قناعة فكرية..

بحث: قطر.. حل التنظيم والبقاء على الإخوان!

أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يقبل رأس القيادي الإخواني يوسف القرضاوي

ميدل ايست أونلاين (لندن)

تعامل الإخوان القطريون مع تساؤلاتهم وإشكالاتهم بجدية ووضوح وعلمية، فتم تفويض مجموعة منهم بدراسة هذه الأسئلة والإشكالات وتم استحضار فكر الشيخ حسن البنا وتجربته وتقييمها داخل مصر وخارجها، وانتهت هذه الدراسة عام 1991، وتكونت الدراسة من جزأين، وخلصت في قسمها الثاني الذي لم ينشر إلى أن فكر حسن البنّا لم يحدّد بدقة الموقف من الدولة، مثل: المشاكل الداخلية للدولة - الحكومة - الإدارة - الاقتصاد - الأمن - نظرية العلاقات الدولية، الاقتصاد - التعليم.

خلاصة بحث مصطفى عاشور 'الإخوان المسلمون في قطر'، ضمن الكتاب 43 (يونيو/حزيران2010) 'الإخوان المسلمون والسلفيون في الخليج' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

ودرس هؤلاء الإخوان القطريون الإخوان كمنظمة تحت عنوان "منظمة الإخوان"، فكان تشريحا فكريا وتنظيميا للإخوان من حيث الهيكل، ونظم الاتصال، والتعاون البيني داخل المنظمة، والقيادة، والثقافة السائدة داخل المنظمة، والجمهور المخاطب من حيث طبيعته وطبيعة الخطاب الموجه له، وتكاليف الصراع الذي دخلته، وهل يمتلك الإخوان خطة فعلية يتحركون على هديها ويسترشدون بمراحلها؟ وتوصل القطريون، بعد هذا الجهد العلمي والبحثي، إلى قرار عام 1999 بحل التنظيم وتم تبليغ ذلك إلى الإخوان المسلمين في مصر.

هل أن قرار حل تنظيم الإخوان يرجع إلى قناعة فكرية بعدم جدوى التنظيم، في ظل محافظة المجتمع الدينية، والوفرة المادية، وغياب السياسة بمعناها التنافسي والصراعي؟ وبالتالي يصبح وجود التنظيم في هذه الحالة هو نوع من تحميل الواقع ما لا يحتمل، وتقمص أدوار إخوانية ليس لها محل أو إمكانية للعيش والاستمرار في مثل المجتمع القطري، الذي لم يعرف الحزبية ولا يشهد دواعي إقامتها!

فاستنساخ التجربة الإخوانية التنظيمية المصرية في مثل المجتمع القطري تصبحأمراً غير ذي جدوى؛ فمجتمع الجزيرة العربية يعاني من خمول المجتمع المدني، وهو ما يشجع على فكرة التحول لتيار يقدم الخدمات المختلفة للجماهير دون أي لافتة تنظيمية واضحة أو مستترة.

إن أكثر ما مميز التجربة القطرية الإخوانية، التي انتهت 1999، أنها كانت تجربة عادية تلقائية، لم تتحكم فيها العاطفة الإسلامية أو اليوتوبيا السياسية، ولم تتحكم بها (لوائح تنفيذية) أو قوانين أو رسميات، فالقطريون يرون أن اللوائح والقوانين والرسميات تعيق النمو الطبيعي العفوي للجماعات.

من يراجع أفكار الدكتور جاسم سلطان المسؤول عن حل تنظيم الإخوان 1999 سيلحظ أن الرجل يرى أن المسألة "ليست في موضوع وجود تنظيم من عدمه، بل الموضوع الرئيس هو في جدوى فعل معين، ومدى قابليته لتحقيق ما يعد به".

محدودية دور السياسة داخلياً

تحتاج قضية التنظيم داخل الحركة الإسلامية إلى قدر من النقاش، فطبيعة الدولة الخليجية، الحديثة التكوين والتقليدية، تعاني من محدودية دور السياسية فيها، وهو ما يجعل قضية حل تنظيم جماعة الإخوان في قطر قضية ثانوية لا يجوز تعميم نتائجها لاعتبارات موضوعية، لكن هذا لا يمنع أن جاسم سلطان طرح فكرة مهمة تحتاج إلى قدر من النقاش والتحرير، وهي مسالة علاقة أي تنظيم حركي بفكرة ما. ويبدو أن ما طرحه يؤكد أن أي صيغة تنظيمية لها مبررات أوجدتها وأدوار ووظائف لابد أن تلعبها، وجدوى من وجودها، فإذا لم توجد المبررات وغاب الدور وانتفت الجدوى يصبح التنظيم أو تلك المؤسسة فاقدة الصلاحية في الحياة والاستمرار ولابد من إعلان وفاتها.

وقضية تأطير الدعوة الإسلامية في شكل منظم بطريقة ما، أصبحت تلقى قدراً من الانتقاد والتشكيك في جدواها وما جلبته من مصالح ومنافع للحركة الإسلامية، يقابلها، في الوقت ذاته، قدراً من الدفاع الشرس عن الهياكل المتوارثة داخل الحركة الإسلامية، حتى وإن فقدت صلاحيتها.

وما بين الحدين يمكن فهم ما انتهجه جاسم سلطان، ودوره في حل الوجود المنظم للإخوان في قطر، وما يطرحه في مشروعه عن النهضة، وهو مسألة الجدوى من أي فعل منظم داخل الدعوة باعتباره فعلا غير مقدس وقابل للنقد والمسائلة والمحاسبة، لأن التجارب لا تأخذ شرعيتها من السماء ولكن من قدرتها على الإنجاز في الأرض، فالقدر ليس الشماعة التي يعلق عليها الناس أخطائهم وقصورهم وتراخي أدوارهم.

إن فكرة التنظيم في الإخوان ليست فكرة قائمة على طائفية أو حزبية؛ ولكنه تنظيم يحقق ترابطا قويا بين أفراده من خلال الترابط بينهم في جوانب الحياة المختلفة، من خلال الترابط الحياتي والاجتماعي، فالفرد لا يعيش حياة عادية ثم يلتقي بإخوانه في بعض الأنشطة الدعوية ولكنه ينتمي للتنظيم ويعيش فيه الكثير من جوانب حياته، وهو ما يجعل البناء مترابطا، لأنه يقوم بكل الأدوار في حياة العضو، ومادام الفرد يعش في التنظيم فإنه يكرس حياته له، وبالتالي فالتنظيم متماسك اجتماعيا.

أما جاسم سلطان فكان في رؤيته يسعى إلى تفكيك التلاحم، الذي حدث في فترات معينة، ونتيجة لضغوط معينة بين تجربة الحركة الإسلامية والهياكل التي أنشأتها والأدوات، التي استخدمتها في الدعوة والأفكار التي طرحتها على جماهيرها وعلى الناس، وبين حقيقة النص الديني المقدس المنزه، فلا تقديس لتجربة إنسانية. فالتجربة خاضعة للتقييم والنقد والتطوير والإضافة والحذف والإلغاء والتجاوز، لأن ارتباطها الأساسي يكون بجدواها ومدى قدرتها على الإنتاج، وهو ما يحرر العقلية الإٍسلامية والحركية من تقديس ميراث الآباء المؤسسين، ويكون التمسك الرئيس بمنهجيتهم في التعامل مع مشكلاتهم وقضاياهم وفقا للنصوص المقدسة.

قطر غدت مستقراً لزعامات الإخوان

فالحالة الإسلامية أطلقت مشروعها، وفي ذهنها مسلمات معينة، وبالتالي كان عليها أن تعيد إنشاء البناء المصغر للخلافة في بنيتها وتشكيلاتها؛ ولذا أخذت تنشئ المنظمات الشاملة، وهذا المنطق كان مقبولاً في حينها؛ لأن مسلمته الثانية أن هناك فراغا أو إمكانية إحداث فراغ حتى يحتله هذا المشروع الإسلامي، ثم يبسط أجنحته على الحياة، فتعود الدولة الإسلامية ابتداءً، ثم دولة توحيد الخلافة بشكل لاحق.

خشية الاصطدام مع الدولة

رأى جاسم سلطان المسؤول عن التنظيم في قطر أن هذه الأفكار اصطدمت بفكرة أن الواقع ليس فيه فراغ؛ لا على المستوى المحلي، ولا على المستوى الإقليمي، ولا على المستوى العالمي، فهناك دولة مركزية، وأينما وُجدت الدولة المركزية ستصطدم بهذه البنى الموجودة، وهذا الذي حدث، فهذه البنى بتشكيلاتها التي أنشأتها، وبأدبياتها التي أنشأتها لإسعاف هذه المنظومة اصطدمت بواقع صلب جعلتها تدفع تكاليف ضخمة جدا، فتم استنزافها في هذا الصراع، وبعد ذلك تم تفريغ طاقاتها، ثم دُفعت في مساحات العنف حتى تستهلك بقية طاقاتها، ثم على مساحة الأرض التي تعمل فيها أصبحت محاصرة حصارا شديدا، هذا النوع من التفكير يحتاج إلى مراجعة المسلَّمات التي انطلق منها هذا المشروع.

رأى جاسم أن انتقال مشروع الحركة إلى مناطق العالم الإسلامي انتقلت معه هذه المسلَّمات والأشكال التي أوجدتها هذه المسلمات؛ فهذه المسلمات إذا لم تكن صلبة بما يكفي وتتم مراجعتها ستنتج لنا نفس المشاكل التي أنتجتها في الفترات السابقة، فهناك خبرة عملية، تدفع إلى إعادة التفكير في مسألة التنظيم بعد تلك الصدامات المكلفة، وأن المراجعات يجب ألا تتوقف عند حدود الأفكار بل تتعداها إلى الأشكال التنظيمية؛ وهذا ما تم في الحالة القطرية.

ربما كانت حالة جماعة الإخوان في مصر أحد المداخل، ليعيد الإخوان في قطر التفكير في وجود التنظيم واستمراره في قطر ثم حله عام 1999. فبعض من أجرى الدراسة عن جماعة الإخوان في قطر أشار إلى أن الإخوان في مصر تحوّلوا إلى إسفنجة تمتص كل الطاقات وتجمّدها، وأنهم ساهموا في تجميد الأوضاع داخل البلد بما يخدم النظام المصري، وأن الإخوان في مصر فقدوا البوصلة، وأنهم انشغلوا بالفعل اليومي والصراع على النقابات والأندية والاتحادات الطلابية والسيطرة على المساجد، ونسوا أهدافهم الإستراتيجية في النهوض بالأمة، وإذا كان القلب أصابته تلك الأمراض فلابد أن ينعكس ذلك على الأطراف.