تهديدات للتجار والمصارف بالعقوبة وسحب التراخيص..

يمنيون: حتى فتات الأموال لم يعد يستخدم في العاصمة اليمنية صنعاء

حوثيون

صنعاء
لم تترك أم أحمد الوصابي (35 عاماً) أي متجر أو صيدلية قريبة من منزلها في حي الصافية بالعاصمة صنعاء للحصول على علبة من حليب الأطفال لرضيعها الذي لم يتجاوز الثانية من عمره، لكنها عادت منكسرة القلب بعدما طافت المدينة بدموعها بسبب رفض الباعة قبول المبلغ المالي الذي تحمله من الفئات النقدية.

أم أحمد وغيرها من اليمنيين أصبحوا ضحايا قرار الميليشيات الحوثية منع تداول فئات العملة اليمنية المطبوعة خلال السنوات الثلاث الأخيرة من قبل الحكومة اليمنية الشرعية في عدن، ورفض الجماعة التراجع عنه بعد شهر من اتخاذه رغم تحذيرات اقتصاديين بكارثيته إنسانياً وتسببه في حرمان عشرات آلاف الموظفين من الحصول على رواتبهم، ومفاقمة شح السيولة النقدية. يقول سكان في صنعاء وخبراء اقتصاديون إن فتات الأموال أو تلك المبالغ البسيطة التي وردت إلى بعض الأسر بعد دفع مرتبات التقاعد لم تعد لها طريقة للاستخدام بعد الحظر الحوثي.

واتخذت الجماعة القرار قبل نحو شهر، ضمن سعيها لمحاربة الحكومة الشرعية بسحب الفئات النقدية المطبوعة حديثاً عبر البنك المركزي في عدن، ومنحت مهلة شهراً للسكان من أجل تسليم ما بحوزتهم من أموال، ووعدت بأنها ستقوم بتعويضهم ضمن سقف محدد إما بمبالغ نقدية من الفئات القديمة المتهالكة، وإما عبر ما تسميه «الريال الإلكتروني».

وزعمت قيادات انقلابية (الأحد) عبر فرع البنك المركزي في صنعاء الخاضع لها أن قرار منع تداول العملة لقي تفاعلاً كبيراً، وأن السكان استجابوا للقرار بعدم التعامل مع العملة التي تصفها بـ«غير القانونية»، وأنهم بادروا طوعاً إلى تسليم ما بحوزتهم منها، وتسلم مقابلها فئات من العملة التالفة القديمة.
وخصصت الجماعة منذ إعلان قرارها الكارثي نقاطاً عدة في صنعاء وغيرها من المناطق لسحب العملة الجديدة، في حين نشأت سوق سوداء موازية يشرف عليها قادة حوثيون؛ بحسب مصرفيين في صنعاء، للاستيلاء على المبالغ الموجودة في أيدي المواطنين مقابل منحهم من فئات العملة القديمة، وبنقص يصل إلى حدود 20 في المائة.

وتوعدت الجماعة في بيان لفرع البنك المركزي في صنعاء ببدء شن حملات لمصادرة أي مبالغ من العملة الجديدة بعد أن انقضت المدة المحددة وهي شهر لتسليمها طوعاً من قبل المواطنين.

وفي حين زعم البيان أن القطاع التجاري في مناطق سيطرة الجماعة التزم بالقرار، شدد على أهمية الاستمرار في رفض تداول العملة الجديدة من قبلهم وإلا فستطال متداوليها عقوبات الجماعة.

وهددت الجماعة القطاع المصرفي وبنوك وشركات ومنشآت الصرافة بأن أي تداول للعملة المطبوعة حديثاً سيكلفهم سحب التراخيص والإحالة للمحاكمة، زاعمة أن هذه الإجراءات التعسفية هدفها «حماية الاقتصاد الوطني ومنع التضخم».

وفي الوقت الذي تحاول فيه الجماعة أن تفرض التعامل بما أطلقت عليه «الريال الإلكتروني» للتغلب على مشكلة شح السيولة النقدية كما تزعم، رفض أغلب التجار والسكان في مناطق سيطرتها التعامل به خوفاً على أموالهم من الضياع، خصوصاً في ظل عدم وجود أي سند قانوني يدعم هذا التدبير الانقلابي.

اقتصاديون يمنيون بينوا كارثية القرار الحوثي على المستويات الإنسانية والاقتصادية والسياسية، خصوصاً في ظل تسببه في حرمان عشرات آلاف الموظفين في مناطق سيطرة الجماعة من رواتبهم التي كانت تدفعها الحكومة الشرعية إلى ما قبل صدور القرار الحوثي وإحجام المصارف والبنوك عن تحويل الأموال من الفئات الجديدة من المناطق المحررة إلى مناطق سيطرة الانقلاب.
وأكد «فريق الإصلاحات الاقتصادية» في اليمن (مبادرة طوعية تتألف من نخبة من القطاع الخاص والخبراء الاقتصاديين) في بيان له أن القرار الحوثي يتسبب في تداعيات خطيرة «حيث سيؤدي إلى مزيد من الانكماش الاقتصادي وزيادة معاناة المواطنين اليمنيين ويكبد القطاع الخاص والاقتصاد اليمني خسائر فادحة».

معالجة هذه القرارات؛ بحسب الفريق الاقتصادي، «تأتي في إطار الحل السياسي الشامل الذي يفترض أن يتجه إليه اليمنيون بأقرب فرصة ممكنة»، داعياً إلى ضرورة العمل على حل عاجل لتفادي مزيد من الخسائر الأكثر تكلفة على المستويات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وما قد يترتب عليها من الدخول نحو مراحل أكثر عمقاً من المجاعة وتفشي الأوبئة القاتلة والكوارث.

وطالب الفريق الحوثيين «بتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية في العدول عن القرار لما سيسببه من إعاقة للنشاط الاقتصادي ومضاعفة المعاناة لحركة تنقل البضائع والسلع والنقود بين المحافظات اليمنية في وقت يعيش فيه المجتمع اليمني أسوأ حالات الفقر والركود».

ومنذ قيام الحكومة الشرعية بنقل البنك المركزي إلى العاصمة المؤقتة عدن في سبتمبر (أيلول) 2016 وطباعة الفئات النقدية الجديدة من العملة لتوفير السيولة في الأسواق ودفع رواتب الموظفين، شنت الجماعة مئات الحملات لنهب المليارات منها ومنع دخولها إلى مناطق سيطرتها.

وتضطلع الحكومة الشرعية منذ بدأت في ترتيب تدابيرها الاقتصادية بصرف رواتب جميع موظفي الدولة في مناطق سيطرتها إضافة إلى صرف رواتب المتقاعدين في مختلف مناطق البلاد، فضلاً عن دفع الرواتب في مناطق سيطرة الحوثيين للقضاة وأعضاء النيابة وموظفي القطاع الصحي والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة إلى جانب دفع نصف رواتب أساتذة الجامعات، وكذا دفع رواتب الموظفين في الحديدة وبعض مديريات محافظة حجة.

ويعتقد اقتصاديون يمنيون أن قرار الجماعة الحوثية منع الفئات النقدية المطبوعة في عدن من التداول هدفه في الأساس حرمان عشرات الآلاف من رواتبهم في مناطق سيطرتها والإبقاء على أزمة السيولة النقدية التي تسببت فيها لإجبار السكان على التعامل بعملتها الوهمية التي أطلقت عليها «الريال الإلكتروني».

ويقول مصرفيون في صنعاء لصحيفة الشرق الأوسط "إن الجماعة الحوثية، اتخذت هذا القرار بعد أن أصبحت الفئات النقدية المطبوعة من قبل الحكومة الشرعية بالمليارات في الأسواق، نظراً لتهالك الفئات القديمة وشح السيولة منها، وهو ما يعني أنها فقط تهدف للاستيلاء على هذه الأموال، ومنح المواطنين أموالاً وهمية تسميها «الريال الإلكتروني»."

وأوضح المصرفيون أنه يفترض أن يحدث العكس، «حيث يتم سحب الأموال التالفة من الأسواق ومن التجار، بالتفاهم مع الحكومة الشرعية لطباعة فئات بديلة لها وفق القانون، لا سحب الأموال الجديدة، وإغراق السوق بالفئات النقدية التالفة».

ويرجح المصرفيون أن الجماعة الحوثية وعبر وكلائها والتجار التابعين لها يحصلون على الفئات الجديدة، سواء بمصادرتها من التجار أو المصارف أو المواطنين أو سحبها مقابل «الريال الإلكتروني» الوهمي، ثم يقومون بشراء البضائع العينية من مناطق سيطرة الشرعية بهذه الأموال أو شراء العملات الأجنبية.

كما يعتقد أن سبب ارتفاع صرف قيمة الدولار في المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية عن مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يعود لإقبال الجماعة والشركات التابعة لها على شراء العملة الصعبة مقابل الفئات الحديثة من العملة المحلية المطبوعة عبر الحكومة الشرعية.

وكان البنك المركزي اليمني في عدن أصدر تحذيرات شدد فيها على عدم الانصياع لقرار الميليشيات، وقال إن «عدم قبول العملة الوطنية المصدرة من الجهات الرسمية والمخولة دستورياً وقانونياً، يعد مخالفة يعاقب عليها القانون».

وطلب البنك من «كافة البنوك الالتزام بالقوانين النافذة والتعليمات الصادرة عن البنك المركزي، بشأن القواعد التنظيمية لتقديم خدمات النقود الإلكترونية التي تلزم البنوك الترخيص المسبق لإصدار نقود إلكترونية».

في السياق نفسه؛ أكدت الحكومة اليمنية أن «وسائل الدفع الإلكترونية غير القانونية التي أعلنت عنها الميليشيات الحوثية كوسيلة نهب لأموال المواطنين، لا يمكن بموجبها استعادة الأموال المنهوبة بأي شكل من أشكال العملات النقدية المحلية أو الأجنبية، وهو ما يخالف ضوابط وأساسيات الإصدار النقدي الإلكتروني المعروف عالمياً».

وقال رئيس الحكومة معين عبد الملك في تصريحات رسمية سابقة إن «استمرار السياسات التدميرية للجماعة الحوثية لضرب الاقتصاد الوطني وتهديد الأمن القومي والمعيشي للشعب اليمني، وآخرها منع تداول العملة الجديدة الصادرة عن الحكومة الشرعية، يضع المجتمع الدولي والأمم المتحدة أمام محك حقيقي لوضع حد للتلاعب والمتاجرة بحياة المواطنين وتعميق الكارثة الإنسانية التي تسببت بها».

وأوضح عبد الملك أن «اتخاذ ميليشيات الحوثي الانقلابية هذه الخطوة في ظل مساعي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للضغط عليها لتنفيذ الشق الاقتصادي الخاص باتفاق استوكهولم، لتوريد الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن ودفع مرتبات موظفي الدولة، يعكس استهتارها بحياة اليمنيين ومعيشتهم».

وشدد رئيس الوزراء اليمني على الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن، مارتن غريفيث، والمجتمع الدولي، للضغط على الجماعة، للكفّ فوراً عمّا وصفها بـ«سياسات الإفقار والتجويع التي تنتهجها لتحقيق مكاسب سياسية على حساب معيشة وحياة المواطنين».