أصدر ديوانا يحوي قصائده القديمة..
الروائي عمار علي حسن: الشعر كان باب دخولي إلى الأدب كقارئ
الروائي عمار علي حسن
في وقت يهجر الشعراء القصائد ذاهبين إلى كتابة الرواية، أبدى الروائي والقاص والباحث في علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن حرصا على إصدار ديوان شعر يحوي قصائد كتبها قبل ربع قرن تقريبا لم يسع إلى نشرها من قبل، فيما واصل نشر كتبه السردية والعلمية، التي وصلت الآن إلى عشر روايات وثماني مجموعات قصصية وسيرة ذاتية سردية وقصة للأطفال وخمسة وعشرين كتابا في الاجتماع السياسي والنقد الثقافي والتصوف. حول هذه التجربة الشعرية أجرينا معه هذا الحوار:
بداية أكد عمار على أن هذه تجربة سابقة لمساره الروائي والقصصي والعمل البحثي، وقال "بدأت مسيرتي الأدبية شاعرًا، فكتبت قصائد عدة في أيام الصبا، لم أسع إلى نشرها، وأخذتني القصة القصيرة ثم الرواية من الشعر. وكتبت بالتوازي مع الشعر مقالات كان ملهمي فيها د.زكي نجيب محمود، الذي كان يكتب عن قضايا فلسفية بأسلوب أدبي بديع. لكن بقي كل هذا دون نشر، بينما توالت نشر رواياتي ومجموعاتي القصصية وكتبي في النقد الثقافي والاجتماع السياسي والتصوف.
وحول ما ورد في سيرته الذاتية التي نشرت في كتاب "مكان وسط الزحام" وإشارته إلى كتابة مجموعة قصصية في البداية وتسليمها لتنشر في سلسلة "إشراقات أدبية" التي كانت تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب، ثم توقفت السلسلة، وتخليه عنها بعد أن كتب ما هو أفضل منها، حسب قوله، سألنا عمار لماذا لم يتخل عن الشعر أيضا؟ فقال "الأمر مختلف، فأنا من الذين يعتبرون الشعر أكثر ألوان الأدب رسوخًا ورهافة وصعوبة، وتلك القصائد كانت تشكل جزءا أكثر التصاقا وعمقا من نفسي وروحي، وقد بقيت معي، وصارت أثمن، لأني لم أواصل الشعر، بينما تقدمت في السرد، وكتبت ونشرت ما هو أفضل بالطبع من البدايات. وواصلت دراساتي العليا حتى حصلت على الدكتوراه في العلوم السياسية، وتحولت أبحاثي المطول إلى كتب.
وأضاف "فارقت القصائد على مدار ربع قرن، بشكلها الفني المتعارف عليه، سواء كانت عمودية أو حرة أو نثرية، لكن روح القصيد حضر بوضوح في ثنايا سطوري السردية، ولم يفارقني خيال الشاعر وجسارته في سطوري العلمية. وكان هذا أمرا مشتركا بين الكتابات النقدية التي تناولت أعمالي السردية، حيث كان الجميع يأتي على ذكر الشاعرية الحاضرة في النص بوضوح.
أما عن الأسباب التي دفعته ليقرر الآن خروج تجربته الشعرية إلى النور، فأكد عمار "كنت مترددا في هذا كثيرا، بعض الأصدقاء قالوا لي: أنت واصلت السرد، وصرت بين الناس معروفا كروائي وقاص، وهناك من يتحدث عن شاعرية كتاباتك بما فيها المقالات الصحفية، وهذا يكفي. لكن هناك من رأوا العكس تماما، ومن بينهم شعراء ونقاد كبار، قرأوا القصائد، وأبدوا إصرارا على ضرورة نشرها، وشجعوني على المضي قدما في هذا الاتجاه، فنزلت على رأيهم. وأجد الآن أنه قد يكون مفيدًا، على الأقل بالنسبة لي، خروج تجربتي الشعرية البعيدة إلى النور، بعد أن هجرتها، وهو هجران يضنيني؛ وهي قصائد من "أغاني الصبا" نقلتها من ورق قديم، ونقحتها، دون إخلال بمضمونها، كي تبقى كما كانت ناطقة باسمي في زمن جميل مضى، يجرفني الحنين إليه دون انقطاع".
انطلاقا من هذا السؤال: دخولك إلى المشهد الشعري بعد ترسخك كروائي وقاص وباحث وناقد أيضا للشعر ألم يشكل لك خوفا أو قلقا؟
ورأى أنه ليس هناك ما يدعو لقلق أو خوف لدخول المشهد الشعري بعد ترسخ تجربتي الروائية والقصصية، وقال "هذا هو ديواني الأول، وقد يكون الأخير، وهو ليس ابن أيامنا، إنما نتاج أيام بعيدة، ومن يريد أن يحكم عليه يجب أن يعرف هذا الشرط ويدركه ويلتزم به، وسيكون حكمه عني كشاعر في أول الطريق، ويمكن أن ينتهي إلى نتيجة تقول إنني لو واصلت على درب الشعر فكنت سأصبح شاعرا بارزا، ويمكن أن ينتهي إلى نتيجة أخرى هي أن انتقالي إلى كتابة القصة والرواية كان أفضل لي. أنا أتقبل الرأيين أو الموقفين، وأتعامل معهما بصدر رحب. وأعتقد أن هذه التجربة ستجد موضعها مستقبلا في إطار التقييم الكلي أو الشامل لمساري الأدبي، وقد يكون هذا أحد الأسباب التي جعلت هناك من شجعني على إصدار الديوان، وقال لي: ليرى النقاد والباحثون الذي يعدون أطروحات علمية حول أعمالك الروائية والقصصية جانبا من نصك السردي في إطار نصك الشعري".
جاء إهداء الديوان لافتا، حيث قال عمار "إلى أيام كان الشعر فيها قبلتي، وخبأته، كأي شيء نفيس جدًا، لكن آن له الظهور على براءته وعفويته التي قام عليها، حتى وإن كنت قد ذهبت بعيدًا عنه".. فما الذي قصده من إهداء هكذا، أجاب "إنني مدين لهذه الأيام البعيدة، لسبب بسيط، هو أن الشعر كان باب دخولي إلى الأدب كقارئ أولا، ثم كاتب. فمنذ الطفولة كنا منشغلين بالقصائد، ففي طابور الصباح كان هناك من يقرأ قصائد شعراء كبار، كجزء من التثقيف. وكان ناظر مدرستنا الابتدائية يكتب قصائد وطنية أحيانا ويطلب منا أن نلقيها، وكان يمكن لتلميذ أن يُلقي قصيدة بسيطة كتبها على قدر قريحته، فيحظى بتصفيق كل زملائه. ولم يكن بالطبع متاحا لأحد أن يقرأ قصة قصيرة أو جزء من رواية. ورغم أنني قرأت في سن مبكرة قصصا للأطفال وبعض الملاحم مثل "حمزة البلهوان" وتابعت السيرة الهلالية كاملة في إذاعة الشعب، فإن الشعر ظل موجودا على التوازي مع هذا المسار، ولم ينقطع، حتى بعد أن انتقلت إلى قراءة المسرحيات والمجموعات القصصية والروايات".
وتابع "أيام أن كنا في الجامعة كنا نحرص على متابعة الدواوين الجديدة التي تصدر تباعا ونقرأها ونتناقش حولها، بقدر حرصنا على تبادل القصائد، أو إلقائها في جلسات المساء وبعض حفلات الكلية أو الجامعة، ونشرها في مجلات الحائط، وبعضنا كان يحرص على التواصل مع المجلات والصحف لاسميا مجلة "الشعر" و"إبداع" أو "الشباب" لنشر ما يكتبه، وهناك من نشر بالفعل قصائد، ثم لم يلبث أن هجر الشعر".
وأوضح عمار "ديواني كُتب قبل أن تأخذ قصيدة النثر طريقها، وتستوي على سوقها مثل حالها الآن، فأيام قصائدي كان رواسب النزاع بين القصيدتين العمودية والحرة لا تزال موجودة. وقتها كنت أتذوق قصائد المتنبي وشوقي وناجي جنبا إلى جنب مع قصائد صلاح عبد الصبور وأمل دنقل وبدر شاكر السياب ومحمود درويش ومحمد الماغوط. فلما أخذت قصيدة النثر طريقها تفاعلت معها بإيجابية شديدة، كمتذوق أو ناقد، وتفهمت منطقها الذي يرفض أن يحضر الذهن ساعيا إلى ترتيب القوافي أو الموسيقى التي يصنعها الوزن فيفسد عنفوان الوجدان أو السجية والعفوية حين تأتي متدفقة، لكنني طيلة الوقت كنت قادرا على التفرقة، في إبداعها، بين الأولياء والأدعياء.
ورأى عمار أن "الشعر في أزمة شديدة لأسباب بعيدة كل البعد عن جمالياته الفنية وتطوراته اللافتة تفعيلة ونثرا، فتوزيع الدواوين بات ضئيلا لأغلب الشعراء، مهما كانت القيمة والقامة، ولذا لا تقبل دور النشر علي الشعر، ولا أماكن عرض الكتب، وعلى التوازي تراجع حضور القصائد في أي فعاليات ثقافية واجتماعية، وهو أمر مؤسف، كم أتمنى أن يزول".


