمالية.
إن أي هجوم خطير لطائرات مسيرة على طول المنطقة منزوعة السلاح - خط الحدود الشمالي سيتم عزوه على الفور إلى بيونج يانج؛ لذلك أي ضربة واسعة النطاق، مثل تلك التي شُنت على السعودية، مستبعدة هنا، لكن الطائرات من دون طيار توّسع المجال أمام التحرش الكوري الشمالي طويل الأمد بكوريا الجنوبية، وهذا، في المقابل، يزيد من إمكانية أن تخرج أحد هذه الاستفزازات عن السيطرة وتؤدي إلى صراع خطير لا تحمد عقباه.