وقفت الإمارات إلى جانب الشعب اليمني..
كيوبوست: مواقف إماراتية تاريخية لن ينساها اليمن
أعادت الوساطة الإمارتية الأخيرة بين اليمن وإريتريا، إلى الأذهان الدورَ الريادي لأبوظبي، والذي طالما حرصت على أدائه لتعزيز الاستقرار والسلام في اليمن؛ ففي مثل هذه الظروف التي يمر بها اليمن اليوم، يصبح أي صراع جديد هو أكثر ما لا يتمناه البلد الذي تمزقه الاضطرابات منذ أكثر من عقد من الزمان.
وُجد الخلاف اليمني-الإريتري حول أرخبيل جزيرة حنيش في البحر الأحمر منذ نيل إريتريا استقلالها وعضوية الأمم المتحدة. تطور الخلافُ من مرحلة التفاوض بين الجانبين إلى نزاع مسلح قصير في عام 1995، وذلك بعد أن قامت شركة يمنية-ألمانية بالشروع في بناء مركز سياحي بالجزيرة يضم مدرسة للغوص؛ تم النظر إلى المشروع بطريقة عدائية من قِبل إريتريا التي أصدرت إنذاراً فورياً إلى القوات اليمنية المرابطة على الجزيرة لحماية المشروع؛ لكنّ اليمنيين لم يستجيبوا للإنذار، ما أسفر عن اندلاع معارك جوية وبحرية بين الجانبين أدت إلى مقتل 12 جندياً إريترياً و15 جندياً يمنياً، وأسر ما يقرب من 185 جندياً يمنياً، وحُسمت المعركة لصالح إريتريا.
حاولت صنعاء الاعتماد على دبلوماسيتها ووساطة عدة أطرف؛ بينها السعودية ومصر والإمارات والجامعة العربية وفرنسا، وأخيراً محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي؛ لحل الخلاف، وفي نهاية المطاف قررت المحكمة أن معظم الأرخبيل يتبع السيادة اليمنية.
تجدد الخلاف
ادعت مصادرٌ مختلفة وجود عدة أسباب وراء الهجوم الإريتري على جزيرة حنيش الكبرى في عام 1995، ومن تلك الادعاءات الدعم الإسرائيلي لإريتريا من أجل إتاحة امتلاك الأولى قاعدة استراتيجية لها على الجزيرة؛ ومنها الادعاء بعجز صنعاء عن رد ثمن مساعدات إثيوبية-إسرائيلية كانت قد تلقتها أثناء حرب الانفصال في عام 1994، وهناك ادعاءات أيضاً بوجود ثروة نفطية في البحر الأحمر كانت وراء الصراع.
وبغض النظر عن الدوافع الحقيقية وراء الصراع، فإن الثابت هو الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر، وموقع الأرخبيل على الجانب الجنوبي له بالقرب من باب المندب. يعتبر البحر الأحمر من أهم ممرات الملاحة الدولية؛ كونه يربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، وهو معبر رئيسي لتصدير نفط الخليج إلى الأسواق العالمية، كما توجد في أقصى شماله قناة السويس التي تربطه بالبحر الأبيض المتوسط.
وعلى الرغم من إقرار المحكمة بملكية اليمن للأرخبيل منذ التسعينيات؛ فإن أسباباً كامنة للخلاف لا تزال قائمة كما يبدو؛ ففي الثالث من يونيو الجاري قال رئيس جمعية شباب الخوخة التعاونية السمكية بمحافظة الحديدة الواقعة على البحر الأحمر: إن قوات إريترية على متن ثلاثة زوارق حربية أوقفت 25 قارب صيد يمنياً على متنه أكثر من 100 صياد. وحسب خالد زرنوقي، في تصريح أدلى به إلى صحيفة “الأيام” الصادرة من عدن، فإن القوات الإريترية قد أفرجت لاحقاً عن بعض الصيادين، بينما واصلت احتجاز آخرين. وفي سياق منفصل، وحسب الصحيفة، نقلاً عن مصدر عسكري، فإن قوات بحرية من الجيش الإريتري قد دخلت في ذلك اليوم إلى عمق المياه اليمنية، في انتهاكٍ واضح للقوانين والاتفاقات الدولية.
الجيش اليمني يعلن القبض على زورقين ارتريين وهروب اثنين -MEO
وكرد فعل على الانتهاكات الإريترية، سيطرت قوات يمنية في اليوم التالي على زورقين يحملان 8 جنود إريتريين بعد دخولهم المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر، وذلك حسب إفادة ألوية العمالقة الجنوبية والقوات اليمنية المشتركة في الساحل الغربي. وبهذا تصبح هذه الحوادث مؤشراً على جولة جديدة من الصراع بين اليمن وإريتريا، وقد تدخَّل على إثرها التحالف العربي؛ ففي تصريح له لوكالة الأنباء الصينية “شينخوا”، قال مصدر مسؤول في مصلحة خفر السواحل اليمنية: إن وساطة قادتها دولة الإمارات العربية المتحدة، ممثلة للتحالف العربي، للتهدئة بين اليمن وإريتريا، وقد أسفرت الوساطة عن إطلاق سراح سبعة أفراد من العسكريين بالبحرية الإريترية مقابل ضمان أبوظبي إطلاق إريتريا جميع الصيادين اليمنيين المُعتقلين لديها.
مواقف إماراتية تاريخية
عند اندلاع أزمة حرب الانفصال في اليمن بين الجنوب والشمال، قام وفدٌ يمني بمعية عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس مجلس النواب اليمني، حينها، بزيارة الإمارات العربية المتحدة والسعودية؛ من أجل الحصول على موقف مُنصِف أو محايد منهما، أو قيامهما بدور صلح ووساطة، وقد كان رد رئيس دولة الإمارات، آنذاك، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، على عبدالله بن حسين، بعد أن استمع إلى كل حججه، هو: “الوحدة لا تُفرض بالقوة والحرب”، وقد وبَّخ الشيخُ زايد عبدالله الأحمر، بقوله: “أنتم تجبَّرتم واعتديتم عليهم”؛ أي على الجنوبيين، وذلك حسب ما ذكر الشيخ عبدالله الأحمر في مذكراته. وعلى الرغم من أن موقف الشيخ زايد لم يُعجِب الطرف اليمني بطبيعة الحال؛ فإنه تعبير واضح عن نهج الشيخ زايد والإمارات السلمي الذي يُقدس السلام، وينبذ الاعتداء على الآخر، ويؤمن بأن الاتفاق هو جوهر التوحد بين الشعوب.
كان للإمارات دور بارز أيضاً في التوسط لحل الخلافات الحدودية بين اليمن والسعودية معظم فترة التسعينيات؛ والتي زادت من حدتها وعدائيتها مشكلات أخرى؛ منها موقف اليمن من حرب الخليج الثانية. أدّى عبدالله بن حسين الأحمر، بلا جدوى، دوراً في حل تلك الخلافات، تبعته جهود وساطة مصرية بالتعاون مع سوريا؛ لكن الوساطة الإماراتية التي قادها الشيخ زايد دفعت بحق إلى مرحلة جديدة في المفاوضات؛ حيث أدت دوراً فاعلاً لتمهيد الطريق أمام خبراء قانونيين من الجانبين، السعودي واليمني؛ للتوقيع على مذكرة تفاهم.
ومنذ اندلاع الأزمة الأخيرة في اليمن، دأبت الإمارات بقوتها العسكرية، ومهاراتها الدبلوماسية، وذراعها الإنسانية المتمثلة في “الهلال الأحمر” على تقديم العون إلى اليمن في كل النواحي. وحسب مايكل نايتس، من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، فإن “الاستقرار الذي نعمت به مناطق الجنوب؛ مثل حضرموت وشبوة وعدن وساحل البحر الأحمر، يُعزى بشكل كبير إلى الوساطة والتحكيم الإماراتيين المستمرَّين بين الفصائل المسلحة، والتي لا تتشارك بالضرورة أهدافاً خارج نطاق محاربة قوات الحوثيين”.
وحتى قبل اشتداد الأزمة في اليمن، حرصت أبوظبي على استضافة اجتماع مجموعة أصدقاء اليمن الأول في 2010، وهو تكتل دولي رئيسي للمانحين يهدف إلى دعم اليمن وبناء أمنه واستقراره. شارك في الاجتماع ممثلون من عشرين دولة بالإضافة إلى اليمن، وممثلون عن كيانات إقليمية ودولية أخرى؛ بينها صندوق أبوظبي للتنمية ومؤسسة خليفة بن زايد للأعمال الخيرية.
الخلاصة:
يدل النهجُ الإماراتي في اليمن على الإيمان الراسخ بأهمية السلام والإصلاح والتنمية، وهو إيمان نابع من تجربة اتحاد مزدهر وفريد قاده الشيخ زايد، أول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة، ومؤسس أول فيدرالية عربية حديثة.