محاولات اضعاف المحور الأمريكي - السعودى..
تقرير: ماهي المحفزات الخفية وراء استهداف الحوثيين السعودية؟
تكررت خلال الفترة القليلة الماضية هجمات جماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا على الداخل السعودى؛ حيث أعلنت هذه الجماعة في 23 يونيو الجارى استهداف وزارة الدفاع والاستخبارات، فضلاً عن قاعدة الملك سلمان الجوية، أعلن تحالف دعم الشرعية باليمن في 13 من الشهر ذاته اعتراض صاروخ باليسيتى اطلقته جماعة الحوثي المدعومة إيرانيًا من محافظة صعدة باتجاه مدينة نجران السعودية.
يتوازى ذلك، مع تكرار ذلك أكثر من مرة في السابق، وكأن هذه الميليشيا المسلحة مصرة على تهديد أمن الرياض؛ حيث قامت هذه الجماعة باستهداف عدد من المدنيين بمدينة خميس مشيط في 1 يونيو 2020 ومدينة نجران في 27 مايو من العام ذاته، الأمر الذى نتج عنه خسائر في بعض المنشآت وإصابات طفيفة لعدد من المدنيين.
فعلى الرغم من إعلان جماعة الحوثى أن الأسباب الحقيقية وراء ذلك تتمثل في الوجود السعودى في اليمن وتهديد مصالح هذه الجماعة، إلا إنه من الواضح أن هناك عدد من المحفزات الخفية التى تقف وراء ذلك يمكن توضيحها فيما يلى:
أولاً- تهديد الأمن القومي السعودى
تهدف الهجمات الحوثية المتكررة على الداخل السعودى إلى إيصال رسالة مباشرة إلى المملكة العربية السعودية مفادها أن هذه الميليشا المسلحة المدعومة من طهران قادرة ليس فقط على تهديد مصالح الرياض في الشرق الأوسط، بل في الداخل السعودى أيضًا. ويأتى ذلك على خلفية التهديد الذى يمثله تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية لجماعة الحوثى ولاسيما فيما يتعلق بعرقلة الجهود الإيرانية للسيطرة على أكبر عدد من دول المنطقة بشكل عام واليمن بشكل أخص.
والجدير بالذكر، أن هذه الهجمات الحوثية على الداخل السعودى ليست الأولى من نوعها؛ حيث قامت هذه الميليشيا بقصف منشآتا نفط تابعتين لشركة أرامكو السعودية في سبتمبر لعام 2019، الأمر الذي تمخض عنه الكثير من التداعيات السلبية مثل نقص المعروض من النفط وارتفاع سعره في السوق العالمى(1).
فعلى الرغم من إنكار إيران لمسؤوليتها عن هذا الحادث، وهو الأمر الذى صدرت بشأنه عدة اتهامات متبادلة بين كل من الرياض وطهران على هامش اجتماعات الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر سبتمبر لعام 2019، إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جويتريش أكد في 12 يونيو 2020 على أنه ثبت من خلال التحقيقات أن الهجمات التي استهدفت شركة أرامكو السعودية خلال العام الماضي، تمت بصواريخ إيرانية، وعقب على ذلك خلال جلسة إطلاع لمجلس الأمن حول تفاصيل الهجوم، قائلاً:" عدة قطع ضمن أسلحة ومواد متعلقة بها صنفتها الولايات المتحدة الأمريكية في نوفمبر 2019 وفبراير 2020 على أنها من أصل إيراني"، مضيفًا "خصائص تصميم بعضها مشابهة لتلك التي أنتجها كيان تجاري في إيران، وتحمل علامات فارسية، وتم تحويل بعضها إلى إيران بين فبراير 2016 وأبريل 2018، هذه القطع ربما نُقلت بطريقة لا تتسق مع قرار مجلس الأمن لعام 2015 المنصوص فيه على الاتفاق بين طهران والقوى العالمية لمنعها من تطوير أسلحة نووية"(2).
ثانيًا- اضعاف المحور الأمريكي - السعودى
لطالما تؤكد الولايات المتحدة الأمريكية على أهمية التضامن والتحالف مع المملكة العربية السعودية في مواجهة التهديدات الإيرانية في المنطقة وهو الأمر الذي اتضح في بيان وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" في 28 مايو 2020 والذى ذكر أن القوات الأمريكية تحتفظ بقدرات قوية في مسرح العمليات بالمنطقة، وقادرة على معالجة أي حالات طارئة تتعلق بتهديدات إيران، من خلال الشراكة الدفاعية طويلة الأمد مع الرياض، والتعاون معها في مكافحة الإرهاب(3).
كما تعمل كل من واشنطن والرياض بمساعدة تل أبيب على تطويق النفوذ الإيرانى في المنطقة، وهو ما يتضح من خلال الضربات الإسرائيلية المتلاحقة على المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا، مما أجبرها على خفض قواتها وإخلاء قواعد عسكرية لها هناك، فضلاً عن التطويق الإعلامى والسياسي الذى تقوم به كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية لجماعة الحوثي في اليمن، ولاسيما فيما يتعلق بانتهاكها لحقوق الإنسان والأنشطة التخريبة التى تقوم بها من قبيل السرقة والنهب والإتجار في المخدرات(4).
في المقابل، تعول طهران من خلال هجماتها العسكرية المتلاحقة على الداخل السعودى بواسطة جماعة الحوثي على عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على ضمان أمن المملكة العربية السعودية وأن تحالف هذه الأخيرة مع واشنطن لا جدوى منه في هكذا ظروف، فضلاً عن رغبتها في تطويق النفوذ السعودى- الأمريكي في المنطقة وهو الأمر الذى اتضح في تنديدها بتوافق هذا المحور مع رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمى لمحاولة جذب السياسة العراقية بعیداً عن الدولة الإيرانية.
ولا يمكن أن ينفصل جَل ما سبق عن التضامن بين الرياض وواشنطن فيما يتعلق بالسعى لتمديد حظر السلاح على إيران وهو الأمر الذي من المقرر انتهاءه في أكتوبر 2020، وتبرر الولايات المتحدة الأمريكية ذلك بمحاولة تقييد حرية إيران على خلفية توريدها السلاح للميليشيات المسلحة التابعة لها في العواصم العربية ولاسيما العراق واليمن؛ حيث تعمل هذه الميليشيات على تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة وتهديد الأمن القومى السعودى، وهو الأمر الذى تستنكره طهران مشيرة إلى أن انتهاء حظر السلاح يعتبر أحد مستحقاتها الرئيسية بموجب الاتفاق النووي، الذى لم تعد واشنطن طرفًا فيه بعد خروجها منه في مايو لعام 2018 .
ثالثا- إبراز قوة طهران الإقليمية
لطالما تعتبر إيران المملكة العربية السعودية بمثابة المنافس الأهم والتقليدي لها في المنطقة، على خلفية امتلاك طهران لمشروع سياسي أيديولوجى يتمثل في السيطرة على أكبر عدد ممكن من دول المنطقة من خلال مجموعة من الميليشيات المسلحة المنتشرة في معظم العواصم العربية، والعمل على نشر المذهب الشيعى في مقابل السنى، وهو الأمر الذى ترفضه الرياض كليًا. وتحاول طهران من خلال ذلك الترويج لبعض المبادئ التى جاءت بها الثورة الإيرانية في عام 1979 من قبيل "نصرة المستضعفين" والقضاء على ما يسمى بـ "قوى الاستكبار العالمي".
علاوة على ذلك، تحاول طهران أن تحظى بدعم الشارع العربي وإبراز دورها كرمز للمقاومة في مواجهة هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الدولى وإسرائيل على المستوى الإقليمي من خلال التأكيد على مساندتها لبعض القضايا التى تخص الشأن العربي مثل القضية الفلسطينة ودعم جماعة "حزب الله" في مواجهة التهديدات التى تمثلها تل أبيب على الجنوب اللبنانى.
---------------------------------
المصدر| المركز العربي للبحوث والدراسات