تعامل الحكومة الشرعية غير الحكيم..

كيوبوست: معارك أبين.. إلى أين تتجه بالأزمة اليمنية المعقدة؟

بالتزامن مع معارك أبين.. القوات الجنوبية تؤمن شوارع عدن

أبين

في التاسع عشر من مارس الماضي غرَّد سفير السعودية لدى اليمن قائلاً: “ليس من المقبول أن تكون هناك قوات تابعة للشرعية تجري مناورات عسكرية في شقرة، ويتحدث قادتها العسكريون عن ساعة الصفر”.

جاء ذلك عقب قيام قوات تابعة للحكومة الشرعية في اليمن بمناورات عسكرية في أبين؛ وهي المناورات التي لم تؤدِّ إلى استفزاز الحزام الأمني والمجلس الانتقالي فحسب، بل ضربت باتفاق الرياض التاريخي عرض الحائط في ما يبدو أنه سعيٌّ من الحكومة الشرعية، وقوات حزب الإصلاح الموالية لها، لاستنزاف إمكانات وموارد التحالف العربي وحلفائه في معارك جانبية في جنوب اليمن، وإلهائهم عن المعركة الحقيقية التي تدخلوا من أجلها، وهي معركة إنهاء التمرد الحوثي، وإعادة الشرعية اليمنية إلى صنعاء.

الزحف نحو عدن

وتتضح معالم إصرار القوات التابعة للشرعية على تحويل الحرب نحو الجنوب من خلال سحب قواتها من الجوف ومأرب؛ حيث يجب أن تكون، تاركةً تلك المناطق لقمة سائغة للمتمردين الحوثيين.


شهودُ عيان في أبين أفادوا بمرور تعزيزات عسكرية اتجهت إلى شقرة والعرقوب في 20 مارس الماضي، وكان أفرادها يرفعون علم الجمهورية اليمنية، بينما يرفع أفرادٌ آخرون علم تنظيم القاعدة الأسود، ويرتدون الزي الأفغاني الذي تميزت به عناصر الجماعات الإرهابية.

وكما هو معروف، فإن مشاركة العناصر الإرهابية مع قوات الشرعية والإصلاح ليس أمراً مستغرباً؛ نظراً لتصورهم المشترك عن الجنوبيين بأنهم “كفرة”، كما وصفهم أحدُ الإعلاميين المحسوبين على الشرعية ويدعى نقيب عبدالرحمن المصري، والذي صرح بأن قوات “مأرب” جاهزة لاجتياح عدن واحتلالها والاحتفال فيها بذكرى الوحدة اليمنية في 22 مايو هذا العام. وهو تهديد أطلقه أيضاً القائد الأول حرس رئاسي التابع للشرعية، سند الرهوة، خلال عرض عسكري نهاية مارس في شقرة بأبين.

وعلى الرغم من أن جهود الوفد السعودي الممثل لقيادة التحالف العربي، في أبريل الماضي، قد هدفت إلى إقناع القيادة التابعة للشرعية بالانسحاب الجزئي من أبين، والالتزام ببنود اتفاق الرياض؛ فإن تعنت قيادة الشرعية قد أفشل تلك الجهود.


وحتى بعد فشلها، حاولت لجنة من المشايخ والشخصيات الاجتماعية، من أبين، تقريب وجهات النظر بين قوات الشرعية والمجلس الانتقالي، تبعتها جهود أخرى من قِبل لجنة التهدئة بين الانتقالي والشرعية، ونجحت في التوصل إلى اتفاق مبدئي لسحب قوات الشرعية القادمة من شبوة، والعمل على تنفيذ اتفاق الرياض، إلا أن ذلك الاتفاق لم يصمد، وتأزم الوضعُ إلى ما نراه اليوم من معارك ضارية في أبين.

وكما هو واضح من تسلسل الأحداث، فإن قوات الشرعية، حزب الإصلاح، والعناصر الإرهابية تؤمن بأن سيطرتها المُطلقة على عدن أكثر أهمية بكثير من تحرير الجوف وغيرها من الأماكن القابعة تحت نفوذ الحوثي.

خيبة أمل

لقد كان اتفاق الرياض محط آمالٍ طموح لتجنيب اليمن، بالذات في الجنوب، صراعات دموية قد تدوم طويلاً؛ لكن تعامل الحكومة الشرعية غير الحكيم، وغير المسؤول، مع الاتفاق أدى إلى إعاقته. استمرار فشل الدولة في حماية شعبها، وتقديم الخدمات الأساسية، وتواصل الفساد وشلل مؤسسات الدولة، يؤدي إلى انتعاش الجماعات الإرهابية والتدهور الاقتصادي، وربما كان كل ذلك من ضمن ما أجبر المجلس الانتقالي الجنوبي على إعلان الإدارة الذاتية للجنوب، نهاية أبريل الماضي، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.


وبغض النظر عن مدى حِكمة تحركات المجلس الانتقالي، فإن المعركة في الجنوب ستكون مكلفة ودموية إن استمرت حتى يُذعِن فيها طرفٌ الآخر؛ فعلى الرغم من صِغر حجم أبين نسبياً -مقارنة بأغلب محافظات الجنوب- فإنها تشبه حقل ألغام بشري، فبالإضافة إلى نفوذ قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، يوجد بها أيضاً خليط من عناصر تنظيم القاعدة، وعناصر محسوبة على الشرعية، وعناصر أخرى من قوات حزب الإصلاح، إضافة إلى قوات مختلطة أو غير واضحة، وهي عناصر يمكن أن تبدل ولاءاتها بسرعة.

إن لبيئة أبين خصوصية دينية متطرفة؛ فلطالما كانت أحد أهم معاقل تنظيم القاعدة، وبها أكثر معسكراتها نشاطاً. فيها أنشأ تنظيم القاعدة أولى إماراته الإسلامية “وقار”. وفيها تمكن تنظيمُ القاعدة من قتل العشرات من قوات الحزام الأمني منذ عام 2016، ومنها يُعتقد خروج جيش أبين عدن المزعوم في آخر الزمان، وقد أُنشئت جماعةُ “جيش عدن أبين الإسلامي” منذ منتصف التسعينيات في جنوب اليمن بناءً على هذه العقيدة. وعليه، فمن المحتمل أن تُسهم هذه العواملُ، إضافة إلى خبرة المقاتلين المتطرفين بالمنطقة، في تعقيد الموقف واستعصائه عن الحل لفترة طويلة.

من الشائع تدخل الدول الخارجية في مساعدة الدول الفاشلة كاليمن؛ للقضاء على حركات تمرد، أو إيقاف حربٍ أهلية أو غيرها من مظاهر أو أسباب فشل الدول وانهيارها؛ ولكن مساعي الدول الخارجية غالباً ما تتبدد ولا تكون ذات جدوى عندما تكون الدول المُضيفة غير راغبة في التوصل إلى حل وإعادة بناء مؤسساتها، ولا أدلّ على ذلك مما هو حاصل في اليمن؛ حيث يؤدي تقاعس الدولة، وعلاقاتها بالمتطرفين وأمراء الحرب، إلى إطالة أمد الصراع.

كيوبوست